جاكي خوجي يكتب – جاءوا ليبددوا الظلام

معاريف – بقلم جاكي خوجي – 7/12/2018
منذ سنين وأنا أتابع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو يتحدث في المواضيع السياسية. فخطاباته هي لغز مليء بالاشارات. واضح لكل من يسمعه بانه لديه ما يتوق لان يرويه لنا نحن المواطنين ولكنه يمتنع عن ذلك لاسباب امن المعلومات. ولما كان الحال هذا، فانه يكتفي بالقليل ولا يعطي الا تلميحات. صياغاته حريصة، لغته عالية ودقيقة، وهو لا يمتشق تلميحاته بل يختارها مسبقا. احيانا يكون ممكنا لنا أن نعرف ما يختبىء خلفها واحيانا لا. يوم الثلاثاء خرج نتنياهو مرة اخرى على الجمهور وأعلن عن الحالة لتدمير الانفاق على الحدود اللبنانية. بعد أن عرض الشريط الذي يستبق فيه نشيط من حزب الله الى النفق ويهرب للنجاة بروحه، قال نتنياهو مرتين انه في هذه القصة المخفي اعظم.
لا توجد سبل كثيرة لتفسير هذه الجملة. فالقسم الخفي من هذه الحملة يتعلق بشركائه المخفيين. اسرائيل ليست وحدها في المعركة امام حزب الله، وهذه المعركة لا تقف بحد ذاتها. فهي جزء من حملة دولية واسعة لتقليص النشاط العسكري لايران وحليفتها اللبنانية. وتقود اسرائيل هذه الرحلة. ولكنها ليست وحدها. الحصار، مثل كل حصار، يدار في جملة اتجاهات. تصفية الانفاق هو قص ساق واحدة لحزب الله. ومقابل ذلك، تعمل اسرائيل منذ اكثر من سنة لضرب الايرانيين في سوريا. وبالتوازي نجحت ايضا في ربط الولايات المتحدة في مساعي اسقاط الاتفاق النووي مع ايران، وقلب الجرة رأسا على عقب في فرض عقوبات تجارية وبيتية عليها.
صحيح أن اسرائيل تقود الحملة، تصوغ قواعدها وتنسق بين اعضائها، ولكن الولايات المتحدة هي لكمتها الساحقة. يمكن تشبيهها برحلة بحرية لسفينة كبيرة تجرها سفينة. القسم الخفي الذي يلمح به رئيس الوزراء هو الدول الاخرى المشاركة، اضافة للولايات المتحدة. فالحديث يدور عن دول عربية، بعضها ليس لها علاقات رسمية مع اسرائيل ودول غير عربية. هذه الشراكة تجعل النشاط ضد ايران وحزب الله على الحدود اللبنانية، في سوريا وفي اماكن اخرى حملة دولية واحدة.
انتم مدعوون لربط تفاصيل لوحة الفسيفساء هذه وتركيب الصورة. فمثلا تلك المكالمة الهاتفية من رئيس الوزراء الى البيت الابيض والتي ناشد فيها ترامب عدم المس بولي العهد السعودي بعد قتل الصحافي جمال خاشقجي، لان السعودية هي ذخر استراتيجي. كان هذا تسريب نادر من “واشنطن بوست”، والذي اخرج من الخزانة تماما العلاقات السرية بين القدس والرياض وكشفت عن طبيعتها.
الشرق الاوسط هو غابة وليس فيه وجبات مجانية. فاذا كان نتنياهو ساهم في شيء ما في نجاح محمد بن سلمان من براثن ترامب (ولا يهم لماذا قرر ترامب في النهاية تبرئته) فمعنى الامر هو ان اسرائيل بحاجة ماسة الى ولي العهد السعودي. كما انه بحاجة الى رديفه، ولي عهد اتحاد الامارات، محمد بن زايد. وكذا للبحرينيين. وكذا لزعماء آخرين.
ترى هذه الدول فرصة لهز ايران وضربها، ولهذا فقد راهنت على التقرب من اسرائيل. وهذا التقرب كفيل بان يجسد لها الحلم الاكثر رطوبة، ويضعف التهديد الاكبر على وجودها. في مدرج الاولويات بين هذين الامرين، فان مقاطعة على التطبيع اقل اهمية لها بكثير. فمع كل الاحترام، يمكن لفلسطين ان تنتظر. وعلى اي حال الفلسطينيون انفسهم، كما يبدو احيانا، لم يقرروا ما الذي يريدونه من اسرائيل.
سيناريو هوليوودي
بعد سنتين من فهمهم بان المعركة لاسقاط نظام البعث في سوريا فشلت، وجدت دول الخليج السنية فرصة لاضعاف المعسكر الايراني بواسطة آخرين. لعب لها الحظ، وفي واشنطن وقع تحول، ودخل الى البيت الابيض رئيس تفانى للمعركة بكل قلبه. الحرب العسكرية، الفظة والبشعة، التي ادارتها هذه الدول ضد بشار الاسد وحدها، حلت محلها معركة خفية، ذكية ومتعددة القنوات. ولهذا فقد وضعت اسرائيل كقائدة عليها، واعطتها مباركة الطريق.
اليوم، في كل زاوية تكافح فيها اسرائيل ضد الايرانيين – في الساحة العسكرية، الاقتصادية، القانونية او الدبلوماسية – تقف تحت تصرفها حليفاتها المؤقتة من بين دول المنطقة. عندما يقول حسن نصرالله ان مؤامرة صهيونية امريكية تنسج ضد محور المقاومة، ويشتم البحرينيين والسعوديين – فهو لا يخطيء. فحملة تتجاوز الحدود تجري ضده وضد من يعطونه الرعاية في طهران، وهي توجد في ذروتها. وتدار هذه الحملة في الاساس من القدس ومن تل أبيب. كيف ستساهم السعودية، او اتحاد الامارات او غيرهما في المعركة بقيادة اسرائيل لتقليص النشاط العسكري لايران في سوريا، في لبنان وفي اماكن اخرى؟ شغلوا خيالكم. القاعدة هي على النحو التالي: الواقع بعيد الاثر دوما، عاصف ومفاجيء اكثر مما يصيغه افضل كُتّاب السيناريو في هوليوود.
يوم الدفع
أمس هبط في مطار بن غوريون الوسيط القطري محمد العمادي مع حقائب الدولارات. 15 مليون دولار نقدا، مخصصة لـ 28 الف موظف حكومي في غزة ولـ 5 الاف عائلة محتاجة اخرى. ومن مطار بن غوريون وصل الى حاجز ايرز وسلم الحقائب لرجال حماس. وسيدعى المستحقون لتلقي رواتبهم في مراكز البريد في القطاع وفقا لبطاقات استحقاق ارسلت اليهم. سيبقى العمادي في القطاع كي يشاهد توزيع المال، وبعدها يقلع عائدا الى بلاده. وستكون هذه الارسالية الثانية من بين ست ارساليات تدخل الى القطاع في اطار الاتفاق الرباعي بين اسرائيل، قطر، حماس ومصر.
وبالتوازي يمول القطريون السولار لمحطات توليد الطاقة في غزة، والذي اشتري في اسرائيل ويدخل بناقلات النفط عبر معبر كرم سالم. المدى الزمني للصفقة ستة اشهر، وينتهي في نهاية نيسان. حتى ذلك الحين، كما تأمل الاطراف، ستتوفر آلية دائمة.
في الاشهر الاخيرة كتبت هنا بتوسع عن الاتصالات غير المباشرة بين اسرائيل وحماس. هذه الاتصالات عرفت صعودا وهبوطا. والان، بعد نحو شهر ونصف الشهر من التوقيع على الاتفاق، يمكن التهنئة بنجاحه. حاليا، بالطبع. من هنا يمكن للطرفين ان يسيرا به في كل اتجاه يرغبان فيه. فاذا ارادا، يمكنهما ان يعودا الى المشادة، واذا ارادا يمكن أن يطوراه ويمدداه.
لا يمكن ان نعرف ما الذي ستولده 2019 على حدود غزة. ولكن شيئا واحدا واضح. الطرفان توافقا جيدا في هذه الصفقة. هذا الاسبوع اتهمت رئيسة المعارضي تسيبي لفني بان نقل حقائب الدولارات الى حماس هو عمل فزع. اما في غزة بالمقابل، فيدعون تجاه حماس بانها استسلمت لاسرائيل وعطلت سلاح البالونات، الا انها لم تهتم الا لنفسها. في الحالتين النقد صحيح. حماس بالفعل حرصت على نفسها، واسرائيل منحت حماس مالا نقديا باليد. ولكن حقيقة هي انه منذ 1 تشرين الثاني، لم يحرق اي حقل في الاراضي الاسرائيلية، ولم يقتل اي متظاهر فلسطيني.