ترجمات أجنبية

توماس فريدمان يكتب –  بايدن  .. على صواب في أفغانستان

توماس فريدمان  –  27/8/2021

على مدى سنوات، استخدم المسؤولون الأميركيون عبارة مختصرة لوصف مهمة أميركا في أفغانستان. وقد كانت تزعجني دائما: «إننا هناك من أجل تدريب الجيش الأفغاني على القتال دفاعا عن حكومته». ولكن تبين الآن أن تلك العبارة المختصرة تحيل إلى كل ما هو خاطئ بشأن مهمتنا: فكرة أن الأفغان لم يكونوا يعرفون كيف يقاتلون وأن درسا آخر إضافياً في محاربة التمرد من شأنه أن يفي بالغرض ويؤدي المطلوب. أحقا؟

الواقع أن التفكير في أنك في حاجة لتعليم الأفغان كيف يقاتلون أشبه بالتفكير في أنك في حاجة لتعليم سكان جزر المحيط الهادئ كيف يصيدون السمك. فالأفغان يعرفون كيف يقاتلون. لقد حاربوا بعضهم بعضا، وحاربوا البريطانيين والسوفييت والأميركيين لوقت طويل جدا. والحال أن الأمر لم يكن يتعلق أبدا بالطريقة التي يقاتل بها حلفاؤنا الأفغان، وإنما كان يتعلق دائما بمدى استعدادهم للقتال دفاعا عن الحكومات الفاسدة الموالية للولايات المتحدة والغرب التي ساعدنا على إقامتها في كابول.

ومن البداية، كان لدى قوات «طالبان» الأصغر – التي لم تكن تدرِّبها أي قوة عظمى – الإرادة الأقوى، إلى جانب امتياز النظر إليها باعتبارها تقاتل من أجل أركان القومية الأفغانية: الاستقلال عن الأجنبي والحفاظ على الإسلام الأصولي كأساس للدين والثقافة والقانون والسياسة. ففي البلدان التي تعرضت للاحتلال عدة مرات مثل أفغانستان، سيفضّل الكثيرون شعبهم كحكام (مهما كانوا سيئين) على الأجانب (مهما كانت نواياهم حسنة). وفي هذا الصدد، يقول مايكل ماندلبوم، الخبير في السياسة الخارجية الأميركية ومؤلف كتاب «فشل المهمة.. أميركا والعالم في عصر ما بعد الحرب الباردة»: «مرة أخرى، نتعلم من أفغانستان أنه إذا كانت أميركا تستطيع وقف حدوث أشياء سيئة في الخارج، فإنها لا تستطيع جعل أشياء جيدة تحدث».

كل هذا يقودنا إلى سؤال مؤلم وأساسي، ألا وهو: هل مثّلت المهمة الأميركية هناك فشلاً تاماً؟ هنا أود أن أشير إلى إحدى قواعدي الثابتة بخصوص تغطية الشرق الأوسط: أنه عندما تحدث أحداث كبرى، فعلى المرء أن يميّز دائما بين الصباح التالي والصباح الذي بعد الصباح التالي. ذلك أن كل شيء مهم حقا يحدث في الصباح الذي بعد الصباح التالي – عندما ينزل التاريخ وتوازنات القوة عديمة الرحمة بكامل وزنهما لتأكيد نفسيهما. وكذلك ستكون أفغانستان — بالنسبة لكل من «طالبان» والرئيس جو بايدن. ولنبدأ بـ«طالبان». فاليوم، لديهم احتفال كبير في الصباح التالي، إذ سيقولون لأنفسهم إنهم هزموا قوة عظمى أخرى.

ولكن هل ستقوم طالبان بكل بساطة باستئناف ما كانت تقوم به من النقطة التي توقفت عندها قبل 20 عاما – إيواء تنظيم «القاعدة»، وفرض نسختهم المتشددة من الإسلام، وإخضاع النساء والفتيات وإساءة معاملتهن؟ وهل ستنخرط في محاولة مهاجمة الأهداف الأميركية والأوروبية على ترابها؟ الحقيقة أنني لا أعرف. ولكن ما أعرفه هو أنهم ورثوا للتو مسؤولية عن كل الأفغان. وقريبا سيواجهون ضغطا كبيرا جدا لتوفير النظام والوظائف للأفغان. وهذا سيتطلب مساعدات واستثمارات خارجية من بلدان لدى الولايات المتحدة تأثير كبير عليها. ثم إنه مع رحيل الولايات المتحدة، سيتعين على طالبان أيضا البحث عن سبل نجاتها وبقائها حية أثناء العوم وحيدة مع بعض أسماك القرش الحقيقية – باكستان، الهند، الصين، روسيا، إيران.

وبالتالي، فقد يرغبون في الإبقاء على رقم هاتف البيت الأبيض على مقربة. وفي هذا السياق، قال توماس راتيج ضمن ورقة ل«مركز محاربة الإرهاب» التابع لأكاديمية ويست بوينت العسكرية، نقلا عن صحيفة «واشنطن بوست»: «إن طالبان ما بعد 2001 أثبتت أنها تنظيم يتعلم وسياسي أكثر ومنفتح أكثر على تأثير العوامل الخارجية». سنرى. والواقع أن المؤشرات المبكرة — كل أنواع الانتهاكات الخاصة بطالبان – ليست واعدة، ولكن علينا أن نراقب كيف سيبسطون سيطرتهم وما إن كانوا سيبسطونها بشكل كامل. وإذا كانت نقطة الخلاف الرئيسية لطالبان مع أميركا هي أننا كنا في بلدهم، فإننا سنرى ما سيحدث بعد أن نرحل. أما بالنسبة لفريق بايدن، فإنه من الصعب تخيل صباح يوم تال أسوء له في كابول. ذلك أن فشله في خلق محيط أمني وعملية انتقالية مناسبين، يمكن من خلالهما طمأنة الأفغان الذين جازفوا بأرواحهم من أجل العمل معنا خلال هذين العقدين الماضيين بنقل آمن إلى أميركا – ناهيك عن خروج منظم للدبلوماسيين الأجانب، ونشطاء حقوق الإنسان، وعمال المساعدات – فظيعٌ وغير قابل للتفسير. ولكن الحكم على فريق بايدن ستحدِّده في نهاية المطاف الطريقة التي سيتعاطى بها مع الصباح الذي بعد الصباح التالي. فبايدن زعم أن أميركا ستكون أكثر أمنا وأحسن قدرة على التعاطي مع أي تهديدات إرهابية إذا خرجنا من أفغانستان منه إذا بقينا هناك، مع كل ما ينطوي عليه ذلك من كلفة من حيث الأشخاص والطاقة والتركيز – زعم تقاسمه فريق ترامب.

ثم كرر ذلك في خطابه إلى الأمة مساء الاثنين. وبشكل عام، قال فريق بايدن إن الطريقة القديمة المتمثلة في محاولة تأمين أميركا وحمايتها من إرهابيي الشرق الأوسط من خلال الاحتلال وبناء الدول غير مجدية وإن هناك طريقة أفضل. ولهذا، يتعين عليه أن يخبرنا ماهية تلك الطريقة وأن يؤكد صحتها في الصباح الذي بعد الصباح التالي. والواقع أننا في بداية واحد من أكبر التحولات الجيوسياسية التي واجهها العالم الحديث على الإطلاق. ذلك أن هناك الآن مجموعة من البلدان – ليبيا، لبنان، اليمن، أفغانستان، الصومال – التي طردت القوى الكبرى الاستعمارية التي كانت تسيطر عليها في الماضي (والتي جلبت النظام والفوضى معا) ولكنها فشلت الآن بشكل واضح في حكم نفسها. فما الذي ينبغي فعله؟ عندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان في يوليو 2020، قُدّمت له لدى وصوله عريضة موقعة من قبل نحو 50 ألف لبناني يدعون فيها فرنسا إلى تولي أمر لبنان بسبب «عجز (الحكومة اللبنانية) الكامل عن تأمين البلد وإدارته».

وشخصيا، أشكُّ في أن تكون تلك آخر عريضة مماثلة سنراها. لقد حاولت أميركا على مدى العشرين عاما الماضية الدفاع عن نفسها من الإرهاب القادم من أفغانستان عبر محاولة تعليمها الاستقرار والازدهار عبر الترويج للتعددية النوعية، والتعدية الدينية، والتعددية التعليمية، والتعددية الإعلامية، والتعددية السياسية. تلك النظرية لم تكن خاطئة. فنحن بصدد دخول عصر غير مسبوق في التاريخ البشري يتميز بتغيرين مناخيين كبيرين ومتزامنين في آن واحد: تغير في مناخ التكنولوجيا وتغير في مناخ المناخ. وبدون هذه التعددية، لن تكون أفغانستان ولا أي من هذه الدول الفاشلة الأخرى (ولا أميركا، ولكن هذا موضوع سأتناوله في مقال آخر) قادرة على التكيف مع القرن الحادي والعشرين.

غير أن النظرية كانت تعتمد على وجود عدد كاف من الأفغان الراغبين في قبول المزيد من هذه التعدديات. والواقع أن الكثيرين منهم كانوا كذلك، ولكن الأغلبية الغالبة لم يكونوا كذلك. ولهذا، قرر بايدن أننا في حاجة لوقف هذا الجهد، ومغادرة أفغانستان، وإعادة تكييف استراتيجيتنا الدفاعية. وعليه، أدعو الله أن يكون على صواب، ولكن الحكم عليه سيكون رهينا بما سيحدث في الصباح الذي بعد الصباح التالي.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى