#ترجمات أجنبية

توقعات مركز “ستراتفور” للعام 2019 : الشرق الأوسط، شمال أفريقيا، وآسيا-الهادي

(مركز التوقعات الاستراتيجية “ستراتفور”) –  19/11/2018

في عالم اليوم، تصبح الدول أكثر ترابطاً باطراد عن طريق الجو والبر والبحر والفضاء السيبراني. وبينما جلبت العولمة البلدان والقارات أقرب إلى بعضها بعضا، أصبحت حدود الخرائط وحواجز الجغرافيا بالية عفا عليها الزمن ببعض الطرق. الآن، أصبح من الأسهل أن تكون للأحداث في إحدى المناطق تداعيات في مناطق أخرى -بل إن التداعيات قد تظهر أحياناً في جميع أنحاء العالم. وفيما يلي، يستكشف مركز التنبؤات الاستراتيجية (ستراتفور) تلك الأحداث التي لها أكبر الأثر على اتخاذ القرارات الدولية خلال العام الجديد:

أبرز الاتجاهات:

• سوف تؤدي منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى سباق تسلح متصاعد ومنافسة متزايدة في الفضاء السيبراني. وسوف تكون الحوكمة العالمية بشأن هذه التهديدات المتصاعدة غامضة بينما تتعمق الانقسامات في النظام الدولي.

• حتى بينما تصعّد الولايات المتحدة هجوماً استراتيجياً ضد الصين بالتعريفات الجمركية الإضافية والحواجز التنظيمية والعقوبات وزيادة دعم تايوان والتحديات البحرية في بحر الصين الجنوبي، فإن بكين ستعتمد على نفوذها الاقتصادي الكبير لإضعاف التحالفات الأميركية وتقويض فعاليتها.

• يمكن أن تؤدي مواجهة بين البيت الأبيض ومنظمة التجارة العالمية إلى دفع عملية حل النزاعات في الهيئة إلى توقف، لتجبر البلدان على العودة إلى مسار مفاوضات ثنائية غير قابل للتنبؤ بنتائجه لحل خلافاتها التجارية.

• بينما تنخفض صادرات إيران النفطية بسبب العقوبات، من المتوقع أن يرتفع الإنتاج الأميركي. وبينما يختبر الاقتصاد العالمي خمولاً متزايداً في النمو في العام 2019، سوف تبقى السعودية وروسيا مستجيبتين بقوة لأسواق النفط العالمية للحيلولة دون حدوث انخفاض حاد في الأسعار. وفي الأثناء، سوف تصبح الأسواق العالمية للنفط الطبيعي المسال أكثر تنافسية بينما تحتل الولايات المتحدة مكانها بين أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العام 2019.

* * *

واقع عالمي جديد وغير مريح

قبل أكثر من عام من الآن، لاحظ مركز “ستراتفور” أن المنافسة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين سوف تكون السمة المميزة للنظام الدولي، خالقة معضلة للقوى المتوسطة العالقة في خضم المنافسة بين القوى العظمى. ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى تمكنت الحروب التجارية، والهجمات السيبرانية، واستراتيجيات الدفاع المتغيرة وسباقات الأسلحة، من إقناع العالم بأن هذا هو الواقع العالمي الجديد غير المريح.

تبدو المنافسة بين القوى العظمى منذورة للتصاعد فقط في العام 2019. سوف يضاعف البيت الأبيض محاولاته لإعاقة التقدم الصيني في عدد من المجالات الاستراتيجية. وسوف تتلقى بكين بعض الضربات على الطريق، لكن الصين تمتلك الوسائل والحافز أكثر من أي وقت مضى لتسريع جداولها الزمنية ومضاعفة جهودها للوصول إلى التكافؤ مع الولايات المتحدة. وفي حين أنه ليس ثمة حب مفقود بين الصين وروسيا، فإن احتمال تشكل تحالف أقوى بينهما في العام 2019 سيتغلب على الأرجح على نقاط الاحتكاك في علاقتهما غير المستقرة.

سوف تسبب هذه الدينامية العالمية الجديدة صداعاً هائلاً للقوى المتوسطة والأعمال التجارية الضعيفة والمكشوفة عالمياً والتي تحاول الملاحة لشق طريقها في مشهد يزداد تعقداً باطراد.

سوف يكشف هذا العام المحددات التي تواجهها الولايات المتحدة في محاولتها عزل الصين، من داخل سلاسل الإمداد بالغة التشابك، أو حتى من حلفاء الولايات المتحدة الذين تعتمد عليهم أكثر ما يكون، العالقين بين خيار الاحتفاظ بعلاقة أمنية محكمة مع الولايات المتحدة وبين الحاجة المتزايدة إلى توسيع علاقاتهم الاقتصادية مع الصين. وسوف تخلق هذه الدينامية العالمية صداعاً كبيراً للقوى المتوسطة والأعمال التجارية المكشوفة عالمياً والتي تحاول شق طريقها في هذا المشهد المعقد. وحتى بينما تحاول القوى الأوروبية الرئيسية تأكيد سيادة الاتحاد الأوروبي على المستوى الدولي لتجنب أن تصبح خسائر جانبية، فإنها ستبقى إلى حد كبير متفاعلة مع المنافسة الأوسع. وبالنسبة لتلك القوى المتواجدة على التخوم، من بولندا إلى تركيا إلى تايوان، فإن مناخاً جيوسياسياً أكثر توتراً سوف يُترجم في بعض الحالات إلى فرص استراتيجية، بينما تحاول العمل بسرعة لتأمين تحالفات الأمنية واستخلاص منافع اقتصادية خاصة من خاطبي ودها الأقوياء.

سوف تعيد التكنولوجيات التدميرية والمعاهدات الممزقة تشكيل الترسانات العسكرية في السنوات المقبلة.

سوف يؤدي التطور السريع لتقنية الأسلحة المدمِّرة، مقروناً بالتدهور الثابت لمعاهدات السيطرة على الأسلحة، بتسريع سباق تسلح عالي المخاطر بين الولايات المتحدة، وروسيا والصين. وسوف يؤدي انسحاب واشنطن المرجح الوشيك من معاهدة الحد من القوى النووية متوسطة المدى، ومفاوضات مترنحة حول المعاهدة الجديدة لخفض الأسلحة الاستراتيجية، إلى تعميق الانقسامات في أوروبا، بينما تحاول القوى الغربية تجنب التورط في بناء الترسانات، وتتطوع الدول الواقعة على الجبهة الأمامية مع روسيا، مثل بولندا ودول البلطيق، وربما رومانيا، باستضافة أصول عسكرية أميركية. وفي الوقت نفسه، سوف تكون الولايات المتحدة بصدد تحرير نفسها لبناء ترسانة لا تقهر لتحدي الصين، كل ذلك بينما تتجنب بكين -استراتيجياً- الدخول في المعاهدات حول الأسلحة وتواصل بناء قوتها الخاص في غرب المحيط الهادي.

سوف يظهر البعد الأيديولوجي لمنافسة القوى العظمى بطريقة أكثر مكراً. ومع أن الولايات المتحدة ترتقي إلى تحدي التنافس مع محور صيني-روسي، فإنها تعتمد على تكتيكات غير تقليدية ومسار أحادي الجانب بشكل عام، والذي يهدد بتنفير الكثير من حلفائها من القوى المتوسطة الذين تحتاجهم إلى جانبها. ومع انقسام الجبهة الغربية وتوقف الولايات المتحدة عملياً عن الدفاع عن -وفيبعض الأحيان محاربة- نظام ما بعد الحرب القائم على القواعد لإدارة النظام العالمي، سوف تجد الصين العديد من الطرق التي يمكن أن تسلكها بين القوى المتوسطة للتقليل من تأثير الهجوم الأميركي. وبالإضافة إلى ذلك، سوف يعرض الشكل المدفوع تقنياً من الاستبداد الرقمي، منالنوع الذي تسخره الصين لإدارة الشؤون في الوطن والتصدير إلى الخارج، بديلاً مقنعاً للقوى ذات الميول الأوتوقراطية، والتي أصبحت قلقة من ظروف السياسة الليبرالية التي جاءت تقليدياً مع الشراكة مع الغرب.

الولايات المتحدة والصين مستعدتان لدخول صاخب في 2019

سوف تتصاعد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة عملياً على كل الجبهات في العام 2019. ولن يقتصر الأمر على أن الصين ستواجه ضغطاً اقتصادياً متصاعداً من التعريفات الجمركية والحواجز التنظيمة ضد الشركات الصينية، وإنما ستستخدم الولايات المتحدة العقوبات أيضاً لتشديد الخناق على بكين في القضايا السياسية، بما في ذلك الهجمات السيبرانية وحقوق الإنسان. (سوف تشكل معاملة بكين للإيغور وجماعات الأقلية الأخرى، على سبيل المثال، هدفاً أساسياً لسياسة العقوبات الأميركية).

على الجبهة الأمنية، سوف تتحدى الولايات المتحدة الصين بطريقة أكثر حزماً مباشرة في بحر الصين الجنوبي وحول تايوان، مما قد يفضي إلى مزيد من المواجهات والمقاربات الخطيرة بين القوات الأميركية والصينية في النقاط البحرية الساخنة. وعلى النقيض من ذلك، سوف تواجه جهود الولايات المتحدة الاقتصادية لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية محددات أكبر، بينما تعمل بكين على تعزيز مداخل اقتصادية وصفقات شراكة مع قوى صغيرة وكبيرة للتخفيف من تأثير التحالفات الأميركية.

على الرغم من فرض تعريفات جمركية أميركية على ما تعادل قيمتها 250 مليار دولار من الصادرات الصينية، ما يزال بوسع البيت الأبيض أن يضرب الصين بجولة أخرى من التعريفات إذا لم يحصل على تنازلات من بكين.

في مجال التجارة، سوف يتم عقد هدنات مؤقتة بين واشنطن وبكين بينما يتفاوض الطرفان على نوع من إرجاء المواجهة الاقتصادية، لكن الكلمة الرئيسية هي “موقتة”: فالفجوة بين المطالب الأميركية بإجراء إصلاح هيكلي عميق في الاقتصاد الصيني وبين حقيقة ما ترغب بكين في عرضه من دون المساس باستراتيجيتها الحاسمة للتكنولوجيا الصناعية والاستقرار في الوطن، هي ببساطة أعرض من السماح بظهور صفقة أكثر شمولاً وديمومة بينهما. وقد فرضت الولايات المتحدة مسبقاً تعريفات على ما تعادل قيمتها 250 مليار دولار من الواردات الصينية. وإذا شعر بالإحباط من التنازلات المحدودة التي سيتمكن من انتزاعها من بكين، ما يزال بوسع البيت الأبيض أن يضرب الصين بجولة أخرى من التعريفات التي تستهدف بقية الواردات التي تبلغ قيمتها نحو 267 مليار دولار.

سوف يتبين أن الضوابط المحتملة على أهداف “الاستخدام المزدوج” مدمرة جداً للعديد من الشركات.

سوف يقطع الضغط الأميركي على الصين أيضاً أشواطاً كبيرة بعد التعريفات. سوف تواجه شركات التكنولوجيا الأميركية المزيد من الرقابة التنظيمية بينما تحاول الولايات المتحدة تقييد الوصول الصيني إلى التقنيات ذات الاستخدام المزدوج والتدقيق على سلسلة التوريد الأميركية-الصينية للبحث عن نقاط الضعف المتعلقة بالأمن القومي. وسوف تكون ضوابط التصدير المحتملة على أهداف “الاستخدام المزدوج”، من الرقائق عالية الأداء إلى البحوث العامة في الذكاء الاصطناعي، مدمرة للغاية بالنسبة للكثير من الشركات. وقد عكفت الولايات المتحدة مسبقاً على إقامة الحواجز أمام الاستثمار والأبحاث الصينية في القطاعات الاستراتيجية، لكنها ستحشد البلدان الأخرى بكثافة -خاصة اليابان، وكندا، والدول الأوروبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية وتايوان- لتخفيض علاقاتها مع شركات التقنية الصينية الرئيسية، مثل هواوي و”زد. تي. إي”، والتي ستصنف على أنها تشكل تهديداً للأمن القومي لبلدانها.

التوقيت هو المفتاح: سيشهد العام 2019 انطلاقة تقنية الجيل الخامس الثورية في الاتصالات في العالم المتقدم.

سوف يجلب العامان المقبلان مستوى مغيّراً للعبة من السرعة والاتصال لدعم التقنيات التحويلية، مثل “إنترنت الأشياء”، والواقع الافتراضي والمعزَّز، ومعالجة الذكاء الاصطناعي، والمركبات ذاتية القيادة، والتطبيب عن بعد -التي تشكل مسبقاً مجالات للتنافس الكثيف بين الولايات المتحدة والصين. وبما أن هواوي و”زد. تي. إي” هما اثنتان بين حفنة صغيرة من شركات التكنولوجيات التي تطور البنية التحتية التكنولوجية والمعايير للجيل الخامس، فإن الحكومة الأميركية ستفعل كل ما في وسعها لمنع منافستها الاستراتيجية الأكبر من دمج نفسها أعمق داخل النظم العصبية الاقتصادية لها ولحلفائها. ومن الطبيعي أن تصب هذه الضرورة المتزايدة الوقود على نار تشتعل مسبقاً بين الدولة والمؤسسة في العديد من الاقتصادات المتقدمة، بينما ستحاول شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات ذات سلاسل التوريد متعددة الطبقات أن تقاوم صعوداً في العوائق التنظيمية أمام نماذج الأعمال التي تعتمد على التجارة المفتوحة وتدفقات البيانات عبر الحدود.

سيبقى تحقيق أي نوع من الإجماع العالمي على الأولويات والأساليب اللازمة لحكم الفضاء السيبراني بعيد المنال في العام 2019

سوف يعمل تكاثف المنافسة بين القوى العظمى في الفضاء السيبراني على مفاقمة الاحتكاك والتوترات بين الدولة والشركات حول السياسة. وباعتبارها أكبر هدف للهجمات السيبرانية، تتحرك الولايات المتحدة على مسار أكثر هجومية، بينما تضع الصين وروسيا مباشرة نصب عينيها. (سوف تجتذب فترة التحضير لانتخابات العام 2020 الرئاسية الأميركية انتباهاً إضافياً إلى التهديد السيبراني الذي تشكله الصين، بشكل خاص). وتمكن رؤية اتجاه متنامٍ في الدول الغربية؛ حيث ستعتمد الدول على الغرامات الثقيلة وتراكم الدعاوى القضائية للمستهلكين لمحاسبة الشركات على الانتهاكات واسعة النطاق للبيانات. وسوف تصبح الدعوات بين القوى الرئيسية لتطوير قواعد عالمية لضبط الفضاء السيبراني أكثر إلحاحاً، لكن تحقيق إجماع وفرض أي أجندة من هذا النوع سيبقى بعيد المنال بالنظر إلى المواقف المتفارقة للغاية بين الولايات المتحدة، وأوروبا، وروسيا، والصين حول الأولويات والأساليب اللازمة لحكم الفضاء السيبراني.

الرياح العالمية المعاكسة للسياسة التجارية للولايات المتحدة

بالإضافة إلى التركيز الأميركي المحكم على الصين، فإن التهديد الوشيك بتطبيق تعريفات جمركية أميركية على السيارات وحدوث مواجهة بين الولايات المتحدة وقوى رئيسية أخرى في منظمة التجارة العالمية، سيتردد صداها في كل أنحاء الاقتصاد العالمي. وتبقى سياسة البيت الأبيض الاقتصادية، بينما تظل عرضة لمكائد المعسكرات الأيديولوجية المتنافسة، مقودة إلى حد كبير بعناية بخفض العجوزات التجارية من خلال المفاوضات الثنائية. ولن تكون الإدارة الأميركية خائفة أيضاً من استخدام تكتيكات الضرب العنيف كوسائل للتأثير. وحتى بينما يهدد البيت الأبيض بفرض تعريفات على واردات السيارات -وهي محرك رئيسي للعجز التجاري الأميركي- بذريعة الأمن القومي، فإنه لن يعكف على إبرام صفقات تجارية لا تشمل تنازلات يعتد بها في أسواق مثل الزراعة، حيث المصدرون الأميركيون أكثر تنافسية. كما ستستخدم الولايات المتحدة أيضاً الاتفاقيات التجارية لتثبيط شركائها التجاريين عن توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع الصين (سوف يشكل سعي كندا إلى عقد مثل هذه الصفقة اختباراً لمصداقية هذا التكتيك).

سوف يعمل إتمام الاتفاق بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، الذي يشمل مسبقاً حمايات أكبر لصانعي السيارات الأميركيين وبنوداً تتعلق بالحصص، على عزل المكسيك وكندا إلى حد كبير عن تهديد تعريفات جمارك السيارات الأميركية. وسوف يؤدي تقليص التهديد الاقتصادي لتجارة أميركا الشمالية إلى تقليل إلحاح الكونغرس الأميركي على فرض ضوابط تشريعية على سياسة البيت الأبيض التجارية.

لدى ألمانيا الأكثر لتخسره من معركة تجارية مع الولايات المتحدة حول السيارات، لكنها لن تتمكن من إجبار الاتحاد الأوروبي -وفرنسا بشكل خاص- على تقديم تنازلات في مجال الزراعة لإرضاء البيت الأبيض.

لدى اليابان فرصة جيدة لتخفيف تهديد تعريفات الولايات المتحدة على السيارات من خلال إبرام اتفاق تجاري محدود معها، بالنظر إلى التنازلات الزراعية التي قدمتها اليابان في اتفاقيتها للتجارة الحرة مع كندا وفي اتفاقية “الشراكة الشاملة والتقدمية عبر الباسيفيكي” في 2018. ومن المحتمل أن توافق كوريا الجنوبية هي الأخرى على نظام حصص لدرء التعريفات على السيارات. وفي المقابل، تبدو آفاق التوصل إلى حل شامل للتجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في العام 2019 قاتمة جداً. ولدى ألمانيا الأكثر لتخسرة من معركة تجارية مع الولايات المتحدة على السيارات، لكنها لن تتمكن من إجبار الاتحاد الأوروبي ككتلة، وفرنسا بشكل خاص، على تقديم تنازلات في مجال الزراعة لإرضاء البيت الأبيض.

اعتماداً على أي من صقور التجارة في الإدارة الأميركية أو براغماتييها هم الذين سيستمع إليهم الرئيس، من المرجح أن يختار البيت الأبيض بين النكث بالهدنة، بحيث يقوم بفرض تعريفات على السيارات بأي حال ومضاعفة الضغط على أوروبا على أمل أن يدفع بروكسل إلى إبرام صفقة في نهاية المطاف؛ أو تخفيض طموحاته والتركيز بدلاً من ذلك على المفاوضات الجارية حول القواعد والمعايير، والتي تبقى أقل مستوى من المحادثات الرسمية حول التجارة الحرة.

بالتوازي مع هذه المفاوضات التجارية المضطربة، ثمة مواجهة متنامية بين القوى الاقتصادية الرئيسية ومنظمة التجارة العالمية

تقوم منظمة التجارة العالمية حالياً بتحكيم عدد من القضايا المتعلقة بالأمن القومي، بما فيها واحدة تتعلق بتبرير الولايات المتحدة لفرض تعريفاتها على الصلب والألمنيوم في أوائل العام 2018. وسوف يتخذ البيت الأبيض من هذه القضايا مثالاً للدفع بأن الهيئة متعددة الأطراف لا تمتلكح الحق في تحكيم شؤون تتعلق بالأمن القومية في القضية الأولى. وإذا كسب البيت الأبيض بهذه الحجة، فإنه يمكن أن يجعل من الأسهل على دول أخرى إقامة حواجز حمائية بذريعة الأمن القومي.

أما إذا خسر البيت الأبيض، فإن القرار سيضيف فقط إلى حملته الشرسة ضد مصداقية منظمة التجارة العالمية. وحتى نكون واضحين، فإن الكونغرس يمتلك السلطة للحيلولة دون انسحاب أميركي فوري من منظمة التجارة العالمية، والذي قد يقوض الاقتصاد العالمي. لكن لدى الولايات المتحدة الوسائل لشل عملية حل النزاعات في المنظمة. وبسبب حظر الولايات المتحدة المستمر للتعيينات الجديدة، ستكون هيئة الاستئناف في المنظمة بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2019 تحت خطر أن يصبح عدد أعضائها أقل من الحد الأدنى المطلوب للحكم في القضايا، والمكون من ثلاثة أعضاء.

يدفع عدد متزايد من الدول النافذة في اتجاه إجراء إصلاحات في منظمة التجارة العالمية، لتسريع عملية إصدار الأحكام في الهيئة وتوضيح حدود ولايتها للحد من تعديها على مناطق التجارة السيادية.

هذا الشكل من احتجاج الولايات المتحدة، الذي بدأ قبل رئاسة دونالد ترامب، مصمم لحشد الدعم من الاتحاد الأوروبي، واليابان وكندا والشركاء التجاريين الرئيسيين الآخرين، لإجراء إصلاحات في منظمة التجارة العالمية، والتي ستسرّع أحكامها وتوضح حدود ولايتها القضائية بينما تحاول الولايات المتحدة منع الهيئة من التدخل في المناطق التجارية السيادية. كما أنها تهدف أيضاً إلى جعل منظمة التجارة العالمية تحمِّل الصين والدول الصاعدة الأخرى المزيد من المسؤولية عن انتهاكات تجارية مختلفة، بما فيها المعونات الحكومية وسرقة الملكية الفكرية. وفي سياق متصل، ستنتهي في العام 2019 مهمة لجنة تابعة لمنظمة التجارة العالمية، والتي تعمل على قضية رفعتها الصين ضد الاتحاد الأوروبي، وطالبت فيها بالاعتراف بها كاقتصاد سوق. وإذا ما خسر الاتحاد الأوروبي هذه القضية، فإن ذلك سيضيف إلى زخم الحجة الأميركية بأن منظمة التجارة العالمية ليست مؤهلة لضبط الصين في موضوع التجارة.

لكن مطالب الولايات المتحدة بالإصلاح ستكون كبيرة أكثر من اللازم من منظمة متعددة الجنسيات، شموس وبطيئة الحركة، والتي تُحكم بالإجماع. وهناك خطر حقيقي من أن تدفع الولايات المتحدة بعملية تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية إلى التوقف، وهو سيناريو من شأنه أن يدفع القوى الاقتصادية للعودة إلى المفاوضات الثنائية لحل خلافاتها كما كانت تفعل أيام “الاتفاق العام على التعريفات والتجارة” -النظام الذي سبق منظمة التجارة العالمية والذي حكم التجارة الدولية في مناخ جيوسياسي كان يضج بعدم اليقين.

* * *

توقعات ذات صلة

تقدم هذه التحليلات التي أجراها “ستراتفور” استبصارات إضافية في السنة المقبلة:

• في خضم سباق عالي المخاطر على التفوق التكنولوجي، سوف تكافح القوى العالمية مع تحدي تأسيس حوكمة عالمية للذكاء الاصطناعي والمعايير الأخلاقية ذات الصلة.

• سوف تسرّع الولايات المتحدة، والصين وروسيا، جهودها لعسكرة الفضاء في غياب معايير دولية لتنظيم السلوك في الفضاء.

• حتى بينما يعمل تنافس القوى العظمى مع الصين وروسيا على دفع الولايات المتحدة إلى تخفيض التزاماتها العسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط، فإن حملة أميركية ضد إيران، إلى جانب الإرهاب ومخاوف انتشار الأسلحة النووية، سوف تكافح من أجل الاستئثار بانتباه الولايات المتحدة ومواردها.

• تصبح مكافحة الفساد سلاحاً سياسياً متزايد الشعبية والقوة، والذي يمكن أن تسخره الحكومات الغربية والرجال الأقوياء على حد سواء لتشكيل السياسة في الوطن والخارج.

• سوف تتنافس القوى العظمى على صفقات بيع السلاح المربحة حول العالم.

• سوف يحقق كونغرس أميركي منقسم وأقل تناغماً نتائج متباينة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

• سوف تستمر عملية الانتقال طويل الأجل للطاقة العالمية نحو الطاقة المتجددة في العام 2019، بينما تتولى الشركات أدواراً قيادية أكبر في مسيرة هذا التحول.

الشرق الاوسط وشمال افريقيا

تشكل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مفترق طرق العالم. وهي تشمل شبه الجزيرة العربية، وجبال إيران، وسهول تركيا، وصحارى بلاد الشام، والأراضي الواقعة شمال الصحراء الأفريقية، وجميع السواحل بينها. وقصة المنطقة، كما هو الحال في كثير من الأحيان في الأماكن العالقة بين لاعبين أجانب، هي قصة تجارة وتبادل وصراع. القوى التقليدية في المنطقة هي تركيا وإيران -بينما المملكة العربية السعودية ومصر هما القوتان العربيتان الأبرز حالياً- ويجعل تنافس هذه القوى من أجل النفوذ على الدول الضعيفة في المنطقة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ساحة للعنف وعدم الاستقرار الدائمين.

الاتجاهات العامة للعام 2019

الولايات المتحدة وإيران: مسار تصادمي

سوف تُلحق حملة العقوبات بقيادة الولايات المتحدة ضرراً بإيران، لكنها لن تفضي إلى انهيار الحكومة الإيرانية، حتى بينما يعاني اقتصاد البلد من المتاعب. وتأمل الولايات المتحدة في أن تكره زيادة العقوبات إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات. لكن هذا لن ينجح؛ ففي حين أن إيران معروفة بعداواتها السياسية الداخلية، فإن الأطراف المتصارعة ستمنح استقرار النظام الأولولية على خلافها السياسي المعتاد. وبالإضافة إلى ذلك، أدت العقوبات إلى تكثيف الاحتجاجات الشعبية التي تعزز رأس المال السياسي للمحافظين والمتشددين في مقابل إدارة الرئيس المعتدل حسين روحاني. كما أن مؤسستي الاستخبارات والأمن الإيرانيتين القويتين ستكسبان المزيد من التمكين بسبب الحاجة إلى تعميق استراتيجية إيران الدفاعية في وجه الضغط الخارجي المتصاعد.

سوف تفعل إيران كل ما في وسعها للانتقام من المعتدين عليها، وسوف تتوقف فقط عند نقطة احتمال استدراج رد عسكري تقليدي عليها –في الوقت الراهن.

سوف تكون طهران أمام إغراء الرد الانتقامي عن طريق التحرش بسفن الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج الفارسي، وإجراء التجارب على الصواريخ الباليستية أو استئناف نشاطاتها النووية، لكنها ستفعل ذلك فقط عند الضرورة القصوى. وبدلاً من ذلك، ستكون إيران أكثر استعداداً لاستخدام الحرب السيبرانية، وتنفيذ العمليات السرية، أو استخدام وكلائها الإقليميين الرئيسيين لرد الضربات للولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج. وفي الأساس، تريد إيران تجنب استدراج ضربة عسكرية تقليدية ضدها. ولكن، بينما يضعف الدعم السياسي الذي تتلقاه من الاتحاد الأوروبي خلال العام 2019، سوف تصبح إيران أكثر استعداداً للانخراط في إجراءات انتقامية أكثر حدة.

الولايات المتحدة تعزز الحلفاء الإقليميين

سوف تعتمد الولايات المتحدة على حلفائها في الخليج الفارسي للمساعدة على تطبيق استراتيجية واشنطن لاحتواء إيران.

في إطار تطبيقها استراتيجيتها الإقليمية التي تقوم أساساً على احتواء إيران، سوف تعتمد الولايات المتحدة على مجموعتين من الحلفاء الذين لديهم أهداف متشابهة. الأولى تضم الحلفاء الأكثر قلقاً من إيران والراغبين في تبني سياسات قوية جداً ضدها: إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة. وتتغلب هذه الدول بسرعة على عقود من انعدام الثقة والصراع في اتجاه تنسيق أفضل ضد طهران في مجالات الفضاء السيبراني، وفي فرض العقوبات -بل وحتى عسكرياً.

تشمل المجموعة الثانية من الحلفاء كلاً من الكويت وسلطنة عُمان وقطر. وهي متحالفة بشكل فضفاض وأقل استعداداً لاتخاذ موقف حازم تجاه إيران. ويمكن أن تقدم هذه البلدان قيمة استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية للولايات المتحدة في صراعات وأزمات إقليمية معينة. ويمكن أن يؤدي تحسين التحالف بينها إلى حدة الحصار المفروض على قطر، لكن الصراع الكامن بين أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي سوف يبقى قائماً.

ضوء على المملكة العربية السعودية

سوف تؤثر أزمة جمال خاشقجي على الديناميات في المملكة. وسوف تواصل الرياض تعزيز أهداف “رؤية 2030” خلال العام المقبل، وتعمد إلى تخفيف تدابير التقشف استجابة للمؤشرات الاقتصادية الإيجابية -أسعار النفط الأعلى في العام 2018، وفرصة تعويض صادرات إيران المتناقصة من النفط، والاستراتيجية الناجحة نسبيباً لتحصيل العوائد غير النفطية. ويعني ذلك أن المملكة يمكن أن تتجنب إجراء تغييرات هيكلية صعبة في الاقتصاد السعودي، خاصة في أسواق العمل. وسوف تجبر الشكاوى من الإسكان، والرواتب ونوعية الحياة الدولة على استخدام كل المال في محفظتها لتخفيف شعور مواطنيها بالضغط.

المرجل السوري قد يفيض

في المراحل النهائية من الحرب السورية، تتنافس خمس قوى رئيسية -تركيا، وروسيا، وإيران، والولايات المتحدة، وإسرائيل- على النفوذ والسيطرة في البلد. وتدعم موسكو وطهران الرئيس السوري بشار الأسد بقوة، لكنهما لا تختلفان فقط في مستويات الدعم الذي تقدمانه، وإنما أيضاً في أهدافهما الكلية. فقد استخدمت روسيا الصراع السوري لتوسيع موطئ قدمها في الشرق الأوسط وسوف تعمل على توفير الحماية لمكاسبها ومواردها، ولو أن لموسكو القليل من الرغبة في خوض صراع مفتوح مع تركيا والولايات المتحدة أو إسرائيل. ومن ناحية أخرى، سوف تكون إيران أكثر حزماً في دعمها لدمشق، خاصة في معارضة أنقرة وواشنطن. كما ستواصل طهران أيضاً بناء قواتها في داخل سورية كرادع لإسرائيل وكوسيلة لإمداد حزب الله، حليفها القوي في لبنان المجاور. وسوف تحاول إسرائيل إحباط خطط إيران، لكنها تشعر بقلق بالغ من احتمال نشوب صراع غير مقصود مع روسيا.

تبقى تركيا والولايات المتحدة معارضتين لحكم الأسد، ولكن، على الرغم من كونهما حليفتين في الناتو، فإنهما ستسعيان إلى تحقيق أجنداتهما الخاصة في سورية. وتركز الولايات المتحدة على استئصال بقايا “داعش” من البلد، ولو أن واشنطن تسعى في الإطار الأوسع إلى تقويض النفوذ الإيراني في سورية كجزء من استراتيجيتها المناهضة لإيران. ويخلق تحدي إيران في سورية توتراً بين الولايات المتحدة وروسيا -لا تستطيع موسكو ولن تجبر إيران على الخروج. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لمنع التصادم، فإن احتمال وقوع حادث عسكري يتضمن أصولاً أميركية وروسية ليس مستبعداً. (تحديث المحرر: قرر الرئيس الأميركي سحب القوات الأميركية من سورية).

من جهتها، سوف تواصل تركيا التركيز على احتواء القوات الكردية في سورية. وهذه مسألة إشكالية بالنسبة للولايات المتحدة التي تستخدم وحدات حماية الشعب الكردية، وهي مجموعة تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية، كحليف ضد “داعش” وكوكيل ضد إيران. وفي شمال غرب سورية، يمكن أن يختبر تعهد تركيا بحماية محافظة إدلب مصداقية أنقرة كشريك محلي، خاصة بالنظر إلى هدف دمشق المعلن المتمثل في استعادة كامل المحافظة. ويحتمل كثيراً أن تصبح إدلب نقطة اشتعال بين تركيا، وإيران والقوات السورية الموالية -وأبعد، روسيا. وبالنظر إلى المصالح المتعارضة في سورية، فإن احتمال حدوث تصعيد عرَضي، أو حتى مواجهة بين دولة ودولة، سيكون أعلى في العام 2019 منه في أي وقت مضى، ولو أن كل قوة معنية ستتخذ الخطوات لتجنب ذلك.

التعامل مع اقتصاد تركيا الهش

سوف يترتب على الرئيس رجب طيب إردوغان أن يكرس نفسه في العام 2019 لإضفاء الاستقرار على الاقتصاد التركي.

سوف يكون أكبر تحد تواجهه تركيا في العام 2019 هو معالجة اقتصادها المعثر. وبالإضافة إلى التعامل مع التضخم القياسي، سيكون على الرئيس رجب طيب إردوغان أن يتعامل مع فاتورة ديون شركات القطاع الخاص، والتي تعادل تقريباً ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلد -كل هذا بينما يتجنب نشوب أزمة أخرى لليرة التركية. وسوف يكون الرئيس إردوغان ملزماً سياسياً بتوسيع قاعدة دعمه تحضيراً للانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في الربيع المقبل، وخطب ود الأتراك القلقين سياسياً من كل أنحاء الطيف الانتخابي، والذين انفض بعضهم عنه بسبب السياسات القومية. كما يُضعف اقتصاد تركيا الهش أيضاً موقف أنقرة عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الشركاء الرئيسيين في الغرب. وتصبح علاقات الولايات المتحدة مع تركيا أكثر توتراً باطراد فيما يعود جزئياً إلى روابط أنقرة المتنامية مع روسيا ودعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية في سورية.

بسبب ضعفها أمام الضغط الاقتصادي الأميركي، سوف تحاول تركيا أن تدعم الاستثمار الأجنبي وأن تحتفظ بعلاقات اقتصادية مستقرة مع أوروبا. ومع ذلك، فإن علاقة تركيا المعقدة تاريخياً مع الاتحاد الأوروبي ستعيق هذا الجهد. وبالإضافة إلى إضفاء الاستقرار على وضعها الاقتصادي، سوف تواصل أنقرة متابعة ضرورات جوهرية أخرى في العام 2019، بما فيها احتواء الحركات الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في مناطق تركيا العثمانية السابقة. وسوف تقوم تركيا بممارسة أي نفوذ تستطيعه في شمال سورية وأن تواصل ضرباتها العسكرية ضد مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

* * *

رؤى إضافية للسنة الجديدة:

• سوف تواصل المملكة العربية السعودية جهودها لبناء قطاعها الأمني الخاص حتى لا تضطر إلى الاعتماد على مزودي الأسلحة الأجانب.

• سوف تتهيأ الحكومة الجزائرية لمواجهة أزمة متوقعة في العام 2019 في مقدمة انتخابات رئاسية تهدد بزعزعة خطة البلد الهشة للخلافة.

• سوف تواصل إسرائيل البحث عن الاستثمار لتطوير مشاريع بنيتها التحتية، لكن أخذ النقود الصينية سوف تكون له تداعيات على العلاقة مع الولايات المتحدة.

• سوف تراجع الولايات المتحدة مساهمتها في الحرب اليمنية، مع تداعيات يمكن أن تؤثر على مسارها.

• تشكل ترسانة إيران الصاروخية تهديداً رئيسياً لأمن إسرائيل –خاصة بالنظر إلى ميل طهران إلى تزويد الأسلحة لوكلائها الإقليميين- وسوف تفعل إسرائيل كل ما في وسعها لتخفيف هذا التهديد.

• سوف تكافح الحكومة العراقية الجديدة للموازنة بين التأثيرات الخارجية المتنافسة، بما فيها تأثير إيران.

• تعقّد المنافسة بين فرنسا وإيطاليا كفاح ليبيا الشاق أصلاً لتوحيد فصائلها المتنافسة.

* * *

تواريخ تجدر مراقبتها في العام الجديد:

• كانون الأول (يناير): يمكن أن ينعقد الاجتماع الافتتاحي للتحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط -الذي يُطلق عليه اسم “الناتو العربي”.

• كانون الثاني (يناير): سوف يعقد رؤساء دول الاتحاد الأفريقي قمة في مصر.

• 17-22 شباط (فبراير): سيعقد الاجتماع العام لقوة المهمات المالية الخاصة في باريس، والذي سيناقش فيه وضع إيران.

• آذار (مارس): ستُعقد الانتخابات المحلية في تركيا.

• نيسان (أبريل): ستقام المناورات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز.

• تشرين الثاني (نوفمبر): يجب أن تعقد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية بحلول نهاية الشهر.

• تاريخ غير معروف: سوف يتم الإعلان عن الانتخابات البرلمانية الإيرانية للعام 2020.

* * *

آسيا- المحيط الهندي

تضم منطقة آسيا-المحيط الهندي سكاناً أكثر من أي منطقة أخرى في العالم. وتضم هذه المنطقة الواقعة على الحافة الغربية للمحيط الهندي بلدان أقصى شرق آسيا القارية، وكذلك الأرخبيلات التي تتخلل الساحل. وقد شهدت العديد من هذه البلدان، وخاصة الصين، نمواً اقتصادياً سريعاً في النصف الثاني من القرن العشرين، مما منح المنطقة إحساساً جديداً بالأهمية الاقتصادية العالمية، والذي يستمر حتى اليوم. ومع ذلك، تعتمد هذه الأهمية إلى حد كبير على الصين، وهي قوة في حالة انتقال، والتي يشكل صعودها اختباراً لشبكة التحالفات الأميركية التي هيمنت على المنطقة منذ وقت طويل. أما بكم من الفعالية ستستطيع بكين أن تدير انتقالها، فسوف يشكل ذلك ميزان القوة في المنطقة في العقود المقبلة.

الاتجاهات العامة للعام 2019

الصين تتخطى العاصفة التجارية

سوف تحاول الصين أن تبقي خطوط اتصالاتها مع واشنطن مفتوحة حول التجارة عن طريق عرض شراء المزيد من السلع الأميركية، وتخفيض الحواجز أمام الاستثمار بشكل انتقائي، لكن تنازلاتها لن تفي بالمطالب الأميركية بإجراء إصلاحات هيكلية للاقتصاد الصيني. ومع ذلك، فإن الصين سترد بالطريقة نفسها على التدابير الأميركية التي تستهدف الشركات والكيانات الصينية، ولن تتخذ إي إجراء عقابي شامل ضد الشركات الأميركية. كما ستعمق بكين أيضاً إصلاحات القطاع العام عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية إلى قطاعات المال والسيارات والطاقة. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تقوم بتخفيف القيود عن القطاعات التي تتوافق مع مصالح الصين العليا، مثل الخدمات الطبية والتعليم.

رفض الصين التنازل للمطالب الأميركية سوف يطيل أمد النزاع التجاري الجاري

سوف تحافظ الولايات المتحدة على مطلبها بأن تخفف الصين دعم الدولة لقطاع التكنولوجيا لديها، لكن ذلك سيدفع الصين إلى تكثيف جهودها لتخفيف اعتمادية الصين على التكنولوجيا الأجنبية وتنويع سلاسل إمدادها -وهو ما يستلزم زيادة دعم الدولة للقطاع. وغني عن القول أن رفض الصين الانحناء أمام الضغط الأميركي في موضوع التكنولوجيا سوف يطيل أمد النزاع التجاري. وفي الوقت نفسه، سوف تسعى الصين جاهدة إلى امتلاك التكنولوجيا وستتعاون في الأنشطة المقتصرة على قطاعات معينة مع القوى التكنولوجية المتقدمة مثل اليابان، وإسرائيل، وتايوان والاتحاد الأوروبي، لكن مثل هذه الأنشطة ستواجه مزيداً من التدقيق بسبب المخاوف من الاستثمار الصيني والتجسس الصناعي.

بكين تتهيأ للأوقات الصعبة

لأن الحرب التجارية الموسعة تهدد الاقتصاد في المناطق الصينية الساحلية (وبذلك، الاستقرار الاجتماعي)، سوف تقوم بكين بتخفيف قوانينها الصارمة المصممة لاحتواء الديون وحماية البيئة، بينما تقوم بتحديث البنية التحتية، وتوليد الائتمان وتقديم الإعانات المباشرة لتعزيز النمو. كما ستدير الصين بحذر أيضاً قيمة اليوان لتخفيف الضرر على الصادرات، والسماح لها بالتكيف مع انخفاض النمو. لكن تراكماً من الديون وهشاشة سوق الإسكان سوف يحد من قدرة بكين على استخدام تدفقات ائتمانية كبيرة ويزيد من حدة الانخفاضات في قيمة العملة كوسيلة للتحفيز الاقتصادي.

سوف يتعين على الصين أن تعتمد أكثر على الحوافز المالية -بما في ذلك تخفيض الضرائب- لتشجيع الاستهلاك ونشاط القطاع الخاص.

كما سيشجع ذلك على زيادة استخدام اليوان في المقايضات وفي التجارة مع البلدان المشاركة في “مبادرة الحزام والطريق” لتخفيف آثار تقلب قيمة العملة. وللحفاظ على التحوط أمام الضغوط التجارية الأميركية، سوف تسعى بكين إلى إبرام اتفاقيات ثنائية وإقليمية للتجارة الحرة، مثل اتفاقية الشراكة الإقليمية الشاملة في منطقة المحيطين الهندي والهادي، والمفاوضات الثلاثية بين اليابان وكوريا الجنوبية، كل ذلك بينما تقيم علاقات مع أسواق جديدة للصادرات على طول مسار الحزام والطريق وفي أفريقيا. وفي الأثناء، سوف تكون الاقتصادات الناشئة في جنوب شرق آسيا مستعدة لاجتذاب أي مصانع تنتقل من الصين بسبب الحرب التجارية. كما يمكن أن تشكل التهديدات الموجهة إلى كامل سلسلة الإمداد الإقليمية والتقلبات المالية الخارجية أيضاً تحديات للبلدان التي تعاني من مستويات ديون مرتفعة أو من عجوزات في حساباتها الجارية، مثل ماليزيا وإندونيسيا والفلبين.

منافسة القوى العظمى في منطقة آسيا والمحيط الهندي

بينما تحاول تفتيت هيكل التحالف الإقليمي للولايات المتحدة، سوف تواصل الصين مسارها التصالحي مع اليابان والهند والدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) من خلال تأمين جهود حل النزاعات والشراكات الاقتصادية، بينما تحاول التقرب من أستراليا، التي يمكن أن تعزز انتخاباتها التي ستجرى في نيسان (أبريل) بعض التقارب. وفي الوقت نفسه، سوف تعزز واشنطن وجودها البحري في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وترفع من مستوى التحدي لمبدأ “صين واحدة” عن طريق رفع مكانة تايبيه في الهيئات الدولية وتنظيم مبيعات الأسلحة، والدوريات البحرية والزيارات رفيعة المستوى.

سوف تكون الولايات المتحدة أكثر انتشاراً في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، وهو ما سيستفز الصين ويدفعها إلى تبني موقف عسكري أكثر حزماً.

في الرد على ذلك، سوف تتبنى الصين مواقف بحرية وجوية أكثر حزماً لتأكيد مطالبها الإقليمية، مما يزيد من احتمال وقوع حوادث تشمل الجيش الأميركي. وتفكر الولايات المتحدة في إنشاء ميناء اتصال بحري في تايوان –وهي خطوة يمكن أن تستدرج رداً عسكرياً صينياً أكثر مباشرة. وسوف تزيد اليابان والهند وأستراليا من تعاونها الأمني مع واشنطن، لكنها لن تحجم عن الانضمام إلى عمليات حرية الملاحة التي تنفذها الولايات المتحدة في بحر الصين الجوبي أو دورياتها في مضيق تايون. وفي أماكن أخرى في المنطقة، سوف تؤدي مناورات عكسرية مع (آسيان) والتعاون الدفاعي الأميركي-الفيتنامي إلى تعقيد الجهود الصينية للحد من المزيد من توسع النفوذ الأميركي في الإقليم.

إجماع غير متماسك حول كوريا الشمالية

تعكف الولايات المتحدة على محاولة انتزاع تنازلات ملموسة من كوريا الشمالية في العام 2019. لكن هذه أيضاً سنة تأمل فيها بيونغ يانغ في استخلاص الحد الأقصى من رئاسة ترامب قبل أن ينصرف انتباه الولايات المتحدة إلى دورتها الانتخابية المقبلة. وبالنظر إلى المخاطر العالية بوضوح لنشوب حرب مفتوحة، لن يقوم أي من الطرفين بتخريب الحوار عمداً. وسوف تعرض كوريا الشمالية بحذر تعهدات ملموسة، لكنها ستتوقع أيضاً إحراز تقدم ملموس في تخفيف العقوبات أو في اتجاه إبرام اتفاق سلام؛ وخلال العملية، سوف تستخدم التشويش والتأخير حيث يمكنها ذلك. كما ستصر بيونغ يانغ أيضاً على وجود ضمانات بأن يتمتع أي اتفاق ثنائي مع الولايات بقوة الاستمرار بعد الإدارة الحالية.

في الوقت الحالي، سوف تسمح صلاحية استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لواشنطن بوقف أي جهد لإلغاء الإجراءات متعددة الأطراف ضد كوريا الشمالية، حتى بينما تدفع الصين وروسيا المجتمع الدولي إلى مكافأة كوريا الشمالية على تعاونها. وفي الوقت نفسه، سوف تضغط الولايات المتحدة على الآخرين لينضموا إلى العقوبات عن طريق فضح المخالفين والتهديد بفرض عقوبات ثانوية ضد أولئك الذين يتعاملون مع بيون يانغ. ولتعقيد الأمور، يصل الوفاق بين الكوريتين إلى نقطة حيث لم يعد بوسعه الذهاب أبعد كثيراً من دون استثناءات في العقوبات -وهو شيء ستوافق عليه الولايات المتحدة فقط بعد دراسة متأنية. وسوف يترك التناقض المتزايد بين وتيرة الحوار بين الكوريتين ووتيرة المناقشات الأميركية-الكورية الشمالية متسعاً للصين لتوسيع نفوذها في شبه الجزيرة الكورية. وبشكل عام، في حين سترواح الأمور بين تحقيق الاختراقات وبين الانهيارات خلال العام، سوف تظل كوريا الشمالية محتفظة بالكثير من عناصر برنامجها النووي المكتسب بشق الأنفس في نهاية العام 2019.

الدفع بمبادرة الحزام والطريق قُدُماً

بينما يعاني وصولها إلى الأسواق الأميركية من الضغط، سوف تضاعف بكين جهودها للعثور على أسواق جديدة لصادراتها وشركاء جدد من خلال مبادرة الحزام والطريق. وسوف تعمل واشنطن بشكل أساسي مع اليابان وأستراليا من أجل عرض استثمارات بديلة في البنية التحتية لمواجهة طموحات الصين في منطقة الهندي-الهادي، لكن بكين ستحاول التقليل من مخاوف الشركاء المحتملين بخصوص الاستدامة المالية، والنفوذ السياسي وتهديدات الأمن القومي عن طريق اجتذاب مستثمرين من أطراف ثالثة. كما ستعمل أيضاً على تقويض طموحات واشنطن الإقليمية بالسعي إلى إقامة مشاريع مشتركة مع القوى المتوسطة، بما فيها اليابان، والاتحاد الأوروبي والهند.

صحوة يابانية

بعد أن أمن البقاء في المنصب حتى العام 2021، سوف يسعى رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، إلى إقرار إصلاحات دستورية قبل نهاية العام 2019، بينما تتم معالجة الآثار الاقتصادية المترتبة على ارتفاع في الاستهلاكية من خلال الإنفاق على الأعمال العامة، وتقديم حوافز لاستثمارات القطاع الخاص، واستثناءات ضريبية لمنتجات معينة. ومع أن روسيا واليابان ستواصلان التفاوض على جزر كوريل المتنازع ليها، فإن مواجهة أكبر بين موسكو والغرب ستفسد أي أمال بالتوصف إلى اتفاق.

في الأثناء، سوف تقدم طوكيو تنازلات يكون من شأنها تهدئة مخاوف الولايات المتحدة التجارية –طالما أن دفع الولايات المتحدة من أجل الوصول إلى قطاع الزراعة لا يتجاوز الحدود التي وضعتها اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهندي واتفاقية اليابان مع الاتحاد الأوروبي. وإذا ضغطت واشنطن أكثر، فإن طوكيو ستتعرض لضربة ارتدادية من لوبي الزراعة النافذ لديها -ولو أنها ستزن ما إذا كانت ستضحي بقطاعها الزراعي لتفادي التعريفات الأميركية على قطاع السيارات الحيوي لديها. وفيما وراء ذلك، ستقاوم طوكيو محاولات الولايات المتحدة للحد من أي صفقات تجارية مستقبلية لها مع الصين.

* مركز التوقعات الاستراتيجية، Strategic Forecasting, Inc؛ والمعروف أكثر باسم “ستراتفور” STRATFOR، هو مركز أميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، ويعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، وهو يعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسي، ويجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية. تطلق عليه الصحافة الأميركية اسم “وكالة المخابرات المركزية في الظل” أو الوجه المخصخص للسي آي إيه، The Private CIA. ومعظم خبراء مركز ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأميركية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى