شوؤن عربية

توقعات “مجموعة الأزمات”: قد لا ينتصر أيَ طرف في معركة الأتراك ضد الأكراد وقد لا يحسم أيَ منهما الصراع

مجموعة الأزمات الدولية – نوح بونسي * – 26/1/2018
قسم الترجمة – 28/1/2018
رجح تقرير لمجموعة الأزمات الدولية أن لا يكون هناك منتصر في المعارك الجديدة المستنزفة بين تركيا والقوات الكردية السورية في شمال غرب سوريا.
وكان من المتوقع منذ فترة طويلة أن يكون هناك هجوم تركي على وحدات حماية الشعب الكردية، وهي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. فبالنسبة لمعظم المراقبين، لم يكن السؤال هو ما إذا كان سيكون هناك هجوم، ولكن متى وأين وفي أي ظروف.
ومن المرجح، وفقا لتقرير مجموعة الأزمات، أن لا يحسم أيَ من الطرفين هذه المعركة وأن تكون مكلفة لكلا الجانبين. إنها صداع هائل لواشنطن، حليفة كلا طرفي الصراع، وتفرض ضغوطا هائلة على علاقة تركيا مع الولايات المتحدة ما لم يبادر جميع المعنيين بتعديل إستراتيجياتهم.
وكانت أنقرة، الغاضبة منذ عام 2015 من دعم الولايات المتحدة للوحدات الكردية لكونها العمود الفقري العسكري لقوات سوريا الديمقراطية حتى مع قيام حزب العمال الكردستاني بتمرد نشط في تركيا، تأمل في أن حليفتها في الناتو، أمريكا، تنهي الدعم للقوات الكردية بعد الاستيلاء على معاقل “تنظيم الدولة”.
ولكن يبدو أن واشنطن قررت أن تفعل العكس تماما: البقاء ومواصلة الاستثمار في شركائها على أرض المعركة، وترى الولايات المتحدة أن “استقرار” المناطق التي استولت عليها داعش أمر ضروري لمنع عودة الجهاديين، وهي لا تريد التخلي عن حليف موثوق به ليحتويه النظام، وتأمل في الاستفادة من وجودها العسكري لتعزيز التحول السياسي في دمشق واحتواء النفوذ الإيراني.
وتعارض أنقرة بشدة استمرار الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب، التي ترى أنها تمكن حزب العمال الكردستاني من تعزيز وإضفاء الشرعية على حكمه المفروض على طول جزء كبير من حدوده الجنوبية، مما يمنح النفوذ الدبلوماسي والاعتراف الدولي.
وردا على ذلك، بدأت أنقرة أهم عمل لها حتى الآن ضد وحدات حماية الشعب، في عفرين، ويمكنها شن هجوم دون مواجهة مباشرة مع أمريكا. وليس للولايات المتحدة وجود عسكري في هذا “الكانتون” المعزول جغرافيا عن وحدات حماية الشعب في شمال غرب سوريا، والتي وصفتها واشنطن دائما بأنها خارج مجال نفوذها.
ولأن “عفرين” غير محمية من قبل المظلة الأمنية الأمريكية في شمال سوريا، صارت هدفا أسهل لتركيا مقارنة بالمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في الشرق. ويُذكر أن موسكو هي التي قدمت في السابق نوعا من الحماية الضمنية للمنطقة. وتسيطر روسيا على المجال الجوي فوق هذا الجزء من سوريا، وتحتفظ بوجود عسكري صغير في عفرين. واعتبرت موافقتها شرطا مسبقا لأي عملية تركية كبرى هناك.
وقد أدى قرار تمرير للعملية التركية إلى إلحاق أضرار جسيمة بعلاقات روسيا الودية السابقة مع وحدات حماية الشعب، ولكن بالنسبة لموسكو فإن هذا الضرر يمكن تحمله، إذ إن قدرة روسيا على السيطرة على أرض المعركة جنبا إلى جنب مع تركيا، لعدم وثوقها بأمريكا، كان ذا قيمة أكبر.
ومع ذلك، فإن عفرين، عسكريا، تشكل تحديا ميدانيا صعبا لتركيا، إذ تمتلك الوحدات الكردية كلا من السيطرة العسكرية والجذور المحلية العميقة. وخلافا لمعظم المناطق الشمالية التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، فإن عفرين مشجرة وجبلية جزئيا ومكتظة بالسكان. ورغم أن الوحدات الكردية مُحاطة بقوات منافسة (تركيا من الغرب والشمال ومقاتلو فصائل مدعومة من تركيا شرقا ونظام الأسد من الجنوب الشرقي، والجهاديون من “هيئة تحرير الشام” من الجنوب)، فإن الطريق الذي يربط عفرين بالأراضي التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” في الشمال الشرقي يمر عبر المناطق الخاضعة للنظام، وقد تكون الوحدات الكردية قادرة على التفاوض مع دمشق لاستخدام هذا الطريق لنقل التعزيزات.
وحتى لو استولت قوات التركية ومعها مقاتلو فصائل “درع الفرات” على عفرين، فإنه لا يزال من غير الواضح كيف تأمل أنقرة في تأمين منطقة يسكنها سكان معادون وتضاريسها مناسبة لحرب العصابات. وعلى الأرجح، وفقا لتقرير “مجموعة الأزمات”، سينتهي الأمر بتركيا إلى الغرق في معركة طويلة ضد حركة مقاومة عنيدة وشرسة.
ويمكن أن يغرق الوضع في الفوضى، خصوصا إذا مدَدت تركيا عملياتها إلى منبج، وهي مدينة وضعها حساس، وخاضعة للنفوذ الأمريكي، وتقع على الطرف الغربي من الإقليم الشمالي الشرقي لقوات سوريا الديمقراطية.
وأشارت تقديرات “مجموعة الأزمات الدولية” إلى أن هجوم عفرين قد يعزز القيادة التركية مؤقتا في الداخل، ولكنه ينطوي على مخاطر كبيرة، ومن غير المرجح أن يضعف بشكل كبير الوحدات الكردية. وقد يشجع الهجوم حزب العمال الكردستاني على العودة إلى التفجيرات في المدن التركية، وهو أسلوب قد تخلى عنه في خلال العام الماضي (ويرجع ذلك جزئيا إلى توجيهات واشنطن التي نقلتها إليه وحدات حماية الشعب). ومن غير المرجح أن تنتهي هذه المعركة بشكل جيد لأيَ طرف، وتسلط الضوء على الحاجة الملحة لمعالجة النزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب، وما يرتبط به من تناقضات في السياسة الأمريكية.
قامت أنقرة بتوجيه ضربات قوية لحزب العمال الكردستاني في السنوات الثلاث من القتال في جنوب شرق تركيا إثر انهيار جهود السلام في عام 2015. ومع ذلك، فعلت ذلك بتكلفة بشرية كبيرة. ولا يزال حزب العمال الكردستاني صامدا في معاقله شمال العراق، وتواجه تركيا آفاقا أكثر قتامة وقيودا جغرافية سياسية هائلة داخل سوريا. ويمكن لتركيا شن هجمات مدمرة ضد المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب وتزعزع استقرارها، ولكن لا سبيل لها واضح للانتصار العسكري هناك.
ومن جانبه، فقد حزب العمال الكردستاني “جيلا” من المقاتلين (كما قال أحد قادته لمجموعة الأزمات) في الصراع الذي يمكن القول إنه عزز خصومه سياسيا. وليس لديه ما يدعو إلى توقع نتائج أفضل من عملياته داخل تركيا في المستقبل.
فبدلا من السعي المكلف والمستنزف لتحقيق أهداف مثالية، فإن الأفضل لتركيا وحزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب تقديم تنازلات متبادلة: التهدئة العسكرية لحزب العمال الكردستاني في تركيا (مثل وقف فوري لإطلاق النار وسحب الأسلحة من الأراضي التركية) مقابل عودة أنقرة إلى عملية السلام والقبول بسيطرة وحدات حماية الشعب على مناطقها في الشمال السوري.
صحيح أن العقبات هائلة، ولكن يمكن التغلب عليها. وحتى عندما يتنقل المسؤولون الأمريكيون بين حلفائهم المتحاربين في محاولة لاحتواء القتال، ينبغي أن يبدأوا استكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق نهائي يقدم فيه حزب العمال الكردستاني تنازلات على أحد جانبي الحدود مقابل حل وسط من تركيا من جهة أخرى.
تقرير مترجم عن
https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/will-americans-abandon-us
*نوح بونسي – محلل أول في ، سوريا ، بيروت، لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى