أقلام وأراء

تمارا حداد تكتب – صراع على السلطة وليس صراعا على التغيير والتحسين نحو الافضل

تمارا حداد *- 15/3/2021

 تفاءل الشعب الفلسطيني خيراً بعد صدور مراسيم الانتخابات الفلسطينية العامة حيث همه الاكبر احداث حالة من التغيير الجذري وهندسة “هندرة” لكل العمليات الادارية والمالية بشكل يُوصل كافة شرائح المجتمع نحو حالة من العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ولكن بعد مرور مدة من تاريخ صدور مراسيم الانتخابات باتت الصراعات الداخلية تظهر على السطح وعلى مايبدو ان البعض التقف هذه الفرصة للخلاص من القيادة الحالية ليرسم له موطأ قدم له من خلال الانتخابات القادمة، اكتب مقالي هذا وقد لا يروق للبعض ما سأكتبه ولكنه مقال بنظرة حيادية واقعية بعيدة عن التحيز لاي جهة معينة، ابدأ بمن يتهيأ للبعض بان حركة فتح المركزية ستأخذ 55 مقعداً او اكثر ولكن في واقعها الحالي المنقسم في الآراء والرؤية قد لا تصل مقاعدها الى 15 مقعدا، وأريد ان افسر ذلك علمياً ضمن معطيات واقع فتح الحالي.

تاريخياً تعتبر حركة فتح هي العمود الفقري لحركة التحرر الوطني الفلسطيني وهي علمانية “ليبرالية” ” فيها تتعدد آراء حرية الفرد وهي تتقبل الجميع سواء اليساري والمتدين والعلماني والمستقل وحتى اصحاب الديانات الاخرى هو موجود في حركة فتح فهي حركة جماهيرية شعبية وليست حركة عقائدية، حركة فتح حركة “ميكافيلية” أي من يدخل حركة فتح يدخل لمصالحه الشخصية وليس إيماناً وانتماءاً لحركة فتح ضمن عقيدة يؤمن بها تنظيمياً حركياً خالصاً، هذا الامر يجعل حركة فتح مختلفة الآراء والمنهج والتفكير تتبع لأشخاص وليس للتنظيم “الصلب العقائدي” او المركز لذلك نجد تيارات عديدة في فتح وهذا موروث تاريخياً، ويوجد بها رموز وترتبط الاشخاص بتلك الرموز وليس بالتنظيم وهذا الامر ينعكس على فتح بتواجد قوائم عدة وهذا يُضعف صوتها الانتخابي.

في حين ان حركة حماس مختلفة تماماً عن حركة فتح فهي حركة عقائدية والتابعين لها يلتزم التزاماً حديدياً للأوامر الشورى التي تأتي اليهم دون نقاش، وهذا بالفعل ما حدث بانتخاباتهم الداخلية لم نرى أي صراعات داخلية وان كانت فيما بينهم اثناء انتخاباتهم الخاصة ولكن لم تظهر على السطح او الاعلام، انتهت انتخاباتهم باختيار السنوار وهو في نظر الدول العربية مثل مصر الاكثر قرباً واعتدالاً وشخصية سياسية براغماتية تُحاول قدر المستطاع التقليل من الحروب التي قد تحدث لقطاع غزة، نسمع كثيرا ان القطاع سينقلب خلال الانتخابات في قطاع غزة على حركة حماس هذا الأمر غير صحيح، حركة حماس قاعدتها الصلبة تصل الى 400 الف شخص في القطاع ناهيك عن كوادرها في الضفة الغربية غير الظاهرين على السطح، وهم يتلزمون بحركتهم حتى لو انهم اختلفوا معها في الراي والتحليل والتحالفات او اضطهدوا من ذواتهم داخل قطاع غزة الا انهم سيلتزموا بالقرار العقائدي الديني الشوري المركزي.

وهذا ما سيجعل كوادر حماس حتى لو تم الاتفاق على القائمة المشتركة في لقاءات القاهرة لكن فعلياً سيتم تشكيل قائمة اخرى باشخاص متدينين او مستقلين، كون اغلب كوادر حماس غير راضيين على القائمة المشتركة بالتحديد ان منها سيكون علماني والليبرالي وهذا ما لن يدفع عناصر حماس لانتخاب قائمة مشتركة وهذا ما ظهر خلال تصريحات لبعض عناصر حماس غير الراضية على حركة فتح او الفصائل الأُخرى بالتحديد ان بعض الفصائل اليسارية والعلمانية أهانت حركة حماس عبر الاعلام.

مؤشرات ودلائل :

مؤشرات عديدة تشير الى ان حركة حماس هي من يكون لها النصيب الاكبر في اي انتخابات قادمة ثم تيار الاصلاحي الديمقراطي الفتحاوي “دحلان” فالعديد من كوادره يعملون في منطقة القدس وجنوب الخليل ومنطقة جنين وجزء من نابلس وبعض المخيمات ناهيك على ان دخول كوادر الدحلان الى غزة مؤخرا سيعمل عند لحظة الصفر للانتخابات بتحول رصيد فتح المركزية وتوجههم الى تيار الدحلان “عند لحظة الصفر”، ولا ننسى ان ناصر القدوة اذا استمر بعمل قائمته المستقلة عن فتح المركزية سيأخذ نصيباً بالانتخابات من اصوات فتح وليس من آخرين ولكن ناصر ليس بقوة انصار تيار الدحلان، ولا ننسى حتى الان ان مروان البرغوثي موقفه بين هذا وذاك كون ما يهمه الان هو دخول معترك الرئاسة والخروج من المعتقل، وهناك قوائم عديدة لكوادر فتح تم تهميشهم فعيلاً من حركة فتح الرسمية اسسوا لقوائم خاصة بهم، هذا الامر سيجعل فتح المركزية لن تأخذ نصيب الاسد حتى لو عملت بالقائمة المشتركة او توحدت مع فصائل منظمة التحرير.

لا ننسى ان اليسار يعاني من عقم تجديد القيادات وهناك اشكاليات الارقام في القوائم وعدم الاتفاق بينهم هذا الامر سيضعفها ولن تستطيع الوصول الى الحسم، نتيجة عدم ثقة الشارع الفلسطيني بهم وعدم قدرتهم طيلة الاعوام الماضية على تمثيل مشاكل الشارع مثل قضايا المراة والمزارعين والعمال الخ ولم يكن هناك دفاع حقيقي عنهم وان ما يدل على ذلك الانتخابات الطلابية في الجامعات من قوى اليسار لم تصل الى نسبة الحسم، وايضا لم يكن هناك تعبئة حقيقة لكوادر جديدة قادرة على التغيير بل الوجوه كما هي لم تتغير منذ 15 عاما، ناهيك ان اليسار غير مقتدر ماليا.

في حين ان المستقلين لهم قوائم عديدة هذا الأمر سيُضعفها وقد لا يصلوا الى مرحلة الحسم، الا في حال اختيار اسماء مختلفة عن الوجوه القديمة واشخاص أكفاء ذو سمعة طيبة عملوا فعلياً على ارض الواقع والجمهور يشهد لهم بذلك.

مشهد يتكرر :

على ما يبدو ان مشهد عام 2006 سيتكرر لعام 2021 عندما عاقبت فتح الاشخاص من خلال معاقبة التنظيم والذي انعكس ان حماس نجحت في تشكيل الحكومة وهذا ما يجعل حماس ان تدخل الضفة كما عام 2006 وهذا الامر سيغير معالم الاحداث السياسية، وبما ان الانتخابات ستحصل دون اتفاق حقيقي ومصالحة بين فتح وحماس ولا يوجد استراتيجية توافقية بينهما على حل الاشكاليات وارجائها الى ما بعد الانتخابات، هذا يعني ان تشكيل حكومة وحدة وطنية ستُعاقب كما عُوقبت عام 2006 بالرغم ان الانتخابات في حينها كانت “واحة الديمقراطية”، مشهد 2006 قد يتكرر لعام 2021 وعواقب ذلك وخيمة قد يحدث حصار كحصار قطاع غزة ومقاطعة دولية لحكومة الوحدة الوطنية، ويكون المشهد مدعاة الاقتتال الداخلي في الضفة الغربية قد يحصل لان الانتخابات الحالية هي صراع على السلطة وليس صراع من اجل التغيير وهذا ما تريده اسرائيل لتقول للعالم ان الشعب الفلسطيني غير قادر على ادراة ذاته ويحتاج الى وصاية وهو ماسيدفع العالم الى تبني وجهة نظر الاسرائيليون واليمين الاستيطاني “الحكم الذاتي الهزيل” في الضفة، ووجود قوة عسكرية في غزة تحت اتفاقيات مهينة ومذلة وانهاء القضية الفلسطينية وبقاء كولاية في قطاع غزة وهذا السيناريو الاقرب حدوثاً ما لم يكون هناك حل للقضايا الجذرية التي ادت الى ما نحن عليه.

*تمارا حداد – كاتبة وباحثة فلسطينينية وعضو بلدية مدينة البيرة ومنسقة لجنة اسناد النسوية في البيرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى