تقييم أولي لـ “عامود السحاب “: حماس حققت مكاسب سياسية والطرفان بانتظار عملية حاسمة
مركز الناطور للدراسات والابحاث
قالت محافل عسكرية صهيونية إنّ الواقع الجديد في غزة يتبلور أمام أنظارنا، وحتى الآن تبدو “إسرائيل” وحماس تبذلان جهوداً كبيرة لعدم انتهاك وقف إطلاق النار الذي توصلا إليه إثر عملية “عامود السحاب”، ويتجنب الجيش حتى الآن دخول القاطع الأمني غير المحدد بعرض 300 متر داخل الأراضي الفلسطينية غرب السياج الحدودي الذي أشعل الصدام الأخير.
فيما تفرض حماس بتشدد حظر إطلاق النار، وفي الغالب تمنع المتظاهرين والنشطاء المسلحين من الوصول لمقربة السياج، بل سعت لنشر فتوى شرعية تحظر انتهاك وقف النار في الوضع الراهن.
وأضافت: في الأسابيع التي سبقت العملية، وعلى خلفية محاولة فلسطينية متصاعدة للمساس بدخول الجيش للقاطع الأمني، وانتهت بإطلاق صاروخ مضاد للدروع على الجيب العسكري، تقلصت جدا حركة القوات قرب السياج، والآن، بعد وقف إطلاق النار، يجري إرسال الجنود هناك راجلين، مزودين بوسائل تفريق التظاهرات، غير أن الأخطار الفعلية أشد من ذلك.
فيما أكد “عاموس هارئيل” المراسل العسكري الصهيوني أن القاهرة تشهد اتصالات غير مباشرة بين الطرفين، بوساطة مصرية، في محاولة للتوصل لصيغة متفق عليها وأكثر تفصيلا لوقف إطلاق النار، حيث تسعى “إسرائيل” لضمان ألا تقع عمليات ضدها من أراضي القطاع، وإحباط عمليات تهريب الأسلحة من سيناء إلى غزة.
مع الإشارة إلى وجود نقاط خلاف محتملة، تتعلق بنوايا عملياتية من القطاع إلى “إسرائيل” بطرق غير مباشرة، خصوصا عبر سيناء، وعندما يلحظ الجيش أي محاولة لإطلاق الصواريخ من المنطقي الافتراض أن يشكل ذلك مبررا لعمل وقائي، رغم وقف النار.
وفي حين أن هناك مفاجأة في “إسرائيل” من فورية فرض إطلاق النار هذه المرة، دون مرحلة ضبط النفس الروتينية في الجانب الفلسطيني، الممتدة بالعادة بضعة أيام، فإن هناك تفسيران لذلك:
1- تفسير متفائل: يقول إن حماس متأذية بما يكفي من جولة العنف الأخيرة، وتبدي حذرا من استئنافها،
2- تفسير متشائم: يفترض أن حماس تسعى للحفاظ على إنجازاتها السياسية من المواجهة: مع دعم واسع من الدول العربية، مصر وقطر، ومن الأفضل لها التركيز حاليا على ترميم الأضرار، وترفيع مكانتها من جديد، ما يعني توفر فرصة لهدوء نسبي، لبضعة شهور على الأقل.
تبادل اللكمات
في ذات السياق، كشفت المحافل العسكرية النقاب عن استعداد الجيش لعملية واسعة نسبيا في القطاع منذ الربيع الفائت، حين أبلغ رئيس الأركان “بيني غانتس” لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، انه ستنشأ حاجة لعملية في غزة في الآونة القريبة، وتم زيادة التدريبات للعملية.
لكن الإقرار لدى المستوى السياسي تمثل في الخريف فقط، مع قصر فترات الهدنة بين جولات تبادل اللكمات في القطاع، وفضل “بنيامين نتنياهو وإيهود باراك” تجنب شن عملية في تشرين أول، على ما يبدو أيضا بسبب الانتخابات الرئاسية الأميركية مطلع تشرين الثاني.
وأضافت: وفق قواعد الإحباط المركز، وهو الاسم المفضل للاغتيالات، يمكن ضرب قادة المنظمات بسبب خطط عملياتهم في المستقبل، وليس تصفية حساب على عمليات الماضي، لكن اغتيال أحمد الجعبري لم يقاس وفق هذا المعيار، لأنه اعتبر خطوة حربية، واستهلالاً لعملية عسكرية مسموح في نطاقها المساس الأوسع بقادة العدو.
ومع ذلك نال الاغتيال موافقة المستشارين القضائيين، لأنه كان سينجح في اختبارات الاغتيال الاعتيادية جراء ضلوعه العميق بالعمليات المعادية.
وختمت بالقول: ضرب حماس باغتيال الجعبري، وتدمير معظم صواريخ المدى المتوسط، ونجاحات القبة الحديدية، جميعها إنجازات لا بأس بها، ولكن يستحسن وضع الأمور في سياقها، لأنه لا مبرر للبهجة في “إسرائيل”، فعملية الرصاص المسكوب، الأب الروحي لعامود السحاب، أوسع وأشد، وفرت لـ”إسرائيل” ردعا إزاء غزة طوال عامين ونيف، قبل أن يبدأ التدهور الذي انتهى بالعملية الأخيرة، التي أعدت لتحقيق الغرض ذاته، بترميم الردع لزمن محدود، حتى الانهيار المقبل، ما يعني أنها العملية الحاسمة2، التي ستصمد حتى العملية الحاسمة 3.
فيما لفت “هارئيل” الأنظار إلى عدد المعايير التي يجب في ضوئها مدى نجاح أو إخفاق العملية الأخيرة من خلال:
1- الخطط العملياتية: فقد استعدت قيادة الجبهة الجنوبية لعملية برية محدودة، تدربت عليها جيدا عدة طواقم لوائية من وحدات نظامية، لكن جرى تغييرها بجرة قلم، حينما صادقت الحكومة في استفتاء هاتفي على تجنيد 75 ألف جندي احتياط، وازداد عدد الطواقم اللوائية بدرجة كبيرة، رغم أن قسما منها افتقر للخبرة الفعلية في حلبة غزة.
تصوير الجنود
صحيح انه لم تكن لدى القيادة نية حقيقية للدخول في خطوة برية، وقد أعد حشد القوات أساسا لاستخدامها كعصا غليظة تهدد حماس، وتقود لوقف النار، لكن يجدر التفكير بسيناريو بديل: ماذا كان ليحدث لو انتهت عملية تفجير الحافلة في تل أبيب بعدد كبير من الإصابات؟ في حال كهذا، من الجائز أن الضغط البري كان سيبدأ بالتدحرج، رغم الشكوك في جاهزية من في آخر الطابور لمثل هذه المهمة.
ويفتخر الجيش بأنه استغل أسبوع التجنيد لتحسين كفاءة وحدات الاحتياط، غير أن حالة القوات الاحتياطية أخطر مما تعرضها القيادة العليا، فكبير ضباط الاحتياط، “شوكي بن عنات”، حذر مؤخرا من أزمة أخلاقية صعبة في صفوفهم، واشتكى الكثير منهم من غياب التدريبات الكافية.
2- انكشاف القوات للمخاطر: تواجد آلاف الجنود إبان العملية تحت قبة السماء في مناطق تدريبات تقع في مرمى صواريخ الكاتيوشا من غزة، وهذا الخطر لم يكن إلزامياً، وينبغي على الجيش البحث عن حلول بديلة، وأن يواجه أيضا الشبهات المتزايدة بأن بعض البدو من مواطني “إسرائيل” ساعدوا بتوجيه النيران من غزة.
وهناك شهادات عديدة لجنود حول بدو شوهدوا يرصدون القوات بمناظير، وفي مناطق التدريب بالنقب هناك عربدة متواصلة لعصابات تسرق الذخائر والعتاد دون إزعاج، ومن الجائز أن ضبط النفس إزاء ذلك كانت تكلفته هذه المرة أعلى.
3- الإمداد اللوجستي: إن محاور الحركة في الجنوب مفتوحة ومتنوعة نسبيا، بالمقارنة مع حرب الجبهة الشمالية، ورغم ذلك يتطلب الأمر من الجيش فحصا دقيقا لمنظومة نقلياته، التي ترافقت مع مصاعب غير معقولة، حتى إذا أخذنا بالحسبان تجنيد الاحتياط الواسع والمفاجئ.
معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني
التقرير المعلوماتي، ملحق 2678،4/12/2012
ترجمة مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية – 6/12/2012