ترجمات أجنبية

تقرير مترحم عن كريستان سينس مونيتور – التحرك التركي إلى داخل سورية: إشارة إلى الكيفية التي تشكل بها روسيا البلد

كريستان سينس مونيتور – دومينيك سوغال – 19/10/2017
خلال معظم الحرب الأهلية السورية، كان هناك ثابتان للسياسة التركية: دعم قوات المعارضة الساعية إلى إسقاط الرئيس بشار الأسد؛ وقلق من القوة المتنامية للأكراد في شمالي سورية، والذين تعتبرهم أنقرة تهديداً مباشراً.
لكن تركيا راقبت بحذر عندما قامت الولايات المتحدة، حليفتها في الناتو، بتسليح القوات الكردية السورية التي تسعى إلى طرد “داعش” من معاقله في شمالي سورية مباشرة وزادت دعمها لها باطراد.
وهكذا، عندما أرسلت القوات التركية فرق استطلاع ثم قوات رئيسية إلى محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة هذا الشهر، ناسب هذا الوضع منطقاً معيناً. فقد وضع التحرك القوات التركية على مقربة من الجيب الكردي في عفرين، موطن الفصيل الكردي السوري، حزب الاتحاد الكردستاني، الذي قامت الولايات المتحدة بتسليح جناحه العسكري.
وفي الحقيقة، يمثل التوغل في المحافظة السورية تحولاً مهماً في التفكير التركي -بل وحتى تغييراً أكثر درامية في ميزان القوى في سورية.
في غمرة التقارب التركي مع الحليف السوري، روسيا، والذي كان قيد الترتيب منذ أمد بعيد، يشكل التحرك التركي الأخير جزءاً مما تدعى اتفاقية “خفض التصعيد” التي توصلت إليها روسيا مع حليف آخر للأسد، إيران، في العاصمة الكازاخية، أستانة، في أيار (مايو) الماضي.
وتنص مذكرة التفاهم الثلاثية على إنشاء أربع مناطق لخفض التصعيد، في خطوة يأمل المتفائلون أنها ستساعد على خفض الأعمال العدائية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والطبية، والتشجيع على عودة اللاجئين.
وفي الأثناء، يقول منتقدون إن عملية الاستانة تكرس خطوط القسمة وتسهم في تشظية بلد الذي يشكل منطقة صراع، حيث تنحت كل قوة فضاءات نفوذ لنفسها. وكان الثلاثة قد رسموا أطر مسؤوليات المراقبة في محافظة إدلب في أيلول (سبتمبر) الماضي.
بموجب اتفاقية أيار (مايو)، يمكن نشر ما يصل إلى 500 مراقب تركي في إدلب، سوية مع العدد نفسه من القوات الروسية والإيرانية في مناطق تسيطر عليها قوات الحكومة السورية وحلفاؤها.
عملية الاستانة
وفق محللين، يعكس التوغل التركي في سورية إدراك تركيا أن أفضل مكان لحماية مصالحها في سورية لا يكمن في إجراء المحادثات مع واشنطن أو غيرها من عواصم الناتو، وإنما يمر عبر موسكو التي تشكل اللاعب الدبلوماسي والعسكري المهيمن في سورية.
وتقول غونول تول، المدير المؤسس لمركز معهد الشرق الأوسط للدراسات التركية في واشنطن: “لقد أصبح واضحاً مع عملية إدلب أن تركيا تعمل الآن تحت المظلة الروسية في سورية”. وتضيف أن الرئيس ترامب “اتخذ القرار بتوسيع هذا التحالف مع الأكراد. وتشعر تركيا بأنها حشرت في الزاوية ولا يوجد لديها مكان آخر للذهاب إليه. وبناء على ذلك تحولت نحو روسيا وإيران”.
كان انخراط روسيا العسكري المباشر في سورية قد بدأ في أيلول (سبتمبر) 2015، وكان فعالاً في تغيير ميزان القوى لصالح الأسد، على الرغم من أنه لم يضع النظام السوري في موضع تأكيد سلطته على عموم البلد الذي تقسم إلى جيوب عدة.
وتتناسب عملية إدلب مع العملية الدبلوماسية في أستانة، كما تتناسب أيضاً مع الاستراتيجية الروسية للتوسط في التوصل إلى اتفاقيات هدنة محلية في سورية لخفض العنف وتعزيز المكاسب الإقليمية التي حققتها طائفة من القوات الداعمة للحكومة السورية.
ولم تهدف محادثات أستانة تحت القيادة الروسية حتى الآن إلى التوسط لتحقيق سلام شامل أو الوصول إلى حل سياسي للنزاع السوري. ومع ذلك، ومن خلال تجميع الفصائل المتحاربة مباشرة، نجحت المحادثات في تبديل الحقائق على الأرض. وقد عقدت حتى الآن ست جولات من المباحثات في العاصمة الكازاخية، بينما تقرر عقد الجولة السابعة في 30-31 تشرين الأول (أكتوبر).
رياح معاكسة في جنيف
تنطوي محادثات أستانة على تناقض حاد مع العملية الدبلوماسية الجارية في جنيف بقيادة الأمم المتحدة، والتي مضت عليها سنوات. وقد نجحت بطريقة لم تستطع تحقيقها الجهود التي قادتها سلسلة شجاعة من مبعوثي الأمم المتحدة، حتى في اللحظات الموجزة التي تمتعت فيها بالدعم من الولايات المتحدة.
وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسورية، ستيفان ديمستورا، قد وصف محادثات أستانة وجنيف باستمرار بأنهما مكملتان لبعضهما بعضا، رافضاً الفكرة القائلة إن المحادثات العسكرية في أستانة يمكن أن تخرج العملية السياسية والدبلوماسية في جنيف على مسارها.
وكانت المحادثات في سويسرا قد بدأت في العام 2012، وما تزال تعطلها بثبات عدم رغبة النظام السوري في التفاوض على أي قضايا جوهرية، ووجود معارضة ضعيفة ومنقسمة على نفسها، والانخراط منخفض الوتيرة للولايات المتحدة.
وعلى النقيض من ذلك، تظل محادثات أستانة أكثر تواضعاً في طموحاتها، وقد أصبحت المكان الذي يشهد إجراء محادثات عسكرية وما هو أكثر.
بينما تظل غير كاملة وعرضة لانتهاكات متعددة، فإنه يشهد لاتفاقات الهدنة المحلية بأنها خفضت المستوى الكلي للعنف في سورية. كما ساعدت أستانة دمشق في ترسيخ مكاسبها الإقليمية ونقل قواتها لمحاربة “داعش” في الشرق.
يحذر الخبير في الشأن السوري، سلمان الشيخ، الذي يتخذ من باريس مركزاً له من أن “هذا يشكل صماماً يستطيع الروس والنظام فتحه وإغلاقه”، مشيراً بذلك إلى الطبيعة المؤقتة لحالات وقف إطلاق النار. ويضيف الشيخ: “لكنه الشيء الوحيد الذي أسهم في خلق إحساس ببعض التحرك والزخم، وذلك ما يحاول مبعوث الأمم المتحدة التعويل عليه”.
الكرة في ملعب روسيا
مع هزيمة “داعش” في الرقة، يأمل المراقبون أن تنخرط واشنطن والعواصم الغربية بطريقة أكثر جدية في عملية البحث عن حل للنزاع في سورية، والذي دخل الآن عامه السابع. لكن الجميع يقولون إنه لا يمكن لعملية سلمية أن تتقدم من دون مصادقة موسكو عليها.
ويرى المراقبون علامات أمل في المحادثات حول إجراء “حوار وطني مبكر” وانخراط روسيا المتنامي مع مفاهيم مثل تقاسم السلطة والفصل بين القوات، أو، ببساطة، الفترة الانتقالية، حتى لو تعلق الأمر بأن لا يحدث ذلك قبل العام 2021 عندما تنتهي ولاية الرئيس الأسد.
يقول نوح بونسي، المحلل الرفيع للشأن السوري في مجموعة الأزمات الدولية، إن من المستحيل التقرير في هذه المرحلة ما إذا كانت محادثات أستانة ستصب في صالح عملية جنيف. ويشدد على أن الكرة توجد في ملعب روسيا، وأن الكثير يعتمد على قدرتها على جلب دمشق وطهران إلى الركب.
ويقول بونسي: “لم تكن عملية جنيف فعالة على الإطلاق في تشكيل التطورات على الأرض”، ولا تستطيع تحقيق اتفاقية متفاوض عليها في ظل غياب “الإرادة السياسية من اللاعبين الداخليين والخارجيين للنزاع في التفاوض على شيء ما”.
تقع المعارضة السورية راهناً تحت الضغط لاتخاذ موقف أكثر براغماتية وتبني نهج موحد في جنيف. وكانت أنقرة، على الرغم من تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعكس ذلك، قد اسقطت مطلب ذهاب الأسد.
وينظر البعض في المعارضة السورية إلى نشر القوات التركية في إدلب كنوع من الخيانة. فقد كان قوات تابع تنظيم القاعدة السوري، وليس ما تبقى من المعارضة المعتدلة، هي التي قيل إنها رافقت الجنود الأتراك إلى مواقعهم. لكنهم يعترفون أيضاً بأنها ليست هناك أي لعبة أخرى في البلدة.
تقول تول إن حدود التحالف الروسي- التركي- الإيراني سوف تتحدد من خلال البعد الذي تذهب إليه موسكو وطهران في تخفيف المخاوف التركية من تنامي نفوذ الأكراد السوريين. ويبدو أن طهران تتقاسم مع أنقرة نفس المخاوف من تنامي الحكم الذاتي الكردي.
لكن روسيا منجهتها تنظر إلى الأكراد كورقة مساوية، والتي لا تستخدم فقط ضد تركيا، وإنما ضد الولايات المتحدة أيضاً. وقد أثار إعلان حديث للحكومة السورية بأنها ترغب في بحث مسألة الحكم الذاتي مع الأكراد الكثير من القلق في أنقرة.
هل تستطيع أستانة مساعدة جنيف؟
يحذر السيد بوسني من أنه بينما تؤتي العلاقة بين أنقرة وطهران أكلها في أستانة بفضل هيمنة روسيا على العملية، فإن هناك فجرة ما تزال قائمة بين مواقفهما ومنافسة واضحة على النفوذ في شمالي سورية. ويعتقد كلا البلدين أن بإمكان أستانة المساعدة في وضع الأسس لنجاح أكبر في جنيف، وهو ما يستمر في ظل غياب مقاربة أفضل.
وتقول تول: “تنتج عملية أستانة نتائج عسكرية، ويجب أن تبني عملية سياسية على ذلك. كانت أستانة طريقة روسيا لإملاء الشروط العسكرية على الأرض قبل إطلاق العملية السياسية”.
ويتفق المحللون على أن العملية السياسية سوف تبدأ فقط متى ما كانت الحقائق على الأرض مواتية لروسيا والنظام السوري. والسؤال هو ما إذا كانا سيفعلان الشيء نفسه في جنيف.
يقول السيد الشيخ إن التحدي الآن يكمن في كيفية تحويل الجهود المحلية التي ساعدت على خفض العنف إلى خطة وطنية شاملة؛ ليس فقط خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، وإنما وضع خطة تبحث في الحكم المدني. وهو يؤكد “خطة وطنية لا تعمق التقسيم والوقائع المختلفة في عموم البلد”.
ويخلص الشيخ إلى أن من الضروري توسيع العملية في جنيف لتضم قوات سورية الديمقراطية كردية القيادة والمدعومة من جانب الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أنماط أخرى من اللاعبين بغية إجراء بحث جاد للعملية السياسية. ويقول: “من دون ذلك ستكون عملية جنيف ميتة، ولن تذهب أبداً إلى أي مكان”.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
In Turkish move into Syria, a sign of how Russia is shaping the country
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 2/11/2017
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى