ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن وور أون ذا روكس – حان الوقت للتراجع عن الحرب على الإرهاب

وور أون ذا روكس – إريك غيوبنر؛ وتريفور ثرول* – 26/10/2017
منذ توليه منصبه، قام الرئيس دونالد ترامب بتوسيع كل عنصر من عناصر الحرب على الإرهاب التي ورثها من سلفيه. ففي شهوره التسعة الأولى، أمر ترامب بتجديد زيادة عديد القوات الأميركية في أفغانستان، وزيادة وتيرة ضربات الطائرات من دون طيار، ومنح ضباط الجيش صلاحيات أكبر. وفي الأثناء، أصبحت طالبان في أفغانستان تسيطر الآن، أو تهدد بالسيطرة على عدد من المحافظات أكبر من أي نقطة منذ العام 2001. وفي الأسابيع الأخيرة قتل أربعة جنود أميركيون في النيجر التي تصبح جبهة ناشطة بازدياد في الحرب على الإرهاب. وفي الوقت الحالي، يقاتل الأميركيون -ويقتلون- في ثمانية بلدان مختلفة على الأقل في عموم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ويقف مقتل الجنود الأميركيين ليكون تذكيراً بشكل خاص بالكلفة العالية للحرب، وهو ما يجب أن يدفع الجمهور إلى التساؤل عما إذا كانت هذه الكلفة جديرة.
لسوء الطالع، يشير دليل الأعوام الستة عشر الماضية بوضوح إلى أن الجواب هو: لا. وقد مر وقت كافٍ حتى الآن منذ هجمات 11/9 للوصول إلى محصلتين مهمتين. الأولى، أن حجم التهديد الذي شكله الإرهاب الذي يستلهم الإسلاموية لا يبرر هذا الجهد الضخم. والثانية، هي أن الاستراتيجية العسكرية التي ما تزال الولايات المتحدة تنتهجها منذ العام 2001 لخفض تهديد الإرهاب لم تفشل وحسب؛ بل إنها جعلت الأمور أسوأ على الأرجح.
كانت هجمات يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001 غير مسبوقة. وقد مات من الناس في 11/9 ضعف عدد ضحايا أي هجوم إرهابي آخر في التاريخ. وكان رد أميركا المباشر -مهاجمة تنظيم القاعدة وغزو أفغانستان- يبدو أكثر منطقية في ذلك الوقت مما أصبح عليه الآن، بسبب حدة الهجوم والافتقار إلى لوضوح من أجهزة الاستخبارات، والخوف المتفشي في أوساط الجمهور. وقد اعتقد الكثيرون في ذلك الحين، بشكل معقول، أن الإرهاب أصبح يشكل تهديداً رئيسياً جديداً للولايات المتحدة. والآن، بعد عقد ونصف العقد، يشير أي تأمل أقل عاطفية للتهديد إلى أن تلك التقييمات المبكرة كانت خاطئة.
تظل هجمات 11/9 حادثة منعزلة؛ حيث لم تحدث أي هجمات أخرى مثلها مطلقاً، ونادراً ما تحدث هجمات إرهابية تخلف حصيلة خسائر جماعية كبيرة في الغرب أو أميركا الشمالية -والأقل كثيراً في الولايات المتحدة. وكان الهجوم الثاني من حيث درجة السوء الذي يقع على التراب الأميركي، هو التفجير في مدينة أوكلاهوما حيث قتل تيموثي مكفاي -وهو بالتأكيد ليس إرهابياً يستلهم أيديولوجية إسلامية- 168 شخصاً في العام 1995. وحدث ثاني أسوأ هجوم في أميركا الشمالية قبل أكثر من ثلاثين عاماً، حين فجر متطرفون من طائفة السيخ (مرة أخرى غير ملهمين إسلاموياً) طائرة أقلعت من تورنتو في كندا، مما أسفر عن مقتل 329 شخصاً. والحقيقة أن الإرهاب، بما في ذلك الهجمات واسعة النطاق، يحدث غالباً في الدول الفاشلة أو الدول التي مزقتها الحرب.
لم يستطع تنظيم القاعدة ولا “داعش” شن هجوم ناجح في الولايات المتحدة منذ هجمات 11/9. ومع أن كل وفاة تظل مأساة، فإن المقارنة بين نحو 15.000 أميركي الذين يقتلون في كل عام على يد أميركيين “عاديين” بالكاد تجعل الإرهاب المستلهم إسلاموياً يشكل تهديداً.
ينبع إصرار وجهة نظر الأميركيين المضخمة عن التهديد من سوء إدراك لأهداف المجموعات مثل القاعدة و”داعش”. ويميل الأميركيون إلى الاعتقاد بأن القاعدة أو “داعش” هما في حالة حرب مع الولايات المتحدة.
صحيح أن تنظيم القاعدة هاجم أرض “العدو البعيد” (أي الولايات المتحدة)، وأن “داعش” يخصص فعلاً بعض الجهد لدفع مواطنين أميركيين إلى التطرف. لكن الأهداف الأساسية لهذه الجماعات تظل داخلية أكثر: إنها منخرطة في كفاح جيلي على السلطة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. ويهدف تنظيم القاعدة إلى “تخليص العالم الإسلامي من النفوذ الغربي، وتدمير إسرائيل، وإقامة خلافة إسلامية تمتد من إسبانيا إلى أندونيسيا”. وعلى نحو مشابه، يريد “داعش” تأسيس خلافة إسلامية.
لكن المشكلة المركزية بالنسبة لهذه الجماعات تكمن في تواجد الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لا في وجودها كأمة في حد ذاته. ويعكس غضب أسامة بن لادن على الدول العربية لطلبها قوات أميركية، وليس قوات عربية، لإسقاط صدام حسين من الكويت في العام 1991 هذه الفكرة. وبعد عملية عاصفة الصحراء، اشتكى بن لادن بمرارة من التواجد المستمر للقوات العسكرية الأميركية في السعودية، موطن مكة والمدينة، والحرمين الشريفين اللذين يعتبران أقدس الأماكن الإسلامية. وطالما استمرت الولايات المتحدة في التدخل في المنطقة، فإنها ستستمر في إثارة غضب المجموعات الإسلامية. لكن الأمر الأكثر أساسية، هو أن القاعدة وداعش والجماعات المماثلة الأخرى تسعى إلى السلطة والنفوذ على محيطها.
قد يكون تحسن نظام الأمن الداخلي في أميركا سبباً آخر وراء انخفاض مستوى التهديد. وكان الخاطفون الذين نفذوا هجمات 11/9 قد دخلوا الولايات المتحدة بشكل قانوني، مستخدمين جوازاتهم الحقيقية. وقد أجروا تدريباتهم على الطيران هنا، حيث كان أحدهم يعيش مع مدربه الأميركي. بل إن اثنين آخرين تمكنا من شق طريق عودتهما إلى البلد، بأن أكدا لعملاء الجمارك والحدود الأميركيين أنهما طالبا تدريب طيران مرخصان. ومنذ ذلك الحين، باشرت الولايات المتحدة في تفتيش كل المسافرين قبل السفر إلى داخل، أو في داخل، أو إلى خارج البلد، وتم تأسيس 72 مركز انتشار لتسهيل تقاسم المعلومات. وقد انخفض بشكل كبير خطر الإرهاب في أهم ملاذ آمن محتمل -الولايات المتحدة. ومن الطبيعي أن لا تكون التحسينات التي تم إدخالها على النظام الأمني الداخلي قد خفضت خطر الإرهاب إلى نقطة الصفر. لا شيء يستطيع فعل ذلك. لكنها جعلت من تنفيذ هجمات إرهابية واسعة النطاق داخل البلاد أكثر صعوبة بشكل كبير. وكان يجب أن تكون هذه الجهود هي رد أميركا على هجمات 11/9.
بدلاً عن ذلك، عمدت الولايات المتحدة إلى تبني استراتيجية عدوانية مركزة على التدخل العسكري. وقامت بغزو بلدين وأطاحت بثلاثة أنظمة حكم، ونفذت عمليات عسكرية في ثماني دول، وكانت الخطة تقضي “بتدمير التنظيمات الإرهابية التي تتوافر على وصول عالمي”، وفقاً لكلمات استراتيجية الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش. ومع أن الرئيسين بوش وأوباما تحدثا عن الحاجة إلى إعادة بناء أفغانستان والعراق وتغيير الظروف التي أفضت إلى نشوء الإرهاب في المقام الأول، فقد ركزت الاستراتيجية الأميركية من الناحية العملية على قتل أكبر عدد ممكن من المقاتلين الجهاديين.
كان دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع الأميركي الأسبق) قد أثار تساؤلات في وقت مبكر من العام 2003 عن هذه الاستراتيجية التي تتركز على العمل العسكري، وتساءل عما إذا كان الوضع الراهن يُظهر أنه “كلما عملنا بجهد أكبر، أصبحنا متخلفين أكثر”. وقد فهم القادة العسكريون الأميركيون الصعوبات التي تشكلها الأعمال الحربية غير النظامية ضد المتمردين والإرهابيين، مما أفضي إلى تبني استراتيجية محدثة للتصدي للتمرد في العراق في العام 2007، ولاحقاً في أفغانستان. وعلى الرغم من هذا التحديث، أجاب الجنرال ستانلي مكريستال، القائد السابق لقيادة العمليات الخاصة المشتركة الذي قاد القوات الأميركية في أفغانستان في العامين 2009 و2010، عن تساؤلات رامسفيلد بالإيجاب، وإنما بعد ستة أعوام. وواصفا إياها بأنها “رياضيات قذف قطعة العملة”، أشار مكريستال إلى أن الهجمات العسكرية يرجح أن تخلق من المتمردين أكثر من الذين تقضي عليهم، “لأن لكل واحد تقتله أخ وأب وابن وأصدقاء، والذين لا يعتقدون بالضرورة بأن قريبهم قتل لأنه فعل شيئاً خاطئاً. ذلك لا يهم – أنت قتلتهم” فقط.
كما أدلت الدراسات الفكرية بدلوها أيضاً وخلصت إلى أنه “نادراً ما يفضي القمع وحده إلى وضع حد للإرهاب”، و”نادراً ما تكون القوة العسكرية هي السبب الرئيسي لإنهاء المجموعات الإرهابية”. والأغلب بشكل عام أن الإرهاب ينتهي عندما تعاني المجموعات من الافتقار إلى الدعم، أو عندما يتم إدماجها سياسياً. وحتى هذا التاريخ، تم سحق كل الجهود الأميركية لوضع حلول سياسية عبر الديناميات التي تنشأ في ميدان المعركة.
قادت النجاحات التي تحققت في ميدان المعارك أخيراً ضد “داعش” في سورية والعراق البعض (بمن فيهم ترامب) إلى المحاججة بأن النهج العسكري يؤتي ثماره ويجب أن يتوسع. وهذا الطرح خاطئ على مستويين. الأول، أن “الانتصار” على “داعش” لم يخلق ظروفاً تفضي إلى السلام والاستقرار على المدى البعيد. ففي العامين 2001 و2003 على حد سواء، تسببت الانتصارات العسكرية الأميركية الحاسمة في تصاعد التمرد والإرهاب. وبالإضافة إلى ذلك، يتفق معظم المراقبين على أن “داعش” لن يختفي بعد هزيمته عسكرياً، وإنما سيندمج بين السكان ليواصل القتال. وثانياً، كانت الحملة العسكرية التي أفضت إلى هزيمة “داعش” في الرقة والموصل فعالة لأن المجموعة الإرهابية تبنت إستراتيجية الاستيلاء على الأراضي ثم الدفاع عنها. وحتى الوقت الحاضر، لم تثبت القوة الجوية الأميركية ولا أي وسائل عسكرية أخرى أنها مفيدة ضد المجموعات الصغيرة والمبعثرة من الإرهابيين أو المتمردين.
في الحقيقة، لم تخفض الجهود الأميركية مادياً تهديد الإرهاب في الشرق الأوسط، وقد تكون زادته. فبعد ستة عشر عاماً من هجمات 11/9، لم تهزم الولايات المتحدة القاعدة، وصعد “داعش” وانتشر في عموم الشرق الأوسط. وفي العام 2000 حددت وزارة الخارجية الأميركية 13 مجموعة إرهابية تستلهم أيديولوجيات إسلامية وتضم 32.000 مقاتل. ومع حلول العام 2015، ارتفع عدد المجموعات إلى 44، وانتفخ عدد المقاتلين إلى حوالي 110.000. وزادت الهجمات الإرهابية في البلدان التي تدخلت فيها الولايات المتحدة بنسبة 1900 بالمائة بعد بدء الحرب على الإرهاب مقارنة مع الأعوام الخمسة عشر التي سبقت العام 2001. وتقول هذه المفارقة الرهيبة إنه مع أن هذه المجموعات الإرهابية الإسلاموية تشكل تهديداً ضئيلاً للولايات المتحدة، فإن التدخل الأميركي ربما جعل الأمور أسوأ -وعن غير قصد- لكل أحد آخر.
على الرغم من تزايد الأدلة على حالات فشل الحرب على الإرهاب، فإن ترامب يضاعف الرهان عليها. وقد أشار وزير الدفاع، جيم ماتيس، مؤخراً، إلى أن الولايات المتحدة ستوسع حربها على الإرهاب في إفريقيا، حتى إنها تعد العدة مرة أخرى لزيادة عديد القوات الأميركية في أفغانستان. وقد وعد ترامب بتحقيق النصر في أفغانستان وبإلحاق هزيمة سريعة بـ”داعش”، لكنه عرض القليل عن الكيفية التي ستتمكن بها هذه الاستراتيجية من تغيير أو تحقيق الأهداف الأميركية. ويقول التاريخ إن هذه الجهود ستفعل النزر اليسير من حيث تغيير الحقائق على الأرض في أفغانستان أو غيرها -أو حتى لجعل الأميركيين أكثر أماناً من الأساس.
بدلاً من ذلك، من المرجح أن يفضي العمل الأميركي المستمر إلى تأجيج المظالم، وتضخيم عدم الاستقرار في المنطقة، وتوليد عواطف أكثر عداء لأميركا. وهناك وفرة في الأدلة على تنامي العداء لأميركا في المنطقة منذ 11/9. وتكشف بيانات المسوحات من مركز أبحاث بيو عن زيادة ثابتة في المواقف المعادية لأميركا بعد غزو العراق. وتوضح دراسات عدة بالإضافة إلى بيانات المسح أن لدى جماهير الشرق الأوسط وجهات نظر سلبية تجاه استخدام الطائرات الأميركية المسيرة، وهي من الأدوات الأكثر شيوعاً في الحرب على الإرهاب. والأسوأ من ذلك، ما وجده الباروميتر العربي من أن ما يتراوح بين 53 % و74 % من المواطنين في مصر والأردن والعراق واليمن وتونس والجزائر يشعرون بأن التدخل الأميركي يبرر “الهجمات على الأميركيين في كل مكان”. وأخيراً وجدت دراسة حديثة عن خطاب تويتر العربي مستويات عميقة من مشاعر المعاداة في أوساط العرب، وخلصت إلى استنتاج أن “مستويات معاداة أميركا تكون مدفوعة بشكل رئيسي باعتداءات أميركا على الشرق الأوسط، وتحديداً بسبب تدخل الولايات المتحدة في المنطقة”. وللأسف، يبدو أن القيادة الجهادية تتوافر على قبضة أكثر حزماً على هذه الدينامية من الأميركيين. وفي رسالة وجهها إلى مؤسس تنظيم الدولة الإسلامية، أبو مصعب الزرقاوي في العام 2005، كتب أيمن الظواهري (الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة): “إن الجماهير المسلمة… لا تتجمع إلا ضد عدو محتل خارجي، خاصة إذا كان العدو أولاً يهودياً، وثانياً أميركياً”.
كما طرحنا في تحليلنا الأخير في معهد كاتو، يجب على الولايات المتحدة أن تتراجع، وتقوم بسحب قواتها العسكرية والتركيز بدلاً من ذلك على تحفيز اللاعبين المحليين على السعي إلى الاستقرار والقدرة والشفافية. وسوف يتطلب سحب الأفراد العسكريين الأميركيين أن تقوم الحكومات المحلية بجلب المهنية إلى بيروقراطياتها وأجهزتها الأمنية -وهي مهمة صعبة بالتأكيد، لكنها واحدة لم تقم الولايات المتحدة بالتعامل معها على الرغم من 16 عاماً من الجهد المباشر. ومن شأن وقف تدفق مليارات الدولارات والأسلحة الأميركية إلى الدول الفاشلة أن يساعد أيضاً في خفض الفساد، وأن يحد من غنائم الحرب المتاحة. ولا يتطلب التهديد الإرهابي الموجه إلى الوطن الأميركي تواجداً عسكريا مستمراً في الشرق الأوسط أو جنوب آسيا. كما أن الاستراتيجية التي تركز على الجهد العسكري فشلت في تحقيق الأهداف التي أعلنت عنها الإدارات الأميركية المتلاحقة. ولحسن الطالع، تتوافر الولايات المتحدة على ترف عدم حاجتها إلى كسب أي حرب على الإرهاب.
*قاد إريك غوبنر وحدات عسكرية في أفغانستان والعراق، وهو الآن زميل بحث زائر في معهد كاتو. وتريفور ثرول هو زميل رفيع في دائرة الدفاع والسياسة الخارجية في معهد كاتو، وهو أستاذ مشارك في كلية شار للسياسة والحكم في جامعة جورج ميسون.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Time to Step Back from the War on Terror
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 7/11/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى