تقرير مترجم عن واشنطن ووتش – “أثر ترامب”: المواقف الإيجابية تجاه العرب والمسلمين في صعود؛ وكذلك الكراهية
واشنطن ووتش – يمس زغبي* – 19/12/2017
على الرغم من تحذيرات الرئيس بوش، فإن بعض الشخصيات السياسية والمؤسسات الفكرية والممولين الأميركيين الجمهوريين تصوره أنها قد تكون هناك مزية انتخابية في ترويج واستغلال المشاعر المعادية للإسلام.
* * *
هل المشاعر المعادية للعرب وللمسلمين في صعود في الولايات المتحدة؟ وما هي أفضل الطرق لمحاربتها. كان هذان السؤالان بعضاً من الأسئلة التي ناقشناها في منتدى “السلام العالمي والخوف من الإسلام” للعام 2017، والذي عقد في الأسبوع الماضي في أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
استناداً إلى أحدث مسح أجريناه في المعهد العربي الأميركي للرأي العام الأميركي، بالتعاون مع مركز الزغبي للتحليل، كنت مسروراً بإبلاغ المنتدى بأن المواقف السلبية تجاه كلتا المجموعتين تبدو وأنها في تراجع. كما لاحظت أيضاً أن من المهم، لدى رسم الطريق إلى الأمام، الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أنه بما أن الكثير من العداء تجاه المجموعتين صنع سياسياً، فإن جزءاً من الحل يجب أن يكون سياسياً.
ثمة بعض التاريخ المتاح. عند الرجوع وراء إلى التسعينيات، سنجد أن وجهات نظر الجمهور تجاه العرب والمسلمين كانت محبِّذة بعض الشيء. لم تكن كلتا المجموعتين معروفتين جيداً. وكانت الثقافة الشعبوية، التي يغذيها الدعائيون الموالون لإسرائيل، قد صنعت تنميطات سلبية للعرب، وقد جلب ذلك حصيلته. لكن المواقف تجاه العرب والمسلمين كما كانت مستقرة وإيجابية أكثر من كونها سلبية.
وقد تغيرت الأمور بعد هجمات 11/9، وإنما ليس بالسوء الذي خشي البعض منه. وبينما كان هناك أولئك الذين أججوا نيران الكراهية والشك عمداً، فقد واجهوا زجراً من جانب البيت الأبيض، وصانعي الثقافة الشعبية في هوليوود وطائفة عريضة من المنظمات الدينية والعرقية وحقوق الإنسان. لكنها كانت مع ذلك فترة صعبة على كلتا المجموعتين على حد سواء.
على الرغم من تحذيرات الرئيس بوش، فإن بعض الشخصيات السياسية والمؤسسات الفكرية والممولين الأميركيين شعروا بأنها قد تكون هناك مزية انتخابية من وراء ترويج واستغلال المشاعر المعادية للإسلام. ومع ترشيح، ثم انتخاب، باراك أوباما، شعر هؤلاء المتعهدون بأنه كان لديهم هدف مثالي. وبمحاولة البناء على كل من انعدام الأمن الاقتصادي واسع النطاق الذي خلقه الاتجاه الاقتصادي الانحداري في العام 2008 وما تصوروا أنها “أجنبية” أوباما (عرقه واسمه ودين والده الكيني)، أنفقت مجموعة محافظة ملايين الدولارات على إنتاج فيلم مليء بالكراهية وتوزيعه على نطاق واسع، والذي تضمن تحذيراً من جهود المسلمين للاستيلاء على أميركا -سوية مع افتراض أن انتخاب أوباما يجلبهم أقرب إلى هدفهم.
على أحد المستويات، فشل هذا الجهد الهادف إلى تقويض أوباما، لأنه انتخب مرتين. لكن حملة الكراهية تركت، مع ذلك، علامة دائمة على المواقف الجمهورية من الإسلام والمسلمين. واستمرت هذه الاتجاهات في النمو.
أولاً جاءت “حركة المولد” -نشر فكرة أن أوباما كان مسلماً في السر وأنه لم يولد في أميركا وأنه لذلك غير مؤهل قانونياً ليخدم كرئيس. وقد وجدنا في وقت لاحق مع استطلاعنا للرأي العام في العام 2015 أن أكثر من 60 % من الذين يعرفون أنفسهم بأنهم جمهوريون صدقوا أن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة وأنه كان مسلماً في السر.
خلال هذه الفترة نفسها، وبتمويل من مانحين محافظين، تم إطلاق جهد على مستوى الأمة لإقناع الولايات بتمرير مشروع يحظر الشريعة الإسلامية في الولايات المتحدة. وكان ذلك الجهد سخيفاً -لأنه لم يسبق لأحد أن اقترح تطبيق قانون الشريعة الإسلامية في الولايات المتحدة. ولكن، سواء كان سخيفاً أم لا، حظي مشروع القانون في نهاية المطاف بدراسة من المجالس التشريعية في 27 ولاية، مثيراً طيف استيلاء المسلمين على أميركا. ورعت نفس هذه المجموعات “دراسات” تزعم اكتشاف أن المجموعات المسلمة نجحت في التسلل إلى الحكومة بدعم من أوباما. لكن طائفة من القادة السياسيين والمنظمات تبرأوا من هذا الجهد. فبينما نثر الخوف في المجتمع الإسلامي، فإنه فشل في خلع الموظفين الأميركيين المسلمين المخلصين من مناصبهم.
في العام 2010، انضم الجمهوريون إلى مجموعات الكراهية المعادية للمسلمين في معارضة الإنشاء المقترح لمركز للمجموعة الإسلامية في منهاتن، على بعد حوالي 10 قواطع من أرض الصفر. وتحت قيادة عضو الكونغرس السابق نيوت غينغريتش، أطلقوا على المركز عبارة “مسجد الانتصار” مدعين أن قصد المسلمين منه هو إعلان الانتصار على أميركا. واستناداً إلى هذه الفكرة، أنتجت حملة لجنة الكونغرس الجمهورية إعلانات تلفزيونية لاستخدامها في 17 سباقا انتخابيا للكونغرس. وحذرت الإعلانات من مخاطر “مسجد الانتصار” وتحدت المرشحين الديمقراطيين بأن يعلنوا معارضتهم لهذه “الإهانة المسلمة الموجهة لأميركا”.
وبينما فشل أيضاً هذا الجهد الجمهوري، نظراً لأن مرشحاً واحداً وحسب فاز من أصل 17 سباقاً انتخابياً لهم، فقد تم إلحاق الضرر مرة أخرى بسبب ترويج الكراهية والخوف من المسلمين بين الجمهوريين.
وكان استغلال العاطفة المعادية للمسلمين سمة السباقات الرئاسية الجمهورية في العام 2012، وبطبيعة الحال في العام 2016. وقد فشل ذلك في العام 2012 عندما رفضه المرشح الجمهوري ميت رومني، لكنه فاز في العام 2016 مع انتصار دونالد ترامب.
كمرشح، ثم كرئيس، عمل ترامب بجد لترويج واستغلال الخوف من المسلمين. وكانت للحجج التي طرحها في الدفاع عن حظره لسفر المسلمين، وسلوكه المشين تجاه الوالدَين المسلمين للجندي الذي حصل على وسام النجمة الذهبية اللذين تحدثا خلال المؤتمر الديمقراطي، وتعيين المصابين برهاب الإسلام للخدمة في البيت الأبيض، كان لها أثر على المواقف العامة، وإنما لم يكن الأثر بالحجم الذي ربما توقعه ترامب.
يبدو أن سياسات الرئيس، وخطابه غير المنضبط وسلوكه الخاطئ، لم تفضِ إلى هبوط تصنيفه الخاص وحسب، وإنما تسببت في رفض العديد من الأميركيين من كلا جانبي القسمة الحزبية لبضع آرائه، وهذا ما أسميه “أثر ترامب”.
في أحدث استطلاع أجراه المعهد العربي الأميركي، ومركز زغبي للتحليل للرأي العام الأميركي، صعدت المواقف المفضلة للعرب والمسلمين والعرب الأميركيين والأميركيين المسلمين فعلياً إلى أعلى مستوياتها في العقد الماضي؛ حيث تتبنى الأغلبية مواقف إيجابية تجاه العرب الأميركيين والمسلمين الأميركيين، كما يميل عدد وافر بشكل إيجابي تجاه العرب والمسلمين. وبينما جاءت أكبر الزيادات في المواقف الإيجابية من الديمقراطيين والمستقلين، فقد كانت التصنيفات الإيجابية مرتفعة أيضاً بين الجمهوريين. ولكن، يبقى هناك مع ذلك شق حزبي عميق -حيث ما يزال الجمهوريون أكثر عداءً للعرب والمسلمين من الديمقراطيين أو المستقلين.
يصبح الانقسام بين الديمقراطيين والمستقلين وبين الجمهوريين أكثر تعبيراً فيما يتصل بمسائل السياسة التي تؤثر على العرب والمسلمين. ثمة جموع قوية من الأميركيين، على سبيل المثال، والتي تعارض منع المسافرين المسلمين أو مهاجري الشرق الأوسط أو الزوار من دخول الولايات المتحدة. ولكن، بينما يؤيد يحبذ مؤيدو ترامب حظر المهاجرين والزائرين من الشرق الأوسط بهامش 60 %/ 21 %، فإن نسبة 12 % فقط من معارضي ترامب يدعمون هذا الحظر.
بالنظر إليه في هذا السياق، نستطيع الحصول على بعض السلوى في إلحاق دوغ جونز الهزيمة بروي مور في انتخابات ألاباما الخاصة لمجلس الشيوخ الأميركي. وبخسارة مور، يسف متعصب ديني آخر معاد للإسلام التراب.
يعاني مور من رهاب الإسلام ولا يشعر بالخجل من أن يعرف الناس ذلك. وكان قد وصف الإسلام في مناسبات عدة بأنه “دين زائف”، وادعى، على نحو غرائبي، بأن هناك مدناً في أميركا فرض فيها المسلمون الشريعة الإسلامية فعلاً، وأشار إلى أن كون كيث أليسون مسلم هو مدعاة لعدم أهليته ليكون عضواً في الكونغرس. وأن يأتي اثنان سيئا السمعة ممن يعانون من رهاب الإسلام، مثل ستيف بانون وسباستيان غوركا، إلى ألاباما ليقوما بحملة لصالح مور، هو عمل خدم في تأكيد تعصبه الديني الذي يستحق الإدانة.
ومع إرسال مور الآن إلى “مزبلة التاريخ”، نستطيع أن نأمل في أن يكون مسمار آخر قد دق في نعش هذه الظاهرة القديمة من التعصب الديني المعادي للإسلام، والتي صنعها الجمهوريون.
ربما تكون هذه دعوة استيقاظ للحزب الجمهوري. فترويج التعصب الديني ضد المسلمين لم يعمل. وقد استقطب البلد من دون أن يفرز نتائج انتخابية محسوسة. وبينما تسبب في ألم فعلي، بما في ذلك زيادة في جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين، فإنه ولّد أيضاً دعماً كبيراً للمجموعتين. وقد حان الوقت لأن يتقدم الجمهوريون خطوة إلى الأمام ويرفضوا أولئك الذين بين صفوفهم ممن روجوا حملة الكراهية هذه.
*واشنطن ووتش: مقال أسبوعي يكتبه رئيس المعهد العربي الأميركي جيمس زغبي، مؤلف كتاب “الأصوات العربية: ماذا يقولون لنا ولماذا يهم، كتاب يجلب لنا ارتياحاً مدهشاً من الخرافات والافتراضات والانحيازات التي تحول بيننا وبين فهم شعب العالم العربي”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The “Trump Effect”: Positive Attitudes Toward Arabs and Muslims Are Up: So Is Hate
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 25/12/2017