ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن نيويورك تايمز – هذا العصر المكسور

نيويورك تايمز – ديفيد بروكس –21/2/2017

كبُر معظمنا وبلغ الرشد في النصف الأخير من القرن العشرين، وتشكلت تصوراتنا عن “الطبيعي” في تلك الحقبة. وكانت تلك، مع أخذ كل الأمور في الاعتبار، فترة سعيدة بشكل لا يصدق. لا حروب عالمية، لا ركودات اقتصادية عظمى، وعدد أقل من الحروب الأهلية، وعدد أقل من الأوبئة.

ولكن، يبدو أننا لن نتمكن من التمتع بمعايشة واحد من تلك الأوقات مرة أخرى. ويبدو القرن الحادي والعشرون أكثر شراً بكثير ومشوباً بمزيد من الصعوبات: صعود في القومية العرقية، وانخفاض في الثقة في الديمقراطية، ونظام عالمي متحلل.

وربما يكون في الأساس من كل هذا نمو اقتصادي متراجع. وكما يشير نيكولاس إيبرستات في مقالته القوية “قرننا الحادي والعشرون البائس” المنشورة في العدد الحالي من مجلة “كومنتري”، نما الاقتصاد الأميركي بين العامين 1948 و2000 بمعدل نصيب للفرد بلغ نحو 2.3 في المئة سنوياً.

ولكن بعد ذلك، ثمة شيء تغير حوالي العام 2000. في هذا القرن، أصبح معدل النمو للفرد الواحد أقل من 1 في المئة سنوياً في المتوسط، وحتى منذ العام 2009، كان هذا المعدل يبلغ 1.1 في المائة فقط في السنة. ولو كانت الولايات المتحدة قد تمكنت من الحفاظ على معدلات النمو لما بعد الحرب في القرن العشرين في هذا القرن، لكان نصيب الفرد الأميركي من الناتج المحلي الإجمالي أعلى بنحو 20 في المئة مما هو عليه اليوم.

يقوم النمو البطيء بالضغط على كل شيء آخر -ما يعني فرصاً أقل، وتفاؤلاً أقل، والمزيد من نوع الأشياء التي محصلتها صفر، وشيوع فكرة “انتزع ما تستطيع انتزاعه” التي يتخصص فيها دونالد ترامب. وقد دمر التباطؤ العمال الأميركيين. فبين العامين 1985 و2000، زاد مجموع ساعات العمل المأجور في أميركا بنسبة 35 في المئة. لكنه زاد على مدى السنوات الخمس عشرة التالية بنسبة 4 في المئة فقط.

مقابل كل رجل أميركي من الذين تتراوح أعمارهم بين 25-55 ويبحثون عن عمل، هناك ثلاثة تسربوا من القوة العاملة. ولو أن الأميركيين يعملون بنفس المعدلات التي كانوا عليها عندما بدأ هذا القرن، لكان لدى أكثر من 10 ملايين شخص إضافي وظائف. وكما يقول إيبرستات، فإن “الحقيقة الواضحة هي أن أميركا في القرن الحادي والعشرين شهدت انهياراً مروعاً في العمل”.

وهذا يعني أن هناك جيشاً من الأميركيين شبه المتصلين بمجتمعاتهم، الذين يكافحون من أجل المساهمة، ومن أجل تحقيق قدراتهم والعثور على كرامتهم. ووفقاً لدراسات استخدام الوقت التي يصدرها مكتب إحصاءات العمل، فإن هؤلاء المتسربين من القوى العاملة ينفقون في المتوسط 2000 ساعة في السنة وهم يشاهدون نوعاً ما من أنواع الشاشات. ويساوي هذا تقريباً عدد الساعات التي تذهب عادة إلى وظيفة بدوام كامل.

يتدبر سبعة وخمسون في المئة من الذكور البيض الذين تسربوا من العمل أمورهم بنوع من شيكات العجز التي تدفعها الحكومة. ويأخذ ما يقرب من نصف الرجال الذين تسربوا من العمل مسكنات للألم على أساس يومي. ووجدت دراسة في ولاية أوهايو أنه على مدى فترة واحدة لمدة ثلاثة أشهر، وصفت لنحو 11 في المئة من

أهل أوهايو مواد أفيونية. كما أن لدى واحد من كل ثمانية رجال أميركيين الآن إدانة بارتكاب جناية في سجله.

هذه ليست طريقة لعيش مواطنينا. وتؤكد مقالة إيبرستات المذكورة فكرة واحدة: إن المهمة المركزية بالنسبة للكثيرين منا الآن ليست مقاومة دونالد ترامب. فهو سيحدد مصيره بنفسه. إن المهمة الآن هي معرفة كيفية استبداله –كيف تتم الاستجابة لبطء النمو والسخط الاجتماعي اللذين سمحا له بالصعود، من خلال مزيج من السياسات المختلفة جذرياً.

الجزء الصعب هو أن على أميركا أن تصبح أكثر دينامية وأكثر حماية –كلا الأمرين في الوقت نفسه. في الماضي، كان الإصلاحيون الأميركيون يستطيعون على الأقل الاعتماد على حقيقة أنهم يعملون مع مجتمع ديناميكي، والذي كان يولِّد دائماً الطاقة اللازمة لحل مشاكل البلاد. ولكن، وكما يوضح تايلر كوين في كتابه الجديد الرائع “الطبقة القانعة” فقد خسر الأميركيون المعاصرون رقيتهم السحرية.

يُظهر كوين أن الأميركيين أصبحوا، في مجال بعد الآخر، أقل ميلاً إلى المغامرة وأكثر سكونية. وعلى سبيل المثال، اعتاد الأميركيون على التنقل كثيراً لاغتنام الفرص وتغيير حياتهم. ولكن معدل الأميركيين الذين يهاجرون عبر حدود الولايات انخفض بنسبة 51 في المئة عن مستوياته في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.

كما اعتاد الأميركيون أن يكونوا رواداً في إقامة المشاريع والأعمال، ولكن، كان هناك انخفاض في الأعمال الناشئة كنسبة من مجمل النشاط التجاري على مدى الجيل الماضي. وقد يكون جيل الألفية الحالي أقل الأجيال مبادرة في مجال الأعمال في

التاريخ الأميركي. وقد انخفضت حصة الأميركيين تحت سن 30 عاماً الذين يملكون الأعمال بنسبة 65 في المئة منذ الثمانينيات.

يقول الأميركيون لأنفسهم إن النموذج القديم “وظيفة مدى الحياة” قد انتهى. ولكن الأميركيين يبدلون وظائفهم في واقع الأمر أقل مما كانوا يفعلون قبل جيل مضى وليس أكثر. وقد هبط معدل إعادة تغيير العمل -الذي يقيس معدل دوران العمل- بنسبة أكثر من الربع منذ العام 1990.

كما أن هناك دلائل على أن أميركا أصبحت أقل ابتكاراً. وقياساً على النمو السكاني، أصبح الأميركيون يخلقون من براءات الاختراع الدولية الكبرى 25 في المئة أقل مما كانوا يفعلون في العام 1999. بل إن هناك شغفاً أقل ببدء شق رحلة الحياة في الطريق المفتوح. وفي العام 1983، كان 69 في المائة من الأولاد بعمر 17 عاماً حاصلين على رخص قيادة. والآن، يحمل نصف الأميركيين فقط رخص سواقة بعمر 18 عاماً.

بطرق مختلفة، يصف إيبرستات وكوين بلداً يتباطأ، وينفصل، ويفقد الأمل، ويصبح أكثر حزناً. ويقوم التباطؤ الاقتصادي، والسخط الاجتماعي والنفور من المخاطرة، بتعزيز بعضها بعضا.

بطبيعة الحال، ليس هناك ما هو محتوم ومصيري. ولكن، أين هي الحركة الاجتماعية التي تفكر في الأسس التي صنعت البداية السيئة لهذا القرن وتستشرف مساراً بديلاً؟ مَن لديه خطة مقنعة لدعم النمو الاقتصادي؟ إذا لم يكن ترامب هو الجواب، فما هو الجواب؟

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

This Century Is Broken

ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 25/2/2017

ala.zeineh@algha.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى