تقرير مترجم عن نيويورك تايمز – موغابي والأبطال اليساريون الآخرون
نيويورك تايمز – بريت ستيفنز – 17/11/2017
عندما قررت جامعة ماساتشوستس في العام 2008 إلغاء وسحب درجة الدكتوراة الفخرية التي كانت قد منحتها لروبرت موغابي قبل 22 عاما، قالت الجامعة إنه كان يُنظر إلى دكتاتور زيمبابوي ذات مرة على أنه “قوة للديمقراطية والإصلاح”. وحتى في ذلك الحين، كان مستوى خداع الذات في هذا الصدد مدهشا.
بعد وقت قصير من انتهاء فترة حكم البيض ومجيئه إلى السلطة، قام موغابي -الذي أزيح عن سدة السلطة مؤخرا في انقلاب ناعم، قام بشن حرب وحشية ضد خصومه العرقيين من قبيلة نديبيلي، ووعد بأنه سيلاحق أعداءه “حتى يتم القضاء على جميع المعارضين”، وفقا لتقرير أعده ألان كويل لصحيفة “نيويورك تايمز” في العام 1983.
وجاء في تقرير كويل نقلا عن امرأة مُسنة: “جاء الجنود إلى قريتنا. أحرقوا أكواخنا واستدعوا الشباب الذين تركوا الجيش. ثم قتلوا 15 منهم”.
ربما لم يكن حجم القتل الذي ارتكبه موغابي، الذي يقدر عدد ضحاياه بنحو 20.000 شخص، معروفا لجماعة “أمهيرست” الطيبين في العام 1986؛ وسوف يستمر الكشف عن المقابر الجماعية لضحايا موغابي لسنوات عديدة. ولكن، لم يكن هناك أي غموض فيما يتعلق بأساليبه. كان مكمن الغموض الحقيقي هو: ما الذي يجعل الليبراليين والتقدميين الغربيين يقعون في كثير من الأحيان في حب أشباه موغابي الكثيرين في العالم، ولماذا يبدو أنهم يتعلمون القليل جدا من خيبات الأمل المتعاقبة والحتمية.
متى سيتوقفون عن الخلط بين الاستقلال الوطني والحرية الفردية، وبين التحرير والحرية؟
في حالة موغابي، استغرق الأمر حوالي 20 عاما من سوء الحكم قبل أن تقاطعه الحكومات الغربية. وفي مطلع هذا القرن، كان الدكتاتور قد وضع زيمبابوي على مسار التدمير الاقتصادي والمجاعة واسعة النطاق بإجبار المزارعين البيض على مغادرة مزارعهم. وحتى في ذلك الحين، كان لديه أنصار ومدافعون. وقال عنوان كاشف في العام 2013 في صحيفة “الإندبندنت” البريطانية ذات الميول اليسارية: “شكرا لك سيد موغابي: لقد أثارت إعادة توزيع الأراضي القسرية في زيمبابوي جدلا كبيرا -لكنها غيرت حياة الآلاف من صغار المزارعين”.
بالنسبة لأشباه موغابي الآخرين، استبد فيدل كاسترو بكوبا على مدى عقود، لكنه تلقى الكثير من الإطراء في المراثي التي قيلت في وفاته العام الماضي، بما في ذلك من رئيس الوزراء الكندى جوستين ترودو، والرئيس الإيرلندي مايكل هيجينز.
كانت النتيجة عقوداً من الإحراج الأخلاقي لليسار، على الرغم من أنهم نادرا ما يعترفون به ولا يتفحصونه إلا لماما في بعض الأحيان. ويعني كون المرء تقدمياً، كما في القول المحافظ، أن لا يعرب عن الأسف أبدا. وإذا كانت الناشطة الكندية نعومي كلاين لتعرب أبدا عن أسفها على تمجيدها المتحمس للثورة البوليفارية، أو تكوَّنت لدى الخبير الاقتصادي اليساري جوزيف ستيغليتز أي شكوك حول علاقاته الوثيقة مع حكومة الأرجنتينية كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، فسيكون من الرائع سماعهما وهما يعتذران.
لكن النتيجة انطوت أيضا على اختبار طويل للكوارث بالنسبة لزيمبابوي وفنزيلا وبلاد أخرى. ولم يكن موغابي وشافيز قد استخرجا الماركسية من تراب وطنيهما الخاص. كانت فكرة “تقرير المصير الوطني” –وهو مصطلح “محمل بالديناميت ببساطة”، كما قال عنه روبرت لاسينغ، وزير خارجية وودرو ويليسون- كانت فكرة أوروبية. وفي إطار سعي هؤلاء الزعماء إلى تحرير بلدانهم من أغلال الاستعمار، كان قادتهم العسكريون ومثقفو البلاط لديهم مخلصين تماما لأسوأ أفكار الغرب.
منذ محاولة جان جاك روسو كتابة دستور لكورسيكا في العام 1765، وجد المفكرون الغربيون إغواء في إمكانية كسب النفوذ في الخارج، إلى جانب السلطة التي تأتي معه، خاصة عندما يكونون محرومين من كلا الأمرين في الوطن.
ويكون هذا الإغواء كبيرا بشكل خاص لأن هذا النفوذ يأتي من دون مسؤولية عن التداعيات، ناهيك عن أي معاناة منها. فقد تقترح خبيرة تنمية خطة لخمس سنوات لأحد البلدان الفقيرة، لكنها تعود إلى الوطن في واشنطن في نهاية فترة مهمتها المحددة بعامين. وقد يدعو اقتصادي زائر إلى إنفاق كثيف على العجر، أو يقترح تخفيضا لقيمة العملة، لكنه يقبض أجرة حديثة بالدولار ولا يكون معنيا بالتخلف اللاحق عن السداد. وعندما تصبح الأمور أكثر سوءا، فإنه يستطيع دائما أن يقول: لقد فهموا نصيحتي بالطريقة الخطأ.
لقد واصلت زمبابوي السير في طريق مظلم لوقت طويل جدا بحيث لن يكون من الإنصاف توجيه اللوم إلى أي جهة سوى موغابي ودائرته عن المأزق الذي وصله البلد الآن.
لكن لدى موغابي أيضا أنصار ومعجبون، ولعل مأساة زبمبابوي ليست سوى مجرد نسخة أكثر اكتمالاً من قصة ما بعد الكولونيالية للتجارب الأيديولوجية الكارثية المصحوبة بوجود غرباء هللوا لهذه التجارب، ثم نظروا إلى الجهة الأخرى عندما فشلت. وهناك حاجة إلى محاسبة هؤلاء أيضاً. وتستحق البلدان الأفقر في العالم أفضل من أن تكون وعاء مختبر للخبراء الغربيين الذين يعرفون القليل جدا عنها، ومجالا لإطلاق الخيال بالنسبة للتقدميين الغربيين الذين يحلمون بما هو أكثر من الممكن.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Mugabe and Other Leftist Heroes
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 28/11/2017