ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن نيويورك تايمز – كيف تجعل عقلك يقرأ؟

نيويورك تايمز – دانيال ويلينغهام – 25/11/2017
ليس الأميركيون قراءً جيدين. ويلقي الكثيرون باللوم في ذلك على وفرة وسائل الإعلام الرقمية. فقد أصبحنا مشغولين جداً على “سناب شات” بحيث لم نعد نجد وقتاً للقراءة، أو ربما جعلتنا القراءة المسحية السريعة على الإنترنت غير قادرين على قراءة النصوص الجادة. لكن مشكلة الأميركيين مع القراءة تسبق التقنيات الرقمية. وليست المشكلة مسألة عادات قراءة سيئة صنعتها الهواتف الذكية، وإنما هي عادات التعليم السيئة الناجمة عن سوء فهم الكيفية التي يقرأ بها العقل النصوص.
ما مدى سوء مشكلة القراءة لدينا؟ لقد أصبح آخر تقييم وطني للتعليم بين البالغين في العام 2003 منتهي الصلاحية بعض الشيء، ولكنه يقدم صورة عن قدرة الأميركيين على القراءة في المواقف اليومية: استخدام رزنامة ما للعثور على حقيقة معينة، على سبيل المثال، أو شرح معنى استعارة مستخدمة في قصة. ومن بين أولئك الذين أنهوا المرحلة الثانوية، ولكنهم لم يواصلوا تعليمهم بعد ذلك، لم يتمكن 13 في المائة من أداء مهام بسيطة من هذا القبيل. وعندما أصبحت الأمور أكثر تعقيداً -المقارنة بين مقالين افتتاحيين في صحيفتين فيهما تفسيرات مختلفة لأدلة علمية، أو دراسة جدول لتقييم عروض بطاقات الائتمان، على سبيل المثال- فشل 95 في المائة.
وما مِن سبب للاعتقاد بأن الأمور قد تحسنت في هذه الآونة. فلم تتحسن نتائج طلبة الصفوف العليا في المدرسة الثانوية في التقييم الوطني لتقدم التعليم في القراءة والكتابة في 30 عاماً كاملة.
يستطيع الكثيرون من القراء البائسين أن يقرأوا الكلمات المطبوعة قراءة جهرية. ولذلك، فإنهم بهذا المعنى يستطيعون القراءة. ومع ذلك، فإنهم أميون وظيفياً -لأنهم يفهمون القليل جداً مما يستطيعون أن يقرأوه بصوت عال. فما الذي يتطلبه الفهم؟ امتلاك مجموعة مفردات واسعة، بكل وضوح. وعلى نفس القدر من الأهمية، وإنما بقدر أكثر دقة، ثمة الدور الذي تلعبه المعرفة بالحقائق اليومية.
ينطوي كل نص على ثغرات وقائعية يجب أن يملأها القارئ. فلنفكر في جملة: “مع أنني وعدت بعدم اللعب به، فإن أمي لم تسمح لي بإحضار مكعب روبيك إلى المكتبة”. في هذه الجملة، أغفل المؤلف ثلاث حقائق حاسمة للفهم: يجب أن يكون المرء هادئاً في المكتبة؛ مكعبات روبيك تصنع الضوضاء؛ الأطفال لا يستطيعون مقاومة الألعاب المغرية جيداً. وإذا كنت لا تعرف هذه الحقائق، فإنك قد تفهم المعنى الحرفي للجملة، لكنك ستفوِّت السبب الذي جعل الأم تمنع الطفل من أخذ اللعبة إلى المكتبة.
كما أن المعرفة أيضاً توفر السياق. وعلى سبيل المثال، كان المعنى الحرفي لعنوان الأخبار المزيفة الذي كثر الحديث عنه العام الماضي، “البابا فرانسيس يصدم العالم، ويؤيد ترشح دونالد ترامب لمنصب الرئيس” كان واضحاً لا لبس فيه -ولا حاجة إلى ملء أي فراغ. ولكن الجملة ستحمل مضموناً مختلفاً إذا كنت تعرف شيئاً عن المواقف العامة (والخاصة) للرجلين المعنيين، أو كنت على علم بأنه لم يسبق لأي بابا وأن أيد مرشحاً رئاسياً أميركياً على الإطلاق.
قد تظن، إذن، أن على الكُتاب تضمين جميع المعلومات اللازمة في نصوصهم لكي يفهم الناس ما يكتبونه. وأن عليهم يخبرونا –مثلاً- بأن المكتبات هي أماكن هادئة. ولكن هذه التفاصيل تجعل النثر طويلاً ومملاً للقراء الذين يعرفون المعلومات مسبقاً. وتعني عبارة “الكتابة لجمهورك”، في جزء منها، مراهنتك على ما يعرفونه.
تساعدنا هذه الأمثلة في فهم السبب الذي يجعل القراء قادرين على فك الشفرة النصية الحرفية بشكل جيد، لكنهم يسجلون نتائج سيئة في اختبار. إنهم يفتقرون إلى المعرفة التي يفترض الكاتب وجودها في الجمهور. ولكن، إذا كان النص يتعلق بموضوع مألوف، فإن القراء الذين يكونون ضعيفين في القراءة عادة سيقرأون مثل القراء الجيدين.
في إحدى التجارب، طلب من طلاب الصف الثالث -بعض الذين حددهم اختبار للقراءة كقراء جيدين، وبعضهم كضعيفين- قراءة قطعة عن كرة القدم. وكان القراء الضعفاء الذين يعرفون الكثير عن كرة القدم أكثر ترجيحاً بثلاث مرات لأن يخرجوا باستنتاجات دقيقة عن القطعة من أقرانهم الجيدين في القراءة، لكنهم لا يعرفون الكثير عن اللعبة.
يعني هذا أن الطلاب الذين يسجلون علامات جيدة في اختبارات القراءة هم الذين لديهم معرفة عامة واسعة؛ وعادة ما يعرفون القليل على الأقل عن الموضوعات الموجودة في قطع الاختبار. وقد اختبرت إحدى التجارب مستوى المعرفة العامة لطلبة الصف الحادي عشر بأسئلة من العلوم (“على أي جزء من الجسم يؤثر الالتهاب الرئوي”؟)، والتاريخ (“من هو الرئيس الأميركي الذي استقال بسبب فضيحة ووترغيت”؟)، وكذلك من الفنون، والتربية المدنية، والجغرافيا، وألعاب القوى والأدب. وكانت النتائج في اختبار المعرفة العامة مرتبطة بشكل كبير بعلامات اختبار القراءة.
تظهر ممارسات التعليم الحالية أن القراءة الاستيعابية شأن يساء فهمه. إنها تعامل كمهارة عامة يمكن تطبيقها بنجاح متساو على جميع النصوص. لكن الاستيعاب متشابك بشكل وثيق مع المعرفة. ويقترح ذلك إجراء ثلاثة تغييرات هامة في التعليم المدرسي.
أولاً، إنه يقترح تقليص الوقت الذي يستغرقه تعليم القراءة والكتابة في الصفوف الأولى. وينفق طالب الصف الثالث 56 في المائة من وقته على أنشطة تعلم القراءة والكتابة، بينما ينفق 6 في المائة منه على العلوم والدراسات الاجتماعية. ويأتي هذا التركيز غير المتناسب على القراءة والكتابة بنتائج عكسية في مرحلة لاحقة، عندما يعرقل نقص معرفة الأولاد بالموضوع عملية الفهم. وثمة خطوة إيجابية أخرى تتمثل في استخدام نصوص عالية المعلومات في الصفوف الابتدائية المبكرة. وكانت النصوص، تاريخياً، خفيفة المحتوى.
ثانياً، يجب أن يجعلنا فهم أهمية المعرفة للقراءة نفكر بشكل مختلف في اختبارات نهاية العام الموحدة. فإذا درسَت طفلة نيوزيلندا، فإنها يجب أن تكون جيدة في القراءة والتفكير في النصوص التي تتحدث عن نيوزيلندا. فلماذا نختبر قراءتها بنص عن العناكب، أو عن التيتانيك؟ وإذا كانت المواضيع عشوائية، فإن الاختبار يزن المعرفة المتعلَّمة خارج الفصول الدراسية –وهي معرفة يمتلك الأطفال الأثرياء فرصة أكبر لجمعها.
ثالثاً، يجب أن يكون البناء المنهجي للمعرفة أولوية في تصميم المناهج الدراسية. ولا تحدد “المعايير الأساسية المشتركة للقراءة” -الوثيقة التي تقيّم مهارات القراءة، شيئاً تقريباً فيما يتعلق بالمحتوى الذي من المفترض أن يعرفه الأطفال. وينبغي أن يتخطى مسؤولو الدولة “المعايير الأساسية المشتركة” عن طريق كتابة معايير غنية بالمحتوى على مستوى الصف، ودعم موظفي المقاطعات في كتابة المناهج الدراسية لمساعدة الطلاب على استيفاء المعايير. هذا ما فعلته ماساتشوستس في التسعينات لتصبح قائدة التعليم في البلاد. وقد تبنت لويزيانا هذا النهج مؤخراً أيضاً، وتبدو النتائج المبكرة مشجعة.
لا تلوموا الإنترنت، أو الهواتف الذكية، أو الأخبار الزائفة، على ضعف القراءة لدى الأميركيين. لوموا الجهل. وسيتطلب تغيير هذا الاتجاه إجراء تغييرات جذرية في كيفية تعليم القراءة، وفي الاختبارات الموحدة وفي المناهج المدرسية. ويجب أن يكون أساس جميع هذه التغييرات فهماً أفضل لكيفية فهم العقل ما يقرأه.
*أستاذ علم النفس في جامعة فيرجينيا ومؤلف، آخر كتبه: “العقل القارئ: منهج إدراكي لفهم كيف يقرأ العقل”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
How to Get Your Mind to Read
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 2/12/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى