ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن نيويورك تايمز – حياة بلا جذور في الولايات المتحدة، حولت سيف الله سايبوف إلى التطرف

نيويورك تايمز – كيم باركر؛ جوزيف غولدستين؛ وميشيل سفتويرتز* – 1/11/2017
غادر سيف الله سايبوف موطنه في العام 2010، بعد أن احتفل بعيد ميلاده الثاني والعشرين وفاز باليانصيب للقدوم إلى أميركا. لم ينظر أبداً إلى الوراء، ولم يشاهِد مرة أخرى مسقط رأسه في طشقند، عاصمة أوزبكستان، ولم يتوقف أبداً عن التنقل.
قاد سايبوف شاحنة من أجل كسب لقمة العيش، وقطع عشرات الآلاف من الأميال متجولاً في جميع أنحاء البلاد، من دنفر إلى ديترويت، ومن كانتون في مساشوستس إلى سولت ليك سيتي. ونقَّل زوجته وأبناءه من ولاية إلى أخرى، باحثاً دائماً عن شيء –عن الأصدقاء في ولاية أوهايو، عن حياة جديدة في ولاية فلوريدا، وعن عائلة في نيو جيرسي، حيث بدأ عمل قيادة سيارة مع “أوبر” قبل ستة أشهر. لكن أيَّ شيء لم يثبُت.
ثم، في يوم الثلاثاء، 31 تشرين الأول (أكتوبر)، قرر سايبوف، الذي أصبح عمره الآن 29 عاماً، والذي أمضى ساعات طويلة على الطريق وحده، والذي قال صديق قديم له في داخله شيء وحشي، قرر أن يقود شاحنة واحدة أخيرة، وهذه المرة واحدة لشركة “هوم ديبوت” للتأجير، إلى ممر دراجات هوائية مزدحم في الجانب الغربي من مانهاتن، وفقاً لما ذكرته السلطات. وقُتل في الهجوم ثمانية أشخاص.
وكما هو الحال مع أي هجوم من هذا النوع، ليس هناك سبب واحد يقال إنه دفع قرار سايبوف قتل الأبرياء، ومعظمهم من السياح الذين كانوا يستمتعون بيوم خريفي مزدحم، بدرجة حرارة 14 مئوية وبسماء زرقاء. وكان سايبوف قد جاء إلى الولايات المتحدة كمسلم معتدل مع أحلام بتحقيق النجاح. وفيها تزوج مهاجرة أوزبكية أخرى وأصبح أباً لثلاثة أطفال. لكن الحياة لم تعمل بالطريقة التي أرادها سايبوف. لم يتمكن من العثور على وظيفة في قطاع الفنادق، كما كان عمله هناك في الوطن. وأصبح يطوِّر مزاجاً عنيفاً. فقد الوظائف واحدة بعد أخرى. وعبر إمام في فلوريدا عن قلقه من أن السيد سايبوف أصبح يسيء تفسير الإسلام بشكل متزايد.
يقول عبدُل، الإمام، الذي لم يرِد استخدام اسمه الأخير لأنه يخشى الانتقام: “كنت أقول له: ‘هيه، أنت عاطفي جداً. اقرأ كتباً أكثر. تعلم دينك أولاً’. لكنه لم يتعلم الدين بشكل صحيح. هذا هو المرض الرئيسي في المجتمع المسلم”.
في طشقند، نشأ سايبوف فى أسرة حسنة الحال تمارس الإسلام التقليدي ولم تعتنق التطرف أبداً، حسبما ذكرت الحكومة الأوزبكية يوم الأربعاء. وقال جيرانه إن السيد سايبوف لم يثير الشكوك أبداً، و”عرض نفسه دائماً بطريقة ودية محسوبة”، وفقاً لتصريحات الحكومة. ولم تتقاطع طرقه أبداً مع الشرطة.
في الفترة من العام 2005 إلى العام 2009، درس السيد سايبوف في معهد طشقند المالي، وهو من أكبر الجامعات في أوزبكستان، الجمهورية السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى التي كان يديرها إسلام كريموف في ذلك الوقت، وهو واحد من أكثر القادة قمعية في العالم. وبعد الجامعة، عمل سايبوف محاسباً في فندق سايوهات في طشقند، الذي يوصف بأنه يضم غرفاً بالية ويقدم خدمة رديئة للعملاء.
ثم حصل على “البطاقة الخضراء” الأميركية عن طريق اليانصيب، مما يعني أنه كان واحداً من المحظوظين الذين استطاعوا الإفلات من القمع في الوطن والهجرة قانونياً إلى أميركا. وفي آذار (مارس) 2010، طار سايبوف إلى مطار كينيدي الدولي في مدينة نيويورك، في أول مرة يتواجد فيها في الولايات المتحدة، وشق طريقه إلى منزل صديق لوالده يقطن في الضواحي الشمالية الشرقية من سينسيناتي. وبعد ذلك تخطى ولاية حكومته للتسجيل لدى القنصلية. لم تكن لديه أي خطط للعودة.
لكن السيد سايبوف لم يُصادف أي حظ في العثور على عمل. وطلب منه صديق والده، وهو سائق شاحنة، الانتقال والعثور على منزله الخاص لأنه لم يكن يكسب أي نقود. وهكذا، عثر سايبوف على أول عمل له: سائق شاحنة. وبحلول نهاية العام 2011 وجد منزله الخاص، شقة تقع على بعد 200 ميل، في كوياهوغا فولز، أوهايو، في شارع يسمى أميركانا درايف.
لم يكن متطرفاً بالضبط. كان سايبوف يحب الملابس الفاخرة، في مظهر اختيال عادة ما يثير الاستياء في الأوساط الإسلامية المحافظة. وكان يطلق الشتائم كما لو أنه لا يستطيع الكف عنها. وظهر بشكل روتيني متأخراً عن صلاة الجمعة في الجمعية الإسلامية في أكرون وكينت. وعرض مجرد معرفة بدائية بالقرآن.
يقول ميرخمات مومينوف، وهو سائق شاحنة وناشط في المجتمع المحلي، إن سايبوف شرع في التغير على مدى السنوات الثلاث التي عاش فيها في المنطقة. أصبح ميالاً إلى الجدال، بل وحتى إلى العدوانية، وبدأ بإطلاق لحيته. ووصفه السيد مومينوف بأنه شخص “في داخله وحوش”.
وأضاف مومينوف: “كنت أظن دائماً في أعماق نفسي أنه سيسجن بسبب ضرب أو إهانة أحد ما. كانت له شخصية سوقية”.
على الرغم من أن جده جاء للزيارة أحياناً من أوزبكستان، فإن والديه لم يفعلا قط، كما قال السيد مومينوف. وقد أنشأ سايبوف عائلته الخاصة: تزوج في العام 2013 من مهاجرة أوزبكية تصغره بست سنوات تقريباً، نوزيما أوديلوفا، التي انتهى بها المطاف في أوهايو بعد هبوطها أول الأمر في لاس فيغاس. وبدآ أسرة، أنجبا أولاً ابنة، ثم ابنة ثانية. وكان يقول للأصدقاء إنه أمل حقاً في إنجاب ابن ذكر.
بينما كان في أوهايو، قام سايبوف بتأسيس عملين تجاريين كجزء من حياته المهنية الوليدة في الشاحنات -“سيف موتورز”، في اشتقاق من اسمه، بعد 14 شهراً فقط من وصوله إلى البلاد، وشركة أخرى باسم أكثر انسجاماً مع حس وسط الغرب الأميركي، شركة “برايت أوتو”. ولكن السيد سايبوف كان يقود بشكل رئيسي للآخرين، لحساب شركات مثل “أَبرور لوجستكس” التابعة لباترسون في نيوجيرسي.
على مر السنين، تلقى ما لا يقل عن تسع مخالفات سير، في ولاية أيوا، ميسوري، نبراسكا، بنسلفانيا وماريلاند. وهذه المخالفات أشبه بلقطات مكثفة للكيفية التي عاش بها سايبوف على الطريق.
هناك كان في ولاية أيوا، في كانون الأول (ديسمبر) 2011، يتنظر لمدة 35 دقيقة على الطريق السريع 80 بينما يفتش الضباط شاحنته ووثائقه، ويكتبون له مخالفة ويسمحون له بمواصلة طريقه إلى سولت ليك سيتي. وها هو في ولاية أيوا مرة أخرى، في نيسان (أبريل) 2014، حيث يتم إيقافه لأكثر من ساعة بسبب الزجاج الأمامي المتصدع وعدم وجود جهاز عاكس أثناء نقله حمولة من السيارات في شاحنته من دنفر إلى ديترويت.
وها هو هناك، مراراً وتكراراً في محطة الوزن في العلامة 415 ميلا على الطريق السريع 80 في نبراسكا. وقد تلقى سايبوف مخالفة هناك بسبب القيادة لفترة طويلة جداً بدون الحصول على الراحة اللازمة، ونقل حمولة بوزن أكثر قليلاً من المسموح.
بحلول نهاية العام 2015، انتقل سايبوف إلى تامبا، فلوريدا، في مطاردة شيء ما. وقد تعمقت مشاكله، كما قال السيد مومينوف. فقد واجه صعوبة كبيرة في العثور على عمل. ونفد من المال. وانفجر بالغضب.
ويقول عبدُل، الإمام: “كانت لديه مشاكل في الشخصية”.
أصبح أكثر هوساً بالمظاهر الفيزيائية للإسلام: اللحية الطويلة، والسراويل الأعلى من الكاحل. لكنه لم يتحدث أبداً عن العنف.
بحلول آذار (مارس) من العام الماضي، كان قد عثر على عمل جديد، مع “إيك للنقل” في ولاية إلينوي. وقال مسؤول في الشركة طلب عدم الكشف عن هويته لأنه لا يريد أن يُربط بشخص متهم بارتكاب أعمال إرهابية، أن السيد سايبوف كان شخصاً “عمل في كل الولايات الثماني والأربعين المتصلة”، وأنه “مجرد رجل عادي”.
كان حينذاك عندما واجه أكبر صدام له مع القانون، بعد أن تخلف عن دفع مخالفة سير وتحولت إلى مذكرة جلب. وأدركته المذكرة في محطة وزن في ولاية ميسوري. وهناك أمضى 40 دقيقة يوم 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، في سجن مقاطعة سانت تشارلز، حيث دفع كفالة بقيمة 200 دولار باستخدام بطاقته الائتمانية.
على مدى هذه السنين، لم يخلِّف سايبوف أي انطباع باستثناء تلك المخالفات. ويقول جيم كليبر، وهو محام مثَّله في قضية مخالفة سير في مقاطعة بايك، بنسلفانيا: “لا أتذكره”. وقال مايكل ماكي من إدارة السجون في مقاطعة سانت تشارلز: “لا أحد يذكره”.
بحلول ربيع هذا العام، أخبر الأصدقاء بأنه يريد الانتقال أقرب إلى عائلة زوجته، التي تعيش في بروكلين، وانتقلت الأسرة إلى باترسون. كانت زوجته حاملاً -هذه المرة بولد ذكر، وُلد خلال الصيف. وبدأ سايبوف القيادة لأوبر. ومع ذلك، لم يكن سعيداً. وقال للأصدقاء والمعارف إنه يعتزم العودة إلى أوزبكستان. وقال “الحياة مملة هنا. ليس هناك شيء يمكن أن أفعله هنا”.
ولكن، منذ نحو عام، بدأ التخطيط لتنفيذ هجوم، كما قالت السلطات، وبدأ في نهاية المطاف بتحميل أشرطة فيديو “داعش”. وقبل شهرين، قرر كيف سيفعل ذلك، بالطريقة التي يمكن أن تسبب أقصى قدر من الضرر. وكانت الوسيلة واضحة تماماً: شاحنة.
*أسهم في إعداد التقارير كل من نيك ماديجان، وتيفاني هسو، وليز روبنز، ونيت شويبر، وميتش سميث، ونيكيتا ستيوارت. وأسهمت دوريس بورك وسوزان بيشي بالبحوث.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان :
Finding a Rootless Life in U.S., Sayfullo Saipov Turned to Radicalism
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 9/11/2017
ala.zeineh@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى