ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن نيويورك تايمز – أبعد نقطة في رحلة بورمية

نيويورك تايمز – روجر كوهين – 1/12/2017
سيتو، ميانمار- أصبح من الصعب أن يضيع المرء في هذه الأوقات. فأنظمة تحديد المواقع العالمية هي أشبه بمطاردين عنيدين. ومع ذلك، فإن ضياع المرء كثيراً يكون شرطاً ضرورياً أحياناً.
حتى يمكنك أن تنغمس في المكان، يكون عليك أن تلقي عنك أحمالك، وأن تتخلص حتى من الزمن نفسه. عندئذ فقط سوف تبدأ الأسرار في الكشف عن نفسها.
في كل رحلة، هناك أبعد نقطة. وهي تنطوي على شعور، على انعطاف، على أكثر من مجرد موقع. وكان الروائي، في. أس. نيبول، قد كتب عن “أحجية الوصول”. وهذا قريب من الفكرة.
في الصباح الباكر، هنا في عاصمة ولاية راخين المضطربة في ميانمار، ذهبت للنزهة على طول الواجهة البحرية. رافقني الكلاب الضالة. وانثنَت المياه الموحلة لخليج البنغال على الشاطئ حيث وُضِعت صفوف من الكراسي البلاستيكية تحت مظلات ناشزة.
نثر شاب يرتدي اللونجي، الإزار البورمي الذي يُلف على النصف الأسفل من الجسم، وسترة مموهة، فتاتاً من الطعام للنوارس الشائهة. وأرسلت ثكنات بحرية شاسعة في الفضاء رائحة الهجران. وبدت الوجوه تالفة مدمرة.
النهب الطويل، فكَّرتُ، هو الذي أسفر عن هذا الخراب. نهب البريطانيون راخين عندما كانت جزءاً من الهند الإمبراطورية. وكتب أوروي في روايته “الأيام البورمية”: “الإمبراطورية الهندية استبداد -إنها خيِّرة، ولا شك، لكنها تظل استبداداً، لأن السرقة هي غايتها النهائية”. وكان الناس ذوو البشرة الداكنة وسيلة يمكن التخلص منها لتحقيق هذه الغاية.
قبل البريطانيين، نهبت الطبقة الملَكية البورمية مملكة أراكان، راخين المعاصرة. ألم أر في ماندالاي بوذا الماهاموني، الذي أُخِذ من راخين كغنيمة للحرب، وأصبح الآن موضوعاً للتبجيل في مبعد بوذي مذهب؟
نعم، في ماندالاي، غمغم حشد بالصلاة، متجها أقرب إلى صورة بوذا. واستلقى طفل على حصيرة غافلاً عن الذباب. وعرضت الأكشاك في الأسواق القريبة السكاكين البورمية الشبيهة بالمناجل الصغيرة. وخلد قراء البخت في سعف النخيل، القلقون من النبوءة، إلى إغفاءة ما بعد الغداء. بعد البريطانيين، واصل الجيش البورمي نهبه الخاص: الصفقات التجارية القائمة على المحسوبية؛ نهب التاريخ لإنتاج أعداء قد يبررون ضراوته؛ ونهب الحقيقة في محاولة للتغطية على القرى المدمرة، والآلاف الذين ذبحوا في سلسلة من الحروب ضد الأقليات الإثنية والمعارضين في ميانمار.
كانت راخين دائما مكاناً مشتبهاً به. ومثل الأقليات الأخرى -الكاشين أو الشان- كان لراخين تاريخ اضطر إلى أن يكون عاكفاً -من خلال القوة إذا لزم الأمر- على تحصيل الهوية البورمية. وتشكل الصور المبتسمة لـ135 من الأقليات الإثنية الرسمية في ميانمار (الروهينغا ليس من بينها) في المتحف الوطني في يانغون خديعة فولكلورية.
في كتابها “العثور على جورج أورويل في بورما”، تتحدث إيما لاركن إلى مؤرخ، تين تين لاي، الذي يقول عن الجيش: “إنهم مهتمون فقط بالقومية والوطنية. لم يعد هناك تاريخ في بورما بعد الآن. يمكنكِ البحث في الكتب المدرسية والمكتبات. ولن تجديه. نحن بلد بلا تاريخ -من دون تاريخ صادق”.
يشكل محو التمييز بين الحقيقة والزيف أساس الدكتاتورية.
لم تكن الهجمة العسكرية ضد سكان الروهينغا المسلمين في ولاية راخين، والتي أرسلت أكثر من 600.000 إنسان عبر الحدود البنغلاديشية، شذوذاً. كانت منسجمة مع النهب والأكاذيب التي رافقت نصف قرن من الحكم العسكري. وتحاول أونغ سان سو كي، التي تمثل تجسيداً للسعي الديمقراطي في ميانمار، أن تنتزع بلدها من مخالب الجيش، وإنما أيضاً من الكذب والتعتيم والخوف. وهذا عمل يتطلب جيلاً.
ما تزال القومية البورمية تلتف باطراد بالبوذية المتحدية. وقد التقى البابا فرنسيس الأسبوع الماضي مع سيتاغو ساياداو، أحد أكثر كبار الرهبان تبجيلاً في ميانمار. وكان سيتاغو ساياداو قد ألقى مؤخراً خطبة في مدرسة تدريب قتالية للجيش. وفيها أشار إلى معركة تاريخية بين البوذيين والتاميل. وبعد المعركة، كما تقول القصة، كان الملك البوذي مضطرباً لأن عدة آلاف من التاميل ماتوا.
لكن الرهبان طمأنوه بقولهم إن جميع التاميل الذين قتلوا ارتقوا فقط إلى مرتبة واحد ونصف من الكائن البشري، لأن الذين يؤمنون بالمبادئ البوذية فقط هم البشر. وقال سيتاغو ساياداو إن الملك، مثل الجيش اليوم، كان يقاتل من أجل أمن البوذية.
الروهينغا، بالنسبة لأغلبية ميانمار البوذية، هم هوية مخترعة، أقل من بشر، ووكلاء خديعة للأسلمة والاستيلاء على الأراضي.
لا يمكن بناء أي ديمقراطية على إنكار وجود شعب.
خرجت من ماندالاي، عبر ساغينغ، بعددها الذي لا يحصى من المعابد البوذية الذهبية على شكل أجراس، إلى قرية على نهر إيراوادي لكي أسمع سيتاغو ساياداو وهو يتحدث. وضع الناس التبرعات في أيدي المنظمين. وتم الإعلان عن أسمائهم ومساهماتهم بمكبرات صوت مزدهرة. ورفرف في المكان العلم البوذي متعدد الألوان.
دخل سيتاغو سياداو في رداء أرجواني تحت مظلتين بيضاوين. وقال إنه يشعر بالقلق. فقد تم ضبط خطبته وتقييدها.
تحدثت مع داو كيينغ، 65 عاماً، وهي امرأة ذات ابتسامة جميلة. سألتها عن السبب في أن عدد النساء الحاضرات أكبر من عدد الرجال.
“لأن النساء فقط هن اللواتي يردن أن يذهبن إلى الجنة. الرجال مشغولون بالشرب”.
“أين سيذهب الرجال؟”.
“إلى الجحيم”.
“ماذا تريدين أن تكوني في حياتك المقبلة؟”.
“لا أريد أن أعود إلى هذه الحياة بأي شكل من الأشكال”.
“حياة واحدة تكفي؟”.
“أكثر من كافية”.
“ألا تودين أن تعودي إلى الحياة في هيئة رجل؟”.
“كلا. أنا لا أريد أن أشرب. كان زوجي عنيفاً. كان لدينا 11 ولداً. الآن لم يعد يستطيع أن يشرب، ولذلك لم يعد يضربني بعد الآن. أنا أعيش معه، ونزرع الأرز، على منحنى في النهر المُسالم”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان :
The Farthest Point of a Burmese Journey
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 8/12/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى