ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن نيوزويك – ماذا إذا خلا العالم من الماء ؟.. مشكلة المياه في الأردن

نيوزويك – بيتر شفارتزستين – 22/11/2017
الصيف دائماً حارق في عمان، الأردن، لكنه كان قاسياً بشكل خاص في تموز (يوليو) الماضي بالنسبة لطارق القيسي، الميكانيكي الذي يعيش مع عائلته في الجزء الشرقي من المدينة. كانت عصابة من اللصوص قد سطت على تيار الكهرباء مقابل منزله، وقام مزود الكهرباء بقطع التيار عن الشارع بأكمله لمدة أسبوعين. ومع عدم وجود مراوح أو ثلاجات، بدا الهواء في الحي الخرساني الخالي من الأشجار أشبه بنفحة من فُرن. وفي اليوم التالي، امتلأت حفرة مجاري قريبة، وغلفت شقته برائحة كريهة. وأحب الذباب ذلك، فمرض أبناء القيسي الثلاثة في عمر المدرسة. ومع خفض رئيسه في العمل راتبه، متذرعاً بضعف الأعمال، اعتقد الميكانيكي الشاب أنه لم يعد هناك شيء يمكن أن يزعجه. “إنه الجحيم”، كما يقول، “ولكن لا يبدو أن لدينا خيارا”.
غير أن الفقدان المفاجئ لإمدادات مياهه جعله يائساً تقريباً. مع عدم وجود إمكانية الوصول إلى مياه البلدية، اعتمد القيسي وجيرانه دائماً على صهاريج المياه الخاصة لملء خزاناتهم. لكن بناء أخيراً عند سفح التل الذي يعيشون فيه قطع هذا الشريان للحياة. ولم يعد بوسع الشاحنات التي بحجم الحيتان أن تقترب من المكان، ولذلك أصبح السكان يعتمدون الآن على ما يمكنهم حمله على الطرق شديدة الانحدار. وبعد أن أصبحوا غير قادرين على غسل ملابسهم بشكل مناسب، أو حتى تنظيف الأطباق، شرعوا في توطين أنفسهم على العيش في عالم بلا ماء تقريباً. ويقول القيسي: “أعود إلى المنزل متسخاً، وفي بعض الأحيان لا يمكن أن أغتسل”. ويضيف “هذا مُهين. لا يجب أن يعيش أحد بهذه الطريقة”.
من دون اتخاذ إجراءات جذرية، قد يتقاسم الكثير من الأردنيين محنته في القريب. فنهر الأردن، المجرى المائي الوحيد في البلاد، قذر وناضب، في حين تم سحب المياه من بعض خزانات البلد الجوفية بحجم تجاوز إمكانية الإصلاح تقريباً. ومن المتوقع أن تنخفض الأمطار السنوية في البلد بشكل كبير بسبب تغير المناخ، حتى مع استمرار تضخم سكانه. كما أن الأردن أفقر مالياً من أن يتحول إلى تحلية المياه باهظة التكلفة على نطاق واسع -أو إصلاح بنيته التحتية المهترئة التي تسمح بالتسرب. ولا يُظهر النمو السكاني في البلاد سوى علامات قليلة على التباطؤ، ولذلك لا يمكنه اللجوء إلى استيراد المياه، كما فعلت بعض الدول الجُزرية الصغيرة في المحيط الهادئ والبحر الكاريبي. وقد أصبحت حالات نقص المياه سيئة للغاية، وأثارت مسبقاً صدامات بين اللاجئين والأردنيين الأصليين، ويشرع المسؤولون المكلفون بتلبية الطلب المتزايد مع نقصان العرض في الشعور بالذعر. ويقول علي صباح، مساعد الأمين العام للتخطيط الاستراتيجي بوزارة المياه والري: “علينا أن ننظر إلى خارج الأردن. لم تعد هناك المزيد من الموارد المائية هنا”.
يمكن أن يكون الأردن أول بلد ينفد من المياه، ولكن من المرجح أنه لن يكون الأخير. وعلى الصعيد العالمي، من المتوقع أن يرتفع الطلب على المياه بنسبة 50 في المائة تقريباً بحلول العام 2050. والوضع مروع على جانب العرض أيضاً: فقد اقترب 21 من أصل 37 من أكبر خزانات المياه الجوفية في العالم بالفعل من تجاوز نقاط التحول، وفقاً لوكالة “ناسا”، ويرجع ذلك جزئياً إلى الإفراط في استخراج مياه الشرب والتعدين. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الاحترار العالمي يقلل من معدلات هطول الأمطار في بعض الأماكن. وقالت منظمة الأرصاد الجوية العالمية إن اثنين من كل ثلاثة أشخاص سيواجهان نقصاً في المياه بحلول العام 2025، وقد يواجه مئات الملايين الآخرين مشكلة خطيرة في نوعية المياه الرديئة بشكل خطير.
تتعرض العديد من المدن الكبرى للكوكب للخطر بشكل خاص بسبب التحدي المتمثل في تزويد سكانها المتزايدين باستخدام بنية تحتية غير مطابقة للمواصفات. ويعيش أربعة مليارات نسمة حالياً في المناطق الحضرية، وهو عدد يتوقع أن يتضاعف تقريباً بحلول منتصف القرن. وقد جفت نيروبي، كينيا، تقريباً هذا الصيف، في حين تعيش كيب تاون، جنوب أفريقيا، في خضم أسوأ جفاف تختبره منذ سنوات عديدة. ويبدو أن طهران، إيران، تعتزم إدخال نظام لتقنين المياه في القريب. وفي الولايات المتحدة أيضاً، يتوقع مديرو المياه في 40 ولاية حدوث مشاكل في المياه خلال العقد المقبل. وفي أفضل الأحوال، يمكن أن تكلف حالات نقص المياه الاقتصاد العالمي نحو 500 مليار دولار سنوياً، وفقاً للبنك الدولي. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تؤدي إلى الحرب والإرهاب. وكما جاء في تقرير استخباراتي أميركي شامل صدر في العام 2012، فإن “استخدام المياه كسلاح أو لتوسيع الأهداف الإرهابية سيصبح أكثر احتمالاً بعد عشر سنوات”.
في الشرق الأوسط، أصبح هذا الإنذار يبعث على القلق بشكل خاص في أعقاب ثورات الربيع العربي في العام 2011. وكما هو الحال في معظم أنحاء المنطقة -والعالم- فإن معظم مياه الأرن، 65 في المائة منها على الأقل، تذهب إلى الزراعة. ويدرك بعض المسؤولين أن هذه النسبة العالية المخصصة للقطاع غير مستدامة. وقال لي أحد كبار مسؤولي الديوان الملكي، والذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث إلى الصحافة: “لا نستطيع أن نقول للجيل القادم إننا أهدرنا كل ما نملك من المياه لأننا زرعنا الكثير من البندورة”. وفي القصر الملكي في وسط عمان، قامت فرق من المستشارين المتخصصين بمسح خيارات البلد. ولكن صناع السياسات يترددون في التخلي عن جميع إنتاج الأغذية في منطقة محفوفة بالمخاطر. ويقول آرون وولف، أستاذ الجغرافيا وخبير المياه البارز في جامعة ولاية أوريغون: “في بعض النواحي، حدث ذلك منذ زمن سحيق. إنك إذا كنت غنياً، فإنك تستطيع أن تحل (أزمتك). أما إذا كنتَ فقيراً، فإنك تموت”.
لم يكن لدى الأردن الكثير من المياه في أي وقت. وقد تدبر سكانه القلائل نسبياً أمورهم مع المياه لمعظم فترات التاريخ. لكن سبعين عاماً من استيعاب نتائج الفوضى لدى جيرانه الأكبر بكثير غيّرت كل ذلك. أولاً، تسبب احتلال فلسطين في تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين على الحدود بعد إنشاء إسرائيل في العام 1948، بعد عامين من تأسيس الأردن، مما ضاعف احتياجات الدولة الجديدة من المياه ثلاثة أضعاف تقريباً بين عشية وضحاها. ثم تلت ذلك موجات من المهاجرين اللبنانيين والعراقيين والمزيد من الفلسطينيين على مدى العقود اللاحقة، والتي أضافت كل منها إلى العبء المائي. كما انتقل العديد من اللاجئين من ليبيا واليمن اللتين دمرتهما الحرب إلى عمان في السنوات الأخيرة. وبحلول الوقت الذي تفاقمت فيه الحرب الأهلية في سورية في العام 2013، مثقلة بذلك كاهل جارها الجنوبي بأكثر من مليون من مواطنيها العطشى، لم تكن هناك أي جنسية شرق أوسطية تقريباً لم يستضيفها الأردن.
وقد لعب الأردنيون الأصليون دورهم في النمو السكاني أيضاً. ويبلغ معدل الخصوبة في البلاد 3.38، وهو من أعلى معدلات الخصوبة في المنطقة.
مع ذلك، لم تكن هذه الطفرة السكانية هي التي صنعت هذا المصير القاتم لإمدادات المياه في الأردن، كما يقول الاستراتيجيون. (ولو أنهم يصرون على أن اللاجئين السوريين، الذين يأتون من أرض أقل جفافاً، لا ينطوون على فهم كاف لممارسات الحفاظ على المياه). ولكن مع الكثير من النمو الذي حدث في تدفقات اللاجئين مفاجئة، لم تتمكن السلطات من التخطيط بشكل سليم من سنة إلى التي تليها.
وهكذا، ومع استمرار عدد سكان الأردن في تجاوز جميع التوقعات، بطريقة حققت توقعات العام 2035 بعدد يبلغ 9 ملايين نسمة في وقت مبكر هو مطلع العام 2015، لجأ المسؤولون المذهولون إلى الإغارة على جميع مصادر المياه المتاحة بين اليدين -بما يأتي بآثار مدمرة. وتقول ميسون الزعبي، رئيسة المجلس الأعلى للسكان، والأمين العام السابق لوزارة المياه والري، إن عشرة من الخزانات المائية الـ12 في البلاد قد استنزفت تقريباً. وفي بعض الأماكن، يقوم مهندسو المياه بالحفر إلى عمق ميل باحثين عن اكتشافات جديدة. ويقول الخبراء إن السلطات لا تملك خياراً. ويقول رائد النمري، خبير المياه ونائب رئيس ابتكارات وتقنيات المياه في “مرسي كوربس”، وهو برنامج أميركي التمويل يهدف إلى توفير المياه: “نوعية المياه آخذة في الانخفاض، وكمية المياه آخذة في التناقص، لكن عليك توفير المياه للناس. إنها قضية أمن وطني”.
مع حصة فرد من المياه تبلغ 90 متراً مكعباً في السنة، في واحد من أدنى معدلات نصيب الفرد من المياه في العالم، يتمتع الأردنيون بنحو 3 % من استهلاك الأميركيين. ولكن البلد بعيد عن النجاة من اللوم عن محنته المائية. ربما يُفقد نصف المياه المستخرجة بالتسرب من الأنابيب؛ وفي بعض المناطق التي كانت لتكون جافة بغير ذلك في عمان، تذهب تدفقات نفاثة من المياه العذبة إلى سقاية الإسمنت. وهو جرح يتم إلحاقه بالذات بنسب معيقة. وبسبب الثقوب في شبكة التوزيع، يترتب على مشغِّلي محطة المياه الضخ بشراسة للحفاظ على الضغط في الأنابيب، وبحيث يتم تبديد المزيد من المياه أثناء انتقاله. وفي واقع الامر، يذهب ما يقرب من 20 في المائة من الكهرباء في الأردن إلى ضخ وتوزيع المياه في جميع أنحاء البلاد، وفقاً لوزارة المياه والري. وعلى الرغم من هذا الإنفاق الضخم، فإن التدفق غالباً ما يكون ضعيفاً جداً عندما يصل إلى منازل السكان الذين يحصل الكثيرون منهم على المياه البلدية مرة فقط كل بضعة أسابيع، ولا يكون لديهم ما يكفي من الوقت لملء الخزانات على السطح، والتي يستخدمونها لتدبر أمورهم حتى يأتي موعد الضخ المقبل. ويقول موظف مدني متقاعد يعيش في منطقة البيادر في العاصمة: “الشوارع هي التي تحصل على المياه التي نحتاجها!”.
كما تسببت سرقة المياه في خسائر فادحة. وعلى مدى عقود، استغلت شبكة غنية ومتصلة من العائلات الرئيسية والزعماء القبَليين موارد المياه في الأردن. وقد استخدمت هذه العائلات نفوذها السياسي لتسمح لنفسها بأخذ سيول من المياه المجانية من دون خوف من التوبيخ. وتقول الزعبي: “هناك تدخل سياسي لأن بعض الأسر الكبيرة لديها مزارعها الخاصة”. ويتم خُسران ما لا يقل عن 30 مليون متر مكعب من المياه للآبار غير القانونية كل عام، وفقاً لوزارة المياه والري، على الرغم من أن خبراء مستقلين يشتبهون في أن المجموع قد يكون أعلى بكثير.
وهكذا، في الوقت نفسه الذي تدفع فيه حالات النقص الحادة في المياه اللاجئين السوريين والأردنيين إلى التشاجر مع بعضهم في بعض الأحيان، خاصة حول مدينة الرمثا في الشمال، يقوم هؤلاء النافذون من ملاك الأراضي الأقوياء بالتهام المياه الجوفية. ويقول محمد عطية، أحد المزارعين في وادي الأردن الجنوبي: “في بلد قد ينفد من الماء، هناك لوائح وقوانين للفقراء والضعفاء فقط”.
في وادي الأردن، بتربته الخصبة الشهيرة، على عمق مئات عدة من الأمتار تحت مستوى سطح البحر، ينبغي أن تكون مزرعة عطية مزدهرة. ولكن، مع إمدادات مياه يتكون خُمسها من المياه المالحة مثل مياه البحر، فإنه لا يستطيع أن يزرع أي شيء سوى أشجار النخيل ذات المنظر المريض. ومع جاره، سليل واحدة من الأسر الرائدة في المنطقة، يقوم بتوجيه ما تبقى من المياه العذبة لري أشجار الموز، ويخشى عطية من أنه لن يكون قادراً على تنمية أي شيء في القريب.
ويواجه آخرون وضعاً أكثر سوءاً بكثير. فعلى بعد أميال عدة إلى الجنوب، على طول البحر الميت، أتلفت المجاري بالفعل بعض الحقول. وبسبب عدم وصول مياه نهر الأردن الآن إلى البحر الميت، وهو أخفض بقعة على سطح الأرض، تنخفض مستويات السطح بنحو متر في السنة، وتأخذ كل شيء، من الطرق إلى محاصيل الأرز، معها. وفي بعض المنتجعات على الجانب الإسرائيلي من البحر الميت، يعتمد المشغلون الآن على العربات التي تجرها الجرارات لنقل الضيوف مسافة أكثر من نصف ميل إلى الشاطئ.
بسبب تغير المناخ، يمكن أن يزداد نقص المياه في الأردن سوءاً في القريب. ومن المتوقع أن ينخفض المطر القليل الذي تتلقاه البلاد بنسبة 30 في المائة بحلول نهاية القرن، وفقاً لمشروع مياه جامعة ستانفورد في الأردن. وسوف تجف التربة، وتقل الغلة. وبينما يصل العرض مستويات دنيا جديدة ويزداد الطلب، خاصة في قطاع الزراعة، فإن درجات الحرارة المرتفعة ستؤدي إلى المزيد من التبخر وعطش المحاصيل. ويقول الأمير الحسن بن طلال، الرئيس السابق للمجلس الاستشاري للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون المياه والتصريف: “على الرغم من أن الأردن لم يسهم إلا قليلاً في التأثير الوشيك لتغير المناخ، إلا أنه من المتوقع أن يعاني على مستوى أعلى بكثير مقارنة بالدول الأخرى”. وحتى مع مستويات الهطول الحالية، لم يملأ الأردن أبداً أكثر من 60 في المائة من شبكة سدوده وخزاناته.
ثم هناك التداعيات المستمرة للطوبوغرافيا المؤسفة في المملكة. فالأردن، الذي يقع مصب النهر فيه تحت سورية وإسرائيل، ومع امتداد أكبر مستودعات المياه الجوفية لديه إلى داخل الحدود السعودية والسورية، كان دائماً تحت رحمة سياسات المياه لدى جيرانه. فمنذ خمسينيات القرن العشرين، أدى بناء السدود والتوسع الزراعي في سورية إلى خفض التدفق في نهر اليرموك، الذي يشكل رافداً رئيسياً لنهر الأردن، بنسبة 60 في المائة على الأقل. ونادراً ما كان سد الوحدة، حاجز الأردن الكبير على اليرموك، أكثر من ربع ممتلئ. لكن السلطات في عمان لم ترَ شيئاً بعد، كما يقول باحثو ستانفورد. ففي جميع أنحاء المنطقة، يمكن أن يؤدي الجفاف والنمو السكاني المتصاعد إلى تقليص حصة الأردن من نهر اليرموك بنسبة قد تصل إلى 75 في المائة بحلول العام 2050، بينما من المحتمل أن تتقلص أكثر فرص حصوله على المياه الجوفية. ومع مطر أقل، والقليل من مياه الأمطار، والمزيد من الناس ومستودعات المياه الجوفية التي تعاني مُسبقاً، فإن الأرقام لم تعد في ارتفاع. ويقول صبحي العبادي، أحد سواقي صهاريج المياه الذين يقدر عددهم بنحو 30 ألفاً، والذين يخدمون المنازل والأعمال غير المتصلة بشبكة المياه في منطقة العاصمة: “نحن نصلي إلى الله طلباً للغوث، لأنه لن يساعدنا أي شيء (آخر) هنا”.
“نصلي إلى الله لطلب الغوث”
كل صباح، ابتداء من الساعة 4 صباحاً، ينتظر العبادي وعشرات من سائقي الصهاريج الآخرين ما يصل إلى خمس ساعات لملء صهاريجهم في الشارات، البئر الواقعة في جنوبي عمان. ومن هناك، ينتشرون في جميع أنحاء المدينة، في انتظار أن ترنَّ هواتفهم المحمولة. وتضم معظم الأحياء ما لا يقل عن خمس أو ست محطات انتظار، حيث يمكن للسائقين إيقاف سياراتهم وأخذ إغفاءة. ولكن العمل يصبح أكثر صعوبة كل عام، كما يقول العبادي وزملاؤه. فقد ارتفعت أسعار وقود السيارات، مما رفع التكاليف عليهم، في الوقت الذي تقوم فيه “العائلات الكبيرة” بتقويض السوق بسبب امتلاك آبارها الخاصة. ويبدو أنها الحرارة الصيفية فقط هي التي تعزز الطلب على المياه، وتمكنهم من تعديل الأمور. ويقول العبادي: “كنا نظن أن هذا العمل آمن لأنه إذا نفدَ أحدٌ من الماء، فإنه سيبذل كل ما في وسعه لشراء المزيد. لكننا لم نعد متأكدين بعد الآن”.
مهاجمة الأزمة
مع ذلك، يمتلك الأردن فعلاً بعض الخيارات الدنيوية. فالحكومة تزداد جدية في معالجة أسباب أزمتها، من إطلاق حملات تنظيم الأسرة، إلى رفع أسعار المياه، إلى الحملات على بارونات المياه النافذين. ويقول سامر طلوزي، الأستاذ في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية والعضو في مشروع ستانفورد للمياه في الأردن: “سيظل بعض الناس فوق القانون، لكن كانت هناك حملة للحد من عددهم، ونفوذهم كما نأمل”. وقد ارتفعت أسعار المياه السكنية بالفعل ثلاثة أضعاف على مدى السنوات القليلة الماضية، من حوالي 8 إلى 25 دولاراً للربع الواحد، على الرغم من أن البنك الدولي يقول إن سعر المياه ما يزال أقل من اللازم. بل إن منظمات الإغاثة والتنمية، مثل “ميرسي كوربس”، جندت أئمة المساجد لتشجيع الناس على الحفاظ على المياه في خطب الجمعة.
هناك بعض الدلائل على أن الدولة تدرك أخيراً ضرورة إصلاح قطاعها الزراعي. وقد أصبح ربع المزارع تقريباً تعمل فعلاً على مياه الصرف الصحي المعالجة؛ وهناك خطط لمضاعفة هذا الرقم. كما أن الابتعاد عن زراعة المحاصيل التقليدية نحو الزراعة المائية وغيرها من تقنيات الزراعة الموفرة للمياه، كما يعتقد معظم الخبراء بأن على المملكة أن تفعل في نهاية المطاف، سيكون شأناً معقداً سياسياً، لكن لدى الأردن النظام اللازم من أعلى إلى أسفل لتطبيقه. ويقول صباح، المسؤول في وزارة المياه والري: “إذا دعم الملك شيئاً، فهذا يعني أن مجلس الوزراء سيدعمه”.
في جزء صخري تكنسه الرياح في جنوب الصحراء الأردنية، يقدم المشروع النرويجي “غابة الصحراء”، نموذجاً يحتذى به لكيفية احتفاظ الأردن ببعض الإنتاج الغذائي على الرغم من نقص المياه. ويتضمن نموذجه، وهو واحد من بين الأوائل من نوعه في العالم، ضخ المياه من البحر الأحمر القريب، وتحليتها بتكنولوجيا تعمل بالطاقة الشمسية، ثم إعادة تدويرها بين البيوت البلاستيكية. وبسبب عدم وجود مياه أرضية أو مطرية أو سطحية، يستشرف البرنامج زراعة 130 طناً من الخضروات في السنة.
هذه الإصلاحات ضرورية، لكن أياً منها لن يكون كافياً، على المدى الطويل، لتعويض العجز في المياه في الأردن، خاصة إذا لم يعد اللاجئون السوريون إلى بلدهم، كما هي تجربة البلد مع اللاجئين. وتقل ميزانية الأردن الحالية للمياه قليلاً عن مليار متر مكعب، لكن من المتوقع أن تصل بحلول العام 2025 إلى 1.4 مليار على الأقل. ولن تستطيع سوى تحلية المياه على نطاق واسع أن تتيح للمملكة فرصة لتلبية احتياجاتها كما يبدو. ويقول النمري من مؤسسة “ميرسي كوربس”: “في مرحلة ما، يجب أن يحدث ذلك. إذا كنت تريد أن لا تصل إلى نقطة حيث تنفد من الماء، فإنه يجب أن يحدث”.
إحدى الخطط الأكثر طموحاً، والمعروفة باسم مشروع الأحمر إلى الميت، أو “قناة البحرين”، تتضمن أخذ المياه من البحر الأحمر، وتحليتها وإلقاء المياه المالحة في البحر الميت لإبطاء اختفائه.
ولكن، حتى تعمل هذه الخطط، سوف يحتاج الأردن، وهو بالفعل أحد أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية، إلى مساعدة خارجية أكبر بكثير. وقد أنفقت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أكثر من 800 مليون دولار على مشاريع المياه في الأردن منذ العام 2000. والحكومة في عمان مفلسة مالياً بشكل أو بآخر، في حين أن طبوغرافية البلاد -بوجود خط ساحلي قصير منحدر وبعيد جداً عن المراكز السكانية الرئيسية- غير مناسب بشكل فريد لتحلية المياه من حيث التكلفة. ويقول الأمير الحسن: “الاستثمار الضخم المطلوب للعمل… يتجاوز موارد الأردن إلى حد بعيد”. ويضيف: “إن مساعدة المجتمع الدولى ضرورية للتغلب على مشاكل المياه”.
ومع ذلك، يراهن البعض على المملكة. فقد أظهرت غرائز بقاء لا تصدق في الماضي، وظلت مستقرة بينما تراجع جيرانها. وحتى عندما تواجه أكبر تحدياتها، فإن هناك سبباً للاعتقاد بأنها يمكن أن تفعل ذلك مرة أخرى. ويقول القيسي، الميكانيكي المحروم من المياه: إننا بلد لاجئين”، ويعرض عربة تسوق معدلة يخطط هو وجيرانه لاستخدامها لنقل المياه من الصهاريج الكبيرة إلى حيهم المرتفع “واللاجئون يتقنون البقاء”.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان :
What Will Happen if the World No Longer Has Water?
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 3/12/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى