تقرير مترجم عن ناشيونال إنترست – هل روسيا مستعدة لدفع ثمن بقاء الأسد : الثقة التي ظهر بها بوتين في سوريا “سراب خادع”
مجلة ناشيونال إنترست – دانيال ديبيتريسّ – 19/12/2017
قسم الترجمة – 20/12/2017
كتب محلل السياسة الخارجية، “دانيال ديبيتريسّ، وهو كاتب عمود لوكالة “رويترز”، في مقال نشره موقع مجلة “ناشيونال إنترست”، أن الانتقال السياسي في سوريا لا يمكن تحقيقه عمليا، وعلى المعارضة السياسية أن تقبل الأمر الواقع وترضى ببقاء الديكتاتور في منصبه إلى فترة قريبة.
وكان فلاديمير بوتين، الرجل الذي سيطر على السياسة الروسية على مدى سبعة عشر عاما الماضية، قد طار إلى سوريا هذا الأسبوع للمرة الأولى منذ أن أمر القوات الجوية الروسية قبل عامين بردع جماعات الثوار وإنقاذ نظام دمشق. وعندما بدأت القاذفات الروسية الأولى حملتهم، بدا نظام الأسد على وشك الانهيار. أما الآن، فالوضع تغير والأسد يزداد ثقة باستمرار حكمه.
وإذا كان الكثيرون في الولايات المتحدة وأوروبا يرون في المقامرة العسكرية لبوتين في سوريا انتصارا غير مشروط للروس وكارثة لواشنطن وبروكسل، فإن القصة لا تزال قيد الكتابة، وفقا لتقديرات الكاتب.
ورغم إعلان بوتين الانتصار في قاعدة الحميميم الجوية الروسية على الأرض السورية، فإن موسكو وضعت نفسها الآن في وضع يخدم نجاح نظام الأسد المتواصل. وهكذا، فإن روسيا، بإنقاذها الأسد في سبتمبر 2015 وتمكينه من تحقيق مكاسب ميدانية خلال العامين الماضيين، أصبحت الآن مسؤولة عن مستقبل سوريا.
من الناحية العسكرية، ليس هناك أي شك في أن بشار الأسد ينتصر في الحر، بعد أن حشر الثوار والفصائل في مناطق ضيقة. قبل عام، كان معظم مراقبي الصراع قد رأوا في فكرة استعادة النظام السوري مدينة دير الزور ضربا من الخيال. لكن اليوم، طُرد مقاتلو “تنظيم الدولة” الذين كانوا يطوقون منذ سنوات قوات النظام في قلب المدينة. وتسيطر الحكومة السورية على جميع النقاط الرئيسة والمطارات والموانئ والمراكز السكانية. وربما كان أوضح مظاهر النجاح العسكري للنظام أن الغرب قد انصرف، إلى حد كبير، عن الاهتمام بمستقبل الأسد السياسي.
في السنوات السابقة، كان طرد بشار الأسد من الرئاسة مطلبا غربيا وشرطا كانت واشنطن تصر عليه خلال المفاوضات في جنيف برعاية الأمم المتحدة. أما اليوم، فحتى السعودية اعترفت بأن مغادرة الأسد خلال فترة الانتقال السياسي السوري أمر لا يمكن تحقيقه، وأن المعارضة السياسية تحتاج إلى تعترف بالأمر الواقع وتقبل ببقاء الأسد في منصبه على المدى القريب.
ورغم ذلك، ومع أن مسار الحرب يصب في مصلحة النظام، فإن سوريا في حالة من التوتر. فالبلد محطم والمجتمع منقسم والاقتصاد مُدمر والنظام السياسي غير مؤهل وفاسد، وكل هذا قد يدفع بعض الذين ثاروا على الأسد إلى مواصلة القتال.
ورأى الكاتب أن الثقة التي أظهرها فلاديمير بوتين هذا الأسبوع أثناء اجتماعاته مع المسؤولين الحكوميين السوريين سراب خادع من نواح كثيرة. عندما ينظر المرء عن قرب، يتضح له أن انتصار الأسد لا يرتبط بدولة صحية وسليمة تسيطر على حدودها السيادية أو يمكن أن تعيش على نحو مستقل.
لقد كانت الحرب السورية مكلفة بشكل لا يصدق، ليس بشريا، وفقط، وإنما أيضا اقتصاديا واجتماعيا. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يعتمد 13.1 مليون سوري (حوالي 72 في المائة من السكان) على المساعدات الإنسانية المقدمة من المانحين الدوليين وأكثر من ستة ملايين سوري مشردون داخليا، عالقون في أجزاء من البلاد وغير قادرين على العودة إلى ديارهم بسبب الوضع الأمني.
وأيَ تقدير عقلاني سيشير إلى أن الوضع سيستغرق أجيالا لاستعادة سوريا وضعها قبل الحرب. ووفقا للبنك الدولي، فإن القتال والدمار المادي خلال سنوات الصراع قد كلف الحكومة السورية 226 مليار دولار من الخسائر المتراكمة. ويشمل هذا التقييم البنية التحتية الطبية، والنظام التعليمي، والهياكل الأساسية العامة المُهدَمة وغير فعالة في أحسن الأحوال.
ولكن لماذا هذا الأمر مهم لبوتين؟ لأن مجموعة أصدقاء سوريا -مجموعة من الدول الغنية وفيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية وقطر- أوضحت أنه لن تُقدم أي مساعدة لإعادة إعمار سوريا ما لم يمر البلد بفترة انتقالية سياسية تمليها قرارات مجلس الأمن الدولي. ومن دون مساعدات مالية من الغرب والعالم العربي، فإن سوريا التي يقودها الأسد قد يتعذر تحقيق بعض الإحساس بالحياة الطبيعية في بيئة ما بعد الحرب، وهو هدف قد يأمل الدكتاتور تحقيقه. وهذا يعني بالنسبة لبوتين أن على موسكو أن تتخذ قرارا: إما أن تتورط وتنفق عشرات المليارات من الدولارات لإعادة بناء حليف ضعيف، أو أن تنسحب وتعليق نظام الأسد على حبل المشنقة.
ورأى الكاتب أن الخيار الأول سيكون باهظ التكلفة لبوتين وربما يتعذر عليه العمل به، خاصة مع نمو الاقتصاد الروسي بمعدل أقل مما كان متوقعا. والخيار الآخر يعني أن أقرب حلفاء روسيا في المنطقة سيصبح في حالة دائمة من التدهور، غير قادر على الدفاع عن أمنه القومي دون تدخل أجانب مثل حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية وجنود الحرس الثوري الإيراني.
وبإنقاذ حكم الأسد، أصبح بوتين وشركاؤه الإيرانيون مسؤولين بحكم الأمر الواقع عن ضمان أن تكون الدولة السورية شبه وظيفية على الأقل وقادرة على مكافحة أي تحد أمني تواجهه. ولأن الجيش السوري يفتقد للقدرات بعد عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والتهجير، فإن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن يتمكن الأسد من احتواء التهديدات لحكمه بنفسه، هذا إذا كان ذلك ممكنا.
وقال الكاتب إن آخر ما يمكن أن تتحمله موسكو بعد الكثير من الاستثمار في بقاء الأسد هو انتصار هائل يُعرَض خطة بوتين للفشل. إذ المكاسب في ساحة المعركة تتطلب قدرا هائلا من الاستثمار في الدم والمال لتتمكن من أن تصبح حقيقة واقعة. ذلك أن المحافظة على الانتصار وما يتطلبه عادة من إنفاق المليارات من الدولارات وتكريس الموارد العسكرية والسياسية الهائلة أكثر تكلفة من اندفاع المقاتلات الحربية ونشر قوات خاصة لمساعدة الحلفاء على كسب الأراضي.
نشر هذا المقال تحت عنوان
http://nationalinterest.org/feature/why-america-cant-win-syria-23721?page=show