شؤون فلسطينية

تقرير مترجم عن ميديل إيست مونيتور – إرث بلفور وتدمير فلسطين

ميديل إيست مونيتور – ترجمات – 17/4/2017
تحدث الكاتب سلمان أبو ستة أمام مجلس اللوردات بالمملكة المتحدة في يوم 28 مارس لمناقشة وعد بلفور وآثاره على الفلسطينيين. ويصادف هذا العام مرور قرن على توقيع وثيقة إغلاق مستقبل دولة فلسطين.
وفيما يلي نص خطاب أبو ستة:
السيدات والسادة:
إننا نشهد اليوم أطول حرب ضد شعب:
مائة عام من نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال في بلاده.
مائة عام من الموت والدمار بالمنطقة.
لقد شهدت المائة عام تدمير فلسطين وتشتت شعبها.
وقد تم القيام بهذا العمل من خلال عملية التطهير العرقي الأكبر والأطول والأشمل والمتعمدة والمتواصلة في التاريخ الحديث.
مائة عام تم تكبدها في المشروع الاستعماري الوحيد في الوجود اليوم.
والمفارقة هي أن فلسطين لم يكن المقصود أن تكون مستعمرة على الإطلاق.
وقد تولت بريطانيا مهمة بناء مؤسسات حكومية في فلسطين والعراق (كأمر رسمي من الفئة أ لكلاهما). وكان من المقرر إنشاء دولة ديمقراطية مستقلة تخدم الشعب الفلسطيني.
وكان ذلك في إطار تحقيق “الثقة المقدسة للحضارة” وفقا لميثاق عصبة الأمم.
وبدلا من ذلك، تم تحويلها إلى مشروع استعماري لصالح المستعمرين اليهود الأوروبيين الذين ليسوا من سكان البلاد.
إنها كانت أسوأ من مشروع استعماري.
وبخلاف أي مشروع استعماري آخر، انتهى الامر في النهاية بطرد جماعي للسكان، ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، وتدمير المناظر الطبيعية، ومحو جغرافيتهم وتاريخهم. وكان هذا هو الحدث الأكثر مأساوية في الـ5 آلاف عام من تاريخ فلسطين.
سر أوروبا
في عام 1916، حينما كانت طائرات التحالف تقوم بإسقاط منشورات على العرب في الحرب العالمية الأولى تحثهم فيها على محاربة الأتراك والحصول على الاستقلال والحرية، جلس مارك سايكس البريطاني وجورج بيكوت الفرنسي في غرفة مغلقة مع خريطة للشرق الأوسط، وقاموا بالتخطيط لكيفية تقسيمها بينهما.
وبعد عام واحد، قام آرثر جيمس بلفور، وزير الخارجية البريطاني حينها، بإبرام اتفاقا سريا مع اليهود الأوروبيين الأغنياء لتسهيل إقامة “وطن قومي لليهود”، لا دولة ولا فلسطين. وقد احتفظ بهذا الاتفاق في مكان مغلق. وفي الوقت نفسه دخلت القوات البريطانية فلسطين في ربيع عام 1917 وقامت بقصف غزة باستخدام قذائف الغاز السام (نعم) ودمرت معظم مبانيها القديمة، ولكنها هزمت مرتين عند مداخل غزة.
وفي مساء يوم 31 أكتوبر من عام 1917، استولت قوات ألنبي على بئر سبع في هجوم مفاجئ من ناحية الشرق. وكانت مداخل فلسطين مفتوحة. وأرسل ألنبي برقية إلى لندن في الأول من نوفمبر مفادها، “قمنا بالاستيلاء على بئر سبع. والقدس ستكون هدية لكم في عيد الميلاد”. وفتح بلفور الدرج الخاص به وأعلن عن اتفاقه السري في الثاني من نوفمبر لعام 1917.
ولم يكن بلفور خجلا من فعله. وأعلن بوضوح موقفه قائلا:بالنسبة لفلسطين لا نعتزم حتى الذهاب من خلال استفتاء رغبات (لا حقوق) السكان الحاليين للدولة.
وإذا كانت هذه بيانات سياسية مبررة، فالأعمال البريطانية اللاحقة في فلسطين حولت هذه الكلمات إلى أفعال.
وكان أول عمل لهم هو اختيار وزير بريطاني صهيوني، وهو هربرت صموئيل، ليكون أول مفوض سام لفلسطين، ومهمته الرسمية هي جلب الاستقلال وحكومة عاملة لفلسطين.
جدير بالذكر أن صموئيل قام بالعكس. وخلق الجذور التي تساعد على صعود إسرائيل. وفي فترة ولايته في (1920- 1925)، وقانونيا فقط من عام 1922، قام بالتأسيس لدولة إسرائيل المستقبلية، حيث أصدر عشرات القوانين التي سهلت حيازة اليهود للأراضي الفلسطينية والاعتراف بالعبرية كلغة رسمية. وأنشأ مؤسسات يهودية منفصلة، تتمثل في نظام مصرفي ونظام تعليمي ونقابة عمالية (هيستادورت)، وأعمال عامة (سوليه بونه)، وشركة لتوليد الطاقة (روزنبرغ). ولكن أهم قوانين القضاء على فلسطين كان قانون إنشاء مجلس تشريعي يهودي منفصل وقوات مسلحة يهودية منفصلة (الهاغانا)، والتي قامت باحتلال فلسطين في نهاية المطاف.
وفي اللغة القانونية اليوم، وضع صموئيل أسس الفصل العنصري لإسرائيل.
انتشار الفصل العنصري
يذكر أن صموئيل قام بإصدار العديد من هذه القوانين دون سلطة، لا من عصبة الأمم، التي وافقت على التفويض فقط في 24 يوليو من عام 1922، ولا بناء على سلطة من المكتب الاستعماري في لندن والذي غالبا ما قام برفض صياغة صموئيل.
ووصل فيضان المستوطنين الأوروبيين اليهود في فلسطين إلى ذروته في منتصف الثلاثينيات. وفي عام 1936، ارتفع مجموع المهاجرين اليهود إلى 384 ألفا أو 28% من مجموع السكان (من 9 في المئة في بداية الانتداب). وهذا تسبب في إشعال الثورة العربية الفلسطينية في (1936- 1939).
وتمت مواجهة الثورة بأقصى قدر من الوحشية البريطانية. وقام السلاح الجوي الملكي بقصف القرى بشكل عشوائي. وارتفاع عدد الضحايا من المدنيين أغضب السكان وزاد من عدد الذين انضموا إلى صفوف الثائرين (ويسموا “العصابات” من قبل البريطانيين). وهاجمت القوات البريطانية القرى ودمرت إمداداتهم واحتجزت الرجال في أقفاص لمدة يومين دون طعام ولا ماء. وتم توقيع عقوبات جماعية على نطاق واسع، كما تم حل الأحزاب السياسية وحبس القادة أو ترحيلهم.
والقوات البريطانية في ذلك الوقت والمكونة من (25- 50 ألف جندي) تلقت المساعدة من القوات المسلحة اليهودية، لا سيما رجال الشرطة اليهود وعدد كبير من العاملين الزائدين عن الحاجة وحراس الاستيطان، بالإضافة إلى توفير المعلومات الاستخباراتية.
وكان الحد الأدنى من الإصابات الفلسطينية وصل إلى 5 آلاف قتيل و 15 ألف جريح وسجن عدد مماثل. وأكثر من 100 رجل تم إعدامهم، بما فيهم قادة مثل الشيخ فرحان السعدي البالغ من العمر 80 عاما، والذي تم شنقه أثناء الصيام في شهر رمضان في 22 نوفمبر من عام 1937. وبالتالي، فحوالي 50 في المئة من جميع الذكور البالغين في المنطقة الجبلية بفلسطين، والتي يقابلها الضفة الغربية تقريبا اليوم، حيث كانت الثورة نشطة بشكل بارز، قد تم إصابتهم أو حبسهم من قبل البريطانيون.
وبحلول عام 1939، تم قطع أوصال المجتمع الفلسطيني، وعزله بلا قيادة. ويمكن تعريف عام 1939 باسم عام النكبة الذي تسبب فيها البريطانيون.
وبعد عشر سنوات تقريبا، قام بن غوريون بتنفيذ النكبة التي تسبب فيها الصهاينة في عام 1948.
الصهاينة المهاجمين لبريطانيا
يذكر أنه في ختام الحرب العالمية الثانية، كافأ الصهاينة بريطانيا على دعمها الذي ساعد في فتح أبواب فلسطين أمام تدفق المهاجرين اليهود. وبدأ الصهاينة حملة إرهابية ضد مناصريهم السابقين. وقاموا بقصف المقر البريطاني، كما قاموا بشنق الجنود البريطانيين واختطاف قضاه بريطانيين.
وفي عام 1945، كان على بريطانيا أن ترسل الوحدة 6 أيروبورن إلى فلسطين لمحاربة الإرهاب الصهيوني. ولم يكن هدفها هو إنقاذ فلسطين بل إنقاذ جنودها.
وقام الصهاينة أيضا باغتيال الكونت فولك برنادوت، وسيط الأمم المتحدة المعين لإحلال السلام في فلسطين.
ووصف مجلس الأمن في القرار رقم 57 لعام 1948 الأعمال اليهودية بأنها “إرهابية”.
وفي الأسابيع الست المتبقية من الانتداب، قام الصهاينة بمهاجمة وإخلاء 220 قرية فلسطينية وارتكبوا مذابح، وكان أكثرها شهرة هي مذبحة دير ياسين. وكانت مهمة البريطانيين هي حماية الفلسطينيين، فماذا فعلوا؟
يذكر أنهم لم يتدخلوا بعد ارتكاب أكثر من 12 مجزرة ضد القرى الفلسطينية. وكانت دير ياسين هي الأكثر شهرة. وكان رئيس الشرطة البريطانية في القدس على بعد بضعة كيلومترات، ولكنه لم يفعل شيئا. وقد ساعد البريطانيون في طرد الفلسطينيين من طبريا بنقل السكان المطرودين. وفي الإجلاء الجماعي للفلسطينيين في حيفا، لم تدافع القوات البريطانية عن السكان، ولكنها ساعدت في ترحيلهم.
ويوضح سقوط حيفا فشل الجنرال ستوكويل في أداء مهامه وحماية السكان. ولا تزال التهم الموجهة إليه ولتعاونه مع الصهاينة المعتدين وصمة سوداء في سجله حتى يومنا هذا.
والكتاب المكتوب بخط اليدين بين الدوريات البريطانية على طول محور يافا- القدس ومقرهم في الفترة الحرجة من أبريل- مايو لعام 1948، يعد سجلا لعينا للتواطؤ البريطاني وفشلهم في الإيفاء بالتزاماتهم.
وفي السجل اللاسلكي (رقم 129) للقوات التي كانت بالخدمة في (أبريل ومايو من عام 1948)، كان هناك إدخالات متكررة توضح رفض الجيش البريطاني إنقاذ القرويين الفلسطينيين عندما هاجمهم اليهود. وأمر الجيش بالمراقبة والإبلاغ وعدم التدخل. وعندما طلب اليهود المساعدة، تم توجيه أوامر للقوات بإنقاذهم.
ووفقا للسجل، كانت قرية دير محيسن تحترق تحت مدافع هاون الهاجاناه اليهودية وكان شعبها يصرخ طلبا للمساعدة بينما كانت القوات البريطانية تراقب ولا تقعل شيئا. وقد كانت تقاريرهم تسخر من الفلسطينيين بتلقيبهم بالدخلاء.
جدير بالذكر أن رحيل البريطانيين الغير مشروط ترك البلاد في حالة من الفوضى واليأس. وكان هذا هو الرحيل البريطاني الأكثر خزيا من أي مكان آخر في الإمبراطورية البريطانية.
ولم تقم بريطانيا بتسليم حكومة عاملة للفلسطينيين وفقا لما يمليه عليه واجبهم. وترك البريطانيون فلسطين في أيدي المستوطنين اليهود الأوروبيين المنتمين لبريطانيا، حيث قامت بتدريبهم وتسليحهم. وكانت المهمة الأولى للمستوطنين هي إرهاب البريطانيين أنفسهم ومطاردتهم إلى خارج فلسطين.
وقام آخر مفوض لفلسطين، السير آلان كنغهام، بمغادرة فلسطين دون كلمة وداع، لا من العرب الخاسرين ولا اليهود الفائزين.
وأنه لأمر مثير حقا وانعكاسا مؤسفا على السياسة البريطانية، أنه بدلا من الوفاء بالتزاماتهم بحماية الفلسطينيين وتسليم فلسطين حرة وديمقراطية، قامت بريطانيا بعد عام واحد من النكبة، وجنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة وفرنسا، بإصدار الإعلان الثلاثي لعام 1950 ضد أية محاولة لتغيير الوضع الراهن، والذي يتمثل في تدمير فلسطين وطرد شعبها.
والتاريخ الذي أعقب ذلك، بداية من العدوان الثلاثي لعام 1956، والمعروف أيضا باسم حملة السويس، حتى قمع تريزا ماي لحرية التعبير فيما يتعلق بالفظائع الإسرائيلية، يظهر فقط أن إرث بلفور لا يزال حيا وعلى ما يرام في 10 شارع داوننغ ستريت.
ويثق البعض في أن غالبية الشعب البريطاني لا يتفق مع هذا الإرث المخجل.
المطالبة بالعدالة
بعد 100 عام من معاناة الفلسطينيين، يحق لنا اليوم أن نناشد جميع الناس حسني النية في بريطانيا، وهناك العديد منهم، بأن ينضموا إلينا في هذا الطلب:
ندعو الحكومة البريطانية للقيام الآتي:
– تعتذر للشعب الفلسطيني عن معاناته خلال قرن من الموت والدمار، والذي لا نزال لا نرى نهاية واضحة له، وبسبب إخفاقها عمدا أو بلا مبالاة في أداء واجباتها والتزاماتها،
– تقوم بدفع تعويض كامل عن جميع الخسائر والأضرار المباشرة والناجمة عن ما قاموا به للشعب الفلسطيني،
– يقوموا بالامتثال للقواعد والتوجيهات الواردة في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الجدار والمؤرخ في التاسع من يوليو لعام 2004.
– يتداركوا ما يلزم للمساعدة في إقامة فلسطين ديمقراطية حرة، وبوسائل منها:
القيام بتصحيح سياساتها داخل المملكة المتحدة وفي الساحة الدولية بحيث يتم تحقيق الحقوق الفلسطينية الغير قابلة للمصادرة بشكل الكامل،
القيام بالمساعدة، بصفتها جهة فاعلة رئيسية، في إعادة بناء فلسطين وإعادة اللاجئين من شعبها إلى وطنهم،
أن تقوم بعرض للتاريخ الفلسطيني الفعلي ومعاناة الشعب في المناهج الدراسية ووسائل الإعلام، وأن تقوم باستخدام أية وسيلة أخرى تجد أنها ضرورية لتحقيق هدف فلسطين الحرة والمستقلة.
وبناء على كل ما سبق، ندعو أصحاب الضمير في بريطانيا والعالم إلى الوقوف على هذه المطالب من أجل استعادة فلسطين وتحقيق العدالة والحرية والسلام لشعبها.
التقرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى