تقرير مترجم عن ميدل إيست آي – إعادة كتابة التاريخ الفلسطيني : الحرب الصليبية ضد الحقيقة في بيت لحم
ميدل إيست آي – ترجمات – 17/3/2017
عندما تم نشر فيديو مدته 20 ثانية للمدونة الكندية التي تصف نفسها بـ”الصليبية”، فيث جولدي، من ريبل تي في بشكل فيروسي على تويتر، كانت هناك الكثير من ردود الأفعال، لا سيما من قبل المسيحيين الفلسطينيين.
ويظهر الفيديو جولدي وهي تقف بالقرب من مسجد في بيت لحم المحتلة، حيث كانت تتحدث بصوت مرتفع حول مسألة سماع دعوات المسلمين للصلاة في المدينة (الآذان)، وأنهت صراخها بصيحة المعركة للصليبيين “إن شاء الله”.
وكما هو الحال في كثير من الأحيان، يمكن أن يكون ما لا يقال مجرد إثارة للاهتمام، إن لم يكن أكثر مما هو عليه. وتتجاهل جولدي حقيقة أن رئيس بلدية بيت لحم، فيرا بابون، والتي انتخبت في عام 2012، مسيحية كاثوليكية فلسطينية.
يذكر أنها تجاهلت أيضا حقيقة أن بابون نفسها نوهت على أن جدار الفصل العنصري الإسرائيلي بشكل عقبة رئيسية أمام التجارة والتنمية، قائلة: “نحن في مدينة مختنقة، لا مجال فيها للتوسع بسبب المستوطنات والجدار”. وعندما تولت منصبها، كانت المدينة المقدسة التي تعتمد اعتمادا كبيرا على السياحة تعاني من معدل بطالة وصل إلى نسبة 18 في المئة.
التهديد الحقيقي
في الواقع كان أهالي بيت لحم في طليعة النضال ضد الفصل العنصري الإسرائيلي في فلسطين، وذلك من خلال استغلال شهرة مدينتهم في لفت الانتباه الدولي تجاه الاحتلال.
يذكر إنه في عام 2005، أطلقت الحملة الشعبية التي بعنوان “افتحوا بيت لحم” ردا على جدار التمييز العنصري الذي بني حديثا حينها. وكان الحملة توضح كيف أن الجدار الإسرائيلي خانق لحياة أهالي بيت لحم حيث قالوا من خلالها “نحن نشعر بأننا يجب أن نجعل المجتمع الدولي على علم بالخطر الحقيقي الذي يهدد السكان المسيحيين في فلسطين والذي يتمثل في الاحتلال العسكري لأراضينا والفقر المدقع الذي تسبب فيه”، وأضافوا، “لقد تركت السياسة الإسرائيلية بيت لحم في حالة أسر وخناق اقتصادي، ومن تلك الوسائل المستخدمة للقيام بذلك، الفرار بشكل مفهوم”.
جدير بالذكر أن معرفة تلك الحقائق أمر حاسم، وذلك لأنها تزيح هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم كـ “مدافعين عن المسيحيين” باستخدام دوافعهم المزعومة. إنها تدفع المشاهد النزيه للتساؤل عما إذا كانوا يدعون الدفاع عن المسيحية ولكن يتجاهلون المسيحيين الحقيقيين ، فمسيحية من التي يدافعون عنها؟ هل هي المسيحية التي تتضمن جميع أتباعها، أم مسيحية المحتلين الغربيين فقط؟
يذكر أن استخدامها لصيحة المعركة “إن شاء الله” في عصر ارتفاع نسبة العداء للمهاجرين الأجانب في الغرب يجيب على هذه الأسئلة. ويقال أن المسيح الذي يتبعونه هو جنرال عسكري أبيض يقود جيش احتلال عسكري، وليس مسيح بيت لحم.
ويظهر الفيديو الأكثر إثارة للإزعاج جولدي وهي في قرية سديروت الإسرائيلية على حدود ما أطلقت عليها “غزة التي يسيطر عليها الجهاديون”.
إن أولئك الذين يمتلكون ضميرا حيا من شأنهم أن يصفوا غزة بكلمات بديلة لذلك وهي أنها عبارة عن سجن مفتوح وذلك بالنظر إلى ذلك “الحصار العسكري على قطاع غزة الذي دخل عامه العاشر، واستمرار العقاب الجماعي لسكان غزة بأسرها”.
وتتحدث جولدي عن الملاجئ المخصصة للحماية من القنابل في قرية سديروت ومصاعب الحياة بالقرب من حدود قطاع غزة.
وبينما لا يمكن إنكار أن الإسرائيليين الذين يعيشون في سديروت، لا سيما الأطفال، يعانون من عواقب سياسات سلطة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن هناك أمرا قاسي للغاية لا يتم التأكيد عليه، وهو أن الإسرائيليين على الأقل يمتلكون ملاجيء لحمايتهم من القنابل.
ماذا تعني “الملاجيء” في واحدة من أكثر المناطق ذات الكثافة السكانية بالعالم عندما يتم قصفها من قبل واحدة من أكثر الدول العسكرية الأقوى في التاريخ؟
جدير بالذكر أن سكان غزة على عكس سكان سديروت، فهم لا يمتلكون رفاهية فتح “سنيما سديروت” والتي تناول فيها الشباب الإسرائيلين الفشار وهللوا لإسقاط قواتهم الجوية القنابل على الشعب المحاصر في عام 2014.
وبدلا من ذلك، قتل ما لا يقل عن 2.251 فلسطيني، من بينهم 1.462 على الأقل من المدنيين، وأكثر من 11.200 إصابة خلال 50 يوم فقط، وذلك فيما كان يعتبر الهجوم العسكري الإسرائيلي الثالث في أقل من ست سنوات. واستهدفت إسرائيل البنية التحتية المدنية، وعملت على تشريد ما يصل إلى 500 ألف شخص، وتدمير 20 مدرسة وروضة للأطفال وكليات، وتدمير أو إلحاق أضرار بعدد 117 من
المستشفيات والعيادات والصيدليات وتدمير 19 ألف منزلا، وذلك بما يعادل 380 منزل في اليوم الواحد.
وفي المقابل، قتل ستة مدنيين إسرائيليين بقذائف الهاون أو الصواريخ التي تطلق من قطاع غزة. ولا يوجد أي وجه للمقارنة.
انتزاع الهوية
قامت جولدي في ذلك الحين باقتباس قول رئيس بلدية سديروت إن “الغزاويين ليسوا مشكلتي” لأننا “محاصرون بالدول العربية”، وتابعت بقولها، “لماذا لا يساعدهم السعوديون؟ لماذا لا تساعدهم إيران؟
وتسائلت أيضا عن “كم عدد اللاجئين المنتشرين في الأردن ومصر ولبنان؟ لماذا يأتي جميعهم إلى أوروبا؟
يذكر أنه إذا وضعنا جانبا حقيقة أنها لا تعلم أن إيران ليست دولة عربية، أو أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين (بعدد أكثر من 4.8 مليون لاجئ) يتواجدون في الدول المجاورة كتركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، على النقيض مع بلدها كندا التي أعادت توطين ما يزيد قليلا عن 40 ألف شخص، فالتلميح الواضح هو أن العرب يجب عليهم تولي رعاية أمثالهم من العرب واليهود يعتنون باليهود.
ولا يهم أن بلدين فقط هما المتحكمين في مداخل ومخارج قطاع غزة، وهما إسرائيل نفسها وحليفها العربي مصر.
ولا يهم أن هناك فئات من “اليهود” و”العرب” يتبادلون الهويات في ظاهرة جديدة في تاريخ ما نسميه الآن الشرق الأوسط، وعملية مسح اليهود العرب أو اليهود الناطقين
بالعربية والذين لا تصلح هوياتهم بالضرورة هذا الازدواج المفروض، وما أطلقت عليه إيلا شوحط “انتزاع الهويات”.
كما لا يهم أيضا أن عدد 1.3 من 1.9 مليون سكان غزة عبارة عن لاجئين أو من نسل اللاجئين من الأراضي التي هي الآن جزء من إسرائيل. وعلى كلا، فسديروت تأسست في عام 1951، مال الذي حدث قبل ذلك بثلاث سنوات فقط، أي في عام 1948؟
إن رؤية المدونة الغربية المتجاهلة صاحبة الامتيازات وحرية التنقل واستغلال تلك الامتيازات لتشويه أو محو الأشياء ليس أمرا نادر الحدوث. وفي مقال بعنوان “الصحفيون الغربيون يصنعون نجاحات في فلسطين وبعد ذلك يتركونا وسط الغبار، أشارت الكاتبة والناشطة الأمريكية الفلسطينية مريم البرغوثي إلى كيف أنه “في فلسطين، كثيرا ما تسمع أصواتنا فقط عندما نعاني أو نكون في حالة ضجة عنيفة”، وذلك لتصعيد مسألة الاحتجاج أو عدمه.
وفي الواقع، على الرغم من أن الكثيرين سيصرفون نظرهم عن جولدي باعتبارها غير عقلانية، وتسعى لجذب الاهتمام وتمتلك دوافع متشددة من خلال النظرة الساخرة وسعيها المفرط للصراع، إلا إنه يحق لنا أن نتساءل، لماذا من السهل للغاية محو أصوات السكان الأصليين في حين أنهم لا يوافقون على السرد الذي يريد أحد الدفع به في المقام الأول.
التقرير