تقرير مترجم عن موقع مِيدل إيست آي – حل الدّولتين لا يموت طبيعياً .. بل على يد إسرائيل
ولا يمكن إلا لحركة تضامن عالمية، تتصاعد ضغطا كافيا على إسرائيل، أن تخلق زخما سياسيا للدولة العلمانية التي يتقاسمها الإسرائيليون والفلسطينيون بالتساوي .
ترجمة خاصة عن موقع مِيدل إيست آي – بقلم ريتشارد فولك * – 1/1/2018
قسم الترجمة – 8/1/2018
نشر موقع “مِيدل إيست آي” مقالاً ل “ريتشارد فولك” تناول فيه حل الدولتين، وكيف تم تقويضَه من قبل دولة الاحتلال عن طريق ممارساتها على الأرض، وما تنوي تنفيذه بعد قرار الإدارة الأمريكية اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. انتقل فولك بعدها، وبالتلميح أكثر من التّصريح، إلى البدائل الممكنة كحل للصراع، مشدّدا على استحالة أي منها دون الوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة.
لا يمكن التوصل إلى حل لدولة يتقاسمها الإسرائيليون والفلسطينيون بالتساوي، إلا من خلال حركة تضامن دولية تعمل كقوة سياسية دافعة، وتمارس الضّغُوط اللاّزمة على إسرائيل. ولا يميل الغرب بالإجمال إلى الموافقة على ما تقوم به إسرائيل، وما يبدو أنه نَصرٌ لها وانتهى الأمر، كما تحب إسرائيل أن يبدو الأمر. بل على العكس، فإن الغرب يتشبّث وبكل قوة بحل الدولتين. غير أن إسرائيل لم تكُف، ومن خلال الأفعال والأقوال، بما في ذلك من رئيس وزراء إسرائيل نفسه، عن التّأكيد على مُعارضتها لقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.
وفي سياق مُتّصل، تتسارع مشاريع التوسع الاستيطاني، ويترافق معها الكثير من الوعود التي ما فَتئَت العديد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية تَقطَعها على نفسها، بأنه لن يتم إخلاء أي مستوطن من أية مستوطنة في الضفة الغربية، حتى لو كان مسكنهم غير قانوني، أو يقع بشكل عشوائي خارج كتلة استيطانية ما.
وقد شهد الأسبوع الماضي، تصويت حزب الليكود برئاسة نتانياهو، وبالإجماع، على مشروع قرار لضم المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وهي ذات الأرض التي يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم المستقبلية عليها.
التّمسك بحل الدّولتين
لعلّ الأدهى من ذلك، هو أحاديث نتنياهو عن السلام، والتي يبدو فيها وكأنه يدعو ويسعى إلى استئناف مفاوضات السلام، بينما يطالب في ذات الوقت بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.
وفوق كل ذلك، جاء قرار ترامب في السادس من شهر كانون أول 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما سيعقبه من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بمثابة حسمٍ وسحبٍ لأكثر الموضوعات الخلافيّة حساسيّة، من على طاولة المفاوضات، وهو موضوع مكانة القدس وتَقَاسُمها.
وبصورة عامة، حان الوقت للاعتراف بثلاثة استنتاجات مترابطة:
أولها، أن قيادة إسرائيل رفضت حل الدولتين كطريقٍ لتسوية النزاع، وثانيها، أن إسرائيل خلقت حقائق فعليّة على الأرض بحيثُ يستحيل معها إقامة دولة فلسطينية. وثالث الاستنتاجات هو أن ترامب، توجّه بالدبلوماسية الأميركية، وبشكل كبير وغير مسبوق، وغاية في الوضوح، لصالح كل ما يسعى إليه قادة إسرائيل لإنهاء الصّراع وحسمه على الطريقة التي يريدون. وهذا ما لم يفعله أي رئيس أمريكي سابق، مما يضع الولايات المتحدة كطرف، وليس كوسيط، في حسم الحل النهائي للصراع الملحميّ بين هذين الشعبين.
ورغم ذلك، فإن الكثيرين من المُتفائلين وذوي النوايا الحسنة، والذين كرّسوا جهودهم للسلام، ما زالوا يتشبّثون بحل الدولتين.
ولعل الكلمات التي أدلى بها عاموس عوز، الروائي الإسرائيلي الشهير، تعبر عن الكثير جدا من المشاعر، وعن وجهات النظر المشتركة والمتداولة بين الكثير من الناس، حيث يقول: “… على الرغم من الكثير من النّكسات، ينبغي علينا أن نواصل العمل وبجد من أجل حل الدولتين، فهو ما يزال الحل العملي الوحيد للصراع الذي شهد الكثير من سفك الدماء والحسرات على هذه الأرض”. ويضيف عوز: “لا يوجد حل ممكن باتجاه دولة فلسطين ما لم تكن هناك بالمقابل دولة يهودية ذات سيادة على طول حدود العام 1967، وأن يشّكل هذا التصور جوهر أية حُزمة دبلوماسية لحل الصراع”.
ولعلّ ما أعطى عبارات عوز المزيد من الأهمية هو أنه أدلى بها في سياق بيانٍ خلال لقاء نهاية العام 2017 التمويلي لمؤسسة “صوت الصّهيونية المعتدل”، في الولايات المتحدة.
بعبارة أخرى، ووفقا لعوز، فإن جميع البدائل لن تكون “واقعيّة ولا عمليّة”. وليس هذا اعتقاد عوز فحسب، بل إنه الرأي والتّصور الذي يؤمن به الكثيرون. ولكن لماذا لا يتم شرح وترويج ذلك (أي حل الدولتين) على أنه الحل الفعلي المكمن من بين جميع البدائل؟ وبالمقابل، لماذا يتم التركيز فقط على مقولة الحركة الصهيونية التي تقول، ومنذ بدايتها، أنها سعت إلى إنشاء وطن للشعب اليهودي، الذي لن يكون بمأمن إلا إذا كان تحت حماية دولة يهودية.
وقد عبّرت القيادة الفلسطينية، علنا ومنذ سنوات عديدة، عن هذا الرأي، وأعطت بالتالي موافقاتها الرسمية عليه منذ العام 1988، من خلال الإعلان الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني/منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تم الاعتراف بإسرائيل، مقابل أن ينتهي الاحتلال، أن تقوم دولة فلسطين على حدود العام 1967.
ومن الجدير بالذكر أن حل الدولتين هذا كان من نتاج مبادرة السلام العربية في العام 2002، وتم التأكيد عليه ودعوة إسرائيل إلى الموافقة عليه آنذاك. كما تم اعتماده خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، على أنه التصور الأفضل لحل الصراع.
كما أن حماس أيّدت روح هذا الاقتراح، عندما اقترحت أكثر من مرة خلال العقد الماضي هدنةً طويلة الأجل، تصل إلى (50) عاما، في حال كانت إسرائيل ملتزمة بإنهاء احتلالها للقدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، والذي من شأنه أن يخلق دولة فلسطينية بحكم الأمر الواقع في نهاية المطاف.
مَخَاوِف جَدّية
ولكن بالمقابل، هناك على الأقل أربع مشكلات جدية تلوح في الأفق أمام ناظِرَي دُعَاة حل الدّولتين. وأي من هذه المشكلات يعتبر خطيرا بما فيه الكفاية لإثارة الشكوك حول إمكانية تحقيق حل الدولتين ومصداقية الأطراف تجاهه:
أولا: كانت الصهيونية اللّيبرالية قد أعربت عن رؤيتها واستعدادها لعقد تسوية دبلوماسية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة الليكود، والتي هيمنت على السياسة الإسرائيلية طوال القرن ال (21) لم تتداول هذه الرؤية، وقامت بحجبها، ولم تسعى إلى العمل بموجبها وتطبيقها طيلة فترة حكمها.
ولكن، وبينما كان الليكود يُعلن عكس ما يعمل في ذات الوقت، كان يهدف إلى انجاز توسعٍ إسرائيلي جغرافي، يشمل تحقيق رؤيته بخصوص القدس الموسّعة والمضمومة. كما يشمل إنشاء شبكة واسعة من المستوطنات والطرق الالتفافية في الضفة الغربية، مدعومة بالمُعتقد الأساسي بأن إسرائيل يجب ألا تقيم حدوداً دائمة حتى يتسنى لها ذلك، وبعد احكام قبضتها على “أرض الميعاد”، التي يُشير إليها الكتاب المقدس على أنها جزء من إسرائيل، وفق الكاتب.
وفي واقع الأمر، فإن إسرائيل لم تبدي أي التزام موثوق وذو مصداقية، بالموافقة على قيام دولة فلسطينية، على أساس المساواة بين الشعبين، رغم أنها حافظت طيلة الوقت على إبداء استعدادها العَلَني بالسلام، ورغم أنها دَخَلَت بِخَجَل في مفاوضات مع الفلسطينيين بين فترة وأخرى.
ثانيا: قامت إسرائيل بخلق حقائق واسعة وعميقة على أرض الواقع، وبشكل يتناقض كليا ونهائيا مع نِيّتها المعلنة في السعي إلى سلام مستدام يقوم على حل الدولتين.
ثالثا، تجاهُل حل الدولتين لمحنة الأقلية الفلسطينية في أراضي ال (48)، والتي تصل إلى (20%) من السكان، أي نحو (1.5) مليون شخص. وإن تَوَقّع قبول هذه الأقلية غير اليهودية كبيرة العدد، للهيمنة العرقية والسياسات والممارسات التمييزية التي تقوم بها دولة الاحتلال ضدهم هو تَوَقّعٌ غير واقعي. فضلا عن كونه يتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
أخيراً، وليس باخر: فإن إبقاء إسرائيل، ضمن حل الدولتين، على علاقة مع الشعب الفلسطيني المضطهد، قد سَبَقَته إسرائيل فعلا بإنشاء هياكل ذات هيمنة عرقيّة على الوضع المستقبلي بحيث تتحكّم بها متى وكيفما شاءت (أي جدار الفصل العنصري)، مما يُشَكّل جريمة فصل عنصري أخرى.
تفكيك هياكل الفصل العنصري
كما كانت الحال في جنوب أفريقيا، لا يمكن أن يحلّ هناك سلام مع الفلسطينيين، إلا بتفكيك هياكل الفصل العنصري التي يتم استخدامها لإخضاع الشعب الفلسطيني ككل (أي بما يشمل القيود المفروضة على اللاجئين الفلسطينيين، وعلى ضحايا الطرد القسري). ولا شك أبدا بأن هذا لن يتحقّق إلا بوجود قيادة إسرائيلية، وجمهور إسرائيلي، قادران على التّخلي عن إصرارهم بأن إسرائيل هي دولة للشعب اليهودي حصريّا، مع كل ما تَمنحه لليهود حول العالم من حقوق في العودة والامتيازات القائمة على الهوية والتمييز العرقي.
إن كل ما سبق يبيّن أن حل الدولتين أمسى حلا غيرَ مرغوبٍ فيه من قبل إسرائيل. كما أن الظروف الحالية التي فرضتها إسرائيل باتت غيرَ مقبولةٍ بالنسبة للفلسطينيين، ولا يمكن على أساسها تحقيق حل دبلوماسي، حتى لو افترضنا جدلاً بروز إرادة سياسية قوية تكرّس جهدها لتحقيق الحل، لأن الأمور على أرض الواقع، تجاوزت كل الإرادات.
وإزاء هذه الأوضاع الحَرجة، فإنّنا ملزمون ببذل قصارى جهدنا للإجابة على هذا السؤال المثير-هل هناك حل مقبول وقابل للتحقيق، حتى وإن لم يكن مرئيّا في الأفق السياسي حاليا؟
وفي أعقاب هذه الطروحات، والتي سبق أن طرحها إدوارد سعيد قبل (20) عاما، فإنه يجب العمل وفق مبدأين أساسيين إذا أريد تحقيق سلام مستدام: “يجب أن يُعطى الإسرائيليون أيضا وطنا يهوديا في فلسطين “المُعاد رَسمُها”، ويجب أن يكون بمقدور الشعبين استخدام السلطة بطرق تٌلبي المبادئ الأساسية للمساواة الجماعية، وتحترم الكرامة الإنسانية الفردية”، وفق الكاتب.
وعلى ما يبد، فإن تحقيق مثل هذه الرّؤية يتطلب إقامة دولة علمانية موحّدة، ولكن ذات عَلَمَين وإسمين، ربما.
ومن الطبيعي أنه سيكون هناك العديد من الاختلافات، ولكن شريطة أن يلتزم الطّرفان باحترام المساواة بين الشعبين في الهياكل الدستورية والمؤسسية للحكم في كل منهما.
وما دام كل ما تقوم به إسرائيل حاليا غير مقبول، وتجاوز الواقع، فمن المؤكّد أن حل الدولة العلمانية الواحدة، أو “المدينة الفاضلة” إن جاز التّعبير، يبدو غير عملي، وربما يوحي بآمال زائفة.
ثم إنه حتى لو فرضنا جدلاً أن الفلسطينيين أنفسهم اقترحوا هذا الحل في ظل المناخ السياسي الحالي، فمن المؤكد أن إسرائيل نفسها ستتجاهل العرض، أو ستتصدى له بالرّفض القاطع. وربما يسخر منه الكثيرون في المجتمع الدولي.
ولكن، ومرة أخرى: ما هو الطريق الواقعي الوحيد لتحقيق سلام مستدام وعادل؟
حركة تضامُن عالمية
يبقى السؤال السياسي والأخلاقي الرئيسي هو كيفية خلق قوة سياسية نحو حل يتقاسمه الإسرائيليون والفلسطينيون بالتساوي. وأرى أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا في سياقٍ تُمارس فيه حركة تضامن دولي فعّالة ضغطا كافيا على إسرائيل حتى تضطر قيادتها إلى إعادة حساب مصالحها، وفق الكاتب.
ويضيف، تعتبر السابقة الجنوب إفريقية مفيدة في هذا السياق، وإن كانت مختلفة. ولكنها تمّت وأصبحت حقيقة رغم صعوبتها، ولم يكُن للناس أن يتصوّروا أنه سيحدث هناك انتقال سلمي في جنوب أفريقيا، من نظام فصل عنصري إلى نظام ديمقراطي دستوري، ولم يصدق الناس أن ذلك قد تم إلا بعد أن حدث فعلا.
ويضيف، وأتصوّر أن هناك إمكانيات مماثلة فيما يتعلق بإسرائيل/فلسطين، مع الإشارة إلى أنه كان هناك بلا شك سلسلة من العوامل التي أوصلتني إلى هذا الاستنتاج.
وفي عالم السّياسة، إذا توفرت الإرادات والإمكانيات، وإذا تم جمعَهُما، فإن ما نراه على أنه مستحيل يمكن أن يتحقّق، كما تم ذلك في جنوب أفريقيا، وكما شهدت العديد من حالات النضال ضد الأنظمة الاستعمارية الأوروبية في النصف الثاني من القرن العشرين.
فضلا عن ذلك، وإذا ما استمرينا في “سياسات المستحيل”، (أي الاستسلام للواقع)، فإن المعاناة الكبيرة التي تشهدها المنطقة ستستمر وستتعمّق. وبالتالي فإن الطريق إلى السلام الحقيقي والعادل لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين يعتمد عليهما معا، وعلى اقتناعهما وإيمانهما بالعيش معا على أساس الاحترام المتبادل، وضمن بيئة ناضجة من الديمقراطية وسيادة القانون، مدعومة بالضوابط والتوازن، والحقوق الأساسية المحفوظة والرّاسخة دستوريا.
*ريتشارد فولك خبيراً في القانون الدولي، ومحاضراً في القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة برينستون منذ (40) عاما. وقد عينته الأمم المتحدة كمقرر خاص لحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية في العام 2008، ولمدة ستة أعوام. وقد شهدت تلك الفترة الكثير من الأحداث، من بينها مَنعَهُ من قبل الاحتلال دخول قطاع غزة في مهمة للأمم المتحدة أعقبت العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية العام 2008.
نشر هذا المقال تحت عنوان
Why the two-state solution refuses to die a natural death