ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن موقع لو بلوغ – المنطق وراء موقف إيران الإقليمي

لو بلوغ – عدنان طبطبائي* – 11/12/2017
يوم 3 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، عقد المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي اجتماعاً لكبار ضباط القوات المسلحة الإيرانية. وتداولت وسائل الإعلام الإيرانية على صدر صفحاتها الأمامية جملة رئيسية واحدة من ملاحظاته في الاجتماع: “الآن، تحتاج القوات المسلحة إلى أفضل الموارد البشرية… لحماية الأمة من الضعف في وجه العدو”.
وعلى الرغم من أن مراقبي الشأن الإيراني سوف يفسرون هذه بأنها تتضمن تصميماً إيرانياً على توسيع استثمارها في قوتها العسكرية، فإن الكلمة الرئيسية التي كان عليهم الاهتمام بها والانتباه إليها هي كلمة “ضعف” لأنها تنطوي على جوهور السياسات الأمنية الإيرانية.
ثمة عدم توافق مثير للدهشة بين تقييم كبار المسؤولين الأمنيين الإيرانيين لقوة إيران العسكرية وطموحاتها وبين تقييم المراقبين الخارجيين لها. فبينما يعتقد المراقبون الخارجيون بأن إيران ملتزمة بتوسيع قوتها الصلبة والناعمة على حد سواء في المنطقة مهما كان الثمن، يشدد المسؤولون الأمنيون الإيرانيون على الطبيعة الدفاعية للقدرة العسكرية للجمهورية الإسلامية.
إيران تعرف حدودها
بغض النظر عن الخطاب الرسمي، تعي المؤسسة الأمنية في إيران جيداً الحدود العسكرية والجيوسياسية للبلد. ويعرف أولئك الذين يصممون ويصوغون السياسات الأمنية لإيران أن قدرات بلدهم العسكرية التقليدية تقل كثيراً عن قدرات أعدائها -وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تشعر إيران بأنهما تشكلان التهديد الرئيسي لها.
كما تتفوق القدرات العسكرية للسعودية بكل وضوح، على الرغم من حربها الكارثية في اليمن، على ما تستطيع إيران تحشيده. ويضيف إلى عدم التماثل الإقليمي شراء السعودية لأفضل المعدات العسكرية من الولايات المتحدة، سوية مع صفقات الأسلحة الأخيرة لقوى غربية مع دول خليجية أخرى مثل قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وحتى بعد زيادة موازنتها الدفاعية هذا الصيف، فإن نفقات إيران العسكرية السنوية البالغة 13 مليار دولار تقريباً تصل إلى أقل من خمس ما تنفقه السعودية في هذا المجال. وبالإضافة إلى ذلك، تدرك إيران أنه ليس هناك قوة عسكرية كبرى ستهب لمساعدتها في حال تعرضت إلى هجوم عسكري. ولم يسبق أبداً أن كان روسيا -ولن تكون أبداً- قوة حماية لإيران مثلما هي الولايات المتحدة اليوم لحلفائها الإقليميين.
هذا ما يفسر السبب في أن الاستراتيجيين الأمنيين في إيران مقتنعون بأن على الجمهورية الإسلامية تعزيز قدراتها الدفاعية، وخاصة صواريخها الباليستية وقدراتها الحربية غير المتماثلة.
كان صانعو القرار هؤلاء قد قاتلوا في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. ويتشكل اتجاه التفكير الأمني عندهم من خبرة الصدمة التي تجسدت في تعرضهم للهجوم من دولة جارة تلقت دعماً عسكرياً من كل لاعب إقليمي أو خارجي (باستثناء سورية في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد).
إبقاء الأعداء بعيدين
وفق منطقها الخاص في الردع، تريد إيران التأكد من أن يفكر أعداؤها مرتين قبل تحدي أو مهاجمة البلد. ونتيجة لذلك، طورت إيران صواريخ باليستية تستطيع إلحاق ضرر حاسم بالأعداء الإقليميين، كما بنت تحالفات مع لاعبين من الدول وغير الدول لتأسيس محيط دفاعي ضد أي مهاجم محتمل.
منذ ثورة العام 1979، بنى المسؤولون الإيرانيون رهانهم على خلق التوترات مع بلدان مجاورة بالإضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. وحتى اليوم، لا تعترف طهران أو تتعامل مع مسؤوليتها الخاصة عن خلق مناخ العداء هذا.
مع ذلك، ما تزال عمليات قتل العلماء النوويين والهجمات السيبيرية على المفاعلات النووية الإيرانية والسياسات القهرية من العقوبات والتهديدات العسكرية تشكل ممارسات روتينية في السياسات الأميركية والإسرائيلية تجاه إيران. يضاف إلى ذلك العداء الحاد الموجه نحو إيران من الرياض وأبو ظبي. ولا يختلف عن واقع الحال عندما مد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي يده إلى الغرب وحاول إصلاح التوترات الإقليمية خلال فترة رئاسته التي امتدت من العام 1998 وحتى العام 2005.
معالجة إحساس إيران بالتهديد
أصبح إحساس إيران بالتهديد، الذي شكل الدافع والمحرك الرئيسي وراء عقيدتها الأمنية، يتزايد مرة أخرى. ومن الصعب -إذا لم يكن من المستحيل- في هذه البيئة الدخول في محادثات مع إيران حول برنامجها الصاروخي و/أو موقفها الإقليمي. ولا يحتاج الأمر عالم صواريخ لبيان أن ممارسة المزيد من الضغط على إيران هي بالضبط ما يحرك سياسة الردع الإيرانية.
خلال 24 ساعة، والتي كانت الفارق بينهما، تحدث قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد علي جعفري ورئيس أركان القوات الإيرانية المشتركة الجنرال محمد باقري عن الحد من مدى صواريخ إيران واقتصارها على الوصول إلى بعد 2000 كيلو متر. وبيَّن كلاهما بوضوح المنطق وراء ذلك، فقالا إن هذا المدى سيكون كافياً لردع أعداء إيران. وهذه العقيدة دفاعية في جوهرها. وهي مدفوعة بأولويات إيران الرئيسية المتمثلة في الحفاظ على وحدة أراضيها وحماية مصالحها الإقليمية، وهو ما يتضمن الحسابات الأمنية، والمصالح الاقتصادية والعلاقات الثقافية.
وفي الوقت نفسه، يظل الخط الفاصل بين سياسة إيران للدفاع المتقدم وبين التوسع الهجومي غائماً. فما يفهمه الإيرانيون على أنه وسائل دفاع قد لا يراه الآخرون على أنه كذلك. ونتيجة لذلك، سوف تكون هناك حاجة إلى إلى تحديد إجراءات لبناء الثقة -سواء جهة من إيران أو في اتجاهها. وفقط عندما يتم إدماج هذه العوامل في النقاش حول موقف إيران من القضايا الإقليمية، سيمكن التوصل إلى أساس مناسب لعقد محادثات ذات معنى مع طهران.
*المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي للمؤسسة الفكرية “كاربو” -مركز البحث التطبيقي بالشراكة مع الشرق- التي تتخذ من ألمانيا مركزاً لها. وكمحلل للشؤون الإيرانية، يستشيره صانعو السياسة الأوروبيون والشركات التجارية بالإضافة إلى معاهد بحثية ومؤسسات سياسية. وهو يعمل محاضراً في جامعة دوسيلدورف ومؤلف كتاب “مورغن في إيران”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان :
The Logic Behind Iran’s Regional Posture
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 17/12/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى