تقرير مترجم عن موقع المونيتور – هكذا تقضي إسرائيل على تهديد الأنفاق
باختصار
إن الطريقة التي وضعتها إسرائيل على أساس مزيج من ثلاثة محاور متوازية (دفاعية، مخابراتية، تكنولوجية) تختتم حدود قطاع غزة، بحيث يمكن في المستقبل القريب إعلان حالة “الأنفاق الصفرية”. هذه الخطوة تضع حماس في مأزق استراتيجي وجودي.
موقع المونيتور – ترجمات – بقلم بن كاسبيت * – 11/12/2017
هذه المرة، وعلى خلاف سابقتها التي وقعت نهاية أكتوبر 2017، لم نسمع أصوات انفجارات، ولم تتصاعد سحب الدخان الأسود على حدود قطاع غزة. النفق الهجومي الحمساوي الجديد اكتشف قبل عدة أسابيع من خلال التقنية الجديدة التي طورتها إسرائيل، واحتفظ الجيش الإسرائيلي بأمر اكتشاف النفق كسر إلى أن تمت الاستعدادات لتحييده، نُفذ التحييد كذلك بأدوات جديدة دونما تفجيرات صارخة.
في المرة السابقة – كما تذكرون – حيّد الجيش الإسرائيلي نفق الجهاد الإسلامي دون ان يعلم ان بداخله نشطاء من التنظيم، وفي تفجير النفق ومجهودات الإنقاذ قتل حوالي 12 من رجال الجهاد الاسلامي وحماس، الأمر الذي كاد يتسبب باشتباك كبير. هذه المرة حيّد النفق بهدوء تام، وبأدوات مختلفة طورها الجيش الإسرائيلي.
حماس لم تكن تعلم بأن النفق الاستراتيجي تم تعقبه، وأنه موجود على مرمى الجيش الإسرائيلي طوال أسابيع عديدة، في أعقاب العملية الناجحة قال وزير الأمن أفيغدور ليبرمان (10 ديسمبر) أنه “بفضل المجهود المشترك بين الجيش الإسرائيلي ووزارة الأمن والصناعات العسكرية، توصلنا إلى قدرات تقنية جديدة في محاربتنا لإرهاب الأنفاق. آمل انه وفي الأشهر القادمة أن يكون تهديد الأنفاق للمواطنين الإسرائيليين في غلاف غزة قد أصبح من الماضي”.
أقوال ليبرمان افتتحت سلسلة من التصريحات التي وردت على لسان المسؤولين الإسرائيليين، والتي يمكن من خلالها الافتراض بأنه وبعد جهود متواصلة سخرت فيها أفضل الأدمغة في إسرائيل وخصصت موارد غير محدودة؛ نجحت إسرائيل في إنهاء تهديد الأنفاق التي قضت مضاجع مواطني جنوب البلاد في السنوات الأخيرة، الحقيقة أكثر تعقيدًا وأقل قطعًا، إذ لا شك بأن إسرائيل تقترب كثيرًا من إنجاز القدرة المعنية. “ليس هذا بسبب اختراع ما لدينا أو آلة تتعقب الأنفاق وتدمرها” قال لي مسؤول في الاجهزة الأمنية الإسرائيلية “المقصود هنا أسلوب مطور ويقوم على أساس الجمع بين ثلاثة محاور متوازية: الوقائي والاستخباراتي والتقني”.
الصحيح أنه وإلى الآن فإن هذا الأسلوب يخطو نحو ختم حدود قطاع غزة، في المستقبل القريب – وهذا ما يقدرونه في إسرائيل – سيكون من الممكن الإعلان عن وضع “صفر أنفاق”، وعلى ما يبدو أيضًا سيعلن عن ختم تام لخط الاحتكاك بين القطاع وإسرائيل بطريقة لا تسمح بحفر أنفاق جديدة.
نفق حماس الذي دمر هذا الأسبوع كان طويلًا بشكل خاص، وتسلل إلى أرض إسرائيل مئات كثيرة من الأمتار. في إسرائيل يصفونه بأنه “نفق استراتيجي” كان معدًا ليمكّن حماس من ضرب جبهة الجيش الإسرائيلي في جولة العنف القادمة كما حاولت ان تفعل خلال عملية “الجرف الصامد”، الآن سُلبت حماس هذه القدرة، وكلما طال الزمن قلت إمكانية استغلال التنظيم لمساحة تحت أرضية أوجدها من أجل تحقيق تفوق من نوع ما على الجيش الإسرائيلي الأفضل.
هذه العملية أدخلت حماس في معضلة وجودية استراتيجية: هل تسلم بالواقع وتبحث عن طرق أخرى للمساس بإسرائيل أم تسرع باستغلال ما بقي لديها – إذا كان لحماس بالفعل أنفاق أخرى – قبل أن يفوت الأوان؟
عدا عن أقوال قائد مقر الجنوب ايال زمير الذي حذر حماس والجهاد الإسلامي من ان الأنفاق الإرهابية ستصبح فخاخًا قاتلة لرجالهما، فقد التزم الجيش الإسرائيلي الصمت. “لا يجب ان نحتفل” قال لي مسؤول عسكري رفيع “إنها أيام حساسة بعد إعلان الرئيس ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل، وليس لدينا سبب يجعلنا نساعد هؤلاء الذين يريدون التسبب بتدهور الأوضاع الأمنية”.
المحاور الثلاثة التي تقوم عليها التقنية الإسرائيلية: المحور الوقائي هو عبارة عن جدار أمني تحت أرضي هائل مبني على امتداد خط الحدود، ومن شأنه ان يحيط نهاية المطاف بالقطاع برمته، حفر الجدار على عمق عشرات الأمتار، وحسب تقديرات الخبراء ليس هناك أي إمكانية لحفر أي نفق أسفل منه. لا يدور الحديث عن “جدار غبي”، وإنما جدار ارشادي يحتوي على كم هائل من المجسات والمجسات الكاشفة بأنواعها وتقنية متنوعة لا تسمح بكبح الأنفاق الجديدة وحسب، وإنما أيضًا تمكّن من تعقب مجهودات الحفر الأخرى.
المحور الاستخباراتي يتضمن إيجاد جميع القدرات التجسسية التابعة للأجهزة الأمنية الإسرائيلية البشرية والآلية والانترنت ووسائل أخرى، من أجل معرفة أين ومتى يحفر الفلسطينيون الأنفاق. في هذا المجال أيضًا يقول الجيش الإسرائيلي ان الوضع آخذ في التحسن، وإسرائيل لديها صورة واضحة عن الوضع على الأرض.
المحور الثالث هو المحور التقني، وفي جوهره التحديث الكبير الذي سمح بتعقب النفقيْن في الشهريْن الأخيريْن. يدور الحديث عن مجهود متواصل لجميع الصناعات الأمنية الإسرائيلية، وورشة خبراء كبيرة أقيمت قريبًا من القطاع يوجد فيها أفضل أدمغة مديرية بحث وتطوير الأدوات القتالية والبنى التقنية التابعة لوزارة الأمن، كما يدور الحديث عن قدرة تراكمية تقوم على أساس تقنية حديثة تسمح بتعقب الأنفاق بمستوى دقة عالية للغاية من خلال تشغيل أدوات تقنية كثيرة. “الأمر يستغرق الكثير من الوقت ويتطلب استثمارات كبيرة للغاية في كل متر نقوم بفحصه” قال لي مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع “لكن النتائج جيدة”.
القدرة الإسرائيلية على تعقب وتدمير وختم الحدود حول قطاع غزة لم تصل بعد مرحلة التمام، رغم تصريحات بعض رؤوس الدولة هذا الأسبوع، “نحن على خط التقدم، في المستقبل ستتحسن هذه القدرة أكثر من ذلك، وسيكون من الممكن الوصول إلى وضع نستطيع الإعلان فيه عن (صفر أنفاق) وعن إزالة التهديد” يقول مسؤول إسرائيلي أمني رفيع “لكننا لسنا هناك بعد”.
على أي حال، في الأسبوع الذي تحتفل فيه حماس بمناسبة مرور 30 عام على تأسيسها، وفي إسرائيل أيضًا يشيرون إلى مرور 30 عام على اندلاع الانتفاضة الأولى؛ تجد حماس نفسها في أزمة متعددة المجالات: تنازل عن الحكم في غزة لصالح السلطة الفلسطينية، والعزلة الدولية مستمرة، ومنظومة “القبة الحديدية” تحيّد حوالي 89% من تهديد الصواريخ التي تستهدف الجبهة الداخلية الإسرائيلية (معطيات وزارة الأمن من عملية “الجرف الصامد”)، والآن الاختراع الجديد؛ المساحة تحت الأرضية والأنفاق الهجومية تسقط من يدها. حماس ستكون بحاجة إلى إيجاد نفسها من جديد إذا أرادت ان تبقى واقعية، في الظروف وبالأدوات التي بحوزتها اليوم ستكون تلك مهمة صعبة للغاية.
*بن كاسبيت هو معلق لموقع إسرائيل بوليتزر. وهو صحفي كبير ومحلل سياسي وسياسي في العديد من الصحف الإسرائيلية، ويقدم برامج إذاعية وتلفزيونية منتظمة حول هذا الموضوع تتعلق بالسياسة الإسرائيلية.