ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – أمن العمليات، والمساءلة، والخسائر المدنية

مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – ميليسا دالتون؛ وجوزيف فيديريشي* – 30/11/2017
منذ بدأت القوات الأميركية وقوات الائتلاف الحرب ضد “داعش” في العام 2014، قال المسؤولون إن الولايات المتحدة تشن “واحدة من أكثر الحملات الجوية دقة في التاريخ الأميركي”. ومع ذلك، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” يوم 16 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مقالاً مخيفاً، والذي فصّل الفارق بين الخسائر المدنية التي يتم الإعلان عنها وبين العدد الفعلي للخسائر. وبعد تحقيق استقصائي استمر 18 شهراً زار خلاله المراسلان مواقع 150 ضربة جوية تقريباً، استنتجا في النهاية أن واحدة من كل خمس ضربات جوية أسفرت عن وفاة مدنية. ووفق المقال، فإن هذا المعدل كان “31 مرة أكثر مما أقر به الائتلاف”. وبعد نشر هذا المقال وجهت دعوات لزيادة الشفافية في تغطية إجمالي الخسائر المدنية الناجمة عن العمليات العسكرية الأميركية.
س: تشكل الخسائر المدنية غير المقصودة كلفة رهيبة للحرب، والتي يجب تقليلها إلى الحد الأدنى. ولكن لماذا الأمر يهم بالنسبة للولايات المتحدة استراتيجياً؟
ج: يتخذ الجيش الأميركي إجراءات احترازية كبيرة في تدريبه وتخطيطه للعمليات للتقليل من الخسائر في صفوف المدنيين إلى الحد الأدنى. وقد أظهرت وزارة الدفاع الأميركية رغبة في تفحص تقارير الإصابات المدنية عن قرب وتعديل إجراءات التخطيط والاستهداف، بينما تحافظ على الأمن العملياتي. ومع ذلك، هناك ثلاثة أسباب قاهرة على الأقل، والتي توضح الحاجة إلى شفافية ومسؤولية أكبر. أولاً، بالمفهوم الأصح، إنها مأساة مطلقة أن يقتل مدني عن طريق الخطأ خلال عملية عسكرية. ثانياً، عندما تفضي العمليات إلى إلحاق خسائر مدنية، فإنها تخدم كآلية تجنيد لأولئك الذين يرغبون في إلحاق الأذى بالولايات المتحدة أو بشركائها في التحالف. وأخيراً، هناك الفشل -أو مشاعر الفشل بسبب الافتقار إلى الشفافية- في معالجة الفجوات في الاستخبارات والإجراءات العملياتية التي تسفر عن إصابات بين المدنيين وتلحق الضرر بمصداقية القيادة الأميركية.
س: ما هي الأدوات التي يمتلكها الكونغرس والجمهور لتعقب الخسائر المدنية الناجمة عن العمليات العسكرية الأميركية؟
ج: لدى الكونغرس والجمهور طرق لتحديد الخسائر في صفوف المدنيين بسبب العمليات العسكرية. أولاً، لدى الكونغرس القدرة على عقد جلسات استماع حول حوادث محددة أو موسعة أفضت إلى وقوع إصابات في صفوف المدنيين. وبإجراء استجوابات في العمق وتوجيه أسئلة دقيقة، يستطيع الكونغرس تسليط الضوء على الخسائر المدنية غير المقصودة. وعلى سبيل المثال، كتب النائب تيد دبليو ليو (ديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا) رسالة إلى وزير الدفاع جيمس ماتيس، والتي تضمنت توجيه 19 سؤالاً عن الوفيات المدنية التي تسببت بها الضربات الجوية الأميركية في كل من العراق وسورية. ثانياً، يستطيع الكونغرس، من خلال العملية التشريعية، أن يطلب من وزارة الدفاع الأميركية تقصي الخسائر المدنية والإبلاغ عنها. ويحتوي قانون تخويل الدفاع القومي للسنة المالية 2018 بنداً يطلب من وزير الدفاع تقديم تقرير سنوي إلى الكونغرس، والذي يفصل العمليات العسكرية الأميركية التي تسببت -أو كانت موضع شك معقول بأنها تسببت- في وقوع خسائر مدنية خلال العام الماضي. ويطلب البند أيضاً من وزارة الدفاع دراسة “التغطية ذات العلاقة وكل المصادر ذات المصداقية، بما في ذلك المعلومات من التقارير العامة والمصادر غير الحكومية”.
ويستطيع الجمهور الوصول إلى مختلف المواقع الإلكترونية لمراكز قيادة الاشتباك الأميركية، والتي تتضمن معلومات تتعلق بمختلف العمليات العسكرية والإصابات المدنية غير المقصودة، حيث توجد مستويات متفاوتة من الشفافية وسهولة التصفح. وتنشر القيادة الأميركية الوسطى معلومات وتقارير تتعلق بالضربات الجوية ضد “داعش” في العراق وسورية، والإصابات المدنية المزعومة. كما أن وسائل الإعلام ومختلف المنظمات غير الحكومية ترصد الخسائر والإصابات المدنية -ولو ليس بثبات مستمر. ومن السهل الوصول إلى هذه التقارير في مواقعها الإلكترونية. وبالإضافة إلى ذلك، ترصد منظمات الشفافية ذات القيادة الصحفية مثل “إير وورز” الإصابات المدنية الناجمة عن الضربات الجوية التي ينفذها التحالف في العراق وسورية وليبيا في مواقعها الإلكترونية.
س: كيف تستطيع وزارة الدفاع والكونغرس الموازنة على نحو أفضل بين الشفافية والأمن العملياتي فيما يتعلق بالإصابات المدنية؟
ج: يجب على الأمن القومي والقادة العسكريين الأميركيين إشاعة مناخ قيادة يكون فيه وقوع الخسائر والإصابات المدنية أموراً غير بمقبولة. وتتوافر وزارة الدفاع على تدريب وإجراءات قوية قيد العمل استناداً إلى هذه المبادئ، لكن هذه المسائل قد تحتاج إلى إعادة فحصها على ضوء هذه التقارير الأخيرة. ويجب أن تتضمن عمليات التدريب الروتيني على القتال والمشورة ومساعدة المهمات سيناريوهات تسعى إلى تخفيف المخاطر على المدنيين وخفض الخسائر المدنية. وتوجد سوابق معاصرة، مع إنها تكون مثيرة للجدل في بعض الأحيان. في شباط (فبراير) 2010، أمر الجنرال ستانلي مكريستال، قائد قوة المساعدة الأمنية الدولية، بتطبيق “ضبط النفس الشجاع” من جانب القوات الأميركية والقوات المتحالفة، مشيراً بذلك إلى استخدام القوة غير المميتة عند نقاط تفتيش المركبات وفي تعاملتها مع المدنيين الأفغان. وعلى مدى الأشهر الثمانية التالية، نقصت الخسائر المدنية عند نقاط التفتيش في أفغانستان بنسبة 50 في المائة. وبينما صمدت السياسة العامة لـ”ضبط النفس الشجاع” طوال فترة عملية الحرية الدائمة، فقد أجرى قادة قوة المساعدة الأمنية الدولية اللاحقون تغييرات تكتيكية للسماح بمزيد من المرونة للقوات الأميركية والمتحالفة للدفاع عن نفسها.
بالإضافة إلى ذلك، بينما يدرس القادة في الكونغرس أمر التخويل الجديد باستخدام القوة العسكرية، فإنهم قد يعمدون إلى إضافة بند يطلب من الجيش الأميركي الإبلاغ عن الإصابات المدنية. ومن المؤكد تقريباً أن الفرع التنفيذي سوف يستمر في الدفع ضد إلغاء واستبدال تخويل العام 2001 -ناهيك عن شمول متطلب إضافي للإبلاغ عن الإصابات المدنية كجزء من التخويل الجديد. ومع ذلك، وبشمول متطلب الإبلاغ هذا، فإنه يتم رفع أولوية الوقوف على الخسائر في صفوف المدنيين. وزيادة على ذلك، لو تم إخضاع التخويل الجديد باستخدام القوة العسكرية الأميركية لفترة تجديد تصل إلى أعوام عدة -بما يتعارض مع عملية قانون تخويل الدفاع القومي السنوية- فإن البند المتعلق بالإبلاغ عن الإصابات المدنية يمكن أن يكون أطول ديمومة.
خلال عملية الحرية الدائمة وعملية الحرية العراقية، تبنت وزارة الدفاع سياسة وعملية تأسستا من أجل تقديم أموال خاصة “بدفعات التعزية” التي تم دفعها لأقارب المدنيين الذين قتلوا عن طريق الخطأ. وفي حملة التصدي لتنظيم “داعش” اليوم، وفي عمليات مكافحة الإرهاب الأخرى، أصبحت خطوط الإرشاد ودفعات التعزية أقل وضوحاً. وكما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز”، فإنه بينما أجاز أحدث تخويلين للدفاع القومي لوزارة الدفاع دفع هذه الأموال، يترتب على الوزارة تطبيق سياسات وإجراءات الإرشاد. وبالإضافة إلى الالتزام الأخلاقي بإشعار أعضاء العائلة الناجين، يستطيع تجديد إجراء تقديم دفعات التعزية التخفيف من التجنيد الإرهابي. ومن شأن تقديم هذه الدفعات بشكل ثابت وضع الإصابات المدنية تحت المزيد من المراقبة العامة هنا في الولايات المتحدة.
أخيراً، ومن خلال صلاحياته لترتيب وعقد جلسات استماع، يجب على الكونغرس الاجتماع باستمرار مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني بهدف توثيق التقارير العسكرية.
س: كيف يمكن أن يغير الكشف الذي نشرته “نيويورك تايمز” التقييمات القائمة لمدى نجاح حملة التصدي لـ”داعش” والاستراتيجية الأميركية؟
ج: يجب على وزارة الدفاع أن تتفحص الطرق التي يتم من خلالها جمع المعلومات الاستخبارية المستهدفة عن ضربة جوية أو هجوم بري. وفي المهمات المعادية لتنظيم “داعش” ومهمات محاربة الإرهاب الأوسع، تعول الولايات المتحدة على قوات الأمن الشريكة المحلية للمساعدة في جمع المعلومات الاستخبارية، بالإضافة إلى مصادر أخرى. ويخفف هذا الأسلوب من تعرض الجنود الأميركيين للخطر، لكنه قد يخلق فجوات استخبارية ويسهم في عمليات استهداف بائسة. وبينما قد يوفر التخويل بالتصرف العملياتي الذاتي مرونة أكبر للمقاتل ليتأقلم في بيئات أمنية معقدة، فقد يكون إجراء مراجعات تحقق إضافية أمراً ضرورياً على المستويات التكتيكية والعملياتية لمنع وقوع إصابات مدنية. ويجب على وزارة الدفاع أيضاً دراسة طرق لدمج التقارير الواردة من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في وقت مبكر من عملية التخطيط لتوثيق الاستخبارات الواردة من القنوات التقليدية، بدلاً من إصدار رد فعل على تقارير بعد وقوع حادث ما.
لا تقتصر مصداقية القيادة الأميركية على حماية المصالح الأميركية فقط، وإنما تتأكد أيضاً عبر التعزيز الثابت للقيم الأميركية، بما في ذلك التمسك بالمعايير الدولية للحرب الحديثة. وهذا مهم بشكل خاص في وقت ينتهك فيه منافسونا وخصومنا هذه المعايير في أماكن مثل سورية. ويعني هذا اتخاذ خطوات للتخفيف من حدة الضرر الذي يلحق بالمدنيين خلال زمن الحرب. وقد يقوض الفشل في تحقيق ذلك ثقة الشركاء في قدرتنا على تنفيذ عمليات عسكرية دقيقة في أراضيهم، بحيث يخدم عملنا كأداة تجنيد للأعداء من الدول وغير الدول، وبالتالي تآكل الأسسس الأخلاقية للقيادة الأميركية.
*ميليسا دالتون: زميلة بارزة ونائب مدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. جوزيف فيديريشي: باحث مشارك في برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان :
Operational Security, Accountability, and Civilian Casualties
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 12/12/2017
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى