ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن مجلة ذي أتلانتك – لماذا يحاول ترامب محو ملامح السياسة الخارجية التي اتبعها أوباما؟

مجلة ذي أتلانتك – يوري فريدمان – 18/10/2017
قسم الترجمة – 25/10/2017
نشر يوري فريدمان تقريرًا في مجلة «ذي أتلانتك» عن إرث السياسة الخارجية لأوباما، ومحاولات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتبديد هذا الإرث.
قال فريدمان إنه عندما اختار ترامب نزع الشرعية عن الاتفاق النووي الذي صاغه أوباما، بدا الأمر نمطًا متبعًا للسياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس. إذ إنَّ ترامب بانسحابه من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ واتفاقية باريس للمناخ، وإعلان أنه سوف «يلغي» انفتاح الولايات المتحدة على كوبا، قد بدا مصممًا على تفكيك إنجازات أوباما في الشؤون الدولية.
وقال بن رودس نائب رئيس الأمن القومي السابق لأوباما: «إنَّ المبدأ المنظم لمنهجية ترامب للسياسة الخارجية يبدو، جزئيًا، محاولة فعل عكس ما فعل سلفه».
لكن لو تكلمنا عن تهديد إرث السياسة الخارجية لأوباما – يقول فريدمان – فليس ترامب وحده هو من يشكل هذا التهديد؛ ذلك أنَّ بعض منجزات أوباما تتلاشى لأسباب لا علاقة لها بالازدراء الواضح الذي يكنه الرئيس الـ45 للرئيس الـ44. ذلك أنَّ إرث أوباما يعتمد جزئيًا على الرهان بأنَّ بعض الدول – كوبا وإيران وبورما – سوف تستجيب، بمرور الوقت، بشكل إيجابي للدبلوماسية، وهو ما وصفه أوباما ذات مرة لمجلة ذي أتلانتيك بأنه: «عنصر القوة الأمريكية الذي يقدره كل العالم بشكل لا لبس فيه».
ومع ذلك، فخلال الفترة الوجيزة التي تلت مغادرة أوباما لمنصبه، لم تثمر هذه الرهانات بشكل لا لبس فيه. فجهود إدارة أوباما لتشجيع انتقال بورما إلى الديمقراطية وخلق ظروف مواتية لاعتدال القادة الإيرانيين مثلًا تتعرض الآن لخطر كبير، بسبب إجراءات اتخذتها هذه الحكومات. تثير هذه المثالب أسئلة حول ما إذا كان أوباما، الذي يعتبر نفسه واقعيًا، مبالغًا في تفاؤله حول نتائج الانخراط مع هذه الحكومات.
وعلى العكس من ذلك، فقد استمر ترامب، بهدوء، في بعض مبادرات سلفه. إذ حافظ ترامب، من حيث الجوهر لا الأسلوب، على بعض ملامح حملة أوباما ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والبرنامج النووي لكوريا الشمالية. كما يحجب التركيز على سجل أوباما التحدي الأكبر الذي يشكله ترامب لتقاليد السياسة الخارجية الأمريكية الممتدة لعقود.
وقال فريدمان: فكر في الحالات التي وقعت فيها أحداث خارج سيطرة ترامب وقوضت من سياسات أوباما. فقد قام أوباما بأول زيارة رئاسية إلى بورما لمكافأة الإصلاحات الديمقراطية التي أجرتها الحكومة العسكرية السلطوية هناك. أما الآن -يضيف الكاتب – فقوات الأمن البورمية قد انخرطت فيما أدانه مسؤولو الأمم المتحدة بصفته «تطهيرًا عرقيًا» ضد الأقلية المسلمة.
والعجيب أنَّ ذلك جرى دون الكثير من المقاومة من قبل القادة المنتخبين ديمقراطيًا، من أصحاب نصف السلطة، بما في ذلك الناشطة الديمقراطية الشهيرة أونج سان سو كي. فأدى إحراق القرى وذبح المدنيين إلى دفع مئات آلاف الروهينجا إلى الفرار إلى بنجلاديش. كانت تلك النتيجة بالكاد غير متوقعة؛ ففي أواخر عام 2016، عندما رفع أوباما العقوبات عن بورما، نفذ الجيش البورمي حملة أرض محروقة وحشية ضد الروهينجا كانت نذيرًا بتلك الحملة الأخيرة.
الانفتاح الأمريكي على كوبا
ثم هناك الانفتاح على كوبا، فقد طردت إدارة ترامب مؤخرًا 15 دبلوماسيًا كوبيًا من الولايات المتحدة، وسحبت موظفين غير أساسيين من كوبا، وحذرت الأمريكيين من الذهاب إلى الجزيرة. لم تفعل إدارة ترامب ذلك بغرض محو سياسة أوباما تجاه كوبا -يؤكد الكاتب- وإنما لأنَّ شخصًا ما -وليس ثمة دليل حتى الآن على أنَّ الحكومة الكوبية وراء ذلك. يبدو أن هذا الشخص تسبب في مرض حوالي عشرين دبلوماسيًا أمريكيًا، ربما باستخدام «أسلحة صوتية غامضة». اعترف رودس أنَّ الحكومة الأمريكية كان عليها أن ترد على الهجمات ومسؤوليها، لكنه قال: إن رد فعل ترامب كان شديد «العقابية».
أما بخصوص غياب الإصلاحات الديمقراطية منذ أن زار أوباما كوبا بغرض «دفن آخر بقايا الحرب الباردة في الأمريكيتين» -يقول الكاتب – فإن رودس يقول: «إنهم قد شرعوا في تنفيذ وتيرة الإصلاح التي أعتقد أنه كان يمكن توقعها ــ فنحن لم نعد قط بتحول سريع للنظام السياسي الكوبي. ما أردنا رؤيته كان المزيد من المشاركة والمزيد من الاستثمارات في القطاع الخاص الكوبي، وأخيرًا، الترويج للإصلاح في كوبا عبر السفر الأمريكي والتجارة الأمريكية، والأمريكيين والأفكار الأخرى التي تصل إلى الكوبيين».
وفي الوقت ذاته، تفاخر أوباما بإبقاء الولايات المتحدة بعيدًا عن مستنقع عسكري جديد، في إطار سعيه لترك «حظيرة نظيفة» لخلفه. لكنَّ إخفاقاته في إيقاف تقدم كوريا الشمالية في مجال الأسلحة النووية، وترويض حركة طالبان والجماعات المسلحة الأخرى في أفغانستان، ووقف سفك الدم في سوريا، قد ورطت إدارة ترامب باحتمالية نشوب صراعات عسكرية متجددة في هذه البلدان.
إذ جادل ترامب، مثلًا، عند زيادة القوات في أفغانستان، بأنَّ خطط أوباما الحربية كانت شديدة التركيز على جدول الانسحاب أكثر من تركيزها على «الأوضاع على الأرض». وزعم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، مايكل أنتون، في معرض شرحه لسبب شن ترامب ضربات ضد الحكومة السورية لاستخدامها أسلحة كيميائية، أنَّ الرئيس ظن أنَّ ذلك سوف يساعد على استعادة الـ«العزيمة الأمريكية في الحرب».
الاتفاق النووي مع إيران
حتى فيما يتعلق بإيران، فالموقف أكثر تعقيدًا من عناوين الأخبار التي تتحدث عن رفض ترامب التصديق على الاتفاق النووي لأوباما (ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ ترامب برفضه التصديق لم يؤثر على سلامة الاتفاقية نفسها، لكنه طلب من الكونجرس التفكير فيما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة البقاء في الاتفاقية أو إلغائها أو السعي لمراجعتها تشريعيًا). ولطالما أصر مسؤولو إدارة أوباما على أنَّ الصفقة النووية لم تكن أكثر من اتفاقية لمنع الإيرانيين من الحصول على أسلحة نووية.
وبالنظر إلى هذه الأهداف الضيقة، فإنَّ الاتفاقية التي وقعت عام 2015، كانت اتفاقية ناجحة؛ إذ تتفق الحكومة الأمريكية، ومفتشو الأمم المتحدة والقوى العالمية الأخرى التي تفاوضت لإخراج الاتفاق على أنَّ الإيرانيين ملتزمون بالالتزامات التي تعهدوا بها في مقابل رفع العقوبات الدولية.
ومع ذلك، فإنَّ بعض ما كان يأمله مسؤولو إدارة أوباما، وإن لم يذكروا ذلك صراحة إلا نادرًا، أنَّ إيران قد تصبح أكثر اعتدالًا في سلوكها في الشرق الأوسط بحلول الوقت الذي ترفع فيه بعض التقييدات عن الأنشطة النووية الإيرانية بعد 10 أو 15 عامًا، وذلك لم يحدث حتى الآن.
وكما لاحظ كبير مستشاري أوباما لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 2015، فيلب جوردون، فإنَّ جزءًا من نظرية الإدارة أنَّ «الانفتاح والمشاركة يخلقان مقومات للتعاون» وأنَّ معظم الإيرانيين، لا سيما الشباب منهم، «يريدون التغيير في نظامهم». عندما انضمت إيران إلى «المجتمع الدولي»، عندما أصبحت أقل «شعورًا بعدم الأمان»، فإنَّ جيلًا جديدًا من القادة قد يعترف بأنّهم «سوف يخسرون الكثير بتبنيهم نهج المواجهة».
ومع ذلك، فقد اعترف جوردون بأنه «لم تكن ثمة ضمانات». وبينما تعاونت إيران ضمنيًا مع الولايات المتحدة ضد داعش منذ توقيع الاتفاقية النووية، فقد واصلت مواجهتها مع أمريكا في مناطق أخرى، إذ استمرت إيران في تطوير صواريخ باليستية، وتمويل جماعات مسلحة مثل حماس وحزب الله تعتبرها الحكومة الأمريكية منظمات إرهابية. ومع اقتلاع جذور الدولة الإسلامية، فإنَّ الجمهورية الإسلامية قد انتزعت النفوذ بعيدًا عن الولايات المتحدة في العراق وانضمت إلى روسيا وحزب الله لدعم بشار الأسد خصم أمريكا في سوريا.
وقال روبن رايت مؤخرًا لصحيفة نيويوركر: «إن إيران فعلًا في الواقع في موقف أقوى بكثير في المنطقة اليوم مما كانت عليه منذ عامين أو خمسة أعوام». وهذه هي «الأسس التي تبني عليها إدارة ترامب سياستها الجديدة».
ترامب يحاول التميز عن أوباما بتحطيم الرموز
لقد قال أوباما، في معرض شرح نظريته للمشاركة الدبلوماسية، عام 2009: «بالنظر إلى فظاعات الثورة الثقافية، فقد بدا لقاء نيكسون مع ماو أمرًا لا يمكن تبريره، ومع ذلك فقد ساعد هذا اللقاء، بلا شك، على وضع الصين على الطريق الذي رفع الفقر عن ملايين المواطنين الصينيين، واتصلوا بالمجتمعات المفتوحة» لكنَّ الأحداث الأخيرة تقترح أنَّ حركة ذهاب نيكسون للصين لا تنتج دومًا رفعًا اقتصاديًا وتكاملاً دوليًا. فأحيانًا ما ينتج عن ذلك اختبارات صواريخ باليستية ودبلوماسيين مرضى والتطهير شبه الكلي لجماعة عرقية بأسرها.
كما أنَّ سردية معارضة أوباما هذه تتجاهل مناطق تابع فيها ترامب بشكل كبير سياسات أوباما مثل الحملة العسكرية ضد داعش في سوريا والعراق وحتى عناصر من منهج الإدارة السابقة تجاه البرنامج النووي لكوريا الشمالية (باستثناء الخطاب التصعيدي الفج لإدارة ترامب حول بدء حرب جديدة في شبه الجزيرة الكورية)، بما في ذلك التدريب العسكري، ونشر أنظمة صواريخ دفاعية، واستخدام العقوبات للضغط على كوريا الشمالية للحوار.
حتى عندما بدا أنَّ ترامب يمحو مبادرات عهد أوباما، فإنَّ الحقيقة في الكثير من الحالات كانت أقل دراماتيكية. فقد أشار رودس إلى أنه بينما أحل ترامب بعض التقييدات الجديدة على السفر إلى أمريكا، والعلاقات التجارية مع كوبا ــ وهي عقوبات لم تطبق بعد فإنه لم يقطع العلاقات الدبلوماسية التي استعادها أوباما.
أما بخصوص اتفاقية باريس للمناخ، فقد أضاف رودس أنَّ الولايات المتحدة لا يمكنها الانسحاب التام حتى عام 2020، وهو ما يعني أنَّ أية إدارة مستقبلية يمكنها إعادة الانضمام إليها، وكل الدول الأخرى ملتزمة بالاتفاقية، ما يعني «أنها ما تزال الإطار الذي سوف يتعامل العالم من خلاله مع التغير المناخي».
وقد أعربت دانيلا ليتكا، كبيرة نواب رئيس معهد المشاريع الأمريكية عن شكوك مماثلة حول أفعال ترامب ــ لكنها قالت: إن هذه الإجراءات لم تكن كافية للانقلاب على مبادرات أوباما. وقالت ليتكا: «إنني أفكر في إدارة ترامب على أنها ذات سياسة خارجية مبعثرة لا يحركها مبدأ ولا أيدولوجية. وفيما يتعلق بالأشياء التي ألغيت، فقد ألغيت بطرق رمزية للغاية لا بطرق فعالة من شأنها حقًا أن تقلب إخفاقات الأعوام الثمانية الماضية».
ففي سوريا، على سبيل المثال: «لا تقول إدارة ترامب: إننا بحاجة إلى جهد ممنهج لقلب إخفاقات إداراة أوباما وأن نظهر مرة أخرى أنَّ أمريكا هي منصة الحرية الإنسانية في العالم. ما يقولونه: واو لقد كان هذا الهجوم الكيميائي العرضي أمرًا فظيعًا. فلنضرب أولئك الناس».
وقد أوضح ترامب أيضًا أنَّ تحطيمه للرموز يتجاوز الإدارة السابقة بكثير، وذلك حسب جيريمي سوري، مؤرخ الرئاسة الأمريكية بجامعة تكساس أوستن. فترامب لم يكتف بمعارضة اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ وإنما أشار إلى أنَّ اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية مع كندا والمكسيك، التي طبقت في عهد بيل كلينتون، بعد أن وضع الأساس لها رونالد ريجان وجورج بوش الأب، قد تكون التالية. ويقول سوري:

إنه على الرغم من أنَّ من الشائع للإدارات الجديدة أن تحاول تمييز نفسها عن الإدارة السابقة، فإنَّ ما يميز ترامب أنه يحاول التراجع عن هذه الالتزامات الاستراتيجية الأكبر التي تتجاوز أوباما ــ إذ يرجع العديد منها إلى فترة رونالد ريجان.

والأمر الأكثر شيوعًا بالنسبة للرؤساء أن يقوموا بعمل تعديلات تكتيكية لسياسات الرؤساء السابقين ــ مثل محاولة أوباما الخروج سريعًا من العراق دون أن تغيير جذري في دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، فقد كان ثمة المزيد من الاستمرارية أكثر من التغيير ــ من أيزنهاور وكينيدي إلى بوش وأوباما ــ عندما يتعلق الأمر بالاستراتيجية الأكبر للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.
وهذا هو سبب انزعاج رودس من التعامل الفج لترامب مع الالتزامات التي قطعتها الولايات المتحدة تجاه إيران، وحلفائها الأوروبيين، والصين وروسيا باعتبارهم جزءًا من الاتفاقية الدولية. إذ بدا قرار ترامب بعدم التصديق على الاتفاقية النووية نابعًا من «رغبة في تمزيق الاتفاقية … مشجعًا بذلك على البحث عن تبرير لتمزيق الاتفاقية» بحسب رودس.
وأضاف رودس أنَّ مخاطر هذا النهج ربما لا تكون واضحة حتى الآن، لكنها سوف تتضح. «ثمة تبعات للأشياء التي تفعلها في السياسة الخارجية ــ فالأمر يستغرق بعض الوقت للحصول على التبعات. وقد يبدو الأمر كما لو أنه ليس ثمة تكلفة للوقوف وعدم التصديق على اتفاقية إيران، لكنك تلعب لعبة خطرة. فيما يتعلق بالقادم، سواء بدأت إيران برنامجها النووي أو لا، وسواء تحدي الأوروبيون فرض عقوبات أمريكية إضافية أو لا، وسواء كان ثَمَّ خطر متزايد بالصراع في الشرق الأوسط أو لا، وسواء تعرض الدولار للخطر، بصفته العملة الاحتياطية العالمية، بسبب استمرارنا في استخدام عقوباتنا امتدادًا للسياسات الداخلية».
وقد عرض رئيس موظفي ترامب، جون كيلي، في معرض حديثه للصحافيين الأسبوع الماضي، تفسيرًا مختلفًا لسبب تبني ترامب لهذه السياسات التي يتبناها فقال: «لا أقصد انتقاد سلف ترامب» ثم تلا ذلك بانتقاد عنيف فقال: «لكن ثَم الكثير جدًا من الأشياء التي، من وجهة نظري، قد طبقت، ونحن الآن نتعرض لعواقب هذه الأشياء التي ينبغي التعامل معها».
نشر هذا المقال تحت عنوان
Is Obama’s Foreign-Policy Legacy Disappearing?
للكاتب URI FRIEDMAN 18/10/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى