ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن كونسورتيوم نيوز – انتكاسة كبيرة للأكراد العراقيين

كونسورتيوم نيوز – جو لوريا – 25/10/2017
خطأ حسابات ارتكبه الزعيم الكردي مسعود برزاني –إقامة استفتاء على الاستقلال، والذي أثار رد فعل شرس من بغداد- سبب انتكاسة كبيرة للآمال بإقامة دولة كردية، والتي ستدوم لعقود.
* * *
وُلد مسعود برزاني في العام 1946 في جمهورية مهاباد، الدولة الكردية الحديثة الوحيدة التي وجدت على الإطلاق. وقد دامت تلك الدولة عاما واحدا في شمال إيران، وتم إعلانها تحت الاحتلال العسكري السوفياتي في نهاية الحرب العالمية الثانية. وبعد أشهر من انسحاب السوفيات، سحقت إيران الدولة الوليدة وأعدمت قادتها في أوائل العام 1947.
على الرغم من أنه لم توجد أي دولة كردية منذ ذلك الحين، لا في إيران ولا في العراق أو تركيا أو سورية، عهد مصطفى البرزاني، الزعيم الكردي الذي ينحدر من قبيلة نافذة من بلدة برزان في جبال شمال العراق الكردية، بتحقيق حلم إقامة كردستان مستقلة إلى ابنه، مسعود.
بعد حرب الخليج الأولى في العام 1991، دعا الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو اتش بوش (الأب) كلا من الأكراد العراقيين والشيعة في الجنوب إلى الانتفاض ضد صدام حسين. لكنه لم يقدم أي دعم لهم، وتم ذبح الأكراد والشيعة. وفي الرد على ذلك، حصلت الولايات المتحدة من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة على موافقة بإقامة “منطقة حظر للطيران” فوق شمال وجنوب العراق.
بذلك، وتحت الغطاء الجوي الأميركي، حقق الأكراد قدرا كبيرا من الحكم الذاتي عن بغداد. لكن قبيلة برزاني، المتمركزة في أربيل، واجهت منافسة على الزعامة الكردية من جانب قبيلة طالباني في ثاني أكبر مدينة كردية عراقية، السليمانية. وعلى مدار ثلاثة أعوام، خاضت القبيلتان حربا أهلية مريرة من أجل السيطرة على المنطقة الكردية، والتي أسفرت عن مقتل الآلاف حتى توسط بيت كلينتون الأبيض في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في العام 1988.
تم تنصيب برزاني رئيسا لكامل المنطقة الكردية العراقية بموجب اتفاقية لتقاسم السلطة. ومع ذلك، تركت اتفاقية سلام كلينتون لكل جانب سيطرته على قواتهما العسكرية الخاصة من البشمركة وجهاز الاستخبارات. ولم يتم دمج هذه القوات والأجهزة أبدا، حتى بعد أن اكتسب الحكم الذاتي الكردي الصفة الرسمية مع اعتراف بغداد به في أعقاب الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. (عمل جلال طالباني رئيساً للعراق من العام 2005 وحتى العام 2014، ولو أن سلطة الحكم الأساسية تركزت في يد رئيس الوزراء الذي يأتي من الأغلبية الشيعية).
على مدى تاريخهم الطويل من إلى السيادة، وما جلبه عليهم من القمع، أولا من البريطانيين ثم من بغداد، لم يحقق الأكراد أبدا قدرا من الاستقلال والاستقرار يماثل ما حققوه من خلال الحكومة الإقليمية الكردية، وعاصمتها أربيل، في مرحلة ما بعد الغزو الأميركي. ووسط التوترات المستمرة مع السليمانية، حكم برزاني كامل المنطقة الكردية، بالمحسوبية والفساد المستشري، وإنما أيضا مع استثمار أجنبي استثنائي.
مع قوته المتزايدة، هندس برزاني إقامة استفتاء غير ملزم للاستقلال عن العراق في العام 2005، والذي تلقى الدعم من 98 في المائة، لكنه قوبل بالتجاهل بشكل أساسي من بغداد، وكذلك من كل من تركيا وإيران اللتين تضمان مواطنين أكرادا حرونين أيضا. ولم يذهب ذلك الاستفتاء إلى أي مكان وتم اعتباره رمزيا على نطاق واسع.
بتبجح كبير، زعم برزاني أن أربيل ستتحول إلى دبي جديدة. واشترى شعبه ذلك. فمثل دبي، سوف يتم إنشاء أربيل الجديدة المتلألئة على أموال النفط، وليس فقط من النفط المتوفر بكثرة داخل أراضيه، وإنما في نهاية المطاف من جوار مدينة كركوك المتنازع عليها أيضاً.
كركوك المتنازع عليها
لم يسبق أن كانت كركوك أبدا مدينة ذات أغلبية كردية، وهو ما يقوض مطالبة برزاني بها. وللمدينة تاريخ ديمغرافي معقد. كانت عائلة التكريتي هي العائلة العربية الرئيسية في كركوك في القرن السابع عشر. وجعلت منها قبيلة كردية عاصمتها في القرن الثامن عشر. وكان التركمان متواجدين في المدينة منذ القرن الحادي عشر، وأصبحوا الأغلبية عندما نقل العثمانيون مزيدا من التركمان إلى المدينة في القرن العشرين.
بموجب معاهدة أنقرة المسجلة لدى عصبة الأمم في العام 1926، أصبحت كركوك جزءا من مملكة العراق. وحتى ثلاثينيات القرن العشرين، كانت كركوك ما تزال مدينة تركمانية في جزئها الأكبر. ولكنها شهدت تدفقا كبيرا للعمال العرب والأكراد بعد اكتشاف النفط هناك. ووفق إحصاء العام 1957، آخر إحصاء تم إجراؤه، كانت مدينة كركوك تضم 37.6 بالمائة من التركمان العراقيين؛ و33.2 بالمائة من الأكراد، بينما شكل العرب والآشوريون نسبة أقل من 23 في المائة.
انتهت اتفاقية قصيرة الأجل للحكم الذاتي مع الأكراد في العام 1974، عندما استبعد قانون جديد الجيوب الكردية من المناطق الغنية بالنفط، وتم ترسيم حدود المدينة مجددا لتكوين أغلبية عربية. ومنذ العام 1991 -زمن حرب الخليج الأولى، وحتى الغزو الأميركي في العام 2003، قام صدام حسين بإبعاد نحو 500.000 كردي عن كركوك والبلدات المحيطة بها، وفق منظمة “هيومان رايتس ووتش”. وتم إسكان عائلات عربية في مكانهم. لكن آلاف الأكراد المشردين عادوا إلى كركوك بعد غزو العام 2003.
دعا الدستور العراقي الجديد بعد سقوط صدام إلى إجراء استفتاء للمدينة لتقرير ما إذا كانت تريد الانتماء إلى بغداد أو أربيل. ومع أنه تقرر إجراء الاستفتاء في العام 2007، فإنه لم يتم إجراؤه أبدا. ولم ترد بغداد أن يصوت اللاجئون الأكراد الذين قدموا إلى المدينة.
في العام 2014، عندما هاجم “داعش” مدينة كركوك، تراجع الجيش العراقي كما كان قد فعل في الموصل. وقاتلت قوات البشمركة مقاتلي “داعش” واستولت على المدينة وعلى قاعدة للجيش العراقي وعلى منشآت نفطية مجاورة كجائزة لها.
أربيل تتعرض للهجوم
هاجم “داعش” أربيل أيضا في صيف العام 2014. لكن قوات البشمركة ردته على أعقابه بمساعدة المال والجنود الإيرانيين، بالإضافة إلى الضربات الجوية الأميركية. وكانت تلك هي الحملة الجوية التي دشنت حرب الرئيس باراك أوباما على “داعش”.
في الأثناء، ساعد القتال الطويل ضد المجموعة الإرهابية على خفض أسعار النفط العالمية ونضب خزائن المال في أربيل -أو ما بقي منه بعد أن أخذ المسؤولون الفاسدون حصصهم. وهرب الرعايا الأجانب من المدينة عندما كانت خاضعة لحصار “داعش”. وانتهى حلم تحول المدينة إلى دبي جديدة بمدينة لم يكتمل بناء ثلث هياكل مبانيها على الأقل في الأثناء. ولم يتلق العاملون لدى الحكومة أجورهم لعدة أشهر.
من دون إجراء استفتاء ناجح، وتحت ضغط من “داعش”، ألغى برزاني الاتخابات الرئاسية في العام 2015. وعندما انتهت ولايته كرئيس منتخب، ظل في سدة الرئاسة. وأفضى هذا التطور إلى مقاطعة المعارضة للبرلمان، مما أدى إلى إغلاق الهيئة التشريعية لمدة عامين.
مع التمكن من إبعاد “داعش” عن أربيل وكركوك تحت سيطرته، دعا برزاني إلى إجراء الاستفتاء على الاستقلال في كانون الثاني (يناير) 2016 على أمل إنقاذ شرعيته. ومدركا أن هزيمة “داعش” في الموصل كانت أولوية، أجل عن حكمة التصويت الذي كان قد دعا إليه عن حماقة.
لكن هزيمة “داعش” في الموصل هذا الصيف أتاحت المجال أمام برزاني لإعادة إحياء استفتائه على الاستقلال. وتم بشكل غريب توسيع الاستفتاء ليضم المناطق المتنازع عليها، وخاصة كركوك. وعارض هذا الاستفتاء كل بلد في العالم يهتم بهذه المسألة، بما في ذلك الولايات المتحدة، وضغطوا على برزاني من أجل إلغائه.
كما كانت الفصائل في جماعة طالباني في السليمانية معارضة له. ولم تدعمه سوى إسرائيل، مدفوعة بمآربها الخاصة لكسر بلد عربي، والحصول على موطئ قدم لنفسها لتنفيذ عمليات ضد إيران انطلاقا من الحدود الكردية- الإيرانية. وقد نسقت كل من بغداد وأنقرة وطهران ردها وهددت بالقيام بعمل عسكري وبفرض حصار اقتصادي على كردستان العراق الذي لا يطل على أي مياه، والمعتمد كلية على الواردات التركية ومبيعات النفط غير القانونية، التي ليست تحت إشراف بغداد، إلى تركيا.
ثمن لامبالاة برزاني
على الرغم من كل الضغوط، سعى برزاني إلى تحقيق حلم والده وحلمه بالاستقلال، وقام بإجراء التصويت يوم 25 أيلول (سبتمبر). وكما كان متوقعا، نجح الاستفتاء بشكل ساحق وحصل على دعم تأييد نسبة 93 في المائة من الأصوات. لكن برزاني كان لديه سبب آخر لإجراء التصويت. فكما كان قد خطط بوضوح في كانون الثاني (يناير) من العام 2016 عندما دعا أول مرة إلى الاستفتاء من أجل تعزيز شرعيته، حاول برزاني استخدام الدعم الجامح في الاستفتاء لضمان انتخابه يوم الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الكردية، وإنهاء قبضته غير المشروعة على الرئاسة والتي استمرت لعامين.
كان برزاني قد أوضح أنه لن يعلن الاستقلال بعد الاستفتاء الملزم، وإنما سعى بدلا من ذلك إلى ما بين عام وعامين من المفاوضات مع بغداد والتي ستفضي إلى الاستقلال. وبينما تجاهلت بغداد وأنقرة وطهران استفتاء العام 2007، فإنها بدت هذه المرة وأنها تبالغ في رد فعلها عليه. وبينما تم رفض المفاوضات، وحيث لم يدعم الاستفتاء سوى إسرائيل، كان بإمكان بغداد ومن تحالف معها تجاهل الاستفتاء وحسب، حيث لن يفضي إلى أي مكان. فقد كان في النهاية استفتاء رمزيا وكان القصد منه منح برزاني دفعة تعزيز انتخابية.
لكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يواجه ايضا انتخابات في العام المقبل. وكان من شأن إصدار رد فعل ضعيف على الاستفتاء أن يكلفه غاليا. وكان إصدار رد فعل قوي فرصة للعبادي لسحق آمال برزاني الانتخابية. وهكذا، وبدلا من تعزيز موقفه، منح برزاني للعبادي فرصة حاسمة أخرى، وهدية على طبق مذهب: الفرصة لاستخدام الاستفتاء كذريعة لتسوية موضوع كركوك لصالح بغداد.
كانت يحتل المدينة نحو 6.000 من مقاتلي البشمركة. ومع ذلك، عندما انقض الجيش العراقي والمليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا على كركوك ليلة 15 تشرين الأول (أكتوبر)، هرب الآلاف من الأكراد من المدينة خوفاً من حمام دم.
لكن بغداد استعادت قاعدة جيشها ومرافقها النفطية، وسيطرت على المدينة من دون إطلاق طلقة نار واحدة تقريباً. وظهر أن العبادي كان قد توصل إلى صفقة مع البشمركة تقضي بانسحابهم، وإنما ليست البشمرغة التابعة لبرزاني، وإنما البشمركة التابعة لطالباني السليمانية التي لم تندمج مع قوات برزاني أبدا. واحتفى العرب والتركمان على نطاق واسع في المدينة بينما كانوا يمزقون العلم الكردي.
هكذا عاني برزاني من أكبر إذلال يواجهه في حياته. فقد خسر كركوك، والأهم من ذلك آبارها النفطية التي شكلت 30 في المائة من عائداته النفطية. وأصبحت الحدود مع إيران مغلقة. وتم حظر كل الرحلات الجوية إلى أربيل ومنها. ومع أنه تعهد بأن تقاتل قواته من البشمركة العراقيين، فقد ووجه -ليس فقط باحتمال حرب أهلية يصعب عليه كسبها ضد القوات العراقية والقوات الشيعية المتفوقة، وإنما باحتمال تجدد الصراع الأهلي مع فصيل طالباني (مع أنه كان هناك انشقاق داخل الاتحاد الوطني الكردستاني لأن مؤسسه جلال طالباني توفي يوم 3 تشرين الأول(أكتوبر) في غمرة هذه التطورات.)
في مواجهة هذه المحصلة، ألغى برزاني انتخابات الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) التي لم يعد يستطيع الآن التعويل على كسبها. ثم مضى خطوة أبعد، مكملاً ذلك بخسارة كركوك وربما منهيا حكمه؛ حيث أذعن إلى مطالب بغداد بإلغاء الاستفتاء، عارضا “تجميد” النتائج ومتوسلا عقد مفاوضات جديدة مع بغداد، معيدا آماله بالاستقلال إلى الوراء جيلا على الأقل.
*صحفي مخضرم في الشؤون الخارجية. كتب للبوسطن غلوب، والصنداي تايمز اللندنية، وول ستريت جورنال من بين صحف أخرى. وهو مؤلف كتاب “كيف خسرت من هيلاري كلينتون”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Iraqi Kurds Suffer Major Setback
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 2/11/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى