تقرير مترجم عن كرستيان سينس مونيتور – هجوم المسجد في سيناء كان خطأ كبيراً من “داعش”
كرستيان سينس مونيتور – تيلر لوك – 27/11/2017
في سبيل كسب السلطة، لدى “داعش” تاريخ في استغلال الانقسامات الطائفية. لكن المجزرة التي شكلها الهجوم على مسجد يرتاده المسلمون الصوفيون في سيناء ينفر قاعدة “داعش” على ما يبدو، حتى بين المسحوقين في سيناء.
* * *
عمان، الأردن – يبدو أن الهجوم الذي شُن على مسجد الرضوان في سيناء مؤخراً شكل خطأ استراتيجياً من “داعش” وفروعه، المشتبة بهم الرئيسيون في العمل الإرهابي الأكثر إماتة تاريخ مصر.
بشن الحرب على نظام إسلامي بعمر قرون، ومهاجمة طقس مألوف في الحياة الإسلامية -صلاة الجمعة- فإن “داعش” لا يُنفِّر نفس الجمهور الذي يحاول تجنيده وحسب، كما يقول محللون -وإنما يُحول أيضاً أطرافاً محايدة إلى أعداء، بحيث يساعد بذلك نفس الحكومة التي يحاربها.
في الهجوم على مسجد الروضة الذي يرتاده الصوفيون، أشر “داعش” إلى أنه وجد “عدواً” يستطيع معه حشد المواطنين في الدول ذات الأغلبيات السنية، بطريقة مشابهة لتلك التي أشعل بها التوترات الطائفية في المجتمعات الشيعية-السنية في العراق وسورية.
لكن الهجوم الذي قتل أكثر من 300 شخص، ووضع خصومة بعمر قرون بين غلاة المسلمين المحافظين والصوفيين، أفضى إلى صدور إدانات واسعة النطاق لاضطهاد الصوفيين.
وكان “داعش” قد وضع الصوفيين بشكل متكرر بين “الزنادقة” و”المنجمين”. وقد أعدم التنظيم في العام 2016 رجل دين صوفياً يبلغ من العمر 97 عاماً في سيناء، وفي عدد كانون الثاني (يناير) من مجلته “الرومية” التي ينشرها على الإنترنت، أدرج “داعش” مسجد الروضة بين “المحافل” الصوفية وأماكن العبادة الصوفية التي سيتم استهدافها.
يقول هـ. أ. هيليير، الزميل الرفيع غير المقيم في مجلس الأطلسي في واشنطن والزميل المشارك في معهد الخدمات الملكية الموحد في لندن عبر البريد الألكتروني: “لم يتمكنوا من خلق حرب طائفية بين المسيحيين والمسلمين، وها هم الآن يستهدفون المسلمين بشكل ضخم، في تجاهل للديناميات المحلية. أعتقد بأن هذا يشكل ضرباً من اليأس، إذا تحرينا الصدق”.
السلفيون كهدف منذ وقت طويل
على الرغم من أن العنف جديد، فإن النقد اللاذع واللغة ليسا كذلك. وقد أصبح وصف الصوفيين بأنهم “زنادقة” بطاقة دعوة يستخدمها السلفيون المتشددون من كل الشرائح على مدار العقدين الماضيين. وتساوي عقيدة غلاة السنة المحافظون بين توقير الحركة الصوفية لرجال الدين والأضرحة والمهرجانات الروحية، وبين “الشرك” و”الوثنية”.
في فراغات السلطة في الدول العربية فيما بعد الربيع العربي، استهدفت مجموعات سلفيةـ بدعم من رجال دين في الخليج، أضرحة وقبوراً ومساجد صوفية في تونس وليبيا ومصر. وأخذ “داعش” الحملة خطوة أبعد باستخدام العنف، وهدم المساجد الصوفية في سورية، واغتيال رجال الدين الصوفيين في سيناء، ومهاجمة مزار صوفي في باكستان، والآن بهجوم المسجد في سيناء.
في بلدان مثل مصر، حيث يقدر الخبراء وجود نحو 3 ملايين عضو رسمي في الطرق الصوفية ونحو 15 مليوناً يقترنون مع الحركة، وقعت دعوة “داعش” إلى استخدام السلاح ضد الصوفيين على آذان صماء. فالإرث الصوفي يتجذر عميقاً في شمال إفريقيا، وهو مرتبط بالتقاليد والأعراف المحلية التي سبقت حتى الإسلام نفسه. وقد أصبحت الممارسات الصوفية مثل إحياء ذكرى مولد النبي محمد الذي احتفل به ملايين المسلمين في الأسبوع الماضي، ويوم الهجرة النبوية، أصبحت هذه الممارسات أعمدة في الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية، والتي تنظر إليها -على عكس السلفيين أو “داعش”- على أنها ممارسات مقبولة.
بينما قد ينظر بعض العرب السنة إلى الشيعة أنهم امتداد لإيران المعادية، هناك قلة ممن يعتبرون الصوفيين “تهديداً” للعالم الإسلامي أو العالم العربي. وقد أفضى هجوم يوم الجمعة إلى تدفق الدعم على الذين يعرفون أنفسهم بأنهم صوفيون. ويقول عمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية الزائر في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسة الذي يتخذ من الدوحة في قطر مركزاً له: “إنها (الصوفية) ممارسة شعبية جداً وهي نظام ديني شعبي في مصر. وبفعلها هذا تصنع المجموعة عدواً من نسبة كبيرة من السكان”.
أجبر استخدام القوة ضد الصوفيين العديد من المجموعات التي تنتهج خطاً متشدداً، والمناهضة في حد ذاتها للصوفية، على إدانة الهجمات، كاشفين مواقفهم الخاصة من الصوفيين أمات الانتقاد بوصفها “متطرفة”.
يضيف إلى التداعي السياسي للهجوم حقيقة أن المسجد، على الرغم من أنه من تأسيس إحدى الطرق الصوفية، كان يرتاده غير الصوفيين والصوفيون على حد سواء. وتبقى المساجد، التي قد تكون أسستها مجموعات معينة، مفتوحة أمام كل المسلمين، بغض النظر عن المذهب أو المدرسة الدينية. وكان مسجد الروضة يوم الجمعة مليئاً بالرجال والنساء والأطفال الذين يؤدون الصلاة قبل غداء الجمعة، وهو طقس يُمارس في عموم العالمين العربي والإسلامي ويتجاوز الحدود والمدارس والمذاهب أو العقائد.
ويقول محللون إن ذلك قد يكون السبب في أن “داعش” والمنظمات الموالية له لم يعلنوا حتى الآن عن الهجوم – وأنه حتى أنصار تنظيم القاعد ينتقدونه.
“نقطة تحول”
بارتكاب المجزرة الرهيبة في حق الأبرياء يوم الجمعة، يقول خبراء إن “داعش” قد لا يكون قد خسر جمهوره المستهدف وحسب، وإنما دفعهم أيضاً إلى لوقوف في صف الحكومة. وسوف تكون هذه خسارة استراتيجية للتنظيم الذي كافح لكسب ثقة المجتمعات المحرومة في عموم العالم العربي. وفي سيناء، كانت المجتمعات المحلية مقطوعة عن القاهرة، ولم تر سوى النزر اليسير من التنمية والاستثمار أو فرص العمل على مدى العقدين الماضيين. وكانت مجموعات متحالفة مع “داعش” مثل جماعة أنصار بيت المقدس، التي تعرف الآن باسم “الدولة الإسلامية في ولاية سيناء”، قد وعدتهم بتوفير الحماية ضد الحكومة. وكان الرد العسكري المصري قاسياً، وتم في بعض الأحيان شن حملات عشوائية أسفرت عن إصابات واعتقالات مدنية واسعة النطاق ومزاعم بالتعذيب، مما أدى إلى شل الحياة هناك.
بينما أصبحوا عالقين بين مسلحي “داعش” والنظام العسكري، ظل معظم المواطنين محايدين ومترددين في الانخراط. وسمح ذلك لتنظيم ولاية سيناء الذي يبلغ عدد أعضائه 1500 ناشط بالتحرك بسهولة في المنطقة. لكن هذا الوضع قد يتغير بعد يوم الجمعة.
يقول البروفيسور عاشور: “أعتقد بأن هذه ستكون نقطة تحول، وقد نشهد رد فعل عكسي كبيرا. حتى الآن، كان دعم العائلات والقبائل في محافظة سيناء منقسماً حول داعش، واتخذت الأغلبية موقف الحياد من دون دعم كبير للنظام. لكن هذا الوضع يمكن أن يتغير”.
وفي الحقيقة، وحد هجوم الجمعة فعلياً قبائل سيناء في معارضتها لـ”داعش”، وانضم الكثيرون إلى عمليات الجيش المصري، وظهرت الدعوة العلنية للقبائل إلى الانضمام للقتال ضد التنظيم.
خلال عطلة نهاية الأسبوع أصدر اتحاد قبائل سيناء، وهو تجمع يضم نحو دزينة من المجموعات والذي تشكل لمواجهة نفوذ “داعش” المتزايد، أصدر بياناً دعا فيه أتباعه إلى الانضمام للجيش في عملياته ضد المتشددين إلى الجنوب من رفح، محذراً “داعش” والجهاديين من أنه “لن يغمض لنا جفن حتى نطهر أرضنا من آخر تكفيري”.
وجاء في البيان: “إننا ندعو كل رجال وشباب قبائل سيناء للانضمام إلى إخوانهم… وإلى تنسيق عملية أكبر مع الجيش للقضاء تماماً على هذا الإرهاب الأسود”. وخلص البيان إلى القول: “لن ينام رجالنا حتى تتم معاقبتكم على جرائمكم التي اقترفتموها. ولا يوجد لدينا محاكم ولا سجون، وسوف نقتلكم ولن تأخذنا بكم رحمة”.
تحد لمصر
من شأن هذا الدعم من قاعدة تجنيد “داعش” السابقة، بغض النظر عن تحفظاتها السابقة، أن يقدم مساعدة كبيرة لمصر التي كافحت على مدى ثلاثة أعوام للقضاء على التمرد الإسلامي في محافظة سيناء.
ويقول الدكتور هيليير: “أعتقد بأنه سيصبح من غير المرجح بازدياد بعد هجوم الجمعة أن يدعم أحد في سيناء شيئاً غير الجهد الرامي إلى هزيمة داعش في سيناء، بغض الطرف عن أي مظالم يشتكون منها”.
ولكن، يبقى أن نرى ما إذا كانت الدول العربية ستستطيع الاستفادة من التحول المحتمل في الرأي العام لبناء دعم أوسع لحملاتها ضد “داعش”. وفي مصر، ما يزال الجيش يعول بكثافة على ضربات الصواريخ والدبابات لمواجهة التمرد، مما يتسبب بأرقام عالية من الخسائر المدنية من دون تزويد المجتمعات المحلية بالبدائل أو المحفزات لكي تدعم جهود القاهرة.
إذا مدت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي يداً إلى مجتمع جريج، فإنها قد تقلب الحملة في سيناء في نهاية المطاف وتمنع تمدد “داعش” غرباً باتجاه مصر العليا ومصر السفلى. لكن الرئيس السيسي ألمح في خطابه الجماهيري بعد الهجوم إلى أن حكومته لا تعتزم تغيير نهجها في سيناء، متعهداً بالرد “بالقوة القصوى”.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
Why Sinai mosque attack is seen as a major ISIS miscalculation
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 9/12/2017
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo