تقرير مترجم عن كاونتربنتش – الهجوم الإرهابي التالي
كاونتربنتش – برايان كلوفلي – 10/3/2017
تشير واشنطن الرسمية إلى منظمة “الدولة الإسلامية” الإرهابية باسم “الدولة الإسلامية في العراق وسورية” ISIS، وعلى الرغم من أن هذا الوصف الإقليمي أصبح منتهي الصلاحية بوضوح، فإن الحقيقة هي أن “الدولة الإسلامية” أصبحت جمعية دولية فضفاضة من البلطجية شبه المتدينين، الذين لهم مجرد شبَهٍ هامشي بالبشر، والذين تستعصي وحشيتهم على الفهم. ويدل الهجوم الأخير الذي شنته المجموعة على مستشفى في كابول يوم 8 آذار (مارس) على الأعماق التي تنحدر إليها هذه المجموعة في حملتها الإرهابية الدنيئة.
وقد ألقى الرئيس ترامب القفاز الأميركي على أقدام هؤلاء البرابرة وتعهد بتدميرهم، وهو طموح يستحق الثناء، لأنهم عاكفون على خلق الفوضى في جميع أنحاء العالم. وطموحهم المعلن هو إقامة ما تدعى الخلافة، عن طريق “امتلاك السلطة السياسية والدينية الحصرية على مسلمي العالم”. وعلى الرغم من أنهم بدأوا العمل أول الأمر في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعارضهم عسكرياً، وبنجاح معتدل، مجموعات متباينة من القوى الوطنية وعبر الوطنية، فإنهم توسعوا كثيراً إلى ما وراء قواعدهم الأساسية.
تزدهر مجموعة “داعش” الإرهابية والفروع التابعة لها بشكل ملحوظ أكثر ما يكون في أفغانستان وبنغلاديش ومصر وإندونيسيا ونيجيريا وباكستان والفلبين واليمن، وحتى السعودية. وفي أعقاب حرب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي التي دفعت ليبيا إلى الفوضى في العام 2011، أُعطِيَ “داعش” فرصة لفرض سيطرته على مناطق واسعة من أراضي شمال أفريقيا والتوسع في الأعداد والنفوذ السياسي.
يشكل وجود “داعش” في ذاته أزمة متفاقمة، وفيروساً خبيثاً حقاً ينتشر بلا هوادة في كل أرجاء العالم، ويتم الشعور بنفوذ “داعش” في الدول الغربية والآسيوية، حيث اجتذب التنظيم أتباعاً قد يكونون أكثر خطورة من نظرائهم الموجودين في الدول الإسلامية. وقال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال دانفورد، إن التنظيم الإرهابي جند نحو 45.000 من الأتباع في أكثر من 100 دولة، وهناك أدلة على أن حملة التجنيد التي نفذها نجحت في اجتذاب غير الأسوياء المعادين للمجتمع من مختلف المشارب والطبقات.
قال السيد ترامب أنه وجَّه إدارته إلى وضع “خطة شاملة” لهزيمة “الدولة الإسلامية”، وأعلن: “سوف نعمل مع حلفائنا، بما في ذلك أصدقاؤنا وحلفاؤنا في العالم الإسلامي، لإزالة هذا العدو الشرير من كوكبنا”. وقد أرسلت وزارة الدفاع الأميركية إلى البيت الأبيض اقتراحاً أولياً وُصِف بأنه “إطار لخطة أوسع نطاقاً، والتي تهدف إلى التصدي للمجموعة المتطرفة خارج سورية والعراق”. لكن من الصعب أن نرى كيف يمكن لأي استراتيجية عسكرية أن تنجح في تحييد هذا الأخطبوط النتن المتمثل في “داعش”. وكما هو الحال مع أسلافه، قدم الرئيس ترامب بياناً حسن النوايا لطمأنة الناس حول مكافحة الإرهاب، ولكن يبقى أن نرى ما هو الاتجاه الذي ستأخذ سياسة ترامب بلاده والعالم إليه.
في الأثناء، يتزايد التهديد الإرهابي خارج منطقة الشرق الأوسط. وحتى بينما يتم إلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش” بواسطة حرب تقليدية في سورية والعراق، ويتم طرد متشدديه تدريجياً من ملاذاتهم الآمنة السابقة، يقوم التنظيم بالتركيز على توسيع نفوذه الشرير في الأماكن الأخرى، وكان للهجمات التي يشنها متعصبوه تأثير كبير في جميع أنحاء العالم. وقد عانت الصناعات السياحية في العديد من البلدان، وأبرزها
فرنسا وتركيا ومصر وتونس، بشدة من هجمات التنظيم. وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنه في فرنسا، على سبيل المثال، “انخفض النمو في حجوزات الغرف الفندقية بعد هجمات باريس إلى رقم بخانة واحدة، هبوطاً من 20 في المائة. وبعد تفجيرات بروكسل، ذهبت الحجوزات هناك في اتجاه سلبي. ثم بعد هجوم نيس، تراجعت الحجوزات إلى أرقام مفردة”. وقد يبدو هذا الأثر الإرهابي طفيفاً نسبياً بالمعايير الدولية، لكنه خطير للغاية بالنسبة للمتضررين مباشرة، وعلى اقتصادات المناطق والبلدان. ويدرك قادة “داعش” الإرهابي جيداً التأثير السام لاعتداءاتهم الإرهابية على جميع قطاعات المجتمعات الوطنية، وهم مستمرون في البحث عن وسائل لمواصلة حملتهم الرامية إلى إعاقة وإيذاء المجتمعات أينما أمكنهم اكتشاف موطن ضعف. ومن المقلق تصور ماهية الفرص التي ربما يغتنمونها لخلق قدر أكبر من الفوضى، والتي ربما تكون أكثر ديمومة أيضاً.
* * *
قد لا تكون محاولة التنبؤ بالمستقبل فكرة منطوية على الحكمة. وقد شهدنا في الآونة الأخيرة أخطاء كبيرة في استطلاعات الرأي في جميع أنحاء العالم، ولا سيما بشأن نتائج التصويت في بريطانيا حول مغادرة الاتحاد الأوروبي، وحتى النتيجة الأكثر نأياً عن التوقع للانتخابات الرئاسية الأميركية. وقد أصبحت الأعمال التي تشتغل بالتنبؤات موضع شك كبير، حتى أن بعض الصحف الفرنسية قررت التخلي عن فكرة إجراء الاستطلاعات في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الفرنسية في نيسان (أبريل) وأيار (مايو).
كان الشاعر الصيني لاو تسو، قد أخبر العالم على مدى أكثر من ألفي سنة من الآن بأن “الذين يعرفون، لا يتنبؤون: والذين يتنبؤون، لا يعرفون”، وقد تم تجاهل
ملاحظته الحكيمة إلى حد كبير منذ ذلك الحين. فنحن نميل إلى الرغبة في تصديق أننا مهيؤون للقبول بالتوقع، وليس أقل هذه المعتقدات شيوعاً أن هناك خبراء يمكنهم أن يتنبؤوا لنا فعلاً بالمستقبل بدقة. وبعد أن أوضحنا أن مثل هذا التنبؤ يظل في أحسن الأحوال عملاً محفوفاً بالمخاطر، فإنني أتنبأ الآن بوقوع هجوم إرهابي خطير يتضمن استخدام ما يعرف باسم “القنبلة القذرة”.
القنبلة القذرة، أو أداة النشر الإشعاعي، هي سلاح فظيع، وخصوصاً ذلك السلاح الذي تصفه الحكومة الأميركية بأنه يجمع بين المتفجرات التقليدية، مثل الديناميت، وبين المواد المشعة، بهدف خلق الفوضى والذعر أكثر مما يهدف إلى إيقاع التدمير الساحق من النوع الذي يحدثه السلاح النووي “العادي”. وتشير الحكومة الأميركية إلى أن القنبلة القذرة “ليست” سلاح دمار شامل “وإنما” سلاح تعطيل شامل، حيث يكون التسبب بالتلوث والقلق هي الأهداف الرئيسية للإرهابيين.
لعل الأمر المثير للقلق بشكل خاص هو أن المواد المشعة المخصصة لهذه الأجهزة لا يلزم أن تكون حتى قريبة من مواد صنع الأسلحة النووية، ويمكن الحصول عليها من أكثر المصادر شيوعاً. وكما لاحظ مركز ستيمسون، فإن “القنابل القذرة جذابة للإرهابيين لأن الحصول على المواد اللازمة لبناء هذه الأسلحة سهل نسبياً، كما أن التقنية التي تعمل بها بسيطة. كما أن المواد التي تنطوي على إمكانية توظيفها في هجمات خطيرة تستخدم في المئات من التطبيقات الطبية والصناعية والأكاديمية”.
منذ فترة طويلة في العام 2002، كتب مايكل ليفي وهنري كيلي في مجلة “ساينتفيك أميركان” أن “أسلحة الإرهاب الإشعاعية يمكن أن تنشر غباراً مشعاً في المدن، بحيث تتسبب في حالة هائلة من الذعر، وفي زيادة معدلات الإصابة بالسرطان، وإجبار الدول على القيام بعمليات تطهير مكلفة”. وسجلت مجلة “فورين بوليسي” أن
“البعض قد أشاروا إلى أنه لو تم استخدام عبوة إشعاعية بسيطة بالتزامن مع انفجار مركز التجارة العالمي، لكانت مناطق واسعة من مانهاتن السفلى ما تزال غير صالحة للسكن حتى الآن”.
إن افتتان “داعش” بمواصلة بناء وتفجير الأسلحة الإشعاعية واضح، ولكن الأمر غير الواضح على الإطلاق هو ما يقوم به المجتمع المدني فيما يتعلق بالتحضير لمواجهة احتمال التعرض لهجوم بقنبلة قذرة.
يمكن أن يكون حدوث انفجار من هذا النوع وسط معظم المدن حدثاً مروعاً جداً بسبب الآثار واسعة النطاق التي يخلفها الذعر. وفي بعض البلدان، قد تكون الآثار تحت السيطرة، على الرغم من أن هناك أدلة على أن إصابة الحشود بالذعر هي ظاهرة عالمية. لكن ما هو مؤكد هو أن انفجار قنبلة قذرة في مدن مثل دلهي وكراتشي –المدن الكبيرة الواسعة التي لا يمكن السيطرة عليها- والذي يعقبه مباشرة بث شفهوي وبوسائل الإعلام الاجتماعية لمشاعر الصدمة والفزع، سوف ينتج وفق كل الاحتمالات تعطيلاً وطنياً هائلاً، مع هروب الملايين من الناس من المجهول وهم أسرى حالة من الرعب المطلق.
يجب أن يستمر الرئيس ترامب وخبراؤه بالتأكيد في محاربة متعصبي “داعش” الإرهابيين، ولا شك أنهم يفكرون بشكل استباقي في ما قد يكون “داعش” بصدد التحضير لفعله من أجل تعطيل النظام الدولي الهش مسبقاً مرة أخرى. ولكن مكافحة “داعش” تتطلب أكثر من مجرد التوسع العسكري واستخدام تكتيكات القتال المحسنة. ويتمثل التحدي الرئيسي للقادة من جميع دول العالم في الاعتراف بإمكانية التعرض لهجوم بقنبلة قذرة، وإعداد مواطنيهم للتعامل مع مثل هذا الحدث. ويمكن أن يكون خلق حالة من الذعر المطلق هو التكتيك الأكثر فعالية لتنظيم “داعش” الإرهابي.
*يكتب عن السياسة الخارجية والشؤون العسكرية. وهو يعيش في فواتينيه سير كيور، فرنسا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The Next Terrorist Atrocity
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 18/3/2017