تقرير مترجم عن كاونتربنتش – النفوذ الإسرائيلي في بريطانيا
كاونتربنتش – بريان كلاولي – 24/11/2017
في العام الماضي نشرت مجلة “فورين بوليسي” على موقعها الألكتروني مقالاً بعنوان “أفضل كونغرس تستطيع آيباك شراءه”، والذي أوضحت فيه أن لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية قادت تجمعاً موالياً لإسرائيل، “ربما يكون شبكة الضغط الأقوى والأفضل تنظيماً والأكثر فعالية في واشنطن العاصمة. وقد وزعت الشبكة الموالية لإسرائيل في دورة انتخابات 2015-2016 مُسبقاً نحو 4.255.136 دولار في شكل مساهمات”. ثم في آب (أغسطس) 2017، ذهب موقع “غلوبال ريسيرتش” أبعد وأعمق، فقال أن منظمة “آيباك” (سابقاً “اللجنة الأميركية الصهيونية”) تتمتع بقوة عالية ومتعددة التمويل والأوجه، وهي مجموعة ضغط سياسي تعمل بشكل حصري لصالح ستة ملايين إسرائيلي، وليس لرفاه وفائدة 320 مليون أميركي. وهي لا تؤثر على التشريع الأميركي فقط، وإنما تجمع مبالغ ضخمة من الأموال من أجل ضمان أن يشغل مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين أعضاء يدعمون الأجندة السياسية والاقتصادية لـ”آيباك” كأولوية تتجاوز الولايات المتحدة الأميركية في الأهمية”.
لا يمكن أن يكون هناك ما هو أوضح مما تقدم للدلالة على أن بلداً أجنبياً يتدخل بشكل درامي في حكومة الولايات المتحدة. لكن الأمور لا تقف عند ذلك الحد. لأنها حتى بريطانيا التي تعصف بها الأزمات، تتلقى هي الأخرى الاهتمام الزاحف لناشطي إسرائيل.
تعيش حكومة المملكة المتحدة في حالة فوضى، لأنها تفتقر إلى السلطة بشكل رئيسي نتيجة لانتخابات تلقى فيها حزب المحافظين الحاكم صفعة شديدة غير متوقعة في كبريائه وشعبيته. ومنذ ذلك الحين، ما يزال تردده وعدم كفايته يواجهان المزيد من التعقيدات، والتي تضمنت آخرها الاستقالات لوزيرين من أعضاء المجلس الوزاري، أحدهما لتورطه في تحرش جنسي، والأحدث، استقالة وزيرة المساعدات الخارجية، السيدة بريتي باتيل، لأنها كذبت على رئيسة الوزراء فيما يتعلق بزيارة قامت بها إلى إسرائيل.
اعترفت السيدة باتيل بأن تصرفاتها “كانت دون المعايير العالية المتوقعة من وزيرة دولة”، وهو ما حدث في حالتها بالتأكيد، لأنها كذبت؛ لكن مغامراتها منخفضة المعيار شملت فيما يبدو مجموعة من السلوكات المخادعة. وقيل إنها ذهبت في شهر آب (أغسطس) في “رحلة سرية إلى إسرائيل برفقة ناشط في حملات الضغط، وعقدت خلالها 12 اجتماعاً، بما فيها واحد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من دون إطلاع أي من (رئيسة الحكومة) ماي، أو وزير الخارجية، بوريس جونسون”. ومن الغريب أنها تصورت أن أجهزة المخابرات البريطانية لن تقوم بالإبلاغ عن تحركاتها واجتماعاتها في الإيجاز اليومي، لكن هذا لم يوقفها عن القول لصحيفة الغارديان أن “بوريس كان يعرف عن الزيارة. الفكرة أن وزارة الخارجية لم تعرف عن الزيارة، لكن بوريس عرف عن (زيارة إسرائيل). لم يعد الأمر مهماً، ليس مهما على الإطلاق. لقد ذهبت إلى هناك ودفعت الثمن وانتهى الأمر. إنه شيء غريب تماماً. يجب على وزارة الخارجية أن تتقدم هي وتشرح موقفها”.
ولكن لم تكن لوزارة الخارجية التي عليها شرح الأمور، لأن هذه كانت خديعة قذرة أخرى من سياسية صغيرة وضيعة –مهما كان السبب الذي تحاول أن تخفي من أجله دوافعها. لقد كان تأكيدها: “لقد ذهبت في عطلة وقابلت أناساً ومنظمات… الأمر لا يتعلق بمن قابلت أيضاً، لدي أصدقاء هناك”، كان غير صحيح، وقد اكتشفت وسائل الإعلام كمية كاملة من الخداع.
لم يقتصر الأمر على أنها عقدت دزينة من الاجتماعات مع “أصدقاء” في إسرائيل، لكن السيدة باتيل، كما كشفت صحيفة “ذا صن” يوم 7 أيلول (سبتمبر) “عقدت اجتماعاً مع وزير الأمن العام الإسرائيلي جيلعاد إيردان، لإجراء مباحثات في مجلس العموم. ثم، اجتمعت يوم 18 أيلول (سبتمبر) مع يوفال روتم، المسؤول الرفيع في وزارة الخارجية الإسرائيلية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ولم تكشف السيدة باتيل النقاب عما جرى بحثه خلال تلك الاجتماعات. وكانت قد التقت بكلا الرجلين في تل أبيب في آب (أغسطس)…”.
كان قد رافقها في عطلتها الشرق أوسطية وسيط نفوذ إسرائيلي، هو اللورد بولاك، الذي حضر كل اجتماعاتها مع أفضل وألمع الشخصيات الإسرائيلية، بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وسافر معها بولاك إلى نيويورك حيث سددت مؤسسة الاستشارات الإسرائيلية “إشرا” التي “تقدم طائفة واسعة من الخدمات للزبائن ثمن تذكرة سفره. كما كان بولاك حاضراً الاجتماع عندما أجرت مباحثات لم يكشف النقاب عنها مع وزير الأمن العام الإسرائيلي في مجلس العموم قبل توجهها إلى نيويورك.
لم يترتب على اللورد بولاك السير مسافة طويلة للوصول إلى مجلس العموم لأنه عضو في مجلس اللوردات المجاور، المجلس الأعلى غير المنتخب في بريطانيا، الذي يشكل صورة زائفة عن العدالة والديمقراطية. ويجعل مجلس اللوردات موضع سخرية من المساواة الاجتماعية، والكثير من أعضائه مانحون كرماء للأحزاب السياسية أو للساسة الفاشلين الذين “يتم ركلهم إلى أعلى السلم” ليحتلوا مناصب استرخائية كنوع من التعويض عن أعوام من التملق السياسي. ويضم مجلس اللوردات 800 عضو، مما يجعله ثاني أكبر مجلس تشريعي في العالم بعد المؤتمر الشعبي في الصين (مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد سكان الصين يبلغ 1.3 مليار نسمة، وأن عدد سكان بريطانيا 65 مليون نسمة).
إن مجلس اللوردات هو، باختصار، عارٌ ومهزلة. لكنه ما يزال يتوافر على الكثير من النفوذ لأنه يوجد الكثير من الأموال التي تُسكب حوله، وثمة أشخاص وأحزاب سياسية تسيطر على هذا المال –مثل مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظون”، وهي منظمة تذكر صحيفة “فايننشال تايمز” أنها “تضم ما يقدر بنحو 80 في المائة من نواب البرلمان المحافظين كأعضاء فيها”. كما أنه ليست من قبيل المصادفة أن لورد بولاك “أمضى ربع قرن كرئيس للمجموعة المذكورة… وترك المنصب في العام 2015 لينضم إلى مجلس اللوردات، لكنه ظل مع ذلك رئيساً فخرياً لها”.
منظمة أصدقاء إسرائيل المحافظة هي مجموعة ثرية، وذكرت الفايننشال تايمز أنها “منحت مبلغ 377.994 جنيه استرليني (495.000 دولار) لحزب المحافظين منذ العام 2004، غالباً على شكل رحلات مدفوعة الكلفة بالكامل إلى إسرائيل لأعضاء من البرلمان”. ولا يقتصر الأمر على ذلك وحسب، بل إنها تقدم هبات شخصية ضخمة للأعضاء المحافظين في البرلمان -هل يتخيل أي أحد للحظة أن أي سياسي مفضل على هذا النحو سيقول كلمة واحدة ضد إسرائيل في أي منتدى وفي أي سياق؟ لقد تم شراؤهم.
يشمل كرم جيب مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين العميق إقامة عشاء سنوي في لندن، والذي أشارت رئيسة الوزراء البريطانية خلاله في العام الماضي إلى اللورد بولاك على أنه “ستيوارت بولاك الواحد والوحيد”، لكنها لاحظت وجود أكثر من 200 من أعضاء المجلس التشريعي هناك، وأعلنت أنها “سعيدة جداً لأن أصدقاء إسرائيل المحافظين أخذوا مُسبقاً 34 من أصل 74 نائباً محافظاً منتخباً لزيارة إسرائيل في العام 2015″.
يشكل المال الملمح الأكثر أهمية في العلاقات بين المملكة المتحدة وإسرائيل. وكانت تيريزا ماي مغتبطة بـ”صفقة بلدينا الأكبر على الإطلاق، والتي تتجاوز قيمتها مليار جنيه استرليني، حيث قررت شركة الطيران الإسرائيلية -العال- استخدام محركات رولز رويس في طائرتها الجديدة”. وهكذا، كل شيء يتعلق بالمال، وتستطيع إسرائيل التي تتسلم محيطات من السيولة من الولايات المتحدة إنفاقها بتبذير حيثما تريد.
في العام الماضي، أعلن أن الولايات المتحدة سوف “تمنح إسرائيل 38 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية خلال العقد المقبل، وهي أكبر حزمة مساعدات في التاريخ الأميركي، بموجب اتفاقية مشهودة وقعت يوم 14 أيلول (سبتمبر)، والتي اشتملت على تقديم 3.3 مليار دولار تحت بند “تمويل عسكري أجنبي”.
لا تستطيع بريطانيا منح إسرائيل أي مال، نظراً لأنها تمر في وضع مالي بائس، لكنها تحاول التعويض عن الافتقار إلى السيولة من خلال تزويدها بدعم سياسي غير مشروط. ولا يهم حكومة بريطانيا أن إسرائيل انتهكت حوالي 100 قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومعظمها يطالبها بالانسحاب من الاراضي العربية التي احتلتها بشكل غير قانوني. فلا تتوقعوا من المملكة المتحدة أن تنتقد الإقطاعية الإسرائيلية.
ليس مهرجان الحب بين حزب المحافظين البريطاني ودولة إسرائيل شأناً غير صحي فحسب، وإنما شخصي بطريقة مريبة. وليس من الغريب أن تكون الحكومة البريطانية قد بذلت قصارى جهودها لكنس قصة باتيل تحت السجادة وأبقت على مخادعات اللورد بولاك هادئة جداً في الحقيقة.
يرأس اللورد بولاك مجلس إدارة المجلس الاستشاري لشركة “تي. دبليو. سي”، وهي مؤسسة متخصصة في تطوير الاستراتيجيات السياسية، والتي تضم بين عملائها شركات دفاع إسرائيلية، بما فيها “ألبايت سيستمز” المتخصصة في ألكترونيات الدفاع.
في العام 2012، كشف النقاب عن أن “تي. دبليو. سي” و”ألبايت سيستمز” كانتا متورطتين في فضيحة “جنرالات للإيجار” المرعبة البريطانية، عندما قال رئيس “ألبايت” في المملكة المتحدة لمراسلين سريين لصحيفة “صنداي تايمز” أن “تي. دبليو. سي” تستطيع الوصول إلى الحكومة “من رئيسة الحكومة فما دون”. وفي تلك الحادثة المستفزة بشكل خاص من الفساد، تفاخر الجنرال البريطاني المتقاعد ريتشارد أبلغيت الذي كان في حينه رئيساً لـ”تي دبليو سي” بأن مؤسسته تتمتع بنفوذ كبير من خلال صلاتها مع مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين. وأعلن: “لدينا شيء نفعله وأرجوكم لا تنشروا الخبر- مع مجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين… سنصنع سلسلة من العمليات السرية ونستخدم مستشارين لكسب الوصول إلى صانعي القرار الخاصين” -تماماً مثلما كانت السيدة باتيل تفعل في تل أبيب ولندن ونيويورك مع الإرشاد المخفي، وإنما المتمتع بالنفوذ، لبولاك الماكر.
ثمة الكثير من الأشياء الخطأ في الممملكة المتحدة في هذا الوقت، لكن الفضيحة الإسرائيلية هي من أكثر الأمور التي يكشف النقاب عنها قذارة حتى الآن في فترة الإدارة الحالية. وتتمنى رئيسة الوزراء بشكل يائس إخفاء ارتباط حكومتها الوثيق مع إسرائيل، وهي تحقق نجاحاً من خلال إبعاد اهتمام الإعلام بعيداً عن مكائد اللوبي الإسرائيلي واختيار أهداف أخرى. وكان هجومها على روسيا بكلام لاذع غرائبي في حفل في لندن يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) مؤشرا لحالة الذعر التي تعيشها، لكن ذلك تمكن من احتواء العناوين الرئيسية بينما تضاءلت دراما الفضيحة القذرة وذهبت إلى الحديقة الخلفية.
بكلمات رئيسة الوزراء تيريزا ماي يوم 2 تشرين الثاني (نوفمبر)، تماماً مع تكشف فضيحة باتيل: “نحن فخورون بوقوفنا اليوم هنا سوية مع رئيس الوزراء نتنياهو، ونعلن دعمنا لإسرائيل. نحن فخورون بالعلاقة التي بنيناها مع إسرائيل”.
لن يعرف الجمهور البريطاني ما الذي كان كل من باتيل وبولاك وكل وسطاء النفوذ الآخرين يعملون على تحقيقه، أو ما هي السخافات العقيمة التي سيفعلونها في المستقبل، لكننا نستطيع أن نكون متأكدين من أن التحالف البريطاني-الإسرائيلي سيستمر في الازدهار. للولايات المتحدة” أفضل كونغرس تستطيع آيباك شراءه”، وها هم مشرعو بريطانيا يقفون هناك مع زملائهم عبر الأطلسي. إنهم بلا أي وازع ولا خجل، وإنما يبدو أنهم يتوافرون على الكثير من السيولة النقدية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The Influence of Israel on Britain
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 1/12/2017
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo