ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن كاونتربنتش – النضال من أجل الاستقلال : من إيرلندا إلى كتالونيا

كاونتربنتش – باولين ميرفي – 31/10/2017
في مواكبة لمواقف الحكومات الأخرى في الاتحاد الأوروبي، أعلنت الحكومة الإيرلندية دعمها لأسبانيا ضد كتالونيا. وفي أعقاب إعلان الحكومة الكتالونية الاستقلال يوم 27 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أصدرت حكومة جمهورية إيرلندا بياناً قالت فيه: “إننا لا نقبل ولا نعترف بالإعلان الكتالوني الأحادي الجانب للاستقلال”.
يمكن لي أن أصدر بياناً أنا الأخرى: إن الحكومة الإيرلندية لا تتحدث نيابة عن كل مواطنيها، وهناك من بيننا أولئك الذين يعترفون بالاستقلال الكتالوني لأنه لا يمكن تجاهل ثقل التاريخ.
لست مندهشة من وقوف الحكومة الإيرلندية مع راخوي، لأن الحزب الذي يمسك بزمام السلطة في إيرلندا في الوقت الراهن هو حزب ذو تاريخ أسود في دعم الجانب الخطأ في شبه الجزيرة الإيبيرية. وكان الأب المؤسس للحزب الحاكم اليوم في إيرلندا قد انحاز في ثلاثينيات القرن الماضي إلى جانب فرانكو في مسعاه الدكتاتوري.
لدى النظر إلى الموقع الإلكتروني الرسمي للبرلمان الإيرلندي، وعلى وجه الخصوص قسم التاريخ فيه، نجد النفاق مهيمناً عليه. وهو يبلغنا عن الكيفية التي جاء من خلالها البرلمان الإيرلندي إلى الوجود، وكيف تم إخضاعه للقمع الشديد عندما اعتبرته بريطانيا غير قانوني. ويفصل درس التاريخ الصغير هذا كيف “قمعت الحكومة البريطانية الديل (البرلمان الإيرلندي) وكيف تم يوم 10 أيلول (سبتمبر) من العام 1919 اعتباره رابطة خطيرة وتم حظره”.
وبعد الانتخابات العامة في بريطانيا في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1918، شهدت إيرلندا التي كانت ما تزال منقادة للإمبراطورية البريطانية حركة الاستقلال “شين فين” وهي تكسب 73 مقعداً من أصل 105 مقاعد مخصصة للنواب الإيرلنديين في مجلس العموم. وبدلاً من شغل المقاعد في البرلمان البريطاني، أوفى شين فين بما كان قد تعهد به وشكل برلماناً إيرلندياً في دبلن، وأطلق عليه اسم “ديل ايريان”. ويوم الحادي والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير) 1919، تأسس البرلمان الإيرلندي في مدينة دبلن. وتم اختيار مجلس الوزراء وشُكلت المحاكم ووضع دستور وجاء إعلان الاستقلال في أعقاب خطاب موجه إلى الدول الحرة في العالم.
كان الرد البريطاني على البرلمان الإيرلندي وحشياً، وتم اعتقال أعضاء في البرلمان الإيرلندي بعد مطاردتهم. وحاول أولئك الذين أفلتوا من الاعتقال الاستمرار في عمل البرلمان بطريقة سرية. ويعكس قمع “الديل” في العام 1919 الوضع الذي يجري في كتالونيا اليوم، لكن الذين يجلسون اليوم في البرلمان الإيرلندي نفسه الذي تعرض للقمع واعتبر خارجاً على القانون كل تلك الأعوام يتوافرون على الوقاحة لتجاهل حقائق التاريخ.
اليوم، احتفلت الحكومة الإيرلندية بالذكرى المئوية لانتفاضة “ايستر رايزينغ” في العام 2016. ومما لا شك فيه أنها سوف تحتفل في العام 2019 بمئوية “الديل “المنبوذ. كان الإيستر رايزنغ في العام 1916 مناسبة لفتت انتباه الكتلانيين الذين يخوضون معركتهم من أجل الاستقلال. وفي الأعوام التي أعقبت العام 1916، أصبح الكتلانيون أقرب إلى النضال في إيرلندا وتابعوه باهتمام كبير. وقد وجدوا في إيرلندا قرابة في النضال ضد القمع.
بعدما اعتبر “ديل ايريان” خارجاً على القانون في أوائل العام 1919، ومع حلول فصل الشتاء في ذلك العام، تلقت تلك الحكومة نفسها الخارجة على القانون في دبلن رسالة من موظفين في صحيفة كتلانية “لا فيه دي لا كاتالانيا”، والتي تقول للإيرلنديين كيف أن نضالهم أعطى الكتلانيين “الشجاعة لمتابعة النضال واستعادة الحرية وشخصية كتالونيا السياسية والاجتماعية”. وفي أواخر عشرينيات القرن العشرين، ظهرت حركة سياسية كتلانية تحت اسم “نوسالتريس سولز” ومعناها “نحن أنفسنا، وحدنا”. فكانت رابطاً مباشراً لنفوذ النضال الإيرلندي وشين فين، التي تعني أيضاً “نحن وحدنا”.
خلال أعوام حرب الاستقلال في إيرلندا، كافح البرلمان الإيرلندي من أجل الحصول على اعتراف دولي. وكن شين تي أوكيلي، الرئيس المستقبلي لإيرلندا، واحداً من مبعوثين عدة جابوا الكرة الأرضية سعياً وراء الحصول على احترام دولي للأمة الصغيرة الساعية إلى نيل الاستقلال عن بريطانيا. وفي العام 1921، وخلال خطاب له في باريس، أضاف أوكيلي كتالونيا إلى العدد المتزايد من الأمم الصغيرة التي تسعى إلى الاستقلال، مبيناً أنها “تطبق الطرق الإيرلندية وتستخدم الدعاية الإيرلندية لإلهام رجالها”.
كانت مئير ني بهريان، الممثلة الإيرلندية، قد تواجدت في كتالونيا خلال العام 1920، وكتبت كيف أعدم البريطانيون طالب الطب والمتطوع في الجيش الجمهوري الإيرلندي، كيفن باري، 18 عاماً، وكيف أقام الطلبة في جامعة برشلونة قداساً خاصاً حضره مئات الأشخاص، ثم أرسلوا إكليلاً من الورود إلى دبلن. وبينما كانت في برشلونة، استطاعت مئير جمع تبرعات لصندوق عائلات السجناء الإيرلنديين، وتم إرسال مبلغ 120 جنيهاً استرلينياً بسخاء من الكتالانيين إلى الإيرلنديين.
وأوردت مئير بإسهاب كيف أنه عندما اعتقل رئيس بلدية كورك وعضو الشين فين، تيرينس ماكسويني، وأودع السجن الانجليزي، تابع الكتلانيون محنته باهتمام. وعندما أضرب ماكسويني عن الطعام ومات لاحقاً، تسببت وفاته بحزن عميق في كتالونيا. وكتبت مئير تقول: “لقد وضع طلبة الجامعة والعاملون في الورش أشرطة خضراء في عُرى ملابسهم… ويعرب الكتلانيون دائماً عن رغبتهم في الانفصال عن إسبانيا، وتشكل رغبتهم في الاستقلال وثيقة تعاطف مشترك بيننا وبينهم”.
كان يُنظر إلى البرلمان الإيرلندي في العام 1919 على أنه يشكل إهانة للإمبراطورية البريطانية، وتهديدا لقبضتها على إرادة إيرلندا بالاستقلال، ولذلك تم قمعه. ومن الممكن تعريف الرد البريطاني على إرادة الشعب الإيرلندي في العام 1919 بأنه يشبه رد الحكومة الإسبانية على إرادة الشعب الكتالوني في العام 2017. وقد أظهرت إسبانيا نفس ما أظهرته بريطانيا في العام 1919: عدم احترام للديمقراطية. ومن المؤسف أن تقف الحكومة الإيرلندية الآن إلى جانب القمع، بالرغم من أن تاريخنا يُبين كيف أنه أُنكر علينا الحق في جمهورية مستقلة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The Struggle for Independence: From Ireland to Catalonia
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 11/11/2017
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى