ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن كاونتربنتش – “البريطاني”: صديقي الداعشي في الرقة

كاونتربنتش – مرتضى شبلي* – 17/10/207
“لن تكون الرقة هي نفسها مرة أخرى أبداً”، كما يزعم “أبو آدم البريطاني” في شريط بطول 72 دقيقة، والذي تم إصداره في أواخر الشهر الماضي. وهو يقدم في الشريط سرداً يجمد الأطراف عن حجم الموت والدمار في المدينة التي كانت عاصمة الأمر الواقع لتنظيم “داعش” في سورية، عندما أعلن رسمياً عن إقامة ما تدعى “الخلافة الإسلامية” في المنطقة في العام 2014. وتهدف رسالة البريطاني، حسب زعمه هو نفسه، للوصول إلى المسلمين في الخارج، ولتقول لهم “ما يحدث حقاً والذي ربما لا تسمعونه من أي أحد آخر أبداً مرة أخرى”. وهو يدرك أن هذه ربما تكون المرة الوحيدة التي نسمع فيها به وبـ”الرسالة الوحيدة من هذا النوع التي تخرج من الرقة”.
يقول البريطاني بأسى: “الرقة تُمحى من الوجود. لم يتبقَّ فيها شيء. كل شيء مدمر. إنها منطقة حرب حيث السيارات المحترقة في كل مكان، والدخان، وأكوام القمامة، ورائحة الجثث، والحيوانات التي تأكل الجثامين، والكلاب والقطط التي تأكل اللحم الآدمي الميت”. ويقول بانتحاب إن بعض القطط أصبحت سمينة جداً من أكل لحم الآدميين. وينعي البريطاني عدم إمكانية دفن الموتى في الرقة، ويتساءل عما يمكن فعله بالجثث المتراكمة. ويروي حادثة أخيرة حيث قُتل شخص كان يحاول أن يدفن مقاتلاً من “داعش” بضربة صاروخ بينما كان يحفر قبراً. ويقول: “إنك لا تستطيع حتى أن تحفر قبراً لتدفن مسلماً ميتاً الآن. هذا هو واقع الحال في الرقة في الوقت الراهن”.
يزعم البريطاني أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة دمر أكثر من ألف مجمع سكني منذ بداية شهر رمضان الأخير في حزيران (يونيو)، ودفنَ عدداً لا حصر له من الرجال والنساء والأطفال تحت مئات الأطنان من الإسمنت. وتستمر الأجساد المتعفنة في ملء الهواء بالروائح الكريهة بينما يُقتل المزيد من الناس على أساس يومي، في أعقاب المئات من الهجمات الصاروخية والغارات الجوية وقصف الهاون. بل إنه يتهم قوات التحالف بمهاجمة مرافق تصفية المياه والنساء والأطفال الذين يصطفون للحصول على المياه من هذه المرافق التي تتضاءل يومياً بينما يتم تدميرها في موجات القصف. وفي وصف تأثير القصف المتواصل، يقول البريطاني: “إنك ترى رؤوس الأطفال الرضع مقطوعة. وترى أرجل النساء مقطوعة، وبطونهن مفتوحة، وترى النساء الحوامل قتلى وبطونهن مفتوحة”.
في حزيران (يونيو)، قرع محققو جرائم الحرب التابعون للأمم المتحدة جرس الإنذار، وقالوا إن الضربات الجوية التي يشنها التحالف بقيادة الولايات المتحدة تتسبب بـ”خسائر مذهلة في الأرواح” بينما يكسب اندفاع القوات لتحرير المدينة تحت ستار من القصف الزخم، بما في ذلك استخدام الأسلحة الحارقة مثل الفسفور الأبيض. كما أعربت منظمة “هيومان رايتس ووتش” أيضاً عن قلقها من استخدام ذخيرة الفسفور الأبيض، وقالت إن استخدامه “يثير أسئلة جدية حول مبدأ حماية المدنيين”، وإنه “يشكل مخاطر كبيرة ويتسبب بأضرار مروعة وطويلة الأمد في المدن المكتظة بالسكان مثل الرقة”.
يُعتقد أن البريطاني هو واحد من بين نحو 300 إلى 400 من مقاتلي “داعش” المتبقين الذين دُفِعوا إلى جزء صغير من الرقة، والذي يشكل آخر قطعة أرض متبقية مع التنظيم حتى كتابة هذه السطور. وتتراوح مساحتها ما بين 15-20 في المائة من المدينة، وتضم ملعب كرة القدم، والمستشفى الوطني والدوار الذي يُزعم أن “داعش” كان يعرض فيه رؤوس أعدائه المقطوعة على طريقة تذكارات حروب القرون الوسطى. وقد حوصر مقاتلو “داعش” وعائلاتهم هناك من كل جانب. ووفقاً للبريطاني، فإن قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وخاصة المجموعات الإرهابية الكردية -قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية- بدعم من القوات الخاصة الأميركية، أغلقت كل المخارج والمداخل والجسور، وأعقبت ذلك بشن هجمات عشوائية غير متوقفة ولا هوادة فيها بمدافع الحصار، بحيث دمرت كل شيء وحولته إلى شذرات. وقد أضعف الهجوم سيطرة “داعش” بشكل كبير، حتى أن الكلاب أصبحت “تشكل جماعات وتكتسب الشجاعة”، وأصبحت “غرائزها تعود إليها”.
وتشير الشجاعة المكتسبة حديثاً لكلاب الشوارع في آخر المناطق التي يسيطر عليها “داعش” إلى كارثة وشيكة تحيق بالتنظيم الذي روج نفسه ذات مرة على أنه السلطة الوحيدة والمُحكَّم الوحيد للمسلمين في كل أنحاء العالم. وكانت الإثارة التي ترافق العيش في مناطق الخلافة الإسلامية قد اجتذبت الآلاف من الرجال والنساء المسلمين من كل أنحاء الكوكب، بما في ذلك الغرب، إلى إقليم “داعش”. وتدعي السلطات البريطانية أن نحو 850 من مواطني المملكة المتحدة انضموا إلى “داعش” في سورية والعراق، بمن فيهم أبو آدم البريطاني، الذي كان يتحدث عن موقفه الأخير من خلال رسائله.
الآن، شنت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الهجوم الأخير على المدينة قبل أيام. ومع أن هناك تقارير تقول إن مقاتلي “داعش” قد هبطوا إلى الأنفاق العميقة وفخخوا بالعبوات الناسفة المموهة كل مكان ممكن، فإن سقوطهم أصبح وشيكاً. وتزعم التقارير الأولية أن 100 من إرهابيي سورية من “داعش” على الأقل قد استسلموا، لكن الولايات المتحدة رفضت السماح بتأمين مرور آمن للمقاتلين الأجانب الذين يُعتقَد أن المعارك صلَّبتهم وجعلتهم أشخاصاً متعصبين ومدفوعين أيديولوجياً. وتشير التقارير حتى الآن إلى أن تحقيق الانتصار النهائي ربما يستغرق أسبوعاً، بينما زعم مسؤولو قوات سورية الديمقراطية أنهم سيعلنون التحرير الكامل خلال “الأيام القليلة المقبلة”.
المذبحة الوشيكة للناس، خاصة المدنيين العالقين في المدينة بدون قصد، تبدو مقلقة ومرعبة. وقد أعربت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة عن قلقها العميق على سلامة وحياة السكان المدنيين، الذين يقدر عددهم بنحو 8.000 نسمة، والعالقين في القتال الشرس بينما يواجهون نقص الغذاء والماء، والذين لم تعد لديهم أي أماكن آمنة بعدما قامت قوات التحالف الغربي بتسوية المدينة كلها بالأرض.
ما يزال يؤرقني ذلك الظهور الرقمي لعائلة البريطاني -الزوجة والابن، آدم، الذي استطعت سماعه وهو يصدر أصوات ضجيج في الخلفية أثناء انفجار سورة غضب والده التي استمرت لأكثر من ساعة. وقد ظل عقلي مركزاً طوال أسبوع على الرقة وما يحدث هناك حتى أنني تواصلت مع واحدة من أكبر صحف التابلويد البريطانية للحصول على بعض التفاصيل عن البريطاني، الذي كُشف أنه ياسر إقبال، وهو محام من برمنغهام كنتُ قد عرفته للعديد من السنوات. وأتذكر لقاءاتنا العديدة ونقاشاتنا حول “الأمور الإسلامية” مثل التطرف والإرهاب، والعنصرية ورهاب الإسلام. وقد عرفته كشخص متوازن وجيد جداً. وقد أسهم بمقالة في كتابي “7/7: منظورات إسلامية”، الذي ضمنته مجموعة من التجارب الإسلامية في أعقاب تفجيرات لندن في العام 2005 التي أسفرت عن مقتل أشخاص عدة.
في مقالته المعنونة “الغضب والخوف”، يتحدث ياسر عن العديد من التجارب السيئة التي واجهها المسلمون، لكنه يظل متفائلاً. وهو يؤكد حقيقة أن “المسلمين هم أناس عاديون مثل أي شخص آخر”، وهو الشيء الذي أصبح ينفيه في رسالته الأخيرة. ويقول السطر الأخير من مقالته التي كتبها لكتابي: “علينا أن نعلم أبناءنا أن يحبوا ويحترموا نظراءنا من بني البشر لأن أعظم الخير يكمن هناك”. لكنه في رسالته الأخيرة من الرقة، يبرر قتل المدنيين غير المسلمين وأخذ نسائهم كسبايا ورقيق. كما يعلن أيضاً أن أي مسلم يعيش تحت حكم غير إسلامي هو شخص غير مؤمن.
لكم يحيِّرني هذا التغير العميق!
*كاتب بريطاني كشميري يقيم حالياً في كشمير (في الجانب الهندي) ولاهور، الباكستان. وهو يكتب عموداً أسبوعياً لصحيفتين يوميتين باكستانيتين باللغتين الإنجليزية والأوردية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Al-Britani: My Friend From ISIS In Raqqa
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 25/10/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى