تقرير مترجم عن فورين بوليسي – وسط حملة التطهير السعودية، النساء يواجهن اختبار العُمر
فورين بوليسي – إليزابيث ديكنسون – 7/11/2017
الرياض، السعودية- في مساء أحد أيام الأحد مؤخراً، تجمعت صديقات أمل الحزَّاني في فندق مخصص للنساء في الرياض، للاحتفال بقرار الملك السماح للنساء بقيادة السيارات. وقد مر نحو شهر على ذلك الإعلان، ولم يكن هذا احتفالهن الأول -“ربما رقم 15″، كما تقول.
تشاهد الحزّاني، أستاذة الكيمياء الحيوية في جامعة الملك سعود، هذا النوع من الابتهاج على أساس يومي. فما تزال الزميلات يجلبن الكعك إلى مكتبها المخصص للنساء فقط لتهنئة بعضهن بعضاً. وقد جاءت إحدى طالباتها مؤخراً إلى الصف وهي ترتدي قميصاً كُتب عليه ببساطة: “سوف أقود”.
وتقول الحزّاني: “ما نزال نعيش هذا الشعور -إنه دافئ. أعتقد أن هذه هي البداية؛ ليس النهاية، وليس الوسط- وإنما بداية المزيد من الحقوق للنساء”.
في الأشهر القليلة الماضية، شهدت المملكة العربية السعودية اضطرابات اجتماعية وسياسية واقتصادية بسرعة لا مثيل لها في العصر الحديث. فبالإضافة إلى دعم إجراء إصلاحات تسمح للنساء بالوصول إلى الخدمات الحكومية من دون إذن ولي الأمر، بل وتسمح حتى بدخولهن ملاعب الرياضة، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أيضاً صندوق ثروة سيادياً جديداً، وأعاد تشكيل هرم الحكم، واقترح مشاريع عملاقة بكلفة مليارات عدة من الدولارات.
ومن أجل تمهيد الطريق لتطبيق هذه التغييرات، شن ولي العهد سلسلة من الحملات واسعة النطاق داخل المملكة. وكانت الجولة الأولى منها تستهدف الأعداء الأيديولوجيين للإصلاح، بمن فيهم المحافظون ورجال الدين الناشطون على وسائل الإعلام الاجتماعية، والمعارضون علناً لحقوق المرأة، بالإضافة إلى شخصيات عامة انتقدت خططه للإصلاح الاقتصادي وسياساته الخارجية. وفي حملة جديدة في الأسبوع الماضي، قامت هيئة محمد بن سلمان التي أنشئت حديثاً لمكافحة الفساد باعتقال وزراء وأمراء ورجال أعمال، ممهدة الطريق سياسياً لانطلاق كامل عملية تعديل الحكم اللازمة لتنفيذ خططه. وواجه أولئك الذين تم اعتقالهم اتهامات بارتكاب جرائم مثل الاختلاس والاحتيال، وباستخدام موظفين أشباح أو تفضيل روابط العمل الشخصية في تعاقدات الحكومة، على سبيل المثال.
بينما تعبد هذه الخطوات الطريق أمام طيف واسع من الإصلاحات، فقد كانت النساء هن اللواتي شهدت أكثر الفوائد الملموسة حتى الآن. وبفضل نيلهن هذا العدد الكبير من الحقوق بهذه السرعة -وبكلفة الكثير من رأس المال السياسي والاجتماعي- تصف نحو دزينة من النساء السعوديات لحظة حرِجةً هشة، والتي يقع على كاهلهن عبء إما العمل لاستغلالها أو أن يشاهِدن حقوقهن وهي يتم التراجع عنها بسبب الضغط الاجتماعي.
تقول سمية الفطاني، المستشارة والباحثة السابقة في مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية: “إنك إما تثبت نفسك الآن أو أنكَ لن تفعل ذلك أبداً. إنها مسؤولية اجتماعية كبيرة”.
ثورة شاملة-بطيئة
في الكثير من مسار نصف القرن الماضي، كان نشاط النساء السعوديات مقتصراً على المجال المنزلي، ولم يستطعن العمل سوى في حفنة من المهن. ولم يكن بوسع النساء قيادة السيارة أو الخروج إلى الأماكن العامة من دون وليّ ذكر. وكانت الشرطة الدينية هي التي تراقب فرض هذه الأحكام، وإنما فرضتها أيضاً الكثير من الأسر التي علّمت بناتها قانوناً اجتماعياً صارماً.
تقول الفطاني: “كان الورع الديني ثيمة التسعينيات وبداية الألفية. كان شيئاً تأخذينه معكِ عندما تسافرين، وشيئاً تفعلينه عندما تتزوجين، وشيئاً تتحدثين عنه مع صديقاتك”.
حتى الآن، تحرك التغير الاجتماعي ببطء بالغ حتى أن من الصعب في بعض الأحيان معرفة أين انتهى وأين بدأ. ولم تتجذر الإصلاحات، لكنها عملت أفضل ما يكون عندما كانت غير مرئية. وعلى سبيل المثال، لم يكن تعليم الإناث الذي تموله الدولة، والذي بدأ في الستينيات، إلزامياً في أي من الأوقات؛ لم تجبر السلطات السعودية العائلات على إرسال بناتها إلى المدارس. ولكن المزيد من الأُسر كانت ترسلهن بينما بُنيت مدارس الإناث وتوسعت في السبعينيات والثمانينيات. وأعقبت ذلك الجامعات المقصورة على الطالبات الإناث: في العام 2014، كان 57 في المائة من خريجي الجامعات من الإناث.
قبل أقل من عقد مضى، أسس الملك الراحل، عبد الله، سلسلة من التغييرات التي بدأت بمراجعة القواعد: السماح للنساء بممارسة مهن القانون وتولي وظائف البيع بالتجزئة، وتعيينهن في مجلس الشورى الاستشاري، وتسمية وزيرات من النساء. لكن الأمير محمد بن سلمان غيّر، منذ صعوده إلى السلطة، كلاً من لهجة التغيير وسرعته. وتهدف خطته لإصلاح الاقتصاد، المعروفة باسم “رؤية 2030″، إلى زيادة مشاركة النساء في قوة العمل من 22 في المائة إلى 30 في المائة.
تقول أمل شامان، وهي واحدة من أوائل النساء اللواتي تم تعيينهن في مجلس الشورى: “إنك عندما تقرأ الرؤية، ترى أنها كلها عن مشاركة المرأة؛ المزيد من الإدماج، والمزيد من الوظائف للنساء. وقبل أن تفعل كل هذه الأشياء، هناك الكثير من الخطوات التي يجب اتخاذها”.
كانت قيادة السيارات أوضح عقبة أمام توظيف المرأة. وشرحت نورا، طالبة الماجستير في الصحة النفسية، 26 عاماً، خلال استراحة من الدراسة في مقهى في الرياض: “هذه هي المشكلة الرئيسية بالنسبة لنا. لدينا هذه الحواجز أمام الذهاب إلى الأماكن التي نريدها -إلى العمل أو المدرسة وما شابه -وحتى المستشفى”.
وقالت نورا إنها ستتعلم كيف تقود السيارة -لكن التشريع، كما تقول، هو نصف القصة فقط: “أرى أن (التحدي الأكبر) لا يكمن في تعليم المرأة كيف تقود، وإنما في تحسين (عقلية) مجتمعنا وعائلاتنا. يجب أن يقبلوا برؤية امرأة تقود سيارة في الشارع”.
من أعلى إلى أسفل، مقابل من أسفل إلى أعلى
يُقاد تغيير دور المرأة في السعودية الآن بعملية تتجه من أعلى إلى أسفل، منبثقة عن الحكومة كنوع من الهِبة التي تُمنح للسكان. وتقول الحزّاني، التي تكتب عموداً لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية: “مفتاح التغيير (هو أنه) يأتي من المستوى الأعلى. هذه قرارات سياسية، وهذا ما يجعلها قوية”.
يعتقد بعض المحللين أن الغرض من الحملات الحالية، خاصة ضد رجال الدين المفوهين، كان في جزء منها منح الإصلاح الاجتماعي مساحة لإرساء الجذور. ووفق هذا التفسير، فإن تاريخ هذه الاستراتيجية يعود إلى شهر نيسان (أبريل) 2016، عندما جرد الملك سلمان الشرطة الدينية المرهوبة منذ وقت طويل من قدرتها على الاعتقال. وتقول الحزّاني: “هذا تغيير كبير جداً، لأنه مسّ أكثر الرجال سلطة في السعودية. إنها أول مرة في تاريخ السعودية حيث يجرؤ أحد على المسّ بهذه الزاوية”.
مع ذلك، ولأن الإصلاحات الاجتماعية ليست مدفوعة بجهود على مستوى الجذور الشعبية، فإن العبء الأكبر في إقناع المجتمع بقبولها سوف يقع على كاهل النساء أنفسهن.
من المرجح أن يساعد الاقتصاد في التغلب على بعض المتشككين. ومنذ بدء عدد أكبر من النساء السعوديات بالعمل قبل نصف عقد، أدركت العائلات الفائدة سريعاً -وفي بعض الأحيان، ضرورة الأسرة ذات الدخلَين. وقد تحول سوق الزواج من تفضيل الزوجة التي تبقى في المنزل إلى منح الصلاحية المطلقة تقريباً للعروس التي تكسب أجراً.
لأول مرة، شرعت الوزارات السعودية في الترويج النشِط للمنافع الاقتصادية التي يجلبها توظيف المرأة، بدلاً من الرقص بحذر حول المخاوف الاجتماعية. وكتبت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية في آخر تقرير لها عن السوق، أن زيادة مشاركة المرأة في القوة العاملة هي شأن “ضروري لأمة شابة ونامية بسرعة لتحقيق النجاح الاقتصادي المستدام”.
مع ذلك، وفي كل التغييرات التي حدثت حتى الآن تقريباً، تركت السياسات باباً خلفياً مفتوحاً، يستطيع المحافظون عبره الاحتفاظ بالوضع الراهن. ومع أن النساء سيتمكّن من قيادة السيارات بشكل قانوني في كانون الثاني (يناير) 2018، فإن من المرجح أن أولياء الأمور الذكور الأكثر محافظمة لن يأخذوا بناتهم وزوجاتهم إلى دورات تعليم السياقة. وربما تكون الشركات مستعدة للتوظيف، لكن العائلات ربما تتوقف أمام رؤية قريباتها الإناث في وهن يعملن في بيئة عمل مختلطة.
تقول امرأة سعودية تعمل مستشارة إدارة، والتي رفضت نشر اسمها بالنظر إلى سرية العملاء: “عندما تحدثت إلى الأعمال التجارية كمستشارة، كان أحد أكبر الحواجز التي ذكروها أمام توظيف النساء هو عائلاتهن. القوانين تشكل الخطوة الأولى في ضمان حقوق النساء والمساواة مع الرجال أمام القانون، لكن المطاف ينتهي بالأعراف الاجتماعية وهي تلعب دوراً كبيراً حقاً، وهي لا تتغير عندما تتغير القوانين”.
مما يضاعف التحديات أمام الأجيال المقبلة من النساء السعوديات، غياب هيكل الدعم بشكل كامل تقريباً. ولا تمتلك معظم أماكن العمل حالياً نوع ترتيبات العمل المرنة التي تصبح شائعة باطراد في أوروبا وأجزاء من الولايات المتحدة لاستيعاب الأمهات.
تقول الفطاني: “المجتمع لا يقبل امرأة تترك أبناءها وتعمل، ولذلك يجب أن يكون هناك توازن بين عملها ومهنتها وهذه المرونة في العمل، وهي كلها تصميم للسياسات”.
اليدان على عجلة القيادة
من الآن وحتى كانون الثاني (يناير)، عندما يأتي الوقت المقرر لبدء النساء بقيادة السيارات، تقوم المملكة بتحضير كلٍّ من السياسة والمجتمع. وقد قامت واحدة من أعلى كليات النساء في الرياض، جامعة الأميرة نورا، الشهر الماضي بإنشاء أول مدرسة تعليم سياقة للنساء. وسوف تتدرب السائقات في حرم الجامعة على طول الطريق المغبر من مطار الرياض إلى مركز المدينة. وتعرف بعض النساء السعوديات مُسبقاً قيادة السيارات بسبب الدراسة في الخارج أو السفر؛ وسوف تحتاج السلطات إلى تقرير إذا وكيف سيتم الاعتراف بتدريبهن.
بدأت شركات التي تعمل في تأجير السيارات، مثل شركة “كريم” التي تعمل في دبي، بالتخطيط مسبقاً لحملات توظيف رئيسية لاستجذاب السائقات الإناث. وفي الأثناء، يقال إن شركة “أوبر” دفعت بقوة من أجل قرار السماح للنساء بالقيادة، بعد أن استثمر صندوق الثروة السيادي السعودي بمبلغ 3.5 مليارات دولار في الشركة.
ليس كل النساء السعوديات، أو ربما حتى ليس معظمهن، سيقدن السيارات على الفور. سوف ينتظر البعض منهن ليرين ما ستكشف عنه الإصلاحات. وتريد أخريات، مثل الحزّاني، أن يكُنَّ على الطرق منذ أول يوم يُسمح لهن فيه بالقيادة، لكي يثبتن لأنفسهن، بقدر ما يثبتن لأي أحد آخر، أنهم كسبن هذا الحق.
وتشرح هيا، الأم ومعلمة المدرسة، ما سيعنيه ذلك بعد عقود من العمل وهي تربي ابنتها التي آصبحت الآن في عمر الجامعة. وبينما تسير نحو موقف لسيارات “التكسي” في الرياض، تمسح هيا الهواء بذراعيها لتشير إلى التحوُّل: “لن أحتاج إلى الاعتماد على أحد. هذا هو الأمر. إذا احتجتُ ذلك، فإنني سوف أمضي فقط”.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان :
Amid a Saudi Purge, Women Face the Test of a Lifetime
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 12/11/2017