تقرير مترجم عن فورين بوليسي – هل جعلت العقوبات على إيران الحرس الثوري أكثر قوة؟
فورين بوليسي – ميغان ريس* – 3/11/2017
هل مكَّن نظام العقوبات الذي سبق الصفقة النووية الإيرانية اللاعب الأسوأ صيتاً للنظام الإيراني، جهاز الحرس الثوري الإسلامي؟ كان لك واحداً من المضامين التي احتواها مقال نُشر مؤخراً في صحيفة نيويورك تايمز، للكاتب توماس إيردبرينك، والذي يلاحظ أنه من خلال تقييدها القطاع الخاص، عززت العقوبات القوة النسبية لجهاز الحرس الثوري الإيراني في داخل إيران.
ويشير المقال إلى أدلة على أن جهاز الحرس الثوري الإيراني كان قادراً على تمتين موقفه المتميز، لأنه كان الكيان الأقدر أكثر ما يكون على تفادي العقوبات، بما في ذلك عن طريق إنشاء أو التشارك مع شركات “خاصة” مزيفة. والآن، وقد رفعت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي معظم العقوبات عن إيران، يقدِّر إيردبرينك أن حكومة الرئيس حسن روحاني تقوم باجتثاث الفساد وتضع حدوداً لجهاز الحرس الثوري الإيراني. وبهذا، يفترض أن “رفض الرئيس ترامب (في الفترة الأخيرة)، المصادقة على الصفقة النووية الإيرانية -واحتمال فرض عقوبات أميركية جديدة أحادية الجانب- قد يكون أخباراً تلقى الترحيب لدى الحرس الثوري، لأنها ستعيده إلى لعب دور مركزي في الاقتصاد”.
ولكن، وحتى لو كان تحليل العقوبات يعزز جهاز الحرس الثوري بشكل فوري، فإن ذلك لا يعني أن نظام العقوبات كان نموذجاً سيئاً أو نظاماً يجب على الكونغرس والرئيس تفاديه بينما يسعيان إلى تغيير سلوك اللاعبين الأشرار، سواء كانوا في داخل إيران أو خارجها في المستقبل. لكنه يقترح مع ذلك أن هناك دروساً مهمة يجب تعلمها.
من منظور الولايات المتحدة، يظل السرد الذي ساد الفترة التي سبقت المفاوضات التي أنتجت الصفقة النووية، سرداً عن نظام عقوبات ناجح. فقد عزلت العقوبات الدولية الشاملة الاقتصاد الإيراني إلى حد لم تجد معه طهران أي خيار سوى القدوم إلى طاولة المفاوضات. وبينما تتمسك إيران بقصة أخرى -حيث تقول إن العقوبات لم تلعب دوراً حقيقياً في قرارها التوصل إلى اتفاق، فإن مبلغ 160 مليار دولار التي خسرتها إيران في مجال العوائد النفطية، و100 مليون دولار من الأصول المجمدة، واقتصاد يقدر بأنه كان أصغر بما يتراوح بين 15 و20 في المائة مما كان ليصبح عليه من دون عقوبات، كلها عوامل أسهمت بالتأكيد في تعزيز الثقة عند المسؤولين الأميركيين بأن نظام العقوبات كان هو السبب الذي جلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات.
وبتنحية ما إذا كانت الصفقة النهائية مفيدة للولايات المتحدة أم لا جانباً، ينصب تركيز ذلك السرد على السؤال: هل عملت العقوبات كما كان القصد منها؟ كما قال وزير الخزينة الأميركي السابق، جاكوب ليو، فإن “ذلك بالضبط ما حدث”.
من الطبيعي أن جلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات شكل كسباً فقط إذا لم ترجح الآثار السلبية الثانوية على الإنجاز الرئيسي. وتعتبر الولايات المتحدة جهاز الحرس الثوري الإيراني من أكثر القوى زعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أن من شأن تمكين الحرس الثوري الإيراني أن يلقي ظلالاً من الشكوك على نظام العقوبات.
لكن نظرة أعمق إلى جهود جهاز الحرس الثوري الإيراني في الخارج تشير إلى أن الحرس الثوري واصل إلى حد كبير نشاطه الاعتيادي خلال فترة العقوبات، محققاً أهدافاً إيرانية طويلة الأمد. وعلى نحو مشابه، ذهبت التغييرات الهيكلية في الاقتصاد الإيراني لجعله مقاوماً للضغوط الخارجية، والتي يرجح أنها سوف تستمر، من دون أن تتحقق.
من المؤكد أن الأخبار في الأعوام الأخيرة كانت مليئة بالعناوين الرئيسية عن تدخل جهاز الحرس الثوري الإيراني في عموم منطقة الشرق الأوسط، من الدعم المادي والعسكري لنظام الأسد الإجرامي في سورية إلى دعم حماس في غزة. ومع ذلك، كان الدعم الذي يقدمه جهاز الحرس الثوري الإيراني بالكاد مختلفاً عما كان عليه قبل نظام العقوبات الدولية الواسعة. وكانت الولايات المتحدة صنفت أول الأمر إيران كدولة راعية للإرهاب في العام 1984. وما تزال إيران تعيد تسليح حزب الله منذ الصراع في العام 2006 بين حزب الله وإسرائيل، وتدعم التمرد الشيعي الذي استهدف القوات الأميركية خلال حرب العراق، وتسمح لتنظيم القاعدة بنقل “الأموال والمقاتلين” عبر إيران منذ العام 2009 على الأقل. وبينما تقول تقارير إن إيران وسعت انخراطها في الحروب بالوكالة بينما كان نظام العقوبات سارياً، فإن ذلك يعود في جزئه الأكبر إلى استمرار القتال في العراق، والدعم الإيراني لحكومة الأسد في سورية. وهكذا، يظل سلوك إيران بشكل عام قابلاً للتنبؤ به.
في الحقيقة، لم يزد روحاني ميزانية جهاز الحرس الثوري الإيراني بواقع 145 بالمائة إلا بعد أن أفضى التوصل إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) إلى تدفق السيولة مجدداً إلى إيران، وليس خلال فترة سريان العقوبات. ولا تفصح موازنة الحرس الثوري عن القصة الكاملة لقوته النسبية قبل العقوبات وبعدها. لكنها تشير إلى أن قوته كانت مقيدة خلال فترة العقوبات، تماماً كما أمل صانعو السياسة.
بينما استحكمت العقوبات، أدركت السلطات الإيرانية الحاجة إلى وضع خطة اقتصادية مختلفة، على الرغم من أنها لم تكن قد توافقت بعد على ما يجب أن تكون عليه تلك الخطة. وكان انتخاب حسن روحاني في العام 2013 في جزء منه رفضاً للنزعة الانعزالية وتفويضاً بتغيير مستقبل إيران -بما في ذلك مستقبلها الاقتصادي. وفي شباط (فبراير) 2014، دعا المرشد الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، إلى خلق “اقتصاد مقاومة”، والذي يستطيع أن نحمي الأمة بشكل أفضل من التعرض لتقلبات السوق -والأكثر أهمية، من آثار العقوبات. وبموجب هذه الخطة، سوف يعمل إنتاج نفطي أعلى، ونمو في اقتصاد المعرفة، وإصلاح مالي واستقلال اقتصادي أكبر، على مساعدة إيران على تأسيس اكتفاء ذاتي وتجنب الاعتماد على الغرب.
جلبت خطة العمل الشاملة المشتركة النقاش حول الهيكل المستقبلي للاقتصاد الإيراني إلى واجهة المؤسسة السياسية للأمة. وكانت تحركات روحاني الناشطة لكبح جماح جهاز الحرس الثوري الإيراني، في جزء منها، محاولة لجعل الاقتصاد الإيراني أكثر صلاحية للاستثمار. ولكن، نظراً لأن دعم آية الله خامنئي لإضعاف قوة جهاز الحرس الثوري الإيراني كان دعماً فاتراً، فإن من المتوقع أن يظل الحرس الثوري لاعباً رئيسيا في الاقتصاد. ويأمل كلا الزعيمين في جعل الاقتصاد “مقاوماً للعقوبات”، لكن لديهما أهدافاً متعارضة فيما يتعلق بالدرجة التي يريد كل منهما العودة بإيران إلى داخل النظام الدولي. ويبرز الاختلاف على هذه الأهداف النهائية أن إعادة الهيكلة الاقتصادية المعلنة هي أبعد ما تكون عن أن تتحقق، وأن إيران ما تزال تفتقر إلى اقتصاد مقاوم للعقوبات.
يبقى تطوير حزمة عقوبات ناجحة شأناً صعباً بطبيعته. ويجب على صناع السياسة أن يفكروا جدياً في الآثار الثانوية التي سيخلفها أي نظام عقوبات، ما يعني تجنب السرد المفرط في التبسيط. ويجب أن تخدم العقوبات على إيران كمسوَّدة لكيفية تطوير عقوبات رئيسية وثانوية لغاية تحقيق هدف محدد. ومع ذلك، يمكنها أن تعمل كحالة دراسة للكيفية التي يمكن من خلالها تجنب فرض عقوبات، وللكيفية التي قد يتمكن بها اللاعبون الأشرار من الاستفادة منها، وللكيفية التي قد تحاول الدول العدوانية بها تحصين اقتصاداتها ضد العقوبات، سواء نجحت في ذلك أم لم تنجح.
وفي نهاية المطاف، سوف يعتمد تبرير الجوانب السلبية لأي نظام عقوبات معين دائماً على أهمية التهديد الذي يجب التعامل معه، وعلى وما إذا كانت الولايات المتحدة تتوافر على آليات أخرى، والتي يمكنها التخفيف من التداعيات السلبية.
*زميل رفيع في شؤون الأمن القومي في معهد أر ستريت.
*نشر هذا التحليل تحت عنوان:
Did Iran Sanctions Make the Revolutionary Guard Stronger?
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 13/11/2017