ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن فورين بوليسي – مقتطفات من “أوهام الانتصار”: لهذا انهارت الصحوات العراقية

فورين بوليسي – توماس إي ريكس * – 14/12/2017
اليوم، غطى صعود تنظيم “داعش” على دراسة الأسباب التي أدت إلى نجاح “الصحوات” العراقية. وفي الحقيقة، وبدلا عن فهم أسباب النجاح، فإن القيمة الكبرى تتمثل في دراسة الرمادي والصحوة لفهم ما حدث بعد ثمانية أعوام. وتلقي الدراسة الضوء على أسباب انهيار الانتصار الكبير. وتبرز في ذلك ثلاثة أسباب. ويمكن تعقب كل واحد منها في الأعوام 2005 و2006 و2007 .
السبب الأول والأكثر وضوحا هو أن حكومة المالكي انقلبت ضد السنة. وقد دفعت اتجاهات الساسة والأحزاب الشيعة في أعقاب عقود من القمع السني –في تجسيد للانقسام الطائفي- بالمالكي إلى قطع أشواط سيئة المشورة. ومن خلال توجيه الضربات إلى الساسة والمصالح السياسية السنية، أصبح التمثيل السياسي لمحافظة الأنبار تحت الخطر وخلق صدعا مميتا بين الحركة القبلية والحكومة. وحاول المالكي التخفيف من وطأة الصدع باسترضاء قادة الأنبار في العام 2012، ثم عبر مساعدة أحمد الريشاوي في العام 2014. لكنه فشل. وصنعت تصرفاته رد فعل شعبيا أبعد القبائل ومنح تنظيم “الدولة الإسلامية” مساحة لتعزيز قوته. وتبعاً لذلك، وجدت الحكومة نفسها تقاتل القبائل في اللحظة التي شن فيها “داعش” الهجوم. ومن دون القبائل، افتقر الجيش إلى الأعداد والدعم الشعبي. ومن دون الجيش افتقرت القبائل إلى قوة النار الثقيلة. هكذا انقسموا، فسقطوا…
السبب الثاني لتمكن “داعش” من غزو الأنبار هو أن حركة الصحوة لم تتمكن من الاستدامة والتماسك. وكان القادة القبليون نخبة صغيرة في حاجة إلى الأموال والأسلحة لإسكات معظم الناس. وكانت مواردهم الشخصية -المتركزة على السوق السوداء والنشاط التجاري- محدودة. وعندما اختفت الدولارات والقوات الأميركية، تلاشت قدرتهم على الاحتفاظ بتبعية العراقيين السنيين، وعلى منع “داعش” من استعادة الأرضية. وكان مستوى القوة التي استطاعوا إدامتها غير كاف. وفوق كل هذا، تنازع القادة القبليون وتنافسوا مع بعضهم البعض. وكانت هذه النزاعات من طبيعة النظام القبلي. وعندما ووجهوا بـ”داعش”، ساد النزوع الطبيعي نحو الانقسام بدلا من الاتجاه نحو رص الصفوف من أجل الصالح العام. وهكذا تفرقت القبائل التي كانت الوحدة آخر أمل لهم في التماسك ضد التنظيم الإرهابي.
أما السبب الثالث والأخير لتعرض الأنبار للغزو، فهو أن تنظيم “القاعدة في العراق” ثم “الدولة الإسلامية” كان يتمتع بقسط ضخم وحساس من الدعم السني. وأثبت التنظيم أنه يتوافر على جذور كافية وقبول في الأنبار ليصمد أمام القبائل والحكومة. وقد استطاع الاستدامة واستعادة الفاعلية تدريجيا، مستفيدا من الصراع الطائفي والحرب الأهلية السورية، حتى تفجرت النقاط المناهضة له.
أرسيت دعائم عمق تنظيم القاعدة في العراق في العامين 2005 و2006. وخلال هذين العامين، صعد تنظيم القاعدة في العراق واكتسح القبائل. واستطاعت الشبكة التي أقامها أن تسيطر على الرمادي وأن تكسب دعماً واسع النطاق من المواطنين المحليين. وقد جمع تنظيم القاعدة في العراق هذا الزخم بشكل طبيعي بمساعدة محدودة من الخارج، بفضل أيديولوجيته في جزء منها. وربما كان السنة قد شككوا في نسخة تنظيم القاعدة في العراق من الإسلام، لكن فكرة الجهاد ضد الكفار كانت ملهمة بالنسبة لهم على ما يبدو. وقد جذب قبول الإسلام أتباعاً مثلما تفعل القرابة في القبائل. والفرق هو أن الإسلام بشر بشرعية أكثر عمومية، بينما اقتصرت رابطة القرابة على قبيلة رجل القبيلة. وبهذه الحسابات، تمكن تنظيم القاعدة في العراق بالتزامه غير المنقطع بالجهاد، وبأئمته من الشباب الناشطين والحيويين، من التغلب على المقاومة الأكثر علمانية والزعماء القبليين الذين نادراً ما عرف عنهم الورع. وواجهت الروابط القبلية والسلطة المهزوزة صعوبة في التنافس، حتى باشر القادة الأميركيون في تمكين القادة القبلييين -وهي حقيقة نسيها الأميركيون في نشوة الصحوة عندما بد أن القبائل أحرزت الانتصار. وفي واقع الأمر، كان تنظيم القاعدة في العراق يتمتع بعوامل الاستدامة التي تجاوزت ما يتوفر منها لدى القبائل.
الدرس الأكبر من كل هذا هو أن الديناميات الثقافية والتاريخية والاجتماعية الداخلية -الانقسامات الطائفية والنزعات القبلية المعمرة وتأثير مجموعات تدعي الشرعية الإسلامية- لم تستطع إعادة التوجه في مدة عدة أعوام. ويوحي مجرد اسم “الصحوة” بحدث يضع التاريخ على طريق أفضل. وفي هذا الصدد، أتذكر تماماً الإحساس السائد بين المسئولين المدنيين والضباط العسكريين الأميركيين في العام 2007، من أن الناس في الأنبار قد استيقظوا وأدركوا مخاطر التطرف وقرروا الالتفات إلى أنفسهم ضد العنف. واليوم، يبدو أن الصحوة لم تتغير كثيراً. ويبدو أنها خضعت لنفس القوى الطائفية والقبلية والدينية التي اعتقد الكثيرون أنه تم التغلب عليها.
كما تخدم الصحوة وما تلاها كتذكير بأن التدخل ينطوي على احتمال كبير للتسبب في زعزعة الاستقرار والضرر. وفي العراق، قلب الغزو الأميركي المجتمع رأسا على عقب وسمح للديناميات الطائفية والقبلية والدينية بأن تفعل فعلها. ولم يكن لدى الولايات المتحدة الصبر ولا التحمل للتصارع مع هذه الديناميات خلال عقود من أجل ترسيخ نوع من الاستقرار أو ضمان انتصاراتها المجيدة الخاصة. وكان حال الناس في الأنبار ليكون أفضل قطعا لو أن الولايات المتحدة لم تتدخل في العراق في المقام الأول.
(مقتطف من كتاب “أوهام الانتصار”، لكارتر مالكازيان).
*غطى الجيش الأميركي من العام 1991 وحتى العام 2008 لصالح صحيفة “وول ستريت جورنال”، ثم لصالح صحيفة الواشنطن بوست.
*نشر هذا المقال تحت عنوان :
Excerpt From Illusions of Victory: Here’s Why the Iraqi Awakening Broke Down
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 26/12/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى