ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن فورين بوليسي – سياسة ترامب الخاصة بالقدس هي أكثر غموضاً مما تبدو

فورين بوليسي – سكوت أر. أندرسون – 11/12/2017
في السادس من كانون الأول (ديسمبر)، اعترف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، منقلباً بذلك على نحو 70 عاماً من السياسة الخارجية الأميركية التي انتهجها كلا الحزبين. وتضع هذه الخطوة الولايات المتحدة على الجانب الآخر حول هذه المسألة من كل المجتمع الدولي تقريباً، الذي انتقد الكثيرون من أعضائه القرار. وبينما رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقرار ترامب ووصفه بأنه تاريخي، أعرب حلفاء عرب رئيسيون للولايات المتحدة عن الخشية مما قد يجلبه قرار ترامب على استقرار المنطقة. ومع الاحتجاجات واسعة النطاق تجري في عموم الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، حذرت السفارات والقنصليات الأميركية المسافرين الأميركيين وطالبتهم بالابتعاد عن الاحتجاجات، وأعلنت نيتها الحد من عملياتها أو وقفها. كما أعرب القادة الفلسطينيون عن شكوك جادة في قدرتهم على الاستمرار في دعم العملية السلمية التي تقودها الولايات المتحدة أو حل الدولتين، مما يُعرض للخطر اثنتين من السياسات نفسها التي قال ترامب إنها ستحرز تقدماً بقراره.
مع ذلك، فإن الأمر الأكثر إدهاشاً من هذه الاستجابة، هو الغموض المطلق الذي يكتنف التصريح الذي سبق القرار. فبينما تحدث ترامب عن الانفصال عن “الاستراتيجيات الفاشلة في الماضي” و”العمل” حيث الرؤساء السابقين “افتقروا إلى الشجاعة”، فإن كلمته والإعلان الرسمي الذي وقعه مليئان بالتحذيرات والأشياء المحذوفة التي تعتّم على تغيير السياسة الذي يجريه. ومما لا شك فيه أن الهدف من هذا الغموض أن يعمل كحاجز، واحد يقدم نقطة استمرارية مع السياسات الأميركية السابقة -التي كانت قد رفضت الاعتراف بسيادة أي دولة على القدس، ناهيك عن القدس كعاصمة لها- ويسمح للإدارة بتجنب اتخاذ أي موقف تأكيدي حول بعض التداعيات الأكثر إثارة للجدل. لكن هذا الغموض، في السياق المحموم الذي يحيط بالقدس، يأتي بمخاطره الخاصة. ويتعلق أكبر غموض في قرار الرئيس بوضع القدس ذاتها. فقد اعترف صراحة بالقدس كعاصمة إسرائيل، في تصرف يعني في أي سياق آخر، الاعتراف بالقدس كجزء من سيادة أرض إسرائيل. لكن الرئيس كذب هذا الاستدلال، حين قال في إعلانه:
“لا يعكس قرار اليوم -الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل والإعلان عن نقل سفارتنا- التخلي عن التزام الولايات المتحدة القوي بتسهيل التوصل إلى اتفاق سلام دائم. إن الولايات المتحدة تستمر في عدم اتخاذ أي موقف حول قضايا الوضع النهائي. والحدود المعينة للسيادة الإسرائيلية في القدس خاضعة لمفاوضات الوضع النهائي بين الأطراف. والولايات المتحدة ليست بصدد اتخاذ موقف حول التخوم أو الحدود”.
لا يتضح من الوهلة الأولى كيف يمكن التوفيق بين هذين التصريحين. من المؤكد أن الرئيس كان واضحاً في تبيان أن موضوع الطرف الذي ستكون له السيادة المطلقة على القدس يجب أن يكون خاضعاً لمفاوضات الوضع النهائي. ومع ذلك، وفي الفترة الفاصلة، يبدو أنه قد اعترف (وبذلك الولايات المتحدة) بالسيادة الإسرائيلية على جزء ما من القدس -والذي يكون كافياً لأن تكون القدس عاصمة لإسرائيل، على الأقل- لكنه يمتنع عن تحديد ذلك الجزء.
تعني تحديدات الجغرافيا هذه الكثير عندما يتعلق الأمر بالقدس. ويُعرِّف القانون الإسرائيلي القدس بأنها عاصمة إسرائيل “الكاملة والموحدة”، مما يعني السيادة الإسرائيلية على المدينة كلها. ويظل هذا التأكيد على السيادة أقل إثارة للجدل مما يسري على القدس الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل منذ العام 1948. لكن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة والمجتمع الدولي الأوسع ينظران عموماً إلى القدس الشرقية -التي احتلتها إسرائيل في الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1967- على أنها أرض فلسطينية تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ولذلك اعترضا على التأكيدات الإسرائيلية على السيادة هناك. ومن ناحيته، لم يميز ترامب بين القدس الشرقية والقدس الغربية، تاركاً الأمر سؤالاً مفتوحاً فيما يتعلق بالمدى الذي تصادق فيه الولايات المتحدة على السيادة الإسرائيلية على القدس. ومن الناحية النظرية، يترك رفضه الاعتراف بحدود معينة الباب مفتوحاً أمام احتمال أن تكون مقتصرة على القدس الغربية. لكن موقفه الغامض يترك أيضاً فضاء أمام كل من المؤيدين والمعارضين لقراره على حد سواء للاستدلال على قبول أميركي بالمزيد من مطالبات إسرائيل الطموحة بالسيادة على المدينة برمتها.
سواء كان ذلك عن قصد أو غير ذلك، تتعزز قضية الاستدلال الأخير بفشل ترامب الكلي في مخاطبة المطالبات الفلسطينية في القدس. ولطالما تمسكت القيادة الفلسطينية بقول إن كل القدس يجب أن تكون خاضعة لمفاوضات الوضع النهائي، وإن القدس الشرقية يجب أن تكون العاصمة لأي دولة فلسطينية في المستقبل. ومع ذلك، يلقي إعلان ترامب وتصريحه قدراً كبيراً من الشكوك على الأول ولا يقر الثاني. وفي الحقيقة، بينما شدد ترامب على نيته تسهيل “صفقة عظيمة” للفلسطينيين وأعرب عن انفتاحه على حل دولتين (وهو شيء كان في السابق محل شك)، فإنه لم يسبق له مخاطبة المطالب الفلسطينية بالقدس تحديداً أبداً. وكانت أقرب نقطة وصل إليها هي دعوته إلى الإبقاء على “الوضع القائم في المواقع المقدسة في القدس”، وهو ما يفترض أن يعني توقع أن يحتفظ المسيحيون والمسلمون بإمكانية الوصول إلى المدينة القديمة في القدس الشرقية، حيث توجد معظم تلك المواقع، لغايات العبادة.
كما لم تكن مطالبات الأطراف هي المسائل الوحيدة التي تُركت في منطقة “الليمبو” بسبب هذا الافتقار إلى الوضوح. فنظرة الولايات المتحدة إلى التزامات إسرائيل القانونية الدولية، مثلاً، سوف تتفاوت تبعاً لاعتبار القدس الشرقية أرضاً محتلة أو ضمن السيادة الإسرائيلية. وبالتالي، من المرجح أن توضح هذه الأمور مواقف السياسة الأميركية. هل ستدعو الولايات المتحدة سكان القدس الشرقية الآن إلى الحصول على المواطنة وحق التصويت بما يتطابق مع معاهدات حقوق الإنسان؟ أم هل سوف تظل تنتقد إنشاء المستوطنات في القدس الشرقية باعتبار أنها تتناقض مع القانون الدولي الذي يخص الاحتلالات العسكرية؟ إن الغموض حول هذه الأسئلة -أو إطار العمل القانوني الدولي الساري- هو جديد بكل ما يعنيه القول في هذا الموضوع. لكن نصف الخطوة التي خطاها ترامب في اتجاه الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المدينة تعقد المسألة، ومن المرجح أن تعيد بعث أسئلة قديمة لطالما ظلت غير مثارة.
سوف تكون الأسئلة المتعلقة بوجهات النظر الأميركية عن السيادة الإسرائلية الحالية على القدس أقل تأثيراً إذا كانت هناك مفاوضات لبحث الوضع النهائي في الأفق حقاً. وعندها، سيستطيع الفلسطينيون والآخرون ممن يعارضون المطالبات العريضة بالسيادة الإسرائيلية أن يجدوا سلوى في حقيقة أن الولايات المتحدة ألزمت نفسها بعملية سوف تحل حجم السيادة الإسرائيلية قريباً، بمدخلاتها. (سوف يظل يُنظر إلىاعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية من دون شك على أنه إضافة في الميزان لصالح إسرائيل). لكن هذا ليس الواقع الذي طرح خلاله ترامب إعلانه. إن عملية السلام تقف حالياً في مكان ما بين الجمود وعدم الوجود، وحيث تلقت احتمالات إمكانية إحيائها مجدداً مزيداً من الأذى بقرار الرئيس. وطالما ظلت هذه الظروف سائدة، فإن المرجح أن يكون المدى الحالي للسيادة الإسرائيلية في القدس هو الواقع العملي. وطالما ظلت وجهة نظر الولايات المتحدة المتعلقة بهذا المدى غير معرفة، فإنه يكون للأطراف كل حافز للبحث والتوصل إلى استنتاجات واستدلالات للوقوف على الحدود الحقيقية -وفي بعض الحالات محاولة التأثير عليها.
يرجح أن تكون أقرب نتيجة لهذه الحالة من الأمور مراقبة متزايدة للتصرفات الأميركية المتعلقة بالقدس. وسوف يعد كل تصرف وسيلة تنبؤ توفر استبصاراً لوجهات نظر إدارة ترامب حول الحدود الحقيقية للسيادة الإسرائيلية الحالية. ولهذا السبب، من المرجح أن يصبح كل تصرف أكثر إثارة للجدل بينما تمارس الأطراف الضغط دعماً للتصرفات الأميركية التي تغذي سردها الخاص المفضل عن وضع القدس. وليس هناك مجال ينطبق عليه ذلك أكثر من المكان الذي سوف تحدده الولايات المتحدة موقعاً لسفارتها في القدس. وفي الحقيقة، قد يفسر هذا قرار إدارة ترامب -غير القابل للتفسير بغير ذلك- إصدار قرار تأجيل آخر لتطبيق مرسوم سفارة القدس بعد يومين من السماح له بالنفاذ، في إشارة إلى المزيد من التأخير في التحرك على الرغم من تأكيدات الرئيس بأن الإنفاذ وشيك.
مع ذلك، ومع الوقت، قد تكون لموقفنا الغامض حول القدس المزيد من التداعيات الهدامة. ومع كل الغموض الذي يكتنف قرار الرئيس، فإن الكثيرين يقرأونه أصلاً بمعانيه الأوسع على أنه يساهم في ردود الفعل السلبية القوية في كل أنحاء حول العالم. ولمواجهة هذا السرد، يترتب على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات تظهر أنها تعترف بمحدوديات السيادة الإسرائيلية في القدس. لكن الداعمين لقرار الرئيس -العديد منهم ينظرون إليه على أنه يمثل قبولاً لمطالب السيادة الإسرائيلية الأوسع- سيعاملون هذه الجهود على الأرجح على أنها انتكاسات، مما يؤجج معارضتهم. وبكلمات أخرى، من الممكن أن يفضي غموض موقفنا إلى وقوع الولايات المتحدة في مصيدة بين أسوأ الافتراضات وبين أعلى التوقعات من جانب الطرفين، مما يجعلها غير قادرة على إرضاء أي منهما وتقويض العلاقات معهما بينما تحاول شق طريقها نحو نوع من التفاهم المتبادل. وفي الحقيقة، قد تظهر بعض إمارات هذه الديناميات حول قرار وزارة الخارجية الأميركية المحافظة على سياستها بعدم تعريف القدس على أنها جزء من إسرائيل في الوثائق الرسمية، في إيماءة إلى عدم الانحياز المتناغم مع رفض الرئيس اتخاذ موقف فيما يتعلق بحدود السيادة الإسرائيلية، لكنها ولدت أصلاً انتقاداً في صفوف الداعمين لقراره. وهذا موقف يصعب على أي دولة أن تكون فيه. أما بالنسبة لدولة تقوم سياستها طويلة الأمد -كما أعاد ترامب التأكيد مجدداً- على تسهيل المفاوضات والتوصل إلى اتفاقي في نهاية المطاف بين الجانبين، فهو وصفة للفشل.
سوف يتطلب تجنب هذه التداعيات أن يتخلى ترامب عن الغموض وتوضيح معنى قراره. ويبدو أن غموض الرئيس يعكس فهماً في مكان ما في البيت الأبيض لحقيقة أن الاعتراف بمطالبات إسرائيل الأوسع في السيادة في هذه المرحلة سيكون بمثابة كارثة كاملة لأهداف السياسة الأميركية في المنطقة. وبدلاً من ذلك، يجب على الرئيس أن يوضح، في الحد الأدنى، أن الولايات المتحدة تنظر إلى سيادة إسرائيل الحالية على أنها لا تمتد لأبعد من القدس الغربية، وأن الوضع الكلي للقدس -بما في ذلك المطالبات الإسرائيلية والفلسطينية بالقدس الشرقية- سوف تحل من خلال مفاوضات الوضع النهائي. وأكثر من ذلك، يجب على إدارة ترامب الوفاء بالتزامها بالدفع بقوة من أجل استئناف المفاوضات، وإيضاح أن نيتها لم تكن أبداً إدامة الوضع القائم إلى أجل غير محدود. وفي الحقيقة، قد تكون خطة السلام التي ذكر أن البيت الأبيض يطورها عربة مواتية يتم من خلالها عرض هذه التوضيحات. وسوف يخيب أمل بعض داعمي قرار الرئيس الذين أملوا -وربما اعتقدوا أنه أشار إلى قبول الولايات المتحدة بمطالبات إسرائيل بالسيادة على القدس- بسبب هذه الخطوات بلا شك. لكنها سوف تعطي الولايات المتحدة موقفاً واضحاً تستطيع انطلاقاً منه إشراك الطرفين، بينما تبقي على مخاوفهم وتوقعاتهم تحت سيطرتها.
مع ذلك، تبدو فرص هذا التصحيح للمسار شحيحة. لا شيء في الطريقة التي نفذت من خلالها هذه السياسة يشي بأن مصالح السياسة الخارجية الأميركية قد أُخذت في الحسبان. وكان الرئيس ترامب يلمح طيلة شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي إلى أنه لا ينوي تغيير النهج حول القدس خشية أن يقوض إقدامه على ذلك خطة السلام التي ما تزال إدارته تطورها. وفي الحقيقة، قيل أن كبار صانعي السياسة في البيت الأبيض فهموا هذا على أنه سياسة مقصودة حتى قدوم عيد الشكر. لكن الاندفاع الذي تبع ذلك -بينما كان البيت الأبيض يعد لتغيير وجهة عقود من السياسة الأميركية بعد أيام قليلة من التحضير- أفضى إلى رسائل خرقاء، ومواعيد نهائية مفقودة، وحلفاء ممتعضين، وفي نهاية المطاف موقف غير متماسك يبدو أنه هدف إلى الوفاء بوعود كان الرئيس قد قطعها أثناء حملته الانتخابية، بينما ينقذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من السياسة الأميركية. ومن المؤكد أن ما دفع بانقلاب الدقيقة الأخيرة هذا جاء من عالم السياسة المحلية، وليس من السياسة الخارجية. وثمة أمارات قليلة على أن هذه المحفزات قد تغيرت.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Trump’s Jerusalem Policy Is More Ambiguous Than It Seems
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 22/12/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى