ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن فورين بوليسي – ترامب دمّر “عملية السلام” التي يُعدها قبل أن يبدأها

فورين بوليسي – خالد الجندي – 6/12/2017
وجه قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل تمهيداً لنقل السفارة الأميركية إلى هناك ضربة عنيفة إلى عملية السلام المحتضرة مُسبقاً، ويمكن أن يعني هذا القرار وضع نهاية للجهود الأميركية الرامية إلى لتوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وعلى الرغم من المعارضة العالمية شبه الإجماعية من القادة العرب والأوروبيين وغيرهم من قادة العالم، والذين حذروا جميعاً من أن مثل هذا التحرك قد تكون له عواقب وخيمة، فقد شكل قرار ترامب انقلاباً على 70 عاماً من السياسة الأميركية الخاصة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما قوض المعايير الدولية الأساسية التي شكلت أسس عملية السلام على مدى عقود. وقد دانت القيادة الفلسطينية هذه الخطوة التى قالت إنها تنزع فعلياً أهلية الولايات المتحدة للعمل كوسيط للسلام، وحذرت من أن الخطوة ستقذف بالمنطقة المضطربة أصلاً إلى المزيد من الفوضى.
باستثناء مسألة الوفاء بتعهد الحملة الانتخابية الذي كان قد قدمه إلى العناصر المحافظة في قاعدته الانتخابية، لم يوضح ترامب بعد سبب ضرورة اتخاذ مثل هذه الخطوة في مواجهة هذه المخاطر. ولكن من المحير بنفس المقدار في قرار الرئيس على الأقل هو توقيت الإعلان الذى جاء بينما يستعد فيه ترامب لطرح مبادرة سلام إسرائيلية- فلسطينية جديدة في الأسابيع القادمة.
تشير هذه الخطوة في هذا الوقت إلى أن ترامب إما يعتقد أن إعلانه لن يلحق ضرراً كبيراً بمصداقية الولايات المتحدة كوسيط للسلام، أو أنه على استعداد للتضحية بهذه المصداقية من أجل تسجيل نقاط مع قاعدته السياسية المحلية. وفي حين أن هذه ليست المرة الأولى التي يختار فيها رئيس أميركي التضحية بأهداف عملية السلام على مذبح السياسة الداخلية والعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن قرار ترامب قد يكون أخطر تغيير للوجهات في سياسة الولايات المتحدة الخاصة بالشرق الأوسط منذ أخذت الولايات المتحدة زمام السيطرة على عملية السلام في التسعينيات.
تبقى القدس واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في الصراع الذي ما يزال مستمراً منذ قرن تقريباً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فضلاً عن كونها رمزاً سياسياً ودينياً قوياً بالنسبة لمليارات الناس في جميع أنحاء العالم. وبينما تدعي إسرائيل أن القدس هي عاصمتها “الأبدية وغير المقسمة”، فان الفلسطينيين يعتبرون الجزء الشرقي من المدينة التى تحتلها إسرائيل منذ العام 1967 عاصمة لدولتهم المستقبلية. ومع ذلك، ومهما كانت الطريقة التي قد يفهم بها المرء كلمات الرئيس، فإن إعلان الأربعاء سوف يُفسر في الشرق الأوسط وما وراءه على أنه محاولة أميركية لتحديد وضع القدس قبل الأوان، أو حتى تسليمها، في مجملها، إلى إسرائيل –وهو ما ستكون له حتماً تداعيات دائمة في جميع أنحاء المنطقة.
على المدى القصير والمتوسط، هناك احتمال قوي جداً بطبيعة الحال لاندلاع العنف في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وتحضيراً لرد الفعل المحتمل، حذرت وزارة الخارجية سفاراتها وقنصلياتها في الخارج بضرورة تشديد الإجراءات الأمنية قبل إعلان الأربعاء. وفى الوقت نفسه، من المحتمل أن تستغل الجماعات المتشددة، بما فيها تنظيما “داعش” والقاعدة وغيرهما من المتطرفين الدينيين في العالم الإسلامي هذا القرار كدليل على أن الولايات المتحدة وإسرائيل تشنان حرباً ضد الإسلام.
في الوقت نفسه، يمكن أن يعني قرار ترامب على المدى الطويل نهاية عملية السلام بقيادة الولايات المتحدة. ولن يكون هناك بيان رسمي من مقر البيت الابيض أو مقر الأمم المتحدة في نيويورك ليعلن عن مثل هذه النتيجة بطبيعة الحال. لكن من المرجح، لجميع الأغراض العملية، أن ينتهي دور واشنطن كراع رئيسي ووسيط وحيد للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وحتى قبل أن يتولى ترامب منصبه، كان ما يقرب من 25 عاماً من جهود السلام الفاشلة قد أثرت مسبقاً على مصداقية واشنطن كوسيط للسلام، لا سيما بين العرب والفلسطينيين. ويمكن أن يكون الاعتراف الأخير بالسيادة الإسرائيلية على القدس بمثابة القشة التي تقصم ظهر البعير، كما يقول المثل العربي.
من المرجح أن يكون الرئيس محمود عباس، الذي يشكل أيضاً أضعف فريق في هذا المزيج، أكبر الخاسرين بينما تتكشف هذه الأحداث. وقد رأينا في السابق كيف يمكن حتى للإيماءات الرمزية بخصوص القدس أن تؤدي إلى الاضطرابات والعنف –وكان من أبرزها زيارة أرييل شارون المصيرية في أيلول (سبتمبر) 2000 إلى الموقع المعروف لليهود باسم جبل الهيكل، وللمسلمين باسم الحرم الشريف، والتي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية؛ وكذلك ما حدث مؤخراً من فورة الصيف الماضي في أعقاب تركيب الحكومة الإسرائيلية أجهزة للكشف عن المعادن في المسجد الأقصى، مما أدى إلى عدة أيام من الاحتجاجات والاعتصامات والاشتباكات. وبمجرد اشتعاله، غالباً ما أعيد توجيه الغضب الشعبي نحو قيادة عباس، التي يرى العديد من الفلسطينيين أنها تنصاع بشكل مفرط لشروط إسرائيل والولايات المتحدة.
في داخل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح التي يقودها، يبقى عباس واحداً من أقوى –ومن آخر- المدافعين عن عملية السلام بقيادة الولايات المتحدة. لكن الرئيس الفلسطيني يواجه الآن معضلة سياسية هائلة: الخسارة المحتملة للولايات المتحدة التي شكلت حجر الزاوية في استراتيجية منظمة التحرير الفلسطينية لتحقيق هدف إقامة دولة مستقلة على مدى أكثر من ثلاثة عقود. وبعد أن ربط عباس مصيره السياسي بالسفينة الغارقة لعملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة، فإنه ترك نفسه بلا خطة “ب”. وإذا نفذ تهديده بالابتعاد عن عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة، فسوف يواجه رد فعل غاضب من إدارة ترامب في غياب أي استراتيجية بديلة يمكن أن يرتكز عليها. ومن ناحية أخرى، وإذا ما أحجم عن تنفيذ تهديده، فإن الرئيس الذي لا يحظى بشعبية كبيرة قد يخاطر بالفقدان الكامل للثقة والمصداقية الكامل في نظر شعبه.
من المؤكد أن وفاة عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة، كما ينبغي الاعتراف، هي مفهوم يصعب على المرء استيعابه، ولا سيما في واشنطن.
وليس ذلك فقط لأنها كانت عملية السلام الوحيدة التي عرفناها في أي وقت، وإنما لأنه يكاد يكون من المستحيل أن نتصور أي بديل قابل للحياة. وعلى مدى عقود، كان الافتراض السائد هو أن الولايات المتحدة وحدها، كقوة عظمى عالمية وباعتبارها حليف إسرائيل الأقرب، هي القادرة على التوسط في التوصل إلى اتفاق سلام إسرائيلي-فلسطيني. وكما قال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأميركي السابق والمخضرم في عملية السلام، والذي عمل فى ظل العديد من الرؤساء الأميركيين: “نحن، الولايات المتحدة، قد لا نكون وسيطاً نزيهاً، لكننا يمكن أن نكون وسيطاً فعالاً”.
إذا كان ما يقرب من ربع قرن من الفشل لم يكن كافياً لإقناع الناس بالتخلي عن تلك الفكرة، فإن قرار ترامب نقض عقود من السياسة الأميركية، والتخلي عما تبقى من احتمال ضئيل للتوصل إلى اتفاق سلام موثوق، قد يصنع الخدعة المطلوبة في نهاية المطاف.
*زميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينغز. عمل في الفترة من العام 2004 إلى العام 2009 مستشاراً للقيادة الفلسطينية في مفاوضات الوضع الدائم مع إسرائيل.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Trump Just Sabotaged His Own Peace Process
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 16/12/2017
ala.zeineh@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى