ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن فورين بوليسي – المعركة على قيادة الجهاد العالمي تبدأ الآن

فورين بوليسي – دانيال بيمان – 29/9/2017
كل حركة إرهابية غير سعيدة هي كذلك بطريقتها الخاصة، وليست الحركة الجهادية العالمية استثناء. فالخلافات حول الاستهداف، والتكتيكات، والتنظيم، والسؤال الأساسي حول ما الذي يعنيه أن يكون المرء مسلماً جيداً، كلها ابتلت الحركة منذ نشوئها، وهي تبقى مصدراً للضعف.
الآن، بينما يأفل نجم تنظيم “داعش”، تصبح هذه الاختلافات أكثر أهمية من السابق. وقد خسر التنظيم معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسورية، لكن من المرجح أن يواصل وجوده في شكل ما من أشكال التمرد -وأبعد من ذلك، كحركة إرهابية. ومع ذلك، فإن الاستمرار في لعب دور القيادة الذي ادعته الحركة لنفسها عندما أعلنت عن إقامتها “الخلافة” في العام 2014 سيكون أصعب منالاً. وكان تنظيم القاعدة قد حاول من جانبه أن يلعب لعبة أطول نفَساً، لكنه يظل أيضاً ضعيفاً وربما لن يتمكن من استعادة معايير القيادة. ومع ذلك، وحتى مع عدم وجود قائد واضح، فإن الحركة الجهادية العالمية الأوسع تظل قوية. وما تزال الجماعات الجهادية، التي يرتبط بعضها بتنظيمي القاعدة و”داعش”، ناشطة في اليمن، والمغرب، والهند، والفلبين، وسورية بطبيعة الحال، من بين الكثير من المواقع الأخرى. وفي أوروبا، تتمتع الحركة الجهادية بدعم الكثير من المسلمين، مما يمكنها من اجتذاب المقاتلين وإلهام الهجمات الإرهابية.
مع ذلك، تبقى الحركة الجهادية الأوسع منقسمة حول أسئلة رئيسية عدة. وأحد الأسئلة الأكثر أساسية هو الذي يتعلق بمن هو المسلم “الصحيح”. ولدى كل دين، حتى الأكثر قبولاً، خط يفصل بين المؤمنين وغير المؤمنين. وليس الإسلام استثناء: سوف يكون من الصعب أن يزعم المرء أنه مسلم إذا لم يكن يؤمن بالله، ولا يعتبر محمداً نبيه. وعادة ما يكون الجهاديون أكثر صرامة في التعريف. ومع أن الجهاد يُبرر بشكل عام بأنه دفاع عن المسلمين أو لاستعادة الأراضي الإسلامية من غير المؤمنين، فإن الكثير من الجهاديين يشجبون في الممارسة العملية مجموعات كاملة من أقرانهم المسلمين اسمياً، ويضعونهم ضمن منزلة “الكفار”. ويذهب ذلك بعكس النهج الذي تبناه معظم الفقهاء المسلمين تاريخياً إزاء هذه المسألة، حيث استجابوا لتحذير النبي محمد من أن التسرع في اتهام الآخرين بالكفر يمكن أن يؤدي إلى انقسامات مُنهكة بين المؤمنين. ويؤكد بعض الجهاديين أن المسلمين الورعين فقط هم المسلمون، وأن كل الآخرين مرتدون. كما يقول الكثيرون منهم أيضاً إن المسلمين السنة فقط هم المعدودون في الملة. وفي حين يشكل المسلمون الشيعة أغلبية في العراق والبحرين وإيران، فإنهم يُعتبرون، وفق تفسير الجهاديين الصارم للتوحيد، ليسوا مسلمين حقيقيين بسبب تبجيلهم علياً، الخليفة الرابع وابن عم النبي وصهره؛ ويمنحونه مكانة شبه مقدسة.
كما أن العلويين، الذين يسيطرون على الحكومة السورية؛ والحوثيين، اليمنيين الذين يتبعون شكلاً آخر من الشيعة؛ والأقليات الدينية الأخرى مثل الأحمدية، والدروز، والأيزيديين، يوضعون هم أيضاً خارج الحدود. ويذهب آخرون أبعد، فيرسمون خطاً بين السلفيين -أصحاب الشكل التطهيري المتزمت من المذهب السني الذي يرفض السياسة التقليدية والقوانين الوضعية وأي شيء يأتي من الابتكار البشري- وبين كل الآخرين، ويرفضون الجماعات الإسلامية غير السلفية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، على أساس أنها ليست نقية بما يكفي. ومع ذلك، فإن آخرين يرسمون الخط بين أولئك السلفيين الذين يعتنقون الجهاد وأولئك الذين لا يفعلون -إنك إما تكون معنا أو علينا.
بعد رسم الخط الفاصل بين المؤمنين والآخرين، يأتي السؤال الآتي: ما الذي يجب عمله إزاء أولئك الذين لا يفون بالشروط؟ وقد صنع تنظيم “الدولة الإسلامية” وقبله القاعدة اسميهما باستهداف الشيعة والمسلمين السنة الذين يتعاونون مع الحكومات العدوة، وقالا إن كلتا الفئتين تستحقان الموت عقاباً على ولاءاتهما الملحدة وغير الورعة. وفي الجزائر في التسعينيات، ذهبت بعض الجماعات الجهادية إلى حدِّ ذبح المسلمين العاديين الذين حاولوا البقاء خارج المعمعة، محتجة بأن عدم تعاونهم هو بمثابة رفض للدين. وعلى النقيض من ذلك، دعا تنظيم القاعدة أتباعه عادة إلى تجاهل هذه المجموعات، ووعظها، من الناحية المثالية، لإعادة وضعها على الطريق القويم.
كما أن الحركة الجهادية منقسمة أيضاً حول ماهية الهدف المشروع. وبشكل أوسع، هناك انقسامات حول مفهوم “التترُّس”، أو قتل الأبرياء كجزء من العمليات العسكرية (ما تسميه وزارة الدفاع الأميركية “الخسائر الجانبية”). وقد صارع العلماء المسلمون، مثلهم مثل نظرائهم المسيحيين، مع كيفية الموازنة بين واقع الحرب وحاجاتها وبين دعوة دينهم إلى حماية الأبرياء. وقد خسرت الكثير من الجماعات الجهادية الدعم الشعبي عندما قتلت الأبرياء -خاصة المسلمين منهم- في عملياتها. وأسفر هجوم شنه “القاعدة” ضد مجمعات سكنية في الرياض في العام 2003 عن مقتل نحو 20 سعودياً -وهو عدد أكبر بكثير من القتلى الأميركيين- وجلب إدانة واسعة من السعوديين العاديين. وقتل تفجير أيار (مايو) 2003 عدداً من المسلمين يساوي عدد “الكفار الغربيين” تقريباً. كما قتل الهجوم الذي شُن في تشرين الثاني (نوفمبر) التالي -خلال شهر رمضان المقدس- وجرح المسلمين بشكل حصري تقريباً. وقد جُرح في الهجوم نحو 36 طفلاً. وهكذا، انقلب السعوديون العاديون بحدة ضد المجموعة.
كما كان لقرار تنظيم القاعدة في العراق استهداف فنادق يتردد عليها غربيون في الأردن، والتي كان أحدها يستضيف حفل زواج محلي، تأثير مشابه هناك. وقد حاول تنظيم القاعدة أن يتعلم درسه من هذا. وعندما يتعلق الأمر بالمسلمين على وجه الخصوص، أصبحت المجموعة أكثر تمييزاً بكثير في استهدافها مما كانت عليه قبل 15 عاماً. وعندما أسر “داعش” وقتل عمال إغاثة غربيين في سورية، على سبيل المثال، شجب تنظيم جبهة النصرة المرتبط بالقاعدة هذا العمل ووصفه بأنه “خاطئ وفق الشريعة الإسلامية”، و”يأتي بنتائج عكسية”. بل إن أبو عمر العقيدي، وهو ناشط ومسؤول رفيع في جبهة النصرة، غرد على “تويتر” ليدعو “داعش” علناً إلى إطلاق سراح بيتر كاسينغ، عامل الإغاثة الأميركي (والمتحول إلى الإسلام)، والذي كان قد “أجرى عملية (جراحية) ناجحة تحت قصف النظام” للعقيدي نفسه وعالج جهاديين آخرين. وبعد التمثيل الشائن بطيار أردني مسلم أيضاً، استنكر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية شريط الفيديو ووصفه بأنه “دليل قاطع على انحراف داعش”.
تبقى هذه الاختلافات غامضة بالنسبة للكثيرين، لكن لدى الحركة أيضاً سؤال أساسي يتعلق بالتنظيم: هل ينبغي أن يكون هرمياً بصرامة، أم أنه ينبغي أن يكون أقل مركزية؟ في العادة، كان تنظيم القاعدة في التسعينيات، ثم “داعش” نفسه فيما بعد مع منظمته السابقة، يدفعان بشكل هرمي: لديهما قائد أعلى، ومساعدون رفيعون، ولجان للتعامل مع القضايا الرئيسية مثل الأمن والإعلام… وهكذا. كما حاول “داعش” أيضاً تكرار هذا النموذج على المستوى المحلي لضمان النظام والسيطرة. ومع ذلك، جعلت حملات مكافحة الإرهاب التي لا هوادة فيها، والتي شنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، من شكل الهياكل الهرمية خطيراً للغاية. كان من شأن قتل أو أسر قادة رئيسيين وقف المجموعة المعنية مؤقتاً، أو تقييد عملياتها بشدة على الأقل.
بالإضافة إلى ذلك، عرض الاتصال المتواصل الضروري الذي تمس الحاجة إليه لإدارة حركة إرهابية كبيرة أو عالمية خطر الكشف عن أماكن تواجد شخصيات رئيسية في الحركات. ومع أن “داعش” ما يزال يفضل وجود درجة ما من الهرمية، فإن مجموعات أخرى دعت إلى عمليات أقل مركزية بكثير. ومع أن تعطيل هذه العمليات يكون أصعب فإنها تنطوي خطر تشرذُم المنظمة. وحتى لو لم تضع المنظمة المعنية تعليمات واضحة فيما يتعلق بـ”التترُّس” وغيره من مخاوف الاستهداف، فإن من الصعب فرض النظام، مما يعرض خطر تسبب أعمال غير مصرح تقوم بها خلية محلية أو فرع أجنبي في تشويه سمعة المجموعة الأوسع.
كما أن الحركة الجهادية منقسمة بشكل عميق أيضاً حول مسألة الخلافة. وقد بنى تنظيم “داعش” سمعته جزئياً على إعلان عودة الخلافة. ومع ذلك، بدا تنظيم القاعدة مرتبكاً في الكثير من تصريحاته العلنية بسبب شعبية المفهوم، وهدف المجموعة طويل الأمد المتمثل في تأسيس دولة إسلامية خاصة بها. ولكن النقد كان لاذعاً في الحوارات الخاصة، بحجة أن الحركة الجهادية ككل لا تتمتع بعد بالدعم الشعبي الضروري لإقامة خلافة قابلة للبقاء، وبأن تأسيس هياكل دولة في منطقة معينة يخبر الولايات المتحدة وحلفاءها بكل ببساطة بأين يقصفون.
وحتى تحت مستوى الخلافة، تختلف الجماعات حول ما إذا كانت ستفرض قانون الشريعة الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها. ويعتقد “داعش” أن واجبه الديني أن يفعل ذلك، وبطبيعة الحال، لن تكون الخلافة حقيقية إذا لم تحكم وفق الشريعة الإسلامية. ومع ذلك، في المناطق حيث تتولى المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة السيطرة، فإنها تأرجحت بين الفرض الصارم لقوانين الشريعة الإسلامية وبين انتهاج خط أكثر تساهلاً يقوم على تثقيف السكان المحليين، أو حتى ترك الأمر للقادة المحليين لحل النزاعات والمسائل الأخرى.
بشكل عام، يفضل تنظيم القاعدة والمجموعات المرتبطة به استخدام نهج أكثر قرباً إلى فلسفة “كسب القلوب والعقول”، القائم على تقديم الخدمات، والعمل مع القادة المحليين، وعقد الشراكات مع جماعات الثوار الأخرى. وفي المقابل، يريد “داعش” سحق الأعناق والظهور، وتشريد القادة المحليين، وضمان ممارسة سلطته الخاصة. وكثيراً ما يضع التنظيم الأجانب في مواضع السيطرة على المناطق التي يحتلها، بينما تفضل الجماعات التابعة للقاعدة الاعتماد على القادة المحليين. وفي سورية والأماكن الأخرى التي تتواجد فيها العديد من الجماعات الجهادية، يطلب “داعش” من هذه الجماعات إعلان الولاء، بينما يدعو القاعدة إلى عقد شراكات مع جماعات الثوار السوريين الأخرى، ويختار الجلوس في المقعد الخلفي في كثير من الأحيان.
كما تختلف الحركة الجهادية العالمية أيضاً حول مدى تركيز العمل محلياً وإقليمياً في مقابل أولئك الذين يريدون التركيز على الولايات المتحدة أو البلدان الغربية الأخرى. وتحاول معظم المجموعات المزج بين الأمرين: وعلى سبيل المثال، أنفق تنظيم القاعدة منذ 11/9 الكثير من ماله وطاقاته لمساعدة حركة طالبان، واستخدم معسكراتها في أفغانستان لتدريب المقاتلين المركزين على تحريض التمردات في أنحاء العالم الإسلامي؛ وفي الوقت نفسه، هندس التنظيم هجوماً إرهابياً هائلاً على الولايات المتحدة. وبشكل مشابه، سعى “داعش” بشكل أساسي إلى تقوية خلافته وتوسيعها، لكنه حاول أيضاً تشجيع الأتباع على شن الهجمات على الغرب، واستخدم ناشطيه في توجيه ضربات دموية، مثل هجمات العام 2015 في باريس.
ومع ذلك، يجعل الجمع بين الأمرين معاً من الأصعب على المجموعات تركيز مواردها، وينطوي على خطر خلق مزيد من الأعداء، وهو ما تكرهه جماعات الثوار المحلية بشكل مفهوم. وعلى سبيل المثال، أعلن فرع القاعدة في سورية أنه لن يهاجم الغرب، وانفصل ظاهرياً عن القاعدة الأم ليظهر للحلفاء المحليين أنه لن يقف في طريق تسلمهم المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة وشركائها.
ثمة سؤال مهم، هو ما إذا كانت هذه المسائل تشكل اختلافات في الأهداف أم أنها ببساطة مجرد اختلافات في الأولويات. فإذا اختلف الجهاديون على الحصيلة الأساسية، فإن أي وحدة أو غاية أو تنظيم ستكون عندئذٍ أصعب كثيراً على التحقيق. وإذا كانت المسألة تتعلق ببساطة بالأولويات، فإن التغيرات في الظروف يمكن أن تجلب الفصائل المختلفة معاً على أساس نفعي.
تعني مسائل التترُّس أو الخط الدقيق حيث تبدأ الردة وتنتهي القليل لمعظم جنود المشاة. وقد أظهرت البيانات التي تم الاستيلاء عليها من سجلات “داعش” أن 70 في المائة من المجندين زعموا أن لديهم معرفة أساسية فقط بالإسلام. لكن لبعض هذه المسائل تأثير هائل على مدى القبول الذي تتمتع به المجموعات المختلفة. وقد أظهر مبدأ إحياء الخلافة، على سبيل المثال، أنه مقنع بالنسبة للكثير من المجندين، وأن الإغواء بلعب هذه الورقة الشعبية -بغض النظر عن شرعيتها المتصورة بين الأصوليين- سيكون حاضراً في المستقبل أيضاً.
من المغوي دائماً حث الولايات المتحدة على محاولة تعميق هذه الانقسامات في الحركة الجهادية العالمية، وقد فعلتُ ذلك أنا نفسي في بعض الأحيان. ومع ذلك، فإن مسار الولايات المتحدة في التأثير على الحوار الجهادي يتراوح بين البؤس والغياب الكامل. كما أن محاولة توليد المزيد من الفصائل الأكثر تطرفاً عن عمد ليس عملاً حكيماً. لكن الصدوع الداخلية في الحركة الجهادية تشوِّش فعلاً أعداء الولايات المتحدة، وتقوم بإنجاز بعض العمل نيابة عنا. إنها، على أقل تقدير، تستهلك وقتاً وطاقة ثمينين لدى محاولة التنظيمات التغلب على المجموعات المنافسة في دعايتها. وفي معظم الأحوال، تفضي الاختلافات إلى إطلاق رصاص حقيقي، أو الى انصراف المجندين والمانحين عن المجموعات الجهادية بسبب اقتتالها الداخلي.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان:
The Battle for the Leadership of Global Jihad Starts Now
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 15/10/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى