تقرير مترجم عن فورين بوليسي – العالم يحترق بينما يُضيع فريق ترامب الوقت ويتعثر
فورين بوليسي – شيبا كروكر – 28/2/2017
انشغل تركيز واشنطن في الآونة الأخيرة بالكشف المقلق على أساس يومي تقريباً عن الافتقار إلى التواصل بين الوكالات حول قرارات السياسة الخارجية: ثمة الرسائل المتعارضة التي يبثها الرئيس، ومستشاروه السياسيون، ونائب الرئيس، ووزراء الحكومة. كما أن هناك أعمالاً كبيرة تتخذ كما يبدو من دون أخذ رأي وزير الخارجية أو وزارة الخارجية عموماً.
وهذا بالتأكيد يكفي للانشغال به، لكن المفقود أكثر ما يكون وسط كل هذا هو التجاهل لقضايا خطيرة في السياسة الخارجية، والتي تستحق انتباهاً أكثر مما توليه لها إدارة ترامب، والتي يثير غيابها الواضح أسئلة حقيقية عن القيادة والانخراط الأميركيين. وقائمة القضايا المعنية طويلة، كما هي حالها دائماً، لكن البعض منها جدير بالإبراز.
لقد قتلت الحرب الأهلية السورية مئات الآلاف وشردت الملايين. وفصل تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية حالات الإعدام المنتظمة التي تجري في سجون بشار الأسد؛ حيث قيل إن حوالي 13.000 شخص أعدموا ميدانياً. وفي حين أن هناك وقفاً لإطلاق النار، والذي اتفقت عليه روسيا وتركيا، وهو صامد اسمياً، فإن التكتيكات الوحشية لنظام الأسد وداعميه الروسي والإيراني ما تزال كامنة في الانتظار.
على هذه الخلفية القاتمة، باشر مبعوث الأمم المتحدة الخاص، ستيفان دي ميستورا، مباحثات سياسية في جنيف مؤخراً حول إنهاء الصراع، في تحرك هو الأول من نوعه في 10 أشهر. وكان كل من دي مستورا والأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غويريس، قد وضعا عن قصد سقوفاً منخفضة لأي انفراج في هذه الجولة من المباحثات. لكن مهمتهما تظل بالتأكيد أكثر تحدياً على ضوء حالات عدم اليقين التي تحيط بالموقف الأميركي من الصراع السوري في ظل إدارة ترامب. وقد تواجد المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل ريتني، في جنيف لحضور المباحثات، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة انسحبت -في الراهن على الأقل- من الاضطلاع بدور قيادي في محاولته بذل جهود دبلوماسية لحل الصراع. وكان السيد دي مستورا قد قال في الأسبوع قبل الماضي: “أين الولايات المتحدة؟ لا أستطيع أن أخبركم، لأنني لا أعرف… ثمة شيء أفتقده في هذه اللحظة من أجل أن نحصل على معادلة واضحة… استراتيجية أميركية واضحة”.
في جنوب السودان، هو بلد آخر دمرته حرب أهلية وحشية بلا معنى، أعلنت الأمم المتحدة مؤخراً أن المجاعة ضربت أجزاء معينة من البلد، مبينة أن هناك نحو 100.000 شخص تحت خطر الموت جوعاً، وأن ما يصل إلى مليون شخص آخر تحت خطر مواجهة مصير قاتم. وكانت وكالات الأمم المتحدة قد أصدرت التماسات أجل توفير وصول إنساني غير معاق إلى عموم جنوب السودان، وهو شيء منعته الحكومة هناك لعدة أعوام. وتعد الولايات المتحدة حتى الآن أكبر مانح للمساعدت الإنسانية لجنوب السودان، لكن الحاجة تمس إلى قيادة أميركية عازمة وقوية لحمل قادة جنوب السودان على العمل مع لاعبين إقليميين رئيسيين، مثل أثيوبيا، لخطب ود مانحين آخرين للالتزام بتمويل لمعالجة هذه الأزمة الضخمة، ولاستخدام مجلس الأمن الدولي والمحافل الأخرى لزيادة الضغط السياسي على حكومة جنوب السودان.
للإنصاف، كانت الولايات المتحدة قد دعت مجلس الأمن في الأسبوع قبل الماضي إلى بحث الموضوع، وأصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً صحفياً أعرب عن قلق الولايات المتحدة العميق بسبب الإعلان عن المجاعة. لكن، كما أشار زميلي في حكومة الظل، روبين بريغيتي، فإننا لا نملك فكرة حتى الآن عن أين وكيف ستنخرط إدارة ترامب في قضايا أفريقيا. وحيث يوجد ملايين الناس تحت خطر المجاعة في جنوب السودان (بالإضافة لليمن ونيجيريا والصومال -والتي تحذر الأمم المتحدة من أنها تواجه هي الأخرى خطر المجاعة)، فإن العالم لا يستطيع دفع كلفة التخلي عن الدور التقليدي القوي الذي تلعبه واشنطن في الحياة القصيرة لجنوب السودان، أو في القضايا الإنسانية الأوسع نطاقاً.
وعلى مقربة، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، طفت على السطح تقارير وأشرطة فيديو تشير إلى أن القوات المسلحة أعدمت ميدانياً عدداّ من المدنيين. وجاء الرد الأميركي مرةً أخرى في شكل بيان موجز صدر عن نائب الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، والذي يعرب فيه عن القلق العميق. ومن اللافت أن البيان دعا أيضاً حكومة الكونغو الديمقراطية إلى العمل مع “المنظمات الدولية” لإطلاق تحقيق فوري لضمان محاسبة المسؤول عن الممارسات المزعومة. ومن الطبيعي أن يكون من غير الواضح إلى أي مدى ستستمر الولايات المتحدة في الانخراط مع تلك المنظمات الدولية التي تستطيع لعب مثل هذا الدور، وخاصةً مكتب المفوّض العام لحقوق الإنسان. لكن الأكثر أساسية، على ضوء أن إدارة ترامب حيدت وزارة الخارجية إلى حد كبير، هو أن الوزارة المفترقة إلى موظفين رفيعين، يترتب عليها إصدار إيجاز صحفي مفرد؛ بيان صدر عن مكتب مسؤول الإعلام، والذي يبدو من غير المرجّح أن ينفع مع حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، وبالكاد يستطيع منح الكثير من السلوى لعائلات الضحايا.
في مكان آخر، كانت الأمم المتحدة قد قرعت مؤخراً أجراس الإنذار مرةً أخرى حول الأزمة الإنسانية في اليمن، محذّرة من أن هناك 7 ملايين شخص قد يكونون تحت خطر المجاعة، ومتحدثة عن طيف مجاعة محتملة في ذلك البلد. وبعد مضي ثلاثة أعوام، ما تزال الحرب الأهلية في اليمن تستعر، بينما توقفت الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، والتي تمت تحت قيادة مبعوث قادر خاص للأمم المتحدة. وكما دعا جون فاينر قبل أسابيع قليلة، فإن من الممكن أن يقدم وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، على جهد دبلوماسي مبكر من خلال الدفع بعربة الجهود المتوقفة من أجل وضع حد للحرب الأهلية في اليمن. مع ذلك، تركّز إدارة ترامب بدلاً من ذلك حتى الآن على تحذيرات غامضة -لكنها تشير إلى نذر- موجّهة إلى إيران (والتي تجعلها قيد الإشعار) ومشيرةً إلى غارة خطيرة وغير ناجحة أفضت إلى مقتل جندي في البحرية الأميركية والعديد من المدنيين اليمنيين. وكما هو الحال بشأن سورية، أصدرت الإدارة حتى الآن تأكيداً كبيراً على جهود مكافحة الإرهاب المنفصلة، والتي تتصل أيضاً باليمن. لكن عليها أن تضع علامات تمكن ملاحظتها في ما يتعلق بأي دور قد تلعبه في المساعدة على إنهاء الحرب الأهلية الوحشية في اليمن. وفي الأثناء، يظل المدنيون في اليمن يائسين، بينما ترك مسؤولو الأمم المتحدة ليقرعوا أجراس الإنذار، آملين أنها لا تستمر في الوقوع على آذان صمّاء.
بالكاد تكون هذه القائمة الخاصة بالأماكن شاملة. فثمّة الهجوم العسكري الوحشي الذي طال لأشهر في ولاية راكين في ميانمار، والذي قتل مئات الأشخاص ودفع بعشرات آلاف الآخرين إلى الهرب نحو بنغلادش؛ وهناك انعدام الأمن الغذائي الخطير في نيجيريا والصومال؛ والهجوم المضاد الذي يشنه الجيش العراقي على الموصل، والذي قد يتسبب بتحديات إنسانية خطيرة؛ والمزيد.
يوفّر هذا التعداد الموجز إحساساً بأحداث الحياة الواقعية التي تستمر على قدم وساق، والتي لا تستطيع الانتظار بينما إدارة ترامب تتعثّر في السماح لوزير الخارجية بملء المناصب الشاغرة في الوزارة، أو تتجاهل نصائح المهنيين العقلانيين والمكرّسين في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركيين.
إن العالم معتاد على أن تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً في معالجة هذه التحديات. وتستطيع قوة واشنطن الدبلوماسية جلب الأطراف المتحاربة المترددة إلى الطاولة، وإقناع البلدان الأخرى بالمساهمة في تقديم أموال وحضور مفاوضات السلام، والمساعدة في حماية المدنيين الأبرياء، ودفع الجهود لضمان العدالة والمساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان.
من السابق لأوانه كثيراً معرفة ما إذا كانت الولايات المتحدة في ظل الرئيس ترامب ستحقّق هذه الأهداف. لكن من الجدير التذكر أيضاً أنه بينما تطيل واشنطن التعثر، فإن ملايين الناس يظلون عالقين في صراعات وحشية حول العالم، ومن المحتمل أن يواجهوا تداعيات فظيعة قد لا تنتظر بينما تشخّص إدارة ترامب الدور الذي سوف تلعبه على المسرح العالمي. وكما لاحظ دي مستورا من الأمم المتحدّة في تفسيره لدفعه في اتجاه استئناف المباحثات -حتى في غياب معرفة ما ستكون عليه استراتيجية الولايات المتحدة، فإنه “في الأثناء، يستمر التاريخ في المضي قدماً”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
While the Trump Team Fiddles, the world Burns
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 5/3/2017