ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن فورين بوليسي – إقليم كردستان العراق لم يكن مستعداً أبداً لقيام الدولة

فورين بوليسي – دينيس ناتالي – 31/10/2017
أخفت الحرب ضد “داعش” مواطن ضعف الأكراد السياسية والاقتصادية، لكن خسارة كركوك جعلت من المستحيل تجاهلها.
* * *
جعل الاستفتاء الذي جرى في كردستان العراق في أيلول (سبتمبر) الماضي وضع الأكراد السيئ أصلاً أكثر سوءاً بكثير. وبدلاً من أن يعزز المكانة السياسية والحكم الذاتي للأكراد، بدد الاستفتاء النوايا الطيبة الدولية تجاههم، واستعدى بغداد وجيرانها، وعمق المخاطر الاقتصادية والانقسامات المجتمعية في الإقليم. كما أفضى إلى خسارة السيطرة على أراضٍ وموارد مهمة. وقد أعادت القوات الأمنية العراقية بسط سلطتها على كركوك وأصولها النفطية، وعلى “مناطق متنازع عليها” ونقاط العبور الحدودية العراقية بعد انسحاب متفاوض عليه لقوات البشمرغة الكردية.
والآن، تجد حكومة إقليم كردستان نفسها محاصرة سياسياً واقتصادياً. وعلى الرغم من أن هذه الحكومة عرضت “تجميد” نتائج الاستفتاء نتيجة للانهيار السياسي ومن أجل استباق تقدم القوات العراقية إلى داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة الكردية، طالبت الحكومة العراقية بإلغاء كامل لنتائج الاستفتاء، مع أن كلا الجانبين منخرطان في مفاوضات. ويهدد الانهيار الناجم عن الاستفتاء بإعادة تنظيم السياسة الداخلية لحكومة إقليم كردستان، حيث أعلن الرئيس مسعود برزاني نيته التنحي من منصبه يوم الأول من تشرين الثاني (نوفمبر).
لكن الاستفتاء كان عامل التحفيز أكثر من كونه المسبب للأزمة الراهنة التي تعيشها حكومة إقليم كردستان. وكانت هذه الحكومة قد روجت سرداً عن أن المنطقة هي ديمقراطية علمانية تنعم باقتصاد مزدهر وتتوافر على قوة عسكرية متماسكة -لكن المنطقة التي لا تطل على أي مياه كانت في واقع الأمر غير مستقرة اقتصادياً، وضعيفة مؤسساتياً ومنقسمة سياسياً منذ وقت طويل.
كان الخطأ الأول الذي ارتكبته قيادة حكومة إقليم كردستان هو التركيز بكثافة على تجميع الدعم الدولي لمشروعها الطموح لبناء دولة، بدلاً من محاولة إقناع العراقيين به. وبدلاً من جذب غير الأكراد إلى داخل أراضي “كردستانها” كمواطنين على قدم المساواة، ميزت حكومة إقليم كردستان ضدهم. وخلال زيارة قمتُ بها إلى شمال العراق قبل أيام من إجراء استفتاء الاستقلال، قال لي رجل أعمال كيف أنه “حتى في الأعمال التجارية نحن غير متساوين”. واشتكى من الضرائب الإضافية التي كان عليه دفعها لنقل السلع في داخل منطقة كردستان. كما كان رد فعل الأشوريين غاضباً على قيام الحزب الديمقراطي الكردي الحاكم بمصادرة أراضٍ وباستبدال الحزب قادتهم المحليين بمسؤولين الحزب -في عملية يقولون إنها تهدف إلى “محوهم” من سهول نينوى. كما يشعر الكثير من الأيزيديين بالاستياء من تخلي الحزب الديمقراطي الكردي عنهم وإسلامهم لتنظيم “داعش” في العام 2014.
نتيجة لذلك، كان العراقيون من غير الأكراد معارضين بأغلبية ساحقة لقيام دولة كردية، وخاصة دولة تضم محافظة كركوك الغنية بالنفط. وقال لي زعيم عربي قبلي بارز قبل أيام من إجراء الاستفتاء إن 5 في المائة فقط من العرب في كركوك يقبلون بهيمنة حكومة إقليم كردستان على المنطقة. وقال لي قائد عربي آخر صراحة إنه لن يعتبر نتيجة الاستفتاء مشروعة أبداً. وقال: “لم ينته الأمر… سوف نستعيد كركوك”.
وحتى لو لم يحرك استفتاء الاستقلال المعارضة المحلية والإقليمية، فإن غياب عوائد كافية لحكومة إقليم كردستان وهيكل قيادة عسكرية موحد كان ليقوض قدرتها على الاحتفاظ بالأراضي التي كسبتها خلال الحرب ضد “داعش” وتأمينها. (توسعت أراضي حكومة إقليم كردستان بواقع 40 في المائة خلال الحملة العسكرية). وكانت التنمية الاقتصادية السريعة التي شهدتها المنطقة من العام 2008 وحتى العام 2012 قد تلقت التمويل في الجزء الأكبر من ثروة العراق النفطية، وليس من اقتصاد كردي مديم لذاته. وكان قرار حكومة إقليم كردستان في العام 2014 الالتفاف على بغداد بمبيعات نفطية “مستقلة”، بالإضافة إلى هبوط أسعار النفط وتكاليف الحملة العسكرية ضد “داعش”، قد فاقمت هشاشتها الاقتصادية. ومع أن حكومة إقليم كردستان خفضت الإنفاق ورفعت الضرائب، فإنها فشلت في التأقلم بفعالية مع مشاكلها المالية والسياسية.
في الأثناء، عولت الانتصارات العسكرية الكردية بشكل كبير على الدعم الخارجي -تحديداً قوة طيران الائتلاف- وليس على القوة المؤسساتية الخاصة لحكومة إقليم كردستان. وكانت السيطرة على القوات الأمنية التابعة لحكومة إقليم كردستان، بما فيها قوات البشمرغة، مقسمة منذ وقت طويل بين الحزبين السياسيين الرئيسيين في المحافظات الثلاث التي تشكل المنطقة.
وأصبحت هذه الانقسامات واضحة بعد الاستفتاء، عندما فاوض بعض القادة من الحزب الوطني الكردستاني، الحزب الكردي الرئيسي الآخر، على صفقة مع بغداد وقام بسحب قوات البشمرغة من كركوك من دون إبلاغ المسؤولين في حكومة إقليم كردستان أو الآخرين في الاتحاد الوطني الكردستاني. كما يفسر ذلك لماذا تتهم الفصائل المختلفة بعضها بعضا الآن بالخيانة و”بيع كركوك”.
الآن، تهدد الخسارة المشهودة لكركوك، سوية مع حقولها النفطية وأصولها وحقول أصغر في محافظة نينوى، بتعميق المأزق المالي لحكومة إقليم كردستان. وقد خفضت هذا الخسارات إنتاج وصادرات النفط حتى الآن من حوالي 600.000 إلى 280.000 برميل في اليوم، آخذة معها حوالي 55 في المائة من عوائد تصدير النفط لحكومة إقليم كردستان. كما أنها تتزامن مع تراجع فرص قطاع الطاقة لدى حكومة الإقليم. وقد هبط سعر النفط بقوة، وانسحبت شركات النفط الدولية من 19 مجمع استكشاف في داخل المنطقة منذ العام 2014.
وهكذا، أنهى الانهيار المالي أي أمل كان لدى الأكراد ببناء اقتصاد حكم ذاتي مديم للذات ومنفصل عن بغداد. وسوف تجعل هذه الظروف الصعبة من الأوضاع أكثر صعوبة على حكومة إقليم كردستان أن تدفع رواتب موظفيها -التي لم تدفع بالكامل في عامين- ودينها الذي يفوق 20 مليار دولار، وتكاليف تشغيل شركات النفط الدولية والمتاجرين بالنفط. وقد تستمر صفقات الطاقة التي وقعتها حكومة إقليم كردستان مع تركيا وشركة النفط الروسية “روزنفت” -لكن من المرجح أن يأتي هؤلاء المستثمرون الأجانب، خاصة بعد الاستفتاء، على حساب السيطرة الكردية على سوق الطاقة وآليات التسعير. ومن شأن إغلاق بغداد للمجال الجوي الدولي في منطقة كردستان وإلغاء بعض الرحلات الإقليمية والتهديد بإغلاق الحدود من تركيا وإيران -إذا استمرت- أن تضيف إلى المستنقع الاقتصادي وحسب.
كما يواجه القادة الأكراد على نحو متزايد ضغوطاً لتنفيذ إصلاحات سياسية أيضاً. ويهيمن الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني معاً على الشؤون السياسية والاقتصادية للمنطقة، وقد حافظا على اتفاق لتقاسم السلطة منذ أول تأسيس لحكومة إقليم كردستان في العام 1992، على الرغم من شكوك حامت حول اندلاع حرب أهلية وتوترات. ومؤخراً فقط دعا مسؤولون رئيسيون من كلا الحزبين إلى تمديد ولاية البرلمان في كردستان ثمانية أشهر، وإلى تأجيل الانتخابات مرة أخرى -مؤكدين أكثر على سيطرتهم السياسية.
كانت المعارضة المحلية لهذين الحزبين ولحكومة إقليم كردستان واضحة خلال الاستفتاء؛ فبينما صوتت معاقل الحزب الديمقراطي الكردستاني في دهوك وأجزاء من أربيل بـ”نعم” بنسبة تراوحت بين 80 إلى 95 في المائة، شهدت أجزاء من محافظة السليمانية إقبالا منخفضاً إلى نحو 50 في المائة. وقد تعمقت هذه الانقسامات منذ الاستفتاء وانهياره. وحتى مع أن بعض الأكراد يلومون الحكومات الأجنبية على إفشال محاولة الاستقلال، فإن الأغلبية الساحقة يشعرون بأنهم تعرضوا للخداع من قادتهم في الحزبين الكرديين الرئيسيين.
كما أن الصراعات على السلطة احتدمت أيضاً في داخل وبين الأحزاب السياسية بما يمتد إلى ما وراء المنافسة بين الحزب الديمقراطي الكرستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وقد أشر العنف الأخير في برلمان كردستان العراق بعد بيان “استقالة” برزاني والتوترات المتواصلة بين المجموعات على ضعف الاستقرار السياسي داخل منطقة كردستان. لكن من غير المرجح نشوب صراع مسلح مطوّل، على الرغم من احتمال استمرار اندلاع حرب إعلامية وتفجرات للعنف، على نحو متقطع.
وكانت مجموعات معارضة ومستقلون وحزب إصلاحي جديد بزعامة رئيس الوزراء السابق في حكومة إقليم كردستان العراق، برهم صالح، قد دعوا إلى تشكيل “حكومة انتقالية” لحل الأزمات السياسية والاقتصادية لحكومة إقليم كردستان. ولكن، حتى مع إخلاء السيد برزاني منصبه، ليس هناك سبب لتوقع انهيار بيت برزاني أو بيت طالباني -وهما العائلتان اللتان كانتا خلف تشكيل الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني على التوالي -في أي وقت قريب. وللحزب الديمقراطي الكردستاني جذور مؤسساتية في العراق منذ الأربعينيات، وتذهب شبكات رعاية عائلة برزاني عميقاً. وسوف يحتفظ برزاني بنفوذ في “مجلس القيادة السياسية”، بينما سيظل نجله، مسرور، رئيساً للجهاز الأمني في الحزب الديمقراطي الكردستاني وسيظل ابن أخيه، نيشرفان برزاني، رئيساً للوزراء.
تبدو حكومة إقليم كردستان عرضة لاستخنلاص الدرس الخطأ بالضبط من الفوضى التي جلبها الاستفتاء. فبدلاً من الإقرار بسوء حساباتهم الاستراتيجية، نفى برزاني وغيره من القادة الأكراد المسؤولية عن فشل الاستفتاء وانهياره. ومن الممكن التعويل على هذه المجموعة للاستمرار في لعب دور الضحية ولوم “الخونة” على مظاهر عجزهم المؤسساتية، والعزف على وتر التهديدات الخارجية، بما في ذلك من إيران وميليشياتها، بدلاً من تكريس الاهتمام لمشاكلهم الداخلية وإصلاحهم المؤسسي.
وحتى عند ذلك، سوف تظل الملامح الأساسية لمنطقة كردستان بلا تغيير. سوف يظل الإقليم غير مطل على منافد مائية، ومعتمداً على الآخرين اقتصادياً، ومرتبطاً ببغداد وتركيا وطهران، ومقسماً سياسياً. وسوف تصبح نقاط الضعف واضحة بازدياد مع اكتساب الحكومة المركزية في العراق نفوذاً ومصداقية في عموم البلد والمنطقة، وبينما تستمر النزعة القومية العراقية في النمو في أوساط الجماهير.
وتحت هذه الظروف، لا تملك حكومة إقليم كردستان سوى خيار التفاوض مع الحكومة العراقية ودول الإقليم من أجل الاستدامة، تماماً مكما فعلت على مدى عقود. لكن الفارق الآن، بعد إجراء الاستفتاء الكارثي، هو أنها بدلاً من أن تتفاوض من موقف قوة، فقد أصبح على حكومة إقليم كردستان أن تتعامل مع بغداد من موقف الضعف.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Iraqi Kurdistan Was Never Ready for Statehood
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – ترجمات – 8/11/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى