ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن فورين بوليسي “إسكات المسلمين بأمريكا”.. حقبة جديدة من “الإسلاموفوبيا”

فورين بوليسي – ترجمات – 18/3/2017

قبل عقد من الزمن، لاحظ عدد قليل محاضرة جوناثان براون حول العبودية خارج الأكاديمية. براون هو مواطن أمريكي من واشنطن، يبدو أصغر قليلًا من عمره الحقيقي البالغ 39 عامًا، وهو الآن أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج تاون، ويُدير مركز الأمير وليد بن طلال للتفاهم الإسلامي-المسيحي. براون اعتنق الإسلام ويهدف في أعماله تيسير وصول الجمهور العام إلى الفكر الإسلامي.

إلا أن محاولات براون لشرح عقيدته جعلته شخصية مكروهة من قِبل اليمين الأمريكي. تدفقت المقالات المهاجمة له باعتباره مدافعًا عن العبودية والاغتصاب، وتلقت عائلته تهديدات بالقتل والاغتصاب.

بدأ الأمر كله بالنوايا الحسنة، فبراون واحد من غالبية المسلمين حول العالم الذين يؤمنون أن الدولة الإسلامية “داعش” يمارسون أفكارًا مشوهة عن الإسلام باعتباره يبارك العبودية، الاغتصاب وجرائم أخرى. لكن براون أيضًا يعرف أن ليس جميع المسلمين قادرين على الانفصال عن فكرة الجهاد. بالتأكيد مئات المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا إلى سوريا والعراق قد أغراهم الجهاد.

شعر براون بأنه نودي للمحاولة، فعقد محاضرة عامة في معهد الفكر الإسلامي في هير ندون بولاية فرجينيا، في السابع من فبراير. في أول جزء من سلسلة من ثلاثة أجزاء، تناول براون العبودية في الإسلام أملا في محاربة فكرة أن الإسلام تغاضى عن استعباد واستغلال البشر في أي وقت مضى.

ذلك عندما واجه معارضة من نوع مختلف – نظام اليمين الأمريكي المتطرف الذي تبنى نفس التفسيرات الملتوية للإسلام التي تروج لها الدولة الإسلامية. بعد المحاضرة، تحمل براون سلسلة من الهجمات على الانترنت من أكثر المتشددين والمحافظين اليمينين: مثل آن كولتر، روبرت سبنسر، وميلو يانوبولوس، الذي زعم أن براون لديه هوس التغاضي عن الأفعال التي تثبت الإدانة. غمر الفيضان الجامعة لتطالب براون بالاستقالة.

براون ما هو إلا ضحية لصناعة متزايدة من الخوف من الإسلام، وهذا يضيق مساحة لحوار متوازن ومنفتح، وتهميش المسلمين أنفسهم الذين يقومون بالدور الأكبر في تعزيز السلمية، والتفسيرات الحقيقية للإسلام. الولايات المتحدة تضع حماية قوية لحرية الخطاب الديني، ما سمح للتوصل إلى المناقشات اللاهوتية في بيئة حرة وحمايتها. لكن شبكة مستهدفة تسعى الآن لحرمان المسلمين من تلك الحرية واعتبار الإسلام عقيدة سياسية خطيرة وليس دينا؛ لإسكات المسلمين وتشويههم.

القرآن لا يشجع العبودية، حتى أن الرسول محمد شجع على عتق العبيد كعمل مُحبب. كما أعطى تعاليم أخرى تعتبر عادة كمبادئ توجيهية لمعاملة العبيد. هذا حد من نطاق العبودية، ولكنه لم يلغيها تماما.

بحلول القرن العشرين، رفض معظم المفكرين المسلمين ممارسة العبودية، ومُنعت في كافة أنحاء العالم الإسلامي. حظر أحمد بيك، حاكم تونس، العبودية في عام 1846، ثم حذت حذوها الكثير من الدول مثل السعودية عام 1962. لكن بينما يقرأ المسلمون الجدد آيات نُزّلت قديمًا، ويؤمنون بأنها صحيحة تماما ومعصومة من الخطأ، مثل الآية 24 من سورة النساء: “فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”.

وهنا يبدو اعتناق الإسلام لفكرة العبودية ويشجع على العلاقات الجنسية، وهو ما يمثل إشكالية لمن يؤمنون بالحرية وحقوق الإنسان، خاصة عندما طبقت الدولة الإسلامية مثل هذه النصوص لتبرير استعباد النساء والفتيات اليزيدية.

إلا أن هذه المشكلة واجهت المسيحيين أيضا لفترة طويلة. فخاضت الولايات المتحدة معركتها الخاصة مع المتشددين الذين تذرعوا بأن العبودية منصوص عليها. “العبودية تأسست بموجب مرسوم من الله عز وجل” كما قال جيفرسون ديفيس، رئيس الولايات الكونفدرالية الأمريكية، مضيفًا أنه كان مقبولا في الكتاب المقدس في كلا العهدين، من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا، وأنه كان موجودا في كل العصور، ووجد في أعظم الحضارات.

ذكر الإنجيل العبودية بالفعل، ولكن الرسول عيسى لم يُدينه قط. “أيها العبيد، أطيعوا سادتكم على الأرض في كل شيء” كما يأمر كتاب العهد الجديد من كولوسي. أما العهد القديم فلديه العديد من الآيات التي تنظم معاملة العبيد، والسماح للسادة بالزواج أو إقامة علاقات جنسية مع نساء الرقيق.

هذه الأيام بطبيعة الحال، وضعت المسيحية الأمريكية إلغاء حازم للأمر. لتصبح الحجج لدعم العبودية بالكتاب المقدس من نصيب الجماعات المتطرفة من القوميين المسيحيين. أما المسيحيين في أمريكا فلديهم مساحة خاصة ووافرة لمناقشة معنى والآثار المترتبة على هذه الحجج، والانخراط في تفسير استطرادي من كتابهم المقدس.

ونتيجة لهذه العملية التكرارية والنقاشات، مكنت حرية التعبير والمساحة المحمية للمناقشة، فإن الغالبية الساحقة من المسيحيين يعتقدون أن العبودية الخطأ في إيمانهم، ويستخدمونه كمبرر لتفسيرات حقوق الإنسان الحديثة.

يتزايد الإسلام حاليًا في الولايات المتحدة بدأب ماحيًا هذا الفضاء الحر واحترام المناقشة.

في محاضرة مدتها 80 دقيقة، ناقش براون العبودية بنفس قدر رجال المسيحية، عن طريق وضع العبودية في سياق تاريخي. بطريقة مألوفة للمؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا، حلل مصطلح العبودية باللغة الإنجليزية في القرن الواحد والعشرين، وما تشير إليه الكلمة من إساءة، عنف، عنصرية حادة، وحرب أمريكا لإلغائه. قال براون: “الحرية والعبودية مجرد أطياف رمادية”، ضاربًا عدة أمثلة لأشكال حديثة من العبودية مثل ارتفاع معدل العبيد في الدولة العثمانية، وعبيد امتلكوا عبيدًا لأنفسهم، وعصور كانت فيها الزوجة أشبه بالجارية، وأخيرا الحقوق المسلوبة للمرأة بالقرن التاسع عشر ببريطانيا.

اختتم براون قائلًا: “ما يهم ليس تسمية “العبودية” في حد ذاتها، ولكن ما إذا كان المجتمع يشارك في استغلال أو استعباد بالبشر. والشريعة الإسلامية سعت لمنع هذا الاستغلال والقهر”، وهو ما سيناقشه براون في محاضرته القادمة.

ما كان براون يحاول القيام به هو بناء جسر للمسلمين الأمريكيين بين دينهم وحقوق الإنسان، مثلما فعل كثير من المفكرين المسيحيين. جذبت جهوده انتباه نظام يعاني من الرهبة من الدين الإسلامي “الإسلاموفوبيا” ويهدف إلى تهميش أي مسلم، لتتحول محاضرة أكاديمية لبراون بسرعة لسيل من المقالات معدومة الضمير تصفه بأنه شخص “يبرر العبودية والاغتصاب”.

في السنوات التي تلت الحادي عشر من سبتمبر، بدأت شبكة صغيرة ولكنها قوية من الممولين والناشطين الأيديولوجيين حملة تضليل كبرى، تسعى لتصوير الإسلام كتهديد شيطاني يجب استئصاله. أسفرت جهود متضافرة في بنية تحتية مؤثرة من

المواقع والناشطين والنواب، أصحاب نفوذ كبير في مجالس المدن والمجالس التشريعية في الولايات، والآن لدينا الأذن من رئيس الولايات المتحدة.

بين عامي 2001 و2009، تبرعت سبع مؤسسات خيرية بأكثر من 42 مليون دولار لإنعاش خزائن مؤسسات الفكر المعادية للمسلمين، كما كشف تقرير عام 2011 من قبل مركز التقدم الأمريكي. تشمل هذه المنظمات: مركز فرانك جافني للسياسة الأمنية، ومنظمة “وقف أسلمة أمريكا” التي أسستها باميلا جيلر وروبرت سبنسر، وموقع مراقبة الجهاد لسبنسر، ومركز هورويتز ديفيد للحرية والذي يضم “مراقبة الجهاد”. كان الهدف الترويج أن الشريعة الإسلامية، أو القانون الإسلامي، مجرد عقيدة سياسية استبدادية، تمثل أكبر تهديد محلي تواجهه الولايات المتحدة اليوم. كما أن جماعة الإخوان المسلمين هي حركة إسلامية دولية منظمة، تتسلل إلى حكومة الولايات المتحدة، ولا يوجد مسلم يمكن الوثوق به.

حققت هذه الحملة نجاحًا واسعًا، حتى أن “جافني” هو الآن مستشار دونالد ترامب بالبيت الأبيض، ويمتد تأثيره في جميع أنحاء الإدارة. كما أن كيليان كونواي، الذي أدار حملة ترامب، ويشغل الآن منصب مستشار للرئيس، ويدير الاقتراع لمركز السياسة الأمنية.

في موقع باسم “أصوات الطلبة”، نُشرت مدونة بعنوان “البروفيسور جوناثان براون يدافع عن العبودية والاغتصاب في محاضرة بفرجينيا”. كاتب هذه المدونة هو سائق سيارة أجرة سابق من سانت لويز، اعتنق الإسلام ويدعى “عمر لي”، وله تاريخ طويل من التخبط بين المسيحية والإسلام المتطرف، كما كان أحد حضور المحاضرة. “لا أعلم ما يجب توقعه من براون، صُدمت حين قضى 90 دقيقة يدافع عن العبودية التي تتضمن موافقة صريحة على ممارسة الجنس دون وافقة الآخر”.

لا أعلم حقًا كيف استخلص عمر هذه الفكرة من محاضرة كانت تستهدف إثبات العكس في الأساس.

سرعان ما انتشرت هذه المدونة، ليختارها موقع “مراقبة الجهاد” وينشرها على موقع تويتر في سجال مع براون. في العاشر من فبراير أعادت آن كولتر نشر مقالة مشابه ليقرأه متابعوها الـ1.4 مليون. كان نص عنوان المقال: “أستاذ الدراسات الإسلامية بجورجتاون يدافع عن العبودية والاغتصاب، باعتبار أن الموافقة ما هي إلا مفهوم غربي”.

في الحادي عشر من فبراير، غرّد براون محاولًا إيقاف هذا الشلال قائلًا: “الإسلام كدين، وأنا كشخص، نُدين العبودية والاغتصاب والجنس دون زواج”. ولكن الأوان كان قد فات، فنشرت العشرات من المقالات تعلن دفاع براون عن العبودية والاغتصاب. باميلا جيلر كتبت عنه، وتحدث ميلو يانوبولوس عن براون على موقعه على الانترنت وعبر حسابه على الفيسبوك. كما تلقى براون العشرات من الرسائل الصوتية على هاتف مكتبه تخبره أن يحزم حقائبه ومغادرة البلاد، مما يعني أن الناس كانوا يأتون للبحث عنه وتهديده باغتصاب زوجته.

يوم 16 فبراير، وفي وسط المعمعة، وكتب براون ردا طويلا على مدونة “المسائل الإسلامية” قائلًا: “أولا، أريد أن أعتذر لكل من تضرر من كيفية معالجة موضوع العبودية في الإسلام”، وأضاف: “أود أن استمع إلى زوجتي أكثر. تقول لي دائما أن أتحدث عن أشياء مثل الكثير من علماء الدين، غير أن المسائل مثل العبودية تملأ قلبي، ولا يجب أن أتحدث عنها كعقل بلا جسد”.

اعتذار براون أظهره كشخص متواضع، وربما أيضا تقدير خاطئ لقدرته على السيطرة على الوضع، وربما إذا اختلف تصرفه لتغيرت النتيجة. في الواقع، المسلمين

الأميركيين يواجهون عقدة اضطهاد شديدة مثلما حدث بعد الحرب العالمية الثانية. تقريبا أي مسلم يختار أن يتكلم أو يصبح ناشطًا في السياسة يواجه سيلا من تلطيخ عديمي الضمير بالمثل.

يسعى العقائديون إلى تهميش المسلمين بجعل خطاباتهم ونشاطهم المتعلقة بدينهم مرتفعة التكلفة جدًا. ويعتقدون أن المسلمين حاقدون، مخادعون، خطيرو الازدواجية، وسوف يُثني هؤلاء الذين يعانون من “الإسلاموفوبيا” الحقائق لتتناسب مع مطالبتهم. فهم ينكرون على الإسلام نفس الحقوق التي يتمتع بها المسيحيون، ويُسكتون من يحاولون التوفيق بين الإسلام والحياة الأمريكية الحديثة. ربما يكون هذا هو القصد في النهاية.

التقرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى