ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن فورين أفيرز – ما الذي تعنيه استقالة الحريري للبنان؟

فورين أفيرز – بلال صعب – 6/11/2017
في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، أعلن سعد الحريري على الهواء مباشرة عبر شاشة محطة التلفزة “العربية” أنه استقال من منصبه كرئيس لوزراء لبنان.
وفي الحقيقة، كان القليلون يرون هذا التطور قادماً، ولو أنه لم يكن أمراً غير متوقع كُليّة. فبعد كل شيء، ليس الأمر كما لو أن الحريري كان سعيداً برئاسة حكومة تخضع لسيطرة خصمه حزب الله، الحزب السياسي والعسكري اللبناني المتهم بقتل والده رفيق في العام 2005. لم يكن الأمر كذلك. لكن استقالته الآن، في غياب أي محفزات واضحة وبهذه الطريقة الغامضة، تركت طبقة لبنان السياسية –وحتى حاشيته وقاعدته الشعبية الخاصة- مع الكثير من الحيرة والتوقع.
أن يكون سعد قد أخبر العالم عن قراره الاستقالة من الرياض، وليس من بيروت، كان شيئاً كاشفاً بشكل خاص. وهو يعني أن المملكة العربية السعودية التي دعمت آل الحريري سياسياً ومالياً خلال معظم تاريخ لبنان بعد الحرب الأهلية، تقوم بإعادة صياغة سياستها في لبنان بهدف إضعاف حزب الله بشكل أكثر فعالية. وكان وضع السعودية في بيروت قد تلقى الضربة بعد أخرى منذ مقتل رفيق بسبب هيمنة حزب الله ورعاته الأجانب، إيران ونظام الأسد، على المشهد اللبناني. ومع ذلك، يبقى ما يمكن أن تحققه هذه الإعادة لضبط السياسة السعودية تجاه لبنان بالضبط، أمراً غير مؤكد على الإطلاق.
يثير توقيت إعادة صياغة السياسة السعودية المحتمل في لبنان بعض الفضول. فقد بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتو استراتيجية إيرانية جديدة، والتي من المتوقع أن تكون أكثر عدوانية تجاه طهران وأنشطتها في جميع أنحاء المنطقة. وهناك أيضاً توتر متزايد بين إسرائيل وحزب الله، والذي ربما يدفع هذين الخصمين القديمين للعودة إلى السلاح مرة أخرى، وهو سيناريو قد يبتهج به السعوديون. ولا يجعل رحيل الحريري بالضرورة نشوب نزاع آخر بين إسرائيل وحزب الله أكثر احتمالاً، ولكنه يجعل لبنان ككل أكثر ضعفاً. ومع خروج الحريري، فإن شرعية الحكومة اللبنانية تصبح موضع شك على الفور، مما يجعلها هدفاً أسهل نظرياً لأعداء حزب الله، بما في ذلك واشنطن وتل أبيب اللتين تعتبران المجموعة الشيعية منظمة إرهابية.
لكنّ أياً من هذا لا يغير الحقائق التالية: بعد كسبها في سورية، وفي العراق إذا كان ذلك يهم، (الآن بعد أن أصبح “داعش” هارباً على الأعقاب)، لم تكن يد إيران في لبنان والمنطقة أقوى مما هي الآن في أي وقت مضى. وبطبيعة الحال، ما تزال هناك قيود جديّة على النفوذ الإقليمي لإيران، وما تزال طهران ضعيفة في مجالات متعددة، ولكن دعونا نكون صادقين: إن مخزونها الإقليمي آخذ في الارتفاع.
بالإضافة إلى ذلك، وبغض النظر عن رغبتها في مواجهة طهران في المنطقة، فإن سياسة واشنطن الجديدة تجاه إيران ما تزال تطلُّعاً فحسب. وقد أنهت إدارة ترامب دعم الولايات المتحدة للثوار المعتدلين في سورية. ومن المرجح أن اهتمام واشنطن المحدود أصلاً بسورية، سوف يختفي جملة وتفصيلاً بعد أن يذهب ما تبقى من “داعش”. وفي العراق، لم يعرب ترامب عن أي رغبة في الحفاظ على موطئ قدم عسكري أميركي كبير في البلاد، ولا يبدو أن لديه استراتيجية سياسية – اقتصادية أيضاً، وهو ما يعني التنازل فعلياً عن المنطقة لإيران. وهكذا، ومع كل نباحها، فإن استراتيجية ترامب الإيرانية لا تعضُّ وليست لها أسنان حتى الآن. وهناك قيادة جديدة، شابة وصقرية في الرياض، لكنها ليست غبية ولا انتحارية.
وإذن، أين يترك ذلك المملكة العربية السعودية ومساعيها الجديدة لتأكيد ذاتها في لبنان؟ بالنظر إلى التفوق العسكري المطلق لحزب الله على أي من خصومه الداخليين -حتى جيش البلد نفسه- فإن المواجهة الفيزيائية مع المجموعة هي أمر غير وارد. وهناك قيادة جديدة وشابة وصقرية في الرياض تحت السيطرة الحازمة لولي العهد الذي سيصبح الملك قريباً محمد بن سلمان، لكنها ليست انتحارية. وعلاوة على ذلك، ليس لدى اللبنانيين السُنة مصلحة في الدخول في حرب مع حزب الله، وهم يعرفون أنهم سيخسرون.
ولذلك، ستكون المعركة سياسية في المقام الأول، سواء في الداخل أو في أروقة الدبلوماسية الدولية. وقد أصبح عقد الانتخابات البرلمانية في لبنان قريباً (على افتراض أن لا يتم تأجيلها). وقد تعني استقالة الحريري أنه سيترشح كرئيس للمعارضة، وهي معارضة يبدو أنها تنمو ويمكن أن تنمو أكثر بمساعدة مالية من السعوديين. وإذا فاز بأغلبية المقاعد في البرلمان المقبل، فإنه ربما يقلب الموائد على حزب الله.
ولكن، إذا كانت هذه حسابات سعد الحريري، فلماذا اختار أن يستقيل من الرياض؟ كان بإمكانه أن يعلن بسهولة دخوله سياسة المعارضة في بيروت. وحسب بعض القراءات، هناك احتمال لأن يكون الحريري قد أجبر على الاستقالة من قبل السعوديين، كجزء من نهج الرياض الجديد المناهض لإيران. فبعد كل شيء، كان الحريري يبدو عصبياً بشكل خاص وهو يلقي خطاب استقالته، وبدا محتاراً تقريباً إزاء ما كان يقرأ –وهو وثيقة تحتوي على جرعة كبيرة من النقد اللاذع ضد إيران، من النوع الذي اعتاد السعوديون فقط على استخدامه. وعلى الرغم من خلافه القديم مع حزب الله، فقد أظهر التاريخ أن الحريري شخص يتبنى الواقعية السياسية. وكان ما عرضه على التلفزيون السعودي بعيداً عن شخصيته.
ولكن، حتى لو افترضنا أن الحريري اتخذ خطوته في شراكة مع السعوديين، وليس خوفا منهم، فإن ما سيحدث بعد ذلك ما يزال غير واضح. فلكي يشكل الحريري ائتلافاً جديداً عريض القاعدة للمعارضة، والذي يضم مسيحيين مخلصين للرئيس اللبناني الموالي لحزب الله ميشال عون، فإن عليه العودة إلى بيروت. كما يجب أن تكون لدى السعوديين خطة واضحة، أيضاً، بعيداً عن إلقاء المال على الحريري، وبعض الصبر الاستراتيجي، واللذين لا يبدو وجود أي منهما مضموناً.
كان رد حزب الله على استقالة الحريري، والذي جاء على لسان زعيمه حسن نصر الله قبل أيام، هادئاً بشكل ملحوظ. وقد بدا نصرالله متعاطفاً تقريباً مع محنة منافسه، مشتبهاً، مثل كثيرين آخرين، بأن الحريري أُجبِر على التنحي. وليست لدى حزب الله مصلحة في رؤية الحريري وهو يذهب، لأنه يوفر الشرعية للحكومة التي يسيطر عليها ويمثلها، مع نصرالله، كرمز للإجماع السني-الشيعي في لبنان.
لكن المجموعة الشيعية لن تبكي على مغادرة الحريري. وسوف تكافح بشكل كبير لإيجاد بديل له، والذي يكون مقبولاً من السنة (ثمة القليلون جداً ممن يريدون شغل وظيفة رئيس الوزراء في لبنان، خوفاً من مواجهة واشنطن والرياض). ولكن، أياً كان من ستساعد المجموعة الشيعية في اختياره، فإنها ستتأكد من عدم الوقوع في ما تعتبره فخاً ينصبه السعوديون: تشكيل ما سيكون أساساً “حكومة حرب” تستبعد السنة. ولدى حزب الله الكثير من المصالح التي يسهر عليها في سورية والعراق، ومخاوف جدية من نشوب حرب محتملة مع إسرائيل. ولعل آخر ما يحتاجه هو نشوب مواجهة داخلية تشتت الانتباه في لبنان.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
What Hariri’s Resignation Means for Lebanon
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 14/11/2017
ala.zeineh@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى