ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن ريل كلير وورلد – واجب الثوري

ريل كلير وورلد – فابيو رفائيل فيالو – 22/10/2017
ادعى اليسار المتشدد دائماً امتلاكه الأرضية الأخلاقية العالية، من خلال تصوير نفسه على أنه المدافع عن المحرومين في الأرض. وتتحول الشاخصات، من “البروليتاريا” إلى “العالم الثالث”، والأحدث “الـ99 في المائة” (لا أقل) من سكان العالم. ومع مثل هذه الجلالة في الهدف، يهاجم متطرفو العالم بشراسة أشرارهم المفضلين، تحديداً من يصفونهم بـ”الأوليغاركيين” أو الـ”الواحد بالمائة”، و”الإمبريالية” بطبيعة الحال.
وعندما وحيثما يرتقي زعيم أو حركة سياسية يرفعان هذه الشعارات إلى سُدة السلطة، يسارع أعضاء اليسار المتشدد، الثوريون المعلنون ذاتياً، إلى الإعراب عن الابتهاج والتحشيد والدعم بلا قيد أو شرط.
وقد شاهدنا هذا يحدث على نحو متكرر منذ الثورة البلشفية التي قادها أولاً فلاديمير لينين، والتي مضى بها قدماً تلميذه جوزيف ستالين. وقد فتن ” أبو الشعوب” اليسار المتشدد حتى إقرار المؤتمر السنوي العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي في العام 1956، بأن ستالين ارتكب جرائم خسيسة.
باسم النضال من أجل تقدم قضية الاشتراكية، رثى الذين يوصفون بالمفكرين التقدميين، من وزن بابلو نيرودا في تشيلي وبول إلوار في فرنسا، مجد ستالين. وقطع الشاعر الفرنسي والشيوعي المتشدد لويس أراغون شوطاً أبعد من ذلك، فكتب دفاعاً نابضاً عن الغولاغ (الوكالة الحكومية السوفياتية التي أقامت في عهد ستالين معسكرات العمل القسري).
لم يكترث مثل هؤلاء المفكرين -والأكثر عمومية، قطاعات ضخمة من اليسار الراديكالي- بالعدد الضخم من الشيوعيين الذين سقطوا فريسة لعمليات التطهير التي نفذها ستالين، ولا بطبيعة حكم الحزب الواحد للاشتراكية السوفياتية، حتى على الرغم من أن ممارساتها الوحشية لقيت الإدانة في تلك الأوقات من جانب نظيريهم، أندريه غايد من فرنسا وبانايت استراتي من رومانيا. كان ستالين يبني أول مجتمع خالٍ من الرأسمالية، وبذلك كان واجب كل ثوري أن يدعمه.
وهكذا، في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، في زمن المنافسات الأيديولوجية والجيوسياسية بين الاتحاد السوفياتي وصين ماو تسي تونغ، كان الثوريون المعلنون ذاتياً يفضلون واحداً أو آخر من النظامين المستبدين. وتم الإعراب عن النزر اليسير من القلق عندما ولّد هذان النظامان البؤس والمجاعات والقمع والوحشية ضد الرفاق الشيوعيين السابقين الذين اتهموا بأنهم منشقون ورجعيون أو من الثورة المضادة، بدلاً من المضي قدماً بمُثل التقدم الاقتصادي والاجتماعي التي يدعي اليسار المتشدد أنه يحارب من أجله.
كان تعاطف اليسار المتشدد مع الزعيم على طريقة “الكاسب يأخذ كل شيء” قيد العمل أيضاً في الوقت الذي كان يجري فيه التحرر من الاستعمار في إفريقيا وآسيا. وكان باستطاعة منغستو “هيلا ميريام” في أثيوبيا، وعيدي أمين في أوغندا، ومعمر القذافي في ليبيا، وحافظ الأسد في سورية، والحمَلة المعياريين للـ”الحكمة الثالثة” بعمل ما يشاؤون. وقد استطاعوا ارتكاب المجازر ضد المعارضين السياسيين، واغتصاب النساء اللواتي بلا دفاع، وتعذيب المقاتلين السابقين ضد الاستعمار. وكان مديح اليسار المتشدد متبلد الاحساس ينهال عليهم. وكان أولئك الطغاة يطرحون عالماً ثالثاً متحرراً من التدخلات الاستعمارية والاستعمارية الجديدة، ولذلك كان دعمهم واجب كل “ثوري”.
وصل جنون وهوس اليسار المتشدد بالحاكم الثوري ذرى جديدة مع قدوم فيدل كاسترو. وبعد تولي كاسترو زمام السلطة في كوبا، تم قتل المئات من المقاتلين من أجل الحرية السابقين الذين كانوا يقاتلون دكتاتورية الجناح اليميني بزعامة فولنسيو باتيستا برصاص فرق الإعدام التابعة للثورة، أو تم إرسالهم ليتعفنوا في السجون. وكانت الحالة البارزة أكثر ما يكون هي حالة هيوبر ماتوس، الشخصية الرئيسية في الثورة الذي أمضى 20 عاماً في السجن لأنه تساءل عن التحول الدكتاتوري في مسيرة الثورة التي كان قد حارب من أجلها. ووقف اليسار المتشدد بلا خجل إلى جانب نظام كاسترو من دون الإعراب حتى عن أقل تضامن مع الرفاق السابقين الذي وقعوا فريسة للنظام الشيوعي في كوبا.
هناك مثال آخر بغيض على افتتان اليسار المتشدد بكوبا الشيوعية، والذي يتصل بافتقارها إلى رد الفعل على التواطؤ بين فيدل كاسترو والدكتاتور العسكري اليميني الأرجنتيني، يورغ رفائيل فيديلا. وقد أظهرت أوراق رسمية رفعت عنها صفة السرية في العام 2014 معلومات تشير إلى أن النظامين دعما بعضهما بعضاً بشكل سري وبانتظام في المنتديات الدولية عبر التصويت ضد، وفي نهاية المطاف إفشال مشاريع القرارات التي تدين انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبهما أي منهما.
بينما مضى ذلك التفاعل الدبلوماسي الغريب قدماً، لعب نظام فيديلا بلا توقف دوراً ناشطاً وحاسماً في “عملية كوندور” -الوفاق الدولي سيئ الصيت بين الدكتاتوريات العسكرية المعادية للشيوعية في أميركا اللاتينية في سبعينيات القرن الماضي، والتي استهدفت ملاحقة واختطاف وتعذيب وقتل الناشطين اليساريين في نهاية المطاف.
ولم يتلق مئات الثوريين الكاسترويين الذي قتلوا على يد ما تدعى “القوات الخارجة على السيطرة” التي عملت في جمهورية الدومنيكان خلال الأعوام الاثني عشر من حكم الرئيس جواكين بالاغور (1966-1978)، لم يتلقوا اعتباراً أكبر من مثالهم الكوبي مقارنة بضحايا عملية كوندور. وفي الحقيقة، وخلال رحلة إلى ذلك البلد الكاريبي في العام 1998، زار القائد العظيم لثوريي أميركا اللاتينية الرئيس السابق بالاغور، وتبادل الزعيمان التحيات وكأن شيئاَ لم يحدث أبداً.
كيف كان رد فعل الثوريين؟ استمروا في إدانة كل من عملية كوندور وأعوام حكم بالاغور الاثني عشر، لكنهم لم يعربوا عن أدنى انتقاد للموقف المثير للجدل الذي اتخذه مثالهم. فقد رفع كاسترو لواء الاشتراكية في أميركا اللاتينية، وهكذا كان واجب كل ثوري أن يدعمه في كل ما قد يقول أو يفعل.
وقيد العمل راهناً التراخي نفسه تجاه الرفاق السابقين الذين أصبحوا منذ ذلك الوقت ضحايا، وذلك فيما يتعلق بما تدعى الثورة البوليفارية التي كان قد أسسها الزعيم الراحل هيوغو شافيز بإلهام وإرشاد من نظام كاسترو.
تجسدت هذه اللامبالاة في نيكاراغوا اليوم التي يحكمها “التقدمي” و”المعادي للامبريالية” دانيال أورتيغا. هناك، تجري حالياً ملاحقة مقاتل حرب العصابات السابق آرنيستو كاردينال (الذي لعب دوراً مرموقاً أكثر من الدور الذي لعبه أورتيغا في القتال ضد ضد دكتاتورية عائلة سوموزا اليمينية)، سياسياً وقضائياً من جانب نفس النظام الذي كان قد أسهم في تنصيبه. ومع ذلك، وباستثناءات نادرة، يتجاهل اليسار المتشدد مأزق ذلك الرفيق السابق ويتبنى جانب رئيس نيكاراغوا. ويعد دانيال أورتيغا عضواً فعالاً في المحور البوليفاري، وبذلك يكون من واجب كل ثوري أن يدعمه.
ثم هناك فنزويلا. لديك هناك لويسا أورتيغا دياز، المدعي العام للبلد، والتي كان هيوغو شافيز قد عينها والتي تعد عضواً مرموقاً في الثورة البوليفارية منذ انطلاقها. ومنذ هربها من بلدها تجنباً للقمع، ما تزال أورتيغا دياز تدين ما تصفه بـ”إرهاب الدولة” الذي أسسه الرئيس الحالي نيكولاس مادورو الذي كان شافيز قد سماه خلفاً له.
حتى المنظر الأيديولوجي الرئيس لاشتراكية شافيز للقرن الحادي والعشرين وصديق شافيز الشخصي، هانز ديتريتش، رثى الفشل الذريع للثورة البوليفارية التي كان قد عمل بجد لبناء أساسها النظري. ومع ذلك، استخف اليسار المتشدد كلية بانتقاداته ويحافظ على استحضار تفسيرات مضحكة للفوضى الفنزويلية (مثل حرب اقتصادية افتراضية غير مثبتة ومدبرة من جانب “الإمبراطورية”). فنيكولاس مادورا وريث شافيز المعين هو الذي يدير دفة ثورة القرن 21، ولذلك من واجب كل ثوروي أن يدعمه.
أخيراً وليس آخراً، قد نستحضر العنفوان الذي رافق اليسار المتشدد في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن العشرين، عندما نزل اليساريون إلى الشوارع ودعوا إلى احترام حق تقرير المصير لشعب فيتنام في كفاحه ضد ما أسموها الإمبريالية الأميركية. لكن ثوريي اليوم لا يظهرون أي تضامن من أي نوع مع فيتنام في مواجهتها المتواصلة مع الصين فيما يتصل بخطط الصين للهيمنية على بحر الصين الجنوبي. وتعد الصين المنافس الاقتصادي والجيوسياسي للإمبراطورية، ولذلك يكون واجب كل ثوري دعم بكين.
في كتابه المعنون “خيانة المثقفين” الذي كتبه في العام 1927، يدين كاتب المقالات السياسية الفرنسي جوليان بندا كيف أن “سحق الضعيف من جانب القوي أثار، إن لم تكن الموافقة، فعلى الأقل الغفران من فاعلي الخير المدعين”. وينطبق تقريع بندا الذي مضى عليه تسعون عاماً على إدمان اليسار المتشدد على خيانة الذات. ومرة بعد أخرى، يصطف الأتباع مع الأنظمة القمعية على حساب الحد الأدنى من التفكير المنتقد، وعلى حساب الاعتبار الأدنى لمعاناة الرفاق السابقين في ظل تلك الأنظمة.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The Duty of the Revolutionary
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 30/10/2017
Abdrahaman.alhuseini@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى