ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن ذي أميريكان كونسيرفاتيف – الأيديولوجيون الذين دمروا ليبيا

ذي أميريكان كونسيرفاتيف – مات بيربل* – 5/12/2017
قال تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” مؤخراً، إن المزادات العلنية لبيع الرقيق أصبحت حقيقة واقعة في ليبيا. وكانت هذه بالكاد أخباراً مفاجئة -فالذين تتبعوا مأزق ذلك البلد الشمال أفريقي المصدوم يعرفون أن الانتهاكات الصادمة لحقوق الإنسان متفشية هناك منذ سنوات- لكن وجود هذه المزادات العلنية التي لم يسمع بها الأميركيون خارج نطاق عالم ديزني لاند العجيب المروع ما تزال تقرع أجراس إنذار جديد. فقد أصبحت ليبيا التي ينعدم فيها القانون طريق هروب إلى البحر الأبيض المتوسط لآلاف المهاجرين الساعين إلى اللجوء في أوروبا، وهو ما فتح المجال أمام مهربي البشر الذين يَعدوهم بمرور آمن فقط ليمارسوا الوحشية عليهم -وحتى بيعهم كعبيد. كيف حدث هذا؟ وفق صحيفة التايمز: “تأسست أزمة الهجرة في ليبيا مع انهيار حكومة العقيد معمر القذافي قبل ستة أعوام”.
أحقاً؟ هل انهار نظام القذافي وحسب، هل فعل؟ ربما أزالته هبة من رياح قوية، أو ربما سُمعت صيحات الابتهاج من حفل بعيد للاعبي الجينغا؟ مع القوة التي اتسم بعض ما ورد في تقرير التايمز، فإن الصحيفة تجاوزت كلية حرب إدارة اوباما في العام 2011 التي قتلت القذافي وأغرقت ليبيا في أتون الفوضى. ويغيب عن التقرير أي ذكر لهيلاري كلينتون التي كانت، وفقاً لتقرير سابق للصحيفة نفسها، حاسمة في إقناع أوباما الحذر بالتدخل. وتغيب عن الذكر أيضاً صيحتها اللاحقة التي أعلنت فيها تحقيق النصر على القذافي: “لقد جئنا. وقد شاهدنا، لقد مات”، (وذلك يصف الكثير من الليبيين هذه الأيام). بل إن صحيفة التايمز ذات الميول اليسارية لم تستطع حتى إيراد ملاحظة عن ماركو روبيو، الذي دعم المهمة في ليبيا استناداً إلى أسس واهية من “إننا نحب أن نرى، إلى أبعد مدى ممكن، بلداناً سلمية يحكمها أناس يسعون إلى تحقيق الازدهار”.
بدلاً من ذلك، صورت صحيفة التايمز الأزمة الليبية على أنها تتعلق كلها باللاجئين، بينما تتهم القادة الأوروبيين بمحاولة وضع حد للتدفق البشري من إفريقيا. ولا شك في أن مشكلة الهجرة هي واحدة صعبة، وهي تستحق الدراسة، لكنها ليست السبب الجذري لمتاعب وآلام ليبيا. إن السبب الحقيقي هو غزو العام 2011 الذي أفضى إلى تهريب البشر والاتجار بهم وإلى الكثير من الأهوال غير ذلك. وإلى الفراغ الذي نجم بعد ذهاب القذافي، جاءت حكومتان مختلفتان -وفي بعض الأوقات ثلاث حكومات مختلفة- والتي تدعي كل واحدة منها الشرعية لحكم ليبيا -مع وجود مجموعة من المليشيات في الوسط. ويحظى النظام القائم حالياً بدعم الولايات المتحدة، وتتمتع حكومة الوفاق الوطني بسلطة تظل مهزوزة في أفضل الحالات. أما منافستها المتمثلة في مجلس النواب في طبرق، فتمارس سيطرة عسكرية كبيرة على شرق ووسط ليبيا، ويدعمها في ذلك الروس. وفي الأسابيع الأخيرة فقط، هددت قوات جيش الجنرال خليفة حفتر، الخصم السابق للعقيد القذافي، والمتحالفة مع طبرق، باستخدام “القوة العسكرية” إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي خلال ستة أشهر. ويفترض أن يعني ذلك غزواً لطرابلس، حيث سينتهي المطاف بليبيا حال نجاح حفتر وقد تم توحيدها بالقوة تحت حكم ضابط عسكري واحد.
لكم يبدو هذا مألوفاً!
بعيداً عن أروقة السلطة، تم قلب حياة الليبيين العاديين رأساً على عقب، حيث التيار الكهربائي يتأرجح بين السريان والانكفاء خلال موجات الحر، وتعيد البنوك العملاء القادمين بسحب نقودهم بجيوب فارغة، ويعاني الاقتصاد من الركود. كانت وكالة الصحافة الفرنسية قد أجرت مقابلات مع ليبيين عدة في العام الماضي، والذين أعربوا صراحة عن حنينهم إلى أيام القذافي.
وقال أحدهم: “أكره قول ذلك، لكن حياتنا كانت أفضل في ظل النظام السابق. لقد أصبح ثمن كل شيء الآن أعلى بثلاثة أضعاف”. ولقد أشعت الاضطرابات إلى خارج البلد أيضاً؛ فمن تونس إلى مصر إلى إنجلترا، تم تعقب هجمات إرهابية إلى ليبيا، حيث توفر حالة انعدام القانون أرض تفريخ مثالية للجهاديين. وحتى وقت متأخر من العام الماضي، عندما طردتهم عملية عسكرية منسقة نادرة إلى الخارج، كان مقاتلو “داعش” يستخدمون مدينة مصراتة كنوع من العاصمة المساعدة لمعقلهم في الرقة. وقد زودت مخزونات أسلحة القذافي التي تم تهريبها من البلد بعد سقوط الدكتاتور العنف بالوقود، من مالي إلى سورية.
لقد أصبح غزو العراق يبدو الآن أشبه بأثر لحقبة بعيدة ذاهبة، والذي تم استخلاصه من المثالية الأميركية ليتحطم في الصحراء المقفرة. لكن ليبيا كانت تنتمي إلى زمن مختلف. ومن المفترض أن تكون الولايات المتحدة قد عوقبت على تهورها، فيما أسفر عن انتخاب رئيس شاب متوهج سحق في حملته منافسَين مؤيدين للحرب. لكن أوباما ذهب إلى ارتكاب الخطأ نفسه الذي كان بوش قد ارتكبه -الإطاحة بدكتاتور في بلد تقوده القبَلية، حتى من دون خطة لإدارة المرحلة اللاحقة. وقد كانت لدينا صورة لما يمكن أن يحدث، لكننا مضينا قدماً مع ذلك. ومن باب الحماقة المحضة بعد ذلك أن بعض المعلقين يقولون لنا الآن إن سبب تخبطنا الحقيقي في ليبيا كان عدم نشر المزيد من القوات خلال فترة ما بعد الحرب. لماذا يختلف ذلك عما حدث في العراق، حيث أصبحت قواتنا أهدافاً لجهاديي الألفية وحيث استعرت الحرب الأهلية على الرغم من كل ذلك؟
والمبررات الأخرى وفيرة أيضاً. ويدعي البعض بأنه لو لم تتم الإطاحة بالقذافي لكانت ليبيا قد تحولت إلى سورية أخرى، ولكانت أكثر دموية مما هي عليه الآن؛ حيث يقوم دكتاتور مجنون بإلقاء القنابل على الأبرياء. لكن هذا يتعارض كلية مع جدول الأحداث في الحرب، التي شهدت في منتصف آذار (مارس) 2011 استعادة القوات المصطفة مع القذافي مدينة الزاوية الغربية الحساسة وتقدمها نحو مصافي النفط المهمة في ليبيا، ومواصلتها الهجوم على معقل الثوار في بنغازي. وربما تكون جيوب المقاومة قد سادت، لكن جل نزاع ليبيا كان لينتهي ويكون النظام قد كسب. وفي الحقيقة، اعتمد الكثير من الطرح المؤيد للحرب في 2011 على افتراض أن القذافي كان سينتصر ما لم نوقفه. وقد أطالت الضربات الجوية الغربية أمد العنف بوضع الزخم وراء الثوار. ويقود ذلك إلى التبرير الآتي: كان انتصار القذافي سيفضي إلى ارتكاب أعمال عدائية فظيعة ضد المدنيين، وهو الشيء الذي كان لدينا التزام بوقفه. ثمة القليل من الشك في ما إذا كان القذافي قد ارتكب جرائم حرب قبل تدخلنا، ولكن: هل كان البديل أفضل؟ وفق مجموعة الأزمات الدولية، “عرضت حركة الاحتجاج ملمح عنف في وقت مبكر جداً”، و”تسللت عناصر عنيفة إلى داخل المظاهرات”، بما فيها عناصر إسلامية. وعلى ضوء كيفية تصرف المدنيين منذ الإطاحة بالقذافي، فإن الاستشهاد بهم للدفاع عن التدخل لا يضيف شيئاً على الإطلاق.
في نهاية المطاف، اعتصم المحافظون والتدخليون الليبراليون في الغالب بالصمت حول الموضوع الليبي، ربما لأن التخمين الثاني بأن المهمة استندت إلى نتائج قصيرة الأجل لم تكن هي الفكرة في الواقع. وكما حدث مع العراق، كان هذا في صلب مشروع أيديولوجي يستخرج أشد الدعم من أولئك الذين ما يزالون يعتقدون، مهما كان اعتقادهم سرياً، بأن الهدف غير المهتز للولايات المتحدة هو الثأر للمسحوقين وتحقيق المهمة الليبرالية. ومن وجهة النظر تلك، ماذا تعني التراجعات العسكرية المؤقتة في مقابل الالتماعات المشرقة للمبدأ؟ وما هي بضعة أعوام قليلة من الضرر في السياق الأكبر لـ”الحرب الطويلة”؟ نادراً ما يتعلم الذين يحيلون الحقيقة إلى أيديولوجية تجريدية من أخطائهم، وهو ما يفسر لماذا ما نزال -حتى بعد التطهر المفترض لما بعد العراق- نقاتل في خمس حروب لا تسير أي منها على ما يرام. ثم يأتي الدور على إيران، مع التوقف قليلاً على الطريق في اليمن، حتى مع ترنح حملة دول الخليج ضد الثوار الحوثيين هناك. ويشير أيديولوجيو الحرب دائماً إلى الأمام، حتى بينما يتعثرون في حطام آخر المدن التي دمرتها سياساتهم.
مهما تكن هذه المعتقدات متطرفة، فإنها أصبحت أساس عقلية السياسة الخارجية لواشنطن. وفي العام الماضي، نشرت صحيفة الواشنطن بوست سيرة عدة أعضاء ممن وصفتهم بأنهم “نخب السياسة الخارجية”، ووجدت “إجماعاً واضحاً” لدى كل واحد منهم تقريباً على أن حاجة الولايات المتحدة تمس إلى أن تكون أكثر انخراطاً عسكرياً في العالم -وخاصة في سورية. وتقف عودة تجارة العبيد في ليبيا لتكون عرضاً يبين لماذا لم يعد هذا الإجماع قابلاً للاستدامة، ولماذا يترك هذا الإجماع الدول في وضع أسوأ مما كانت عليه من قبل. وبينما يستمر فكر هذه المجموعة -وبينما تدخل قطة المحافظين الجدد إلى حياتها التالية، وبينما يظهر اسم توم كوتون كمرشح ليكون مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية– فإنه يجب لكلمات وليام اف. بكلي بأن تبرز عند نقطة ما: “تماماً كما كان ويدرو ويلسون عاكفا” على جعل العالم آمناً للديمقراطية، فخلق بدلاً من ذلك ستالين وهتلر، فإننا نصرخ ضد الاستبداد ونخلق الفوضى العامة”. كم يجب أن يكون هناك المزيد من يعانون قبل أن نصحح هذا الخطأ؟
*المحرر المسؤول في “ذي أميريكان كونسيرفاتيف”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Ideologues Who Wrecked Libya
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 14/12/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى