ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن ديلي بيست – رد الفعل على قرار القدس في فلسطين : ليس بالقوة المتوقعة

ديلي بيست – جيسي روزنفيلد – 15/12/2017
القدس – مرت حتى كتابة هذه السطور نحو 10 أيام منذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن حكومته تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والذي أثار تعبيرات عن الصدمة من الحكومات في كل أنحاء العالم، واحتجاجات جماهيرية واسعة النطاق في بعض الدول الإسلامية.
ولكن، هنا في الأرض المقدسة، كان رد الفعل على الأرض ضعيفاً نسبياً. وقد وقعت اشتباكات عند نقاط التفتيش حول الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، ولكن في حين أن الغضب يجري عميقاً، فإن الفلسطينيين يبدون مذهولين ومأخوذين بالمفاجأة أيضاً، وهم يعيدون استخدام التكتيكات المعتادة للتعبير عن الاستياء.
الإضرابات، والتظاهرات، وحرق الإطارات، ورمي الفتيان الحجارة على نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية، والهواء المختنق بالغاز المسيل للدموع، وصفير الرصاص الإسرائيلي المغلف بالمطاط تعقبه صرخات الألم من الشباب الذين يتم إخلاؤهم في سيارات الإسعاف –كلها مشاهد مألوفة منذ وقت طويل، وظلت تتكرر كل الوقت على مدى السنوات الثلاثين الماضية، منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
بالنسبة للناس الذين أصبحوا معتادين على تعهد الولايات المتحدة برعاية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، قال لهم تصريح ترامب إن السبعة عشر عاماً الأخيرة من محادثات السلام برعاية أميركية، والتنازلات الفلسطينية في مقابل توسيع السيطرة الإسرائيلية، كانت كلها من أجل لا شيء.
وكان القادة الفلسطينيون مصدومين بقرار ترامب بنفس المقدار أيضاً، وفي حين دعت حماس من غزة إلى تجديد الانتفاضة، لم يفصح قادة المفاوضات من منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله بعد عن رؤية واضحة للطريق في الأمام.
بطبيعة الحال، أطلق ممثلو الفلسطينيين سلسلة من الردود الدبلوماسية على خطوة ترامب. فقد أعلن عباس نهاية عملية المفاوضات بوساطة أميركية، والتي رأى الفلسطينيون فيها القليل من القيمة لسنوات، وأعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية أصبحت متحررة من التزاماتها بموجب اتفاقيات أوسلو. كما ألغى اجتماعاً كان مقرراً مع نائب الرئيس مايك بينس، في الضفة الغربية، وأكد مجدداً على التزاماته بالضغط على إسرائيل من خلال الهيئات الدولية، وحث الدول العربية والإسلامية على إعادة النظر في اعترافها بإسرائيل، بينما دعا الدول الأوروبية إلى الاعتراف بفلسطين كدولة.
مع ذلك، وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين، فإن قيادتهم لم تقدم سوى توجيه ضئيل للعمل على الأرض، باستثناء بعض الدعوات العامة إلى مواصلة الاحتجاجات التقليدية. كما ظلت المهام الأساسية للسلطة الفلسطينية وتنسيقها مع إسرائيل سائرة على حالها من دون تغيير.
في مقهى يمتلئ فضاؤه بالدخان في رام الله، تحول لون الرجال في منتصف العمر الذين يدخنون النرجيلة إلى الأحمر وضربوا الطاولات بينما يشاهدون على الشاشة الرئيس الأميركي ترامب، وهو يقول إنه يعترف بالسيادة الإسرائيلية على عاصمة الدولة التي كانت قد وعدتهم بها عملية السلام بقيادة أميركية. ومع ذلك، وعندما جاء رد الرئيس محمود المسجل سابقاً بعد ذلك، أدار الرجال الجالسون بين صور عباس وياسر عرفات والمسجد الأقصى مغطى بالثلج، ظهورهم للتلفاز وعادوا إلى أوراق اللعب.
في اليوم التالي، تم إغلاق المحلات في القدس الشرقية وبقية الضفة والغربية وغزة في إضراب عام شامل، بينما سار الآلاف من الناس إلى نقاط التفتيش وحدود غزة، كجزء مما تم إعلانها ثلاثة من “أيام الغضب”. وكانت شوارع المدينة القديمة قِدَم العصور الوسطى في القدس، والتي عادة ما تكون صاخبة ومليئة بالحركة، هادئة مثل أروقة الكنيسة التي تتوسطها.
يقول إبراهيم عبيد -51 عاماً- بينما يجلس خلال الإضراب أمام متجر مغلق في شارع فارغ يقود إلى المسجد الأقصى: “واصلت (الولايات المتحدة) إخبار عباس بأنهم سوف يعطونه أشياء –لكنهم أخذوها”. ويعمل عُبيد في صناعة السياحة في البلدة القديمة، وهو من العيسوية، الحي الفلسطيني في القدس الشرقية بين الجامعة العبرية وجدار الفصل الإسرائيلي. وهو مكان لاحتجاج منتظم ضد الظروف التي يخلقها احتلالها. ويقول عُبيد: “قالوا إن القدس ستكون عاصمتنا، ثم أخذوها منا”. وبالنسبة للفلسطينيين المقدسيين، لا تُؤخَذ تصريحات ترامب كهجوم سياسي فقط، وإنما تعتبر إهانة شخصية. ويقول محمود درويش -50 عاماً: “لا أحد يقرر من أكون سواي أنا. ويشعر الرجل الأنيق الذي يرتدي قبعة غربية الطراز، ويتشارك اسمه مع الشاعر الوطني الفلسطيني المعروف، بالسخط الشديد من إعلان يقترح أن الولايات المتحدة أصبحت تنظر إليه الآن على أنه مواطن إسرائيلي بدلاً من كونه فلسطينياً يعيش تحت احتلال أجنبي”.
على الرغم من الغضب الملحوظ، فإن الاحتجاجات التي دعا إليها القادة الفاقدون ثقة شعبهم إلى حد كبير- كانت أصغر بشكل كبير من الاحتجاجات التي جرت في أنحاء العالمَين العربي والإسلامي، من بيروت إلى إسطنبول إلى إندونيسيا.
يصر دوريش، مثل آخرين كثيرين، على أن اعتراف ترامب هو خطوة أكثر خطورة من التغييرات الأمنية التي حاولت إسرائيل إحداثها في المسجد الأقصى في الصيف الماضي، والتي أثارت احتجاجات جماهيرية حاشدة. ومع ذلك، تبدو الاحتجاجات التي شهدتها الأيام القليلة الماضية شاحبة مقارنة باحتجاجات تموز (يوليو).
لدى النظر وراء إلى تلك الأيام، يتذكر عثمان، طالب المدرسة الثانوية بعمر 16 عاماً، تلك الأيام، ويقول: “لم يكن معنا أحد –ولا (عباس)”. وفي ذلك الحين، أخذت حركة احتجاج شعبية جماهيرية كبيرة القادة الفلسطينيين بالمفاجأة، وأجبرت إسرائيل على التراجع. والآن، نتحدث في احتجاج صغير خارج بوابة دمشق في القدس. ويشجب المحتجون في هتافاتهم الاحتلال الإسرائيلي، والدعم الأميركي للإسرائيليين، وضعف قادتهم، لكن عدداً صغيراً من المحتجين كانوا أكثر قرباً إلى روح احتجاجات الأقصى منهم إلى استرجاع عنفوانها وتصميمها. ولعباس يقولون، كما يقول عثمان: “الناس أعادوا الأقصى وسوف نعيد العاصمة”.
على الرغم من أن الاحتجاجات اليومية تستحضر صور الانتفاضة الأولى –الثورة الفلسطينية التي بدأت قبل 30 عاماً من نهاية الأسبوع قبل الماضي، والتي دفعت الإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات في التسعينيات- فإن خيبات الأمل التي جلبتها أحداث العقود التي مرت منذ ذلك الحين لا تترك الكثير من المتسع للأمل في أن يكرر ذلك السيناريو نفسه.
حتى تاريخ كتابة هذه السطور، قُتل مدنيان فلسطينيان في غزة بالنيران الإسرائيلية خلال احتجاجات على الحدود، في حين قُتل اثنان من مقاتلي حماس واثنان من مقاتلي الجهاد الإسلامي في غارات جوية إسرائيلية على القطاع. وتم اعتقال المئات من الفلسطينيين، في حين أصيب نحو 1.700 آخرين بجروح في الاشتباكات.
في الوقت نفسه، يواجه قادة منظمة التحرير الفلسطينية أزمة وجودية. ففي حين أنهم معتمدون على مساعدة الولايات المتحدة واعترافها، فإنهم يشعرون الآن بأنهم لم يعودوا قادرين على الاستمرار في عملية سلام يبدو أنها تجري فقط لإضفاء الشرعية على احتلال لا ينتهي. وبينما تجري المناقشات حول الطريق إلى الأمام خلف أبواب مغلقة، فإن القادة الفلسطينيين يبدون منقسمين بين محاولة إنقاذ القديم والبدء من جديد.
في دعوة متحدية على نحو غير معهود، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين منذ وقت طويل، صائب عريقات، إن الوقت قد حان الآن للنضال من أجل دولة ديمقراطية واحدة، متهماً الولايات المتحدة بجعل تحقيق هدف حل الدولتين مستحيلاً.
وقال عريقات للصحيفة الإسرائيلية اليومية الليبرالية البارزة “هآرتس”: “لقد وجه الرئيس ترامب رسالة إلى الشعب الفلسطيني: انتهى حل الدولتين. والآن حان الوقت لتحويل الكفاح نحو تحقيق دولة واحدة وحقوق متساوية لكل الذين يعيشون في فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر”.
مع ذلك، سار زميل عريقات منذ وقت طويل، المفاوض البارز والمسؤول الكبير في فتح نبيل شعث، في اتجاه معاكس لتعليقات زميله، متخذاً نهجاً أكثر حذراً.
وقال عريقات مباشرة قبل اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح يوم السبت، مشيراً إلى الانفجار الجماهيري الفلسطيني: “الحديث عن حل الدولة الواحدة يذكر إسرائيل فقط بأننا لن نقبل البديل الثالث”. ومردداً صدى تصريحات عباس والموقف الفلسطيني في الجلسة الطارئة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول موضوع القدس، قال إن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً مقبولاً. وأضاف أن الأمم المتحدة وميثاقها يجب أن يكونا الحكَم في مبادرات السلام المستقبلية.
وقال شعث أيضاً: “إننا نعتقد أننا في حاجة إلى الوقت. العالم يتحرك في اتجاه سوف يكون مواتياً أكثر لنا”. وفي إيجاز صحفي جاء مباشرة قبل إعلان ترامب يوم الأربعاء الماضي، أوضح مسؤول فتح الكبير ناصر القدوة ردود الفعل المقترحة على تغير موقف الولايات المتحدة حول القدس والذي شمل إغلاق مكتب البعثة الفلسطينية في واشنطن، والتي لخصها بالضغط على الولايات المتحدة لتغيير موقفها، وبناء الدعم في العالمين العربي والإسلامي. وبإدانة القرار -ليس لأنه يشكل انتهاكاً للإجماع الدولي فحسب، وإنما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي والحقوق الإنسانية الفلسطينية- سعى القدوة إلى عرض رد فعل قوي.
مع ذلك، لم تكن تلك الاقتراحات سياسة فلسطينية رسمية. وفي مقابلة بعد الإيجاز، كان القدوة واضحاً في التمييز بين الردود الدبلوماسية على خطوة ترامب في الأمم المتحدة وبين تجديد الضغط على إسرائيل واحتلالها. وقال القدوة: “إننا نتحدث عن الولايات المتحدة، وليس إسرائيل”.
حتى الآن، كان الردع ضد الأعمال المزعزعة للاستقرار في القدس هو التهديد بحدوث ضجة محلية وإقليمية واسعة النطاق. وقد عاد الفلسطينيون إلى التكتيكات التقليدية لمحاولة خلق أزمة تذكّر العالم بأن القدس لهم هم أيضاً. لكنهم غير واثقين مما إذا كان قادتهم سيسعون إلى استكشاف طرق جديدة لتأمين عاصمتهم وحقوقهم، أم يختارون الاستمرار في عملية مرتبة مسبقاً، حيث تصبح الحقائق التي لم يكن يمكن التسامح معها في السابق مقبولة، باعتبارها -باستعارة العبارة المفضلة التي استُخدمت في جميع مراحل المفاوضات: “حقائق على الأرض”.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
The Jerusalem Blowback in Palestine: Not What You’d Think
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 20/12/2017
ala.zeineh@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى