ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن جيوبوليتيكال فيوتشرز – الحرب والحرب النووية والقانون

جيوبوليتيكال فيوتشرز – جورج فريدمان – 20/11/2017
عقد مجلس الشيوخ الأميركي جلسات استماع في الأسبوع الماضي حول صلاحية الرئيس في استخدام الأسلحة النووية. وكان الدافع وراء عقد الجلسات المذكورة وضع كوريا الشمالية والخوف عند البعض من أن يشن الرئيس دونالد ترامب هجوماً نووياً متهوراً على كوريا الشمالية. وكان السؤال الذي أثاره أعضاء مجلس الشيوخ هو: ما هي الصلاحيات التي تخول الرئيس المبادرة إلى شن حرب نووية من جانب واحد.
لطالما كان هذا سؤالاً مشتعلاً، لكنه واحد ما يزال يتم تجاهله منذ عقود. لكن هذا السؤال لا يتعلق فقط باستخدام الأسلحة النووية، وإنما يتصل أيضاً بصلاحيات الرئيس الخاصة بالمبادرة إلى شن كل أنواع الحروب من دون الحصول على موافقة من الكونغرس. ويشار هنا إلى أن الدستور الأميركي ينص على أن الرئيس هو القائد العام للقوات المسلحة الأميركية. وينص الدستور أيضاً على أن الكونغرس هو الذي يتمتع بصلاحية إعلان الحرب. وعلى السطح، يبدو أن هذا نظاماً واضحاً بشكل كبير. فالرئيس هو قائد الجيش؛ ومع ذلك تكون سلطة تقرير الذهاب إلى الحرب بيد الكونغرس.
ولكن، على مدى التاريخ الأميركي، كان الرؤساء الأميركيون يحملون على عاتقهم المبادرة إلى بدء النزاعات، وخاصة الصغيرة منها. ومنذ الحرب العالمية الثانية، توسع ذلك أكثر ليشمل النزاعات الرئيسية. وخلال هذا الوقت، انخرطت الولايات المتحدة في بعض النزاعات من دون إصدار إعلان رسمي عن الدخول في حرب –والتي يجب أن يوافق عليها الكونغرس. ومن دون هذا الإعلان الرسمي، تعتبر موافقة الكونغرس غير ضرورية. وكانت أول حرب رئيسية خاضتها الولايات المتحدة من دون إعلان حرب هي الحرب الكورية. وقد حاجج الرئيس هاري ترومان بأن انخراط الولايات المتحدة في الحرب كان عملاً بوليسياً يتمتع بالتخويل من الأمم المتحدة. وكانت الولايات المتحدة قد انضمت إلى الأمم المتحدة بموجب معاهدة كان قد أقرها الكونغرس. وتبعاً لذلك، قال إن الكونغرس وافق على الانخراط في الحرب في كوريا عبر الموافقة على الانضمام إلى الأمم المتحدة التي أجازت العمل العسكري.
يبدو هذا المنطق بالنسبة لي ملتوياً بعض الشيء. لكن القضاء والكونغرس قبلاه. وفتح ذلك الباب أمام انخراط الولايات المتحدة في حروب غير معلنة لم تجزها الأمم المتحدة. وكانت حرب فيتنام قد خيضت من دون إعلان حرب، مع أن الكونغرس أصدر قراراً بعد حادث خليج تونكين فسره الرئيس الراحل ليندون جونسون على أنه تخويل من الكونغرس يجيز انخراط الولايات المتحدة في الحرب. وخول القرار الرئيس باستخدام أي وسائل ضرورية لحماية القوات الأميركية من الهجمات في جنوب شرق آسيا (وكانت القوات الأميركية نُشرت في المنطقة وانخرطت في القتال قبل صدور قرار خليج تونكين). وبالإضافة إلى ذلك، لم يصدر أي قرار بإعلان الحرب في أفغانستان وفي الحروب في العراق أو أي من الحروب الأقل حجماً التي خيضت في الأعوام الأخيرة، من ليبيا إلى سورية إلى النيجر وهكذا.
كانت الحجة في كل هذه العمليات هي أن الدستور غامض فيما يتعلق بمتطلبات إعلان الحرب، وأن موقف الرئيس باعتباره قائداً عاماً يمنحه صلاحية شن الحرب؛ وكانت موافقة الكونغرس على تمويل هذه العمليات كافية. ولم يرد الرؤساء إعلانات الحرب لأنهم، عموماً، لم يريدوا أن يعتبر الجمهور التدخلات الصغيرة حروباً. وأراد جونسون أن يقلل إلى الحد الأدنى من حجم ما كان يفعله لأسباب سياسية. ومع الوقت الذي قرر فيه الرئيس جورج دبليو بوش غزو أفغانستان، بدت إعلانات الحرب وأنها عفا عليها الزمن. واعتبرت المحاكم هذه مسألة سياسية بين فرعي الحكومة الآخرين، لم يدعُ الكونغرس إلى التصويت لإعلان الحرب الذي كان حقه؛ وبدا أن الجمهور قد قبل بها.
أضافت الأسلحة النووية إلى تعقيدات الوضع. فخلال الحرب الباردة، لم تكن هناك أكثر من 30 دقيقة من التحذير قبل أن يهبط صاروخ سوفياتي في الولايات المتحدة، ولذلك كان طلب إعلان الحرب مستحيلاً. ولو شعر الرئيس بأن عليه توجيه ضربة استباقية، فإن الذهاب إلى الكونغرس أولاً سينفي صفة عنصر المفاجأة بوضوح. ولذلك، كانت لدى الرئيس السلطة المفردة للرد على أي هجوم نووي أو المبادرة إلى شن هجوم. وخلال أزمة الصواريخ الكوبية، لم يطلب الرئيس من الكونغرس تفويضاً للمبادرة بتوجيه ضربة نووية ربما تكون ضرورية اعتماداً على معلومات الاستخبارات عن النوايا السوفياتية. وافترض ببساطة أن لديه تلك الصلاحية.
ويتمتع الرئيس بالسلطة العملياتية منذ الحرب العالمية الثانية لإرسال قوات إلى القتال وفق اختياره واستخدام أسلحة نووية وفق إرادته. وكان استقصاء الكونغرس في الأسبوع الماضي شاذاً في طبيعته من حيث أن السناتورات كانوا يوجهون أسئلة عن رجال الجيش كان يجب أن تثار عن الكونغرس. فقد سألوا الجنرالات عما إذا كانوا سيطيعون أمراً غير قانوني من الرئيس، بطريقة توحي بأن قراراً رئاسياً بالتصرف عسكرياً قد يكون غير قانوني. ويثير هذا سؤالاً مهماً آخر: ما هي الأعمال التي يأمر الرئيس بتنفيذها والتي تعتبر غير قانونية؟ يجب أن يكون دور الكونغرس، وليس الجنرالات، تعريف ما هو قانوني وما هو غير قانوني.
كان الوضع الذي يتعاملون معه موجوداً لأكثر من 70 عاماً، لكن الكونغرس يخضع بشكل ثابت مسجلاً سابقة في إثر سابقة. وليس السؤال عن أهلية دونالد ترامب لاتخاذ قرارات خاصة بالحرب، وإنما عن افتقار الكونغرس للإصرار على إعلان الحرب كمتطلب مسبق للانخراط في القتال. وفي حالة الحرب النووية، قد يكون بإمكان الكونغرس أن يطلب إطلاع قادة من الكونغرس على أن أسلحة نووية قد تستخدم، وأنه يجب أن يكون هؤلاء القادة هم الذين يمنحون التخويل بإطلاق هذه الأسلحة.
على أي حال، تتجاوز جلسات الاستماع القضية الحقيقية، وهي أن الرئيس ما يزال منذ الحرب العالمية الثانية يصادر مسؤولية الكونغرس عن صنع الحرب، أو، بعبارة أخرى، ما يزال الكونغرس يتخلى عن مسؤوليته. وعند هذه النقطة، ما تزال الممارسة الطويلة هي أن الرئيس يستطيع التصرف عسكرياً وفق إرادته. ويجب على الجيش أن يطيع القائد العام في أي أمر قانوني. ومن الصعوبة بمكان رؤية أمر صادر عن الرئيس باعتباره قائداً عاماً والذي يمكن أن يكون غير قانوني، ما لم يكن يمثل جريمة حرب. فهل يعتبر ضرب منشأة نووية كورية شمالية جريمة حرب؟ يجب على الكونغرس الإجابة عن هذا السؤال.
تنجم كل الإستراتيجيات التي تبناها الكونغرس لتجنب أو تقليل دوره في تقرير الذهاب إلى الحرب من السؤال الضيق عَن مَن هو الذي يمكن أن يأمر بشن هجوم نووي. ويذكر الدستور بشكل خاص إعلانات الحرب، ولهذه الإعلانات على سلطة وأهمية لا تخفى، والتي تفتقر إليها القرارات المحضة. لكن الكونغرس استمتع عندئذٍ بالغموض المتضمن في القرارات وفي تجنب تحمل المسؤولية عن خوض الحرب النووية. ويبدو اهتمام الكونغرس بالموضوع الآن مناسباً، لكن رغبته في تحويل المسؤولية عن الحرب إلى الرئيس هي الموضوع الذي يجب أن يكون موضوع التركيز في جلسات الاستماع.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: War, Nuclear War and the Law
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 2/12/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى