تقرير مترجم عن ثورجية – كعادتها.. أمريكا تغذي الفوضى بالشرق الأوسط
ثورجية – ترجمات – 3/4/2017
يقول الدبلوماسي الإسرائيلي أبا إيبان أنه يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية دومًا في القيام بما هو صحيح، بمجرد أن تستنفد كل الاحتمالات الأخرى. في الشرق الأوسط، أظهرت الولايات المتحدة إبداعا استثنائيا على مدار أربعة عقود مضت، وخاضت طريقها عبر المنطقة مُكلفة السكان المحليين دمارًا، في سبيل إظهار قدرتها على تأمين مصالحها الخاصة. يقول كتاب “حرب أميركا من أجل شرق أوسط كبير” لأندرو باسيفيتش إن التاريخ العسكري يقدم نقدًا مذهلًا لسياسات واشنطن في العالم العربي، والتي تصاعدت بشدة على مر السنين فقط لتُزيد تفاقم الوضع.
يتتبع الكتاب بداية غرق واشنطن في دوامة الشرق الأوسط (الكبير) منذ صدمة النفط في أعقاب حرب “يوم الغفران” عام 1973. ومثلما بُنيت الإمبراطورية البريطانية في حالة من الغياب عن الذهن لحماية ممتلكات التاج الهندية، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق أمن الطاقة، والذي دفعها إلى أعماق مستنقع غرب آسيا. لم تكن هذه حالة بسيطة، لكن فكرة أن الولايات المتحدة يجب أن تكون أكثر انخراطًا في الشرق الأوسط تلقت دعمًا واسع النطاق من وسائل الإعلام، ومراكز الفكر، فضلًا عن المشرعين. وكما يوضح المؤلف، كانت هذه حرب اختيار، حيث لم يكن هناك خطر واضح على سيادة أو سلامة الولايات المتحدة أو حلفائها.
كان المروع، كما يُظهر باسيفيتش، أن وجهات النظر الأميركية في الشرق الأوسط ساذجة بشكل لا يصدق. لم يكن الإسلام قد شهد انقسامًا ممثل ذلك منذ قرون، ما بين: الشيعة – السنة، والعربية – الفارسية، والعربية – التركية، والإسلام – التكفير.
بينما كانت الولايات المتحدة منغلقة بشكل مريح في فقاعة علمانية ما بعد التنوير، حيث لم تكن لهذه الهويات معنى. هذا أمر مثير للفضول لأن منتصف السبعينيات كانت أيضًا الوقت الذي تمر فيه الأوساط الأكاديمية الأمريكية بدور الثقافة، وإعادة تقييم فكرية للروايات، وعالمية القيم.
رغم ذلك، كان قرار الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر بتقديم الدعم المادي للفصائل المناهضة للسوفيات في أفغانستان، مما فتح فيضانًا من الأسلحة الأمريكية في وسط وغرب آسيا. المساعدات التي كانت تتألف في البداية من اللوازم الطبية ومعدات الاتصالات والأسلحة الصغيرة، وحتى التدريب والمتفجرات وصواريخ ستينجر الشهيرة.
يأخذك باسيفيتش عبر كتابه من أفغانستان إلى إيران ولبنان وليبيا والخليج الفارسي والعراق والصومال والبلقان، وأخيرًا إلى الحرب الإقليمية على الإرهاب الإسلامي. في كل مسرح، كانت الولايات المتحدة غافلة عن الأوضاع الاجتماعية والثقافية المحلية، ورأت أنه إذا كانت القوة الغاشمة لم تسفر عن النتائج المرجوة، فلأنها ببساطة لا تُستخدم بما يكفي.
ما أعاق أهداف الولايات المتحدة أيضًا هو نهجها التدريجي إزاء العمل “الحاسم”. بدأت معظم المشاركات مع واشنطن تدور حول لعب دور، ثم حل محله البحث عن شركاء إقليميين لديهم نفس الدوافع. أما المرحلة الثالثة، فتقوم فيها الولايات المتحدة بنشر القوات على مضض، ولكن هذا لا يكفي لإنجاز هذه المهمة. وأخيرًا، فإن واشنطن ستكون متعجلة بشدة لإعادة أبنائها. هذا التعجل، إن لاحظه أعداؤها، سيُستغل لأن المنطقة أصبحت أكثر عدائية وأقل استقرارًا مما كانت عليه قبل تدخل
الولايات المتحدة. بعبارة صريحة، فإن المساعدات الأمريكية أحدثت أضرارًا أفدح من القنابل الأمريكية.
يركز باسيفيتش في العديد من الحوادث على النفاق الأمريكي الواضح، خاصة في الفصل المتعلق بالحرب بين إيران والعراق الذي يُظهر بشكل خاص كذب واشنطن ومعاييرها المزدوجة. على سبيل المثال، عندما تعرضت “ستارك” الأمريكية لهجوم من طائرة مقاتلة ميراج عراقية، وجهت واشنطن اللوم على الفور لطهران! وعندما أسقطت “يو إس إس فينسنس” طائرة إيرانية، أعلن الرئيس جورج بوش في وقت لاحق أنه لن يعتذر عن الحادث. رغم ذلك، دفعت الولايات المتحدة في وقت لاحق 61 مليون دولار لأسر 274 راكبًا، الذين لقوا مصرعهم على متن الطائرة دون الاعتراف بأي مخالفات.
ملاحظات بيسيفيتش ليست جديدة بالنسبة لأي شخص نشأ في الشرق الأوسط، وربما لمعظم من لم يعيشوا في أمريكا. كان على العالم الاضطرار إلى العيش مع عواقب التدخل الأمريكي، سواء كانت صعود الجماعات الإسلامية أو نووية باكستان شبه الإسلامية. باسيفيتش كان صريحًا بالاعتراف أن الولايات المتحدة كانت على استعداد لدعم الحرية والديمقراطية والازدهار طالما أنها حصلت على نصيب الأسد منه.
ويبدو أن الأحداث تترابط، حتى إن لم يكن ذلك ظاهرًا، فقد أدت نتائج تدخل واحد غير كامل إلى تدخل آخر غير حكيم حفز بدوره رد فعل في مكان آخر، مما يعكس فشل السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. الأسوأ من ذلك، كما لاحظ باسيفيتش وعدد آخر لا يُحصى، أن العدالة الأمريكية ستطبق بشكل غير متساو
وانتهازي، فالمملكة العربية السعودية وباكستان، الركيزتان الإسلاميتان، لن يُعاملوا مثل باقي الدول في المنطقة.
الأمر المشترك في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، ليس فقط في الشرق الأوسط، هو أن الأميركيين مقتنعون بأن التفوق التكنولوجي والعسكري سيحل المشاكل الاجتماعية والسياسية. كما ترى الولايات المتحدة نفسها تُسيّر التاريخ تدريجيا، وعلى الآخرين جميعًا تقليدها. هذا هو نفس التفكير الذي غذى سياسات واشنطن تجاه الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة. هذا الفشل الأساسي في فهم العالم، يُنبأ بالمزيد من الألم والمعاناة في المستقبل.
رغم التقييم السيئ للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لا يقدم باسيفيتش أي حلول لسياسات أمريكا الضالة، سوى اقتراح ضمني أن الأمريكيين عليهم أن يستوعبوا ما يهمهم كأفراد وكمجتمع. وهناك استنتاج أكثر تشاؤما يشير إليه الكتاب هو أنه من الممكن أيضا ألا يُصبح ممكنًا حل أزمة الشرق الأوسط “فالفوضى قد تكون روتين يومي في الواقع وأيضا، هناك مستفيدين منها”.
بعيدًا عن السرد والروابط التي يضعها باسيفيتش في حرب أميركا، فالكتاب يُعد نظرة عظيمة للعقل الأمريكي. وسيكون موضع تقدير من قِبل القراء العاديين والخبراء والأكاديميين. على كل حال، يجب أن تقرأ “الحرب الأمريكية من أجل شرق أوسط كبير”.
التقرير