تقرير مترجم عن توقعات موقع ستراتفور لعام 2018 : الاتجاهات العالمية
هيئة التحرير – (ستراتفور) 21/12/2017
توقعات “ستراتفور” السنوية للعام 2018: الاتجاهات العالمية
– امتلاك بيونغ يانغ رادعا نوويا يساهم بسياسة الاحتواء القلِق
– تعميق التعاون الصيني الروسي يهدد استراتيجيا أميركا
– النووي الكوري يحفز سياسة أميركية متشددة تجاه إيران
– ستستغل موسكو التوتر بين واشنطن وطهران لتوسيع نفوذها
– التعاون بالطاقة لن ينزع فتيل المنافسة المتفاقمة بالشرق الأوسط
– ظروف الجغرافيا السياسية لحقبة الحرب الباردة عائدة وبنزعة ثأر
– سوق السيارات الكهربائية تحدٍ جديد تواجهه السعودية ومنتجو النفط
لمحة عامة:
مراجعة الحسابات في مسألة كوريا الشمالية:
مع أنه لا يمكن استبعاد التهديد بنشوب حرب في شبه الجزيرة الكورية، فإن الولايات المتحدة ربما تحاول تجنب توجيه ضربة وقائية مكلفة ضد برنامج الأسلحة النووية للشمال، والتي يمكن أن تعيد إغراق الاقتصاد العالمي في الركود مرة أخرى. وبدلا من ذلك، سوف يؤدي عرض بيونغ يانغ لرادع نووي قابل للاستخدام في العام المقبل إلى بدء عهد جديد وغير مستقر من سياسة الاحتواء.
التحوط في كل مكان:
سوف يشكل تعميق التعاون بين الصين وروسيا تهديدا استراتيجيا للولايات المتحدة، مما يدفع واشنطن إلى محاولة مواجهة الشراكة الناشئة عن طريق تعزيز حلفائها في المناطق الأوراسية الحدودية. وسوف تُعرِّف سيولة التحالفات بين القوى العظمى النظام الدولي باطراد بينما توازن موسكو وبكين نفسيهما في مقابل بعضهما البعض، تماما بينما يحاول العديد من حلفاء الولايات المتحدة الاحتفاظ بعلاقاتهم مع واشنطن.
وضع العلاقات التجارية في الاختبار:
سوف يمضي البيت الأبيض قدُما بأجندة تجارية هجومية تستهدف الصين، والمكسيك وكوريا الجنوبية واليابان. وفي حين يتعلق اتفاق الولايات المتحدة التجاري مع كوريا الجنوبية على خيط، فسوف تكون للضوابط التي يفرضها القانون والكونغرس على السلطة التنفيذية الأميركية فرصة أفضل للإبقاء على اتفاق التجارة الحرة لأميركا الشمالية قائما. وسوف تُعري أحادية الجانب الأميركية المتصاعدة في مجال التجارة نقاط ضعف منظمة التجارة العالمية، لكنها لن تمزق التكتل أو تؤذن باندلاع حرب اقتصادية.
مراجعة إيران:
سوف تؤدي إنجازات كوريا الشمالية في مجال الأسلحة النووية إلى تحفيز سياسة أميركية متشددة تجاه إيران، بما يعرض للخطر خطة العمل الشاملة المشتركة. وبينما تضم الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل الصفوف ضد إيران، فإن المعارك بالوكالة عبر الشرق الأوسط ستتكاثف. لكن إيران لن تخرج من الاتفاق مع الغرب. ومع ذلك، سوف تستغل روسيا التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، بالإضافة إلى ميزتها في ميدان المعركة السوري، لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة.
*إدارة استراتيجية خروج للنفط:
يأمل منتجو النفط الرئيسيون في البقاء على المسار لإعادة التوازن إلى سوق النفط العالمية في العام 2018. ومع اقتراب الموعد النهائي لاتفاقيتهم لتحديد الإنتاج وخفض المخزونات، فإن مستوى الامتثال سينخفض بين أعضاء منظمة “أوبك” وغير الأعضاء فيها على حد سواء. لكن السعودية وروسيا ربما تتمكنان، حتى مع ذلك، من العمل معا لمواجهة ارتفاع متوقع في إنتاج نفط الصخر الزيتي في الولايات المتحدة.
المرحلة القادمة من الإصلاح في الصين:
سوف ينقضُّ الرئيس الصيني، شي جين بينغ، على المصالح المحلية الراسخة بينما تتعامل الحكومة المركزية مع عنوان المرحلة القادمة من برنامجها الإصلاحي: إعادة توزيع الثروة. ومن شأن تباطؤ قطاع العقارات واستحقاقات ديون الشركات أن تضاعف الضغوط المالية على حزام الصدأ شمال شرق الصين في العام 2018، لكن بكين تمتلك الأدوات التي تحتاجها لمنع حدوث أزمة ديون منهجية.
فرنسا تجد صوتها:
سوف تجد فرنسا نفسها أقرب إلى أن تكون على قدم المساواة مع ألمانيا في العام المقبل، لأنها تدافع عن المصالح الأوروبية الجنوبية وتناقش إصلاح منطقة اليورو. وسوف يرسل احتمال قدوم حكومة متشككة في الأوروبية في إيطاليا موجات من الارتجاف عبر الأسواق المالية، لكن ذلك البلد لن يغادر منطقة العملة الأوروبية الموحدة.
الشعبوية في أميركا اللاتينية:
سوف يتسبب السخط الشعبي من المؤسسة السياسية بموسم انتخابات أكثر تنافسية في ثلاثة من أكبر اقتصادات أميركا اللاتينية: المكسيك والبرازيل وكولومبيا. وإذا وصل رئيس شعبوي إلى سدة الرئاسة في المكسيك، فإن الكونغرس سيمنعه من إجراء أي تغييرات كاسحة في السياسة. وفى الوقت نفسه، سوف تتاح للبرازيل والأرجنتين نوافذ ضيقة لتنفيذ الإصلاحات المحلية والمضي قدماً في المحادثات التجارية في السوق المشتركة للجنوب قبل أن تشرع القيود السياسية في التراكم ضدهما.
* * *
في عالم اليوم، تصبح الدول أكثر ترابطا بشكل متزايد عبر الجو والبر والبحر والفضاء السيبراني. وبينما ربطت العولمة بين البلدان والقارات، فإن حدود الخريطة وحواجز الجغرافيا قد أصبحت، في بعض النواحي، بالية عفا عليها الزمن. والآن، يمكن أن تكون للأحداث في إحدى المناطق بسهولة عواقب في منطقة أخرى، بل وحتى أن تُحدث موجات ارتدادية في جميع أنحاء العالم. وفيما يلي، سوف نستكشف تلك الأحداث التي لها أكبر الأثر على صنع القرار الدولي خلال فترة التوقعات.
• سوف تتبنى الولايات المتحدة على مضض سياسة احتواء تجاه كوريا الشمالية عندما تحقق بيونغ يانغ رادعا نوويا موثوقا قابلا للاستخدام، وهو ما قد يتم في العام 2018.
• سوف يشكل تحالف ناشئ بين الصين وروسيا تحديا متزايدا للهيمنة الأميركية، على الرغم من أن التحالفات ستبقى سائلة وفضفاضة في جميع أنحاء العالم.
• بالعمل ضمن حدود منظمة التجارة العالمية وخارجها، ستتابع الولايات المتحدة أجندة تجارية عدوانية ضد الصين والمكسيك وكوريا الجنوبية واليابان.
• مع انتعاش سوق النفط العالمية، ستتحمل المملكة العربية السعودية عبء الإبقاء على تخفيضات الإنتاج قائمة، بينما يحاول منتجو النفط الآخرون التراجع عن حصصهم المتفق عليها. وسوف يتطلع السعوديون إلى روسيا للمساعدة في التصدي لزيادة متوقعة في إنتاج النفط من الصخر الزيتي في الولايات المتحدة.
الجغرافيا السياسية عائدة بنزعة انتقام
سوف تبدأ الدول في جميع أنحاء العالم السنة الجديدة مع القليل من الأخبار الجيدة. فبعد عقد من الأزمة المالية التي هزت العالم حتى أسسه، شرع النمو في الناتج المحلي الإجمالي العالمي أخيراً في التقاط أنفاسه. وتقدر منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن الاقتصاد العالمي سينمو بنسبة تتجاوز 3.5 في المائة في العام 2018 -وهي أسرع وتيرة نشهدها خلال ثماني سنوات.
لكن العديد من المشاكل الهيكلية العميقة التي كشفت عنها الأزمة المالية سوف تبقى، مما يؤشر على انتعاش أكثر هشاشة مقارنة بدورات عودة الاقتصاد في الماضي. وعلاوة على ذلك، فإن عددا من المخاطر الجيوسياسية -الصراع الذي يلوح في الأفق في شبه الجزيرة الكورية، والتهديدات بنشوب حرب تجارية عالمية، وخطوط القتال الصارخة التي رسمت في الشرق الأوسط، والقلق على الديون الصينية والإيطالية – على سبيل المثال لا الحصر- يمكن أن توقف التعافي الاقتصادي قبل أن ينجز. وكما قال مستشار الأمن القومي الأميركي هـ. م. ماكماستر مؤخراً، فإن “ظروف الجغرافيا السياسية لحقبة الحرب الباردة عائدة، وهي تعود بنزعة ثأر بعد هذه الإجازة التي أخذناها من التاريخ في فترة ما بعد الحرب الباردة”.
سوف تؤثر هذه التهديدات في حد ذاتها على كيفية تكيف الحكومات والشركات مع بيئة دولية أكثر توترا في العام 2018. ومع ذلك، فإن النتيجة الأسوأ لكل من هذه المخاطر ليست بالضرورة هي الأكثر احتمالا. ولأن الولايات المتحدة هي الجهة الفاعلة الوحيدة التي لديها القدرة على ترجيح موازين عدة سيناريوهات في أي من الاتجاهين، فإن أي توقعات للعام المقبل يجب أن تبدأ من واشنطن.
حتى الآن، كان أمام العالم عام لمراقبة رئاسة دونالد ترامب. ومع أن هناك بعض الجوانب الفريدة في ولايته، والتي ستكون بذلك عابرة في تأثيرها، فإن الكثير من تصرفات ترامب تنبع من قوى أكثر عمقاً، والتي ستستمر إلى ما هو أبعد من فترته في المنصب. وفيما يتعلق بالجوانب الأولى، صنعت حفنة من التحقيقات التي أجريت حول السلطة التنفيذية الأميركية الأخبار على مدى العام 2017. وقد عمل الكونغرس على تقييد يدي الرئيس فيما يتعلق برفع العقوبات المفروضة على روسيا. (وربما يحاول المشرعون أيضا منع ترامب من الانسحاب بشكل أحادي من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية في العام 2018). كما تدخلت مؤسسة الأمن القومي من أجل المحافظة على التزامات أميركا تجاه حلف الناتو، بينما تحاول الحدَّ بوضوح من المخاطر المرتبطة بإشعال حرب مع كوريا الشمالية أو التخلي عن الاتفاق النووي مع إيران. وقد تحدت الأرقام على مستوى الولايات والشركات وعلى المستوى المحلي صراحة محاولات ترامب الانسحاب من اتفاق باريس بشأن التغير المناخي وتخفيض دعم الدولة لمصادر الطاقة البديلة والمتجددة.
لكن ترامب لا يعتبر نفسه أيضا مدينا للفضل للحزب الجمهوري أو لمستشاريه للأمن القومي، وقد عرض ترددا أقل من معظم رؤساء الولايات المتحدة في إقالة المعارضين أو تعيين الموالين الذين يلتزمون بأجندته. وبذلك، فإن ترامب يتمتع بهامش مناورة أوسع مما كان لدى معظم أسلافه، والذي يستطيع أن يعمل ضمنه، وهو ما لا يقتصر تأثيره على خطر توسيع الشقوق في الحزب الجمهوري في سنة انتخابية وحسب، وإنما سيعمل أيضاً على إبقاء حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء واقفين على رؤوس أصابع أقدامهم بينما يحاولون التمييز بين الخطاب والواقع فيما يصدر عن البيت الأبيض.
التكيف مع كوريا شمالية نووية
سيكون أكثر قرارات ترامب جلبا للتبعات هو كيفية التعامل مع تطوير كوريا الشمالية السريع لترسانتها النووية. ويبدو أن نافذة توجيه الولايات المتحدة ضربة استباقية تهدف إلى تدمير برنامج بيونغ يانغ تنغلق سريعاً. ومع أنه لا يمكن استبعاد توجيه ضربة وقائية، فإن ثمنها الباهط –نشوب حرب فوضوية تعيد العالَم وراء إلى الركود الاقتصادي- سيجعل الولايات المتحدة أكثر احتمالاً لتكييف نفسها مع الواقع غير المريح لامتلاك كوريا الشمالية رادعاً نووياً عاملاً. وسوف يؤذن ذلك بالقبول ببداية حقبة جديدة غير مستقرة من الردع النووي بينما تتبنى الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون سياسة احتواء تجاه “المملكة المتنسكة”. وسوف يزيد التدهور التدريجي لاتفاقيات السيطرة على الأسلحة التي أُبرِمت في القرن العشرين من تعقيد الأمور فقط بينما تحاول روسيا والصين موازنة توسيع الولايات المتحدة شبكتها للدفاع الجوي.
في الحقيقة، وجدت روسيا والصين مؤخرا سببا إضافيا للتعاون بدلا من المنافسة مع بعضهما البعض. ويعمل كلا البلدين على عزل نفسيهما عن الضغوط الأميركية والتقليل من نفوذ واشنطن في المسارح الاستراتيجية في جمع أنحاء العالم. ولتحقيق هذه الغاية، اتفقت الدولتان على تقسيم للعمل من نوع ما: فحيث تتقاسم كلا الدولتين المصالح، تتعامل روسيا مع القضايا الأمنية وفق ما تراه مناسباً، في حين تتولى الصين القيادة في الشؤون التجارية. كما عمَّقت موسكو وبكين تعاونهما في التمويل، والتجارة، والطاقة، والأمن السيبراني والدفاع.
على الرغم من أن هذه الشراكة الناجمة تشكل خطرا استراتيجياً على الولايات المتحدة، فإنها ستوفر أيضاً فرصة كبيرة يمكن استغلالها بينما تحاول واشنطن تعزيز حلفائها في جوار روسيا والصين. (يمكن أن تشكل تايوان بشكل خاص مصدرا للخلاف بين واشنطن وبكين في العام القادم). ومع ذلك، لا تشبه البيئة الدولية اليوم حقبة الحرب الباردة، عندما كانت خطوطا أكثر وضوحا تحدد التحالفات، وعندما انخرطت القوى العظمى في منافسات محصلتها صفر. وسوف تعمل الاعتمادية التجارية المتبادلة، وغياب الثقة المتبادل والضمانات الأمنية غير الموثوقة على تشجيع الحلفاء الظاهريين على التحوط ضد بعضهم البعض من أجل حماية أنفسهم. وسوف تكون هذه العلاقات السائلة هي التي تحدد النظام الدولي في العام 2018 وما وراءه.
أجندة تجارية أميركية حازمة
لن يُعفي التهديد الذي تشكله كوريا الشمالية أياً من الصين وكوريا الجنوبية أو اليابان من صرامة الولايات المتحدة في مجال التجارة. وتبدو إدارة ترامب فريدة في رغبتها في الفصل بين أزمة كوريا الشمالية وبين أجندتها التجارية. وفي التزام بقرار البيت الأبيض استهداف البلدان التي تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري كبير معها، سوف تبقى الصين والمكسيك وكوريا الجنوبية في مرمى نيران واشنطن في العام 2018. (كما اكتشفت إدارة ترامب بسرعة، فإنه ليس من السهل عزل ألمانيا عن بقية الاتحاد الأوروبي الذي يحميها إلى حد ما من التدابير التجارية العقابية للبيت الأبيض”.
في حال وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، فسيكون تخلي الولايات المتحدة عن اتفاقها التجاري مع كوريا الجنوبية أكثر ترجيحاً من التخلي عن الاتفاقيات الأخرى المطروحة على الطاولة. وكانت الروابط التي تربط اقتصاد الولايات المتحدة بكوريا الجنوبية أضعف من تلك التي تربطها بدول مثل المكسيك. ومع أن إدارة ترامب يمكن أن تختار الانسحاب من اتفاقية “نافتا” في العام القادم، فإن مؤيدي الكتلة –بمن فيهم المشرعون الأميركيون الذين سيزنون مخاطر الانسحاب بينما يتجهون إلى انتخابات منتصف المدة- سوف يحاولون أن يوقفوا قانونياً الخطوات التي يتخذها الرئيس، من أجل منع المعاهدة التجارية من الانهيار. وعلى العموم، فإن دور الكونغرس الأميركي في تنظيم التجارة الخارجية والنزاعات القانونية سوف يستمر في الحيلولة دون اتخاذ إجراءات تنفيذية في السنة الجديدة.
ربما يكون الفصل بين الأمن القومي والتجارة فريداً بالنسبة لإدارة ترامب، لكن النزعة الحمائية، مقرونة برغبة في الاستخفاف بقواعد وأحكام منظمة التجارة العالمية، كانت موجودة في واشنطن قبل أن يصل ترامب إلى البيت الأبيض. وقد تبنَّت واشنطن منذ وقت طويل رأيا يقول بأن منظمة التجارة العالمية لا تتمتع بالتأهيل ولا الأدوات لمحاسبة الصين على انتهاكاتها للتجارة الحرة، والتي ترتكبها ماركتها الخاصة من رأسمالية الدولة. وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي واليابان يشاركان الولايات المتحدة رغبتها في تطبيق أكثر حزماً لأحكام منظمة التجارة العالمية، فإن واشنطن لن تعتمد على الاحتمال الضئيل بأن تدفع هذه الهيئة التجارية الدولية ثقيلة الحركة بإصلاحات عبر بيروقراطيتها المضجرة القائمة على الإجماع.
بينما تضع الصين مباشرة تحت عينيها، سوف توجه واشنطن صفعة إلى بكين عن طريق اتخاذ تدابير عقابية في التجارة، والاستثمار، وفرض أحكام الملكية الفكرية، والتي يمكنها أن تقول إنها داخل أو خارج نطاق اختصاص منظمة التجارة العالمية، اعتماداً على التصنيف الذي يكون أكثر ملاءمة لاحتياجاتها. وقد نفضت الولايات المتحدة الغبار مسبقاً عن اثنتين من الأدوات التجارية المهمة المتوفرة تحت تصرفها: تحقيق وفق القسم 301 في سرقة الملكية الفكرية والنقل القسري للتكنولوجيا، وتحقيق وفق القسم 232 حول ما إذا كانت مستوردات الصلب الصيني تُلحِق الضرر بالأمن القومي، بحيث تخضع بذلك للتعريفات الجمركية. (من المقرر إجراء مراجعة للحالة الأولى في آب (أغسطس)، ومراجعة للقضية الثانية في كانون الأول(يناير)، حيث سيكون لدى الرئيس عند أي من النقطتين 90 يوما للتصرف إزاء القضية المعنية). كما ستواصل واشنطن الضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل منع الصين من الحصول على مكانة “اقتصاد السوق” من منظمة التجارة الدولية –وهي تسمية تزعم بكين أن المنظمة وعدتها بها في العام 2016، والتي سيكون من شأنها أن تجعل فرض تدابير لمكافحة الإغراق ضد الصين أكثر صعوبة. ومع أن صدور حكم على التحدي القانوني في هذا الشأن لن يحدث حتى العام 2019، فإن لجنة من منظمة التجارة الدولية سوف تراجع هذه القضية في العام 2018.
سوف تستمر فظاظة إدارة ترامب التي تشكل علامتها المميزة، وسعيها إلى تنفيذ أجندتها التجارية من جانب واحد، في قرع أجراس الإنذار وإثارة القلق في جميع أنحاء العالم، تاركة الانطباع بأن البيت الأبيض عازم على تفكيك منظمة التجارة العالمية وتدمير النظام التجاري العالمي الذي كانت الولايات المتحدة تدعمه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن هذا النوع من القلق غير مبرر على الأرجح. فمع أن الولايات المتحدة ستكون أكثر رغبة في العمل بشكل مستقل خارج حدود منظمة التجارة العالمية، فإنها لن تتحمل المخاطر الاقتصادية التي ستنجم عن الانسحاب من الكتلة. وبدلاً من ذلك، سوف تعتمد واشنطن على منظمة التجارة العالمية كهيئة إنفاذ، حتى بينما تقوم بتعويض ضعف المؤسسة بإجراءات خاصة بها.
على الرغم من التصعيد، سوف يحجم البيت الأبيض عن بدء حرب تجارية. وفي حين أن شركاء الولايات المتحدة التجاريين سيراقبون تحركاتها مع بعض المخاوف، فإنهم سيستجيبون بلطف في الجزء الأكبر. وسوف يحاول البعض، مثل اليابان، تثبيط مناورات واشنطن عن طريق تسليط الضوء على علاقاتهم الاستراتيجية مع الولايات المتحدة واستثماراتهم فيها. وسوف يتحدى آخرون ممن يكونون تحت خط النار المباشر للبيت الأبيض الهجمات التجارية للولايات المتحدة، من خلال رفع قضايا في منظمة التجارة العالمية وفي المحاكم الأميركية، حيث يمكن أن تستمر عمليات المقاضاة للتتجاوز فترة ترامب الرئاسية الحالية. وبالنسبة للصين، سوف تتقاطع بعض الإجراءات التجارية العقابية الأميركية بدقة مع إصلاحات بكين المحلية، ولن تشكل تهديداً وجودياً للاقتصاد الصيني.
تعافٍ خام
باستثناء حدوث صدمة رئيسية للاقتصاد العالمي، يأمل منتجو النفط من أعضاء منظمة “أوبك” ومن غير الأعضاء فيها تحقيق هدفهم المتمثل في إعادة التوازن إلى سوق النفط في العام 2018. وبينما تواصل مخزونات العالم الانخفاض في النصف الأول من العام، فإن الانقسامات السياسية في العراق والقيود على القدرات الإنتاجية في ليبيا ونيجيريا سوف تخفف من احتمال قيام منتجي النفط بتمديد اتفاقهم بخصوص الحد من الإنتاج إلى العام 2019. وسوف يعقد الموقعون على الاتفاق اجتماعا حاسما في حزيران (يونيو) لمراجعة مدى التقدم الذي تم إحرازه.
سوف يكون السؤال الأكبر في العام الجديد هو: بأي قدر من النجاح ستتمكن السعودية وحلفاؤها في الخليج من ضمان الاستمرار في تطبيق الاتفاق على حصص الإنتاج حتى نهاية مدته. وسوف يحاولون تحمل الجزء الأكبر من عبء إدامة تخفيضات الإنتاج بينما يشرع الامتثال للاتفاق في التسرب بين الأعضاء الآخرين التواقين إلى الخروج منه. وبينما يقترب موعد انتهاء صلاحيته، يرجح أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة من نفط الصخر الزيتي وسط ارتفاع أسعار النفط. وفي إطار عزمهما على تثبيط حدوث انتعاش قوي في إنتاج الولايات المتحدة من الصخر الزيتي، ربما تستمر السعودية وروسيا في التعاون في قطاع الطاقة لوقت طويل بعد أن تنتهي الحصص الحالية. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تستخدم السعودية المساعدة الروسية في تنويع قطاع الطاقة لديها بينما تعمل مع موسكو على تقييد الإنتاج.
لكن التعاون في مجال الطاقة لن يفعل الكثير لنزع فتيل المنافسة التي تتفاقم في الشرق الأوسط. وسوف يؤدي تعهد إدارة ترامب بمنع طهران من اتباع خطى كوريا الشمالية إلى إعادة طهران ومصير الاتفاق النووي مجدداً إلى دائرة الضوء. وسوف تعيد السعودية وإسرائيل، العاكفتين على كبح النفوذ الإيراني بينما تحظيان بمباركة البيض الأبيض، تنشيط حملتهما لإضعاف إيران وحلفائها، بما فيها جماعة حزب الله اللبنانية المتشددة.
بدعم من روسيا، سوف تحصل إيران على الموارد اللازمة للتمسك بموقفها بينما تتصاعد الحرب بين الوكلاء الإقليميين. لكنها ستكون حريصة على عدم إغضاب أوروبا، التي ستكون ضرورية لإعاقة أي جهد تبذله الولايات المتحدة لتمزيق خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني). ولن يمتثل الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الصين وروسيا والهند، بشكل كامل لمحاولات الولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات على قطاع الطاقة في إيران. أما إذا انهار الاتفاق النووي، فإن منتجي النفط ربما يتخلون عن تخفيضات إنتاجهم في وقت مبكر، بينما تتحرك السعودية وروسيا بسرعة لتعويض خسارة الإمدادات النفطية الإيرانية في السوق.
ينبع الكثير من أهمية أجندة الإصلاح السعودية والانهماك في إنعاش أسواق النفط العالمية من التحدي طويل الأجل الذي تواجهه المملكة ومنتجو النفط الآخرون: توسع سوق السيارات الكهربائية. وعلى مدى العام الماضي، قادت كل من أوروبا والصين والهند مبادرات سياسية هدفت إلى تعزيز تبني المركبات التي تعمل بالطاقة البديلة. وبالإضافة إلى ذلك تشير تقارير هذه الصناعة إلى طلب متصاعد على بطاريات السيارات والليثيوم التي تُصنع منه. وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه سوف يستغرق عقوداً حتى يتكشف، فإن الاستثمار في إنتاج السيارات الكهربائية والتقنيات ذات الصلة سوف يرتفع في العام الجديد. ولأن مصادر الليثيوم متركزة في حفنة من الدول فقط، بما فيها الأرجنتين وتشيلي وبوليفيا، فإن العديد من هؤلاء المنتجين سيكونون في وضع جيد للاستفادة من الاهتمام المتزايد بالليثيوم –خاصة الأرجنتين، بما أن “السوق المشتركة للجنوب”، التي ينتمي إليها هذا البلد، ستقوم بتحرير سياساتها التجارية في العام 2018.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان:
Global Trends: 2018 Annual Forecast
ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 3/1/2018
ala.zeineh@alghad.jo