تقرير مترجم عن تروث ديغ – حرب أميركا على الإرهاب أصبحت في ذاتها حكم إرهاب
تروث ديغ – مارجوري كوهن* – 6/11/2017
خلال حملته الانتخابية من أجل الرئاسة في العام 2016، دافع دونالد ترامب عن قتل العائلات البريئة التي ينتمي إليها المشتبه بتورطهم في الإرهاب. وقال في ذلك الحين: “عندما تلقي القبض على هؤلاء الإرهابيين، فإن عليك قتل عائلاتهم”. وبالإضافة إلى عدم الأخلاقية في قتل الأبرياء، ينتهك استهداف المدنيين معاهدات جنيف.
وكانت إدارة جورج دبليو بوش قد اعتقلت وعذبت، على نحو غير قانوني، إرهابيين مشكوكاً فيهم. ولأنها صممت على عدم إرسال المزيد من المشكوك فيهم إلى غوانتنامو، فقد عمدت إدارة الرئيس باراك أوباما إلى اغتيالهم بطريقة غير قانونية عن طريق الطائرات من دون طيار وطرق أخرى، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين في العملية.
والآن، تقوم إدارة ترامب بقتل أعداد قياسية من المدنيين وبتخفيف قواعد القتل المستهدف الهزيلة أصلاً، والتي كان قد وضعها أوباما.
في العام 2013، أصدرت إدارة أوباما سلسلة من المتطلبات والشروط المتعلقة بتقنين عمليات القتل المستهدفة “خارج مناطق الأعمال العدائية النشطة”، في دليل سياسة رئاسي.
ويوم 21 أيلول (سبتمبر) الماضي، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن مستشاري الأمن القومي لدى الرئيس ترامب اقترحوا تخفيف توصيات أوباما الواردة في دليل السياسة الرئاسي بهذا الخصوص. وتسمى توصيات ترامب هذه “المبادئ، والمعايير، والإجراءات”. ويوم 29 تشرين الأول (أكتوبر)، ذكرت “نيويورك تايمز” أن “اثنين من المسؤولين الحكوميين قالا إن السيد ترامب صادق مؤخراً على قوانينه الجديدة لعمليات القتل أو القبض على المشتبه بهم في إطار مكافحة الإرهاب، من دون إجراء أي تغييرات رئيسية على “المبادئ، والمعايير والإجراءات”.
كان أوباما قد وجه “ضربات شخصية” -والتي استهدفت إرهابيين مشكوكاً بهم بالاسم- و”ضربات توقيع” -والتي يمكن من خلالها قتل الرجال في عمر التجنيد في منطقة نشاط مشكوك فيه. وغالباً ما تدعى ضربات التوقيع “عمليات القتل الجماعي”، لأن أولئك الذين يقومون بتنفيذ هذه الهجمات لا يعرفون حتى من هو الذي يقتلونه. ومن المفترض أن يكون ترامب صادق على مواصلة هذين النوعين من الضربات.
كان “دليل السياسة الرئاسي” قد اشترط أن يشكل الهدف تهديداً مستمراً ووشيكاً لأشخاص أميركيين. ولا يوجد أي تلميح إلى أن قوانين ترامب الجديدة قد غيرت هذا الشرط. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه حتى في عهد إدارة أوباما، قال كتاب أبيض صدر عن وزارة العدل الأميركية في العام 2011 إنه يمكن أن يتم في العملية قتل مواطن أميركي، حتى وإن لم يكن هناك أي “دليل واضح على أن هجوماً محدداً على أشخاص ومصالح أميركيين سوف يقع في المستقبل القريب”. ومن المفترض أن يكون أوباما قد وضع معياراً أدنى لقتل الناس من غير المواطنين الأميركيين.
كما أن قوانين أوباما اشترطت أن يكون شبه اليقين من أن “الإرهابي المحدد بأنه عالي القيمة” أو أي هدف إرهابي آخر معرَّف بالقانون، حاضراً قبل توجيه الضربة. وقال أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة “نيويورك تايمز” إن الإدارة خفضت مستوى اليقين المطلوب من أن يكون الهدف المقصود موجوداً في منطقة الضربة من مرتبة “شبه مؤكد” إلى “تأكيد معقول”. أما ضربات التوقيع، فلا تستهدف أشخاصاً معينين بأسمائهم. وبموجب قوانين ترامب الجديدة، لن تكون الأهداف محددة بإرهابيين من ذوي القيمة العالية، لكنها يمكن أن تشمل جنوداً مشاة لا يضطلعون بأي أدوار قيادية.
خلال فترة إدارة أوباما، تم اتخاذ قرارات الاستهداف على أعلى المستويات في الحكومة، وقيل إن الرئيس كانت له الكلمة الفصل في النهاية حول تقرير من هو الذي سيتم اغتياله. ومع ذلك، وبموجب قوانين “المبادئ، والمعايير والإجراءات”، فإنه لم يعد مطلوباً أن يتأكد كبار مسؤولي الإدارة من هذه الخطط، وإنما يمكن أن يقررها القادة في الميدان.
أوصى مستشارو ترامب بالحفاظ على شرط توصيات “المبادئ، والمعايير والإجراءات”، المتعلقة بمستوى “شبه المؤكد” من أن المدنيين لن يكونوا عرضة للإصابة أو القتل، وقد وافقت الإدارة على ذلك، حسب “نيويورك تايمز”.
على الرغم من أن “المبادئ، والمعايير والإجراءات”، يجب تذكُّر أن إدارة أوباما قتلت العديد من المدنيين في عملياتها. وذكر مكتب مدير الاستخبارات القومية التابع لإدارة أوباما أنه تم قتل ما يتراوح بين 64 و116 من غير المقاتلين “خارج مناطق الأعمال العدائية النشطة”، في الفترة بين كانون الثاني (يناير) 2009 وكانون الأول (ديسمبر) 2015. وقد شملت مناطق تلك العمليات كلاً من باكستان واليمن والصومال وليبيا. ولم تشمل تلك الأرقام حوادث القتل في أفغانستان والعراق وسورية. وحتى بالنسبة للبلدان المشمولة، فإن من الممكن أن تكون الأرقام أقل من الحقيقة. وقد قدر مكتب التحقيقات الاستقصائية الذي يتخذ من لندن مركزاً له أن ما يتراوح ما بين 380 و801 مدني قد قتلوا خارج مناطق الأعمال العدائية النشطة خلال الفترة نفسها.
وحتى قبل تخفيف القوانين، كانت ضربات الطائرات من دون طيار وعمليات القتل المستهدف خارج مناطق الأعمال العدائية النشطة قد ازدادت مُسبقاً من واحدة كل 5.4 أيام خلال فترة إدارة أوباما إلى واحدة كل 1.25 يوماً في عهد ترامب، كما ذكر ميساه زنكو من مجلس العلاقات الخارجية.
كما منح ترامب أيضاً المزيد من الصلاحيات لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي. آي. إيه) وللبنتاغون لتنفيذ ضربات بواسطة الطائرات من دون طيار. وقام بتخفيف قوانين القتل المستهدف في مناطق واسعة من اليمن والصومال، من خلال تصنيفها على أنها “مناطق أعمال عدائية نشطة”. في شهر آذار (مارس) وحده، قتلت إدارة ترامب 1000 مدني في العراق وسورية، وفقاً لمنظمة “إير وورز” غير الحكومية التي ترصد الإصابات المدنية الناجمة عن الضربات الجوية. ونستطيع توقع رؤية أعداد متزايدة من الوفيات المدنية، نظراً لأن ترامب يواصل “الحرب على الإرهاب” التي ورثها من أسلافه. ومنذ أن أطلق بوش هذه الحرب بعد هجمات 11/9، أصبحنا أكثر هشاشة وأكثر عرضة لأعمال الإرهاب. ومن نافلة القول التأكيد أن عمليات قتل المدنيين تضاعف مشاعر السخط والغضب من الولايات المتحدة، وتساعد على المزيد من تجنيد أولئك الذين يريدون أن يلحقوا بنا الضرر.
*أستاذة فخرية في كلية توماس جيفرسون للقانون، ورئيسة سابقة لمؤسسة المحامين الوطنيين. من كتبها “جمهورية الكاوبوي: ست طرق خالفت فيها عصابة بوش القانون”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
America’s “war on Terror” Has Become a Reign of Terror
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 14/11/2017
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo