ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن بوسطن غلوب – ما يأتي قبل الجهاد

بوسطن غلوب – نيال فيرغسون* –27/3/2017

“نذكِّرُ كل الإرهابيين، بأدب، بأن هذه لندن، ومهما تفعلون بنا سوف نشرب الشاي ونواصل الحياة بمرح شكراً لكم”.

كان من الصعب أن لا أبتسمَ لدى رؤية الشاخصات التي تحمل عبارات مثل هذه، والتي ظهرت في العديد من محطات المترو في أعقاب المذبحة القاتلة التي ارتكبها خالد مسعود في ويستمنستر، أليس كذلك؟ لكَم هذا السلوك بريطانيٌّ بشكل لا يصدق! تظاهر فقط بأنك رابط الجأش ولا تأبه لشيء. حافظ على هدوء أعصابك، وواصل الطريق.

لكنني أصبحت نهباً للقلق باطراد يوم الجمعة الذي تلا الهجوم، بينما كانت التفاصيل تتكشف عن حياة مسعود. كان اسمه الحقيقي هو أدريان إلمز. وتذكَّر جار سابق رجلاً “مهذباً، خجولاً” و”بارعاً تماماً”، يحب البستنة واللعب مع أطفاله. ثم قرأنا بعد ذلك عن العنصرية التي عانى منها الرجل في “قرية ساسكس الهادئة في نورثيام”.

ولكن، انتظروا. أولاً، كان هذا الرجل مجرماً عنيفاً، سُجن مرتين بسبب اعتداءات بالسكين. ثانياً، كان طريقه من الجريمة إلى الجهاد مألوفاً: التحوُّل إلى اعتناق الإسلام في السجن، ومباركة هذا التحول في السعودية، الانتقال إلى لوتون، مقر الداعية الإسلامي أنجيم شوداري الذي يقضي الآن حكماً في السجن بسبب ارتكاب جرائم إرهاب. وثالثاً، ثمة القصة المألوفة الأخرى: كان مسعود معروفاً لدى السلطات بـ”التطرف العنيف”، لكنه لم يعد تحت المراقبة.

نعم، أعلم أن ضحايا الإرهاب الإسلامي في بريطانيا هم أقل بكثير من ضحايا إرهاب الحزب الجمهوري الايرلندي. ومع ذلك، كانت هناك 135 قضية تتعلق بالإرهاب في بريطانيا منذ العام 1998، والتي أسفرت عن 264 إدانة. وقد تضاعفت وتيرة جرائم الإرهاب تقريباً منذ العام 2010.

دعونا لا نكون ضيقي التفكير ولا نكذب على أنفسنا. إن العالم في قبضة وباء الإرهاب الإسلامي. ومن بين الأعوام الستة عشر الماضية، كان الأسوأ العام 2014، حيث شهد 93 بلداً هجمات إرهابية، وقتل ما يقرب من 33.000 شخص. وكان ثاني أسوأ عام من حيث الهجمات هو 2015؛ حيث بلغ عدد الضحايا أكثر من 29.000 ضحية. وفي ذلك العام، كانت أربع جماعات إسلامية متطرفة مسؤولة عن ثلاثة أرباع جميع الوفيات الناجمة عن الإرهاب: الدولة الإسلامية، وبوكو حرام، وطالبان، والقاعدة.

على الرغم من أن البلدان ذات الأغلبية المسلمة تعاني أكثر من غيرها من العنف الجهادي، فإن الغرب يتعرض للهجوم بشكل متزايد. وكان هناك 64 هجوماً مرتبطاً بتنظيم “داعش” في البلدان الغربية في العام 2015، بما في ذلك المذابح في باريس (137 قتيلاً)، وأورلاندو (50 قتيلا). وحتى الآن، أصيبت بريطانيا برفق فقط.

ما من شك في أن هناك ثغرات أمنية في حالة مسعود. ولكن الواقع هو أن اليقظة المستمرة لأجهزة الأمن البريطانية فقط هي التي حالت دون مقتل الكثير من الناس الآخرين في السنوات العشر الماضية. وفي العامين 2014 و2015، كان هناك عدد أكبر من الاعتقالات المتصلة بالإرهاب أكثر من أي عام منذ العام 2000. وما يجب أن نواجهه هو أنه حتى هذا الجهد المكثف لا يمكن أن يحبط كل جهادي عن العمل بشكل استباقي.

إن مصطلح “الذئب الوحيد” هو واحد مضلل. لا أحد يصبح جهادياً وحده، فقط من خلال مشاهدة عملية قطع رأس على الفيديو. وكما تقول زوجتي أيان حرسي علي في تقرير جديد قوي، فإن الجهاد يكون مسبوقاً دائماً بالدعوة -عملية التطرف غير العنيفة، وإنما السامة، التي تحول المجرم الصغير إلى متعصب.

تتخذ شبكة الدعوة أشكالا مختلفة. وفي المملكة المتحدة، ثمة دور مهم لعبته “منظمة المهاجرين” في هذا المجال، التي كان أنجيم شوداري ينتمي إليها قبل اعتقاله. ولكن هناك العديد من المنظمات الأقل وضوحاً والتي تقوم بنشر سم العقل بنشاط.

حتى تستطيع أن ترى كيف يعمل هذا السم، إقرا دراسة “حوار السياسات” الأخيرة عن المجتمعات الإسلامية في بريطانيا، تحت عنوان “الانتماء غير المستقر”. ولأول وهلة، ستشعر بأن الأخبار جيدة. فبشكل إجمالي، أدان 90 في المائة من الذين شملهم الاستطلاع الإرهاب. وقال 7 في المائة فقط إنهم لا ينطوون على شعور قوي بالانتماء إلى المملكة المتحدة.

ولكن، اقرأ الدراسة مرة أخرى. عندما سُئلوا عما إذا كانوا سيدعمون تطبيق قانون الشريعة الإسلامية، قال 43 في المائة: “نعم”. ويعارض 10 في المائة فقط من المسلمين البريطانيين حظر الدروس التعليمية التي “تعزز وجهات النظر المتطرفة، أو التي تعد غير متوافقة مع القيم البريطانية الأساسية”.

والأسوأ من كل ذلك، هو أن ثلث الذين استُطلعت آراؤهم تقريباً (31 في المائة)، يعتقدون بأن الحكومة الأميركية كانت مسؤولة عن هجمات 11/9. ولاحظ ما يلي: “كان عدد الناس الذين قالوا إن اليهود هم الذين كانوا وراء الهجمات (7 في المائة)، أكبر من عدد أولئك الذين قالوا أنها كانت من عمل تنظيم القاعدة (4 في المائة)”.

بعد 7/7، حادثة التفجيرات التي وقعت في لندن في العام 2005، تم تصميم استراتيجية حكومة المملكة المتحدة لمكافحة الإرهاب على أساس “منع” الناس من أن يصبحوا إرهابيين أو أن يدعموا الإرهاب. وقد ندد المشتبه بهم المعتادون بهذه السياسة، وبشكل خاص “المجلس الإسلامي في بريطانيا”. لكن الحقيقة هي أن ذلك “المنع” لم يتمكن من المنع بما يكفي.

المشكلة هي أن من الصعب جداً وقف شبكات من هذا النوع من الازدهار عندما تستطيع أن تعمل حتى في داخل السجون نفسها. وقد أظهرت الأرقام التي نُشرت في شباط (فبراير) أن عدد المسلمين في السجون البريطانية (لكل أنواع الجنح والجرائم)، ارتفع إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 12.255 في الأعوام ما بين 2004 و2014. وهناك مسلم واحد من بين كل سبعة سجناء في إنجلترا وويلز.

لا يبدو أن المشكلة في طور الذهاب. ولكَ أن تسأل الفرنسيين عن ذلك. فعلى الأقل، يتكون 8 في المائة من السكان الفرنسيين من المسلمين، وهو ما يستشرف مركز أبحاث “بيو” أنها ستكون حصة بريطانيا من المسلمين تقريباً في العام 2030. وتقدر السلطات الفرنسية أن لدى فرنسات نحو 11.400 إسلامي متطرف، وهو رقم أكبر كثير من أن يتمكنوا من مراقبته. كما أن نحو ثلث نزلاء السجون الفرنسية هم من المسلمين.

أيها المواطنون البريطانيون الأعزاء، إذا لم تكونوا قد قرأتم عمل ميشيل هوليبيك، “إخضاع”، فربما يكون الآن هو الوقت المناسب لقراءته. وكبديل عن ذلك، يمكنكم اتباع الاقتراح: “سوف نشرب الشاي، وسنواصل الحياة بمرح” -مع أنه سيكون من الصعب عليك القيام بذلك نوعاً ما، عندما يكون رأسك مغروساً في الرمال.

* زميل بارز في مؤسسة هوفر في جامعة ستانفورد.

*نشر هذا المقال تحت عنوان:

What comes before jihad

ترجمة علاء الدين أبو زينة – الغد – 3/4/2017

ala.zeineh@alghad.jo

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى