ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن الأتلانتيك – لماذا لا تدعم الولايات المتحدة الاستقلال الكردي؟

الأتلانتيك – كريشناديف كالامور – 20/10/2017
بعد الحرب العالمية الأولى أصبح الأكراد، على نحو مثير، قاب قوسين أو أدنى من إقامة دولة مستقلة. وبعد نحو قرن لاحقاً، لم يصبحوا أقرب إلى امتلاك وطن مستقل لهم.
وهناك العديد من الأسباب وراء ذلك: عدم الاستقرار الإقليمي؛ قمع الأكراد، وخاصة في تركيا وفي عراق صدام حسين؛ المعارضة الشديدة لقيام دولة كردية؛ والاقتتال الداخلي الكردي؛ و، على الرغم من وجود بعض المؤيدين الغربيين البارزين، فإنه لا يوجد أي مدافع مهم عن قيام دولة كردية. وكانت هذه الأسباب قيد العرض في الأسبوع الماضي، عندما سيطرت القوات العراقية على كركوك، المدينة الغنية بالنفط التي ينظر إليها الأكراد على أنها بمثابة القدس الخاصة بهم. وكان المقاتلون الأكراد قد سيطروا على المدينة منذ العام 2014، عندما فرت القوات العراقية منها أمام زحف مقاتلي “داعش”. وكان ما جعل الأمور حتى أكثر خطورة هو الاستفتاء الذي أقيم في الشهر الماضي، والذي صوتت فيه أغلبية كبيرة من الأكراد لصالح إنشاء وطن قومي فيما يسمى الآن كردستان العراق. وقد أجري الاستفتاء أيضاً في ثلاث مناطق تضم أعداداً كبيرة من الأكراد، بما فيها كركوك، وهي مناطق متنازع عليها وفق الدستور العراقي للعام 2005. وقد تمت المصادقة على تلك الوثيقة في معظم أنحاء العراق بهوامش عريضة. لكن أكثر من 98 في المائة من الناخبين في كردستان العراق صادقوا عليها.
تتجلى عواقب هذا التصويت والاستيلاء على كركوك بطريقة متوقعة -تبادل الاتهامات بين الأكراد، ومحاولة الولايات المتحدة اتخاذ موقف الحياد، وإجراء حاسم من جانب إيران، وعرض عضلات من جانب الدولة العراقية- لكنها أيضاً تثير سؤالين: لماذا لم تستطع الولايات المتحدة إقناع واحد من حلفائها الموثوقين أكثر ما يكون في المنطقة بتأجيل الاستفتاء؟ ولماذا لا تدعم الولايات المتحدة الاستقلال الكردي مباشرة؟
يقول ستيوارت جونز، السفير السابق لدى العراق والذي يعمل حالياً مع مجموعة كوهين: “لا يوجد غموض في الموقف الأميركي حول هذا الموضوع. فقد كانت الولايات المتحدة تقول للأكراد، وتقول (للرئيس الكردي) مسعود (برزاني) وتقول لنجله منصور (برزاني ولي عهده) منذ الربيع الماضي أن يمضوا قدماً في موضوع الاستفتاء، لأنه لن يكون جيداً لكردستان، ولن يكون جيداً للعراق، وسيصب في مصلحة المتشددين وفي صالح الإيرانيين. وأعتقد أن هذا هو ما نشاهده”.
وكانت دعوة برزاني إلى إجراء الاستفتاء قد وصفت بأنها سوء حسابات. لكن الزعيم الكردي أصر على أنه طالما ظل الأكراد العراقيون جزءاً من دولة العراق، فإنهم لن حصلوا على صفقة عادلة. وقالت لي بيان عبد الرحمن، ممثلة حكومة إقليم كردستان في واشنطن، أن أفضل عرض قدمته الولايات المتحدة لتأجيل الاستفتاء جاء متأخراً جداً على إمكانية إرجاء التصويت. وأضافت: “لم تكن لدينا ثقة في أن بغداد يمكن أن تؤيده عموماً”. وقالت السيدة عبد الرحمن إنه يقال للأكراد باستمرار إن الوقت ليس جيداً للاستقلال. وعقبت بالقول: “من منظورنا، هو دائماً وقت سيئ. إذا كنت تبحث عن لحظة يكون فيها العراق مستقراً ويكون لديك أحد منطقي للتفاوض معه، فإن ذلك لم يكن واقع الحال أبداً في العراق”.
وقالت أن الأكراد كانوا يعرفون أنها ستكون هناك معارضة للاستفتاء، مشيرة إلى حقيقة أن الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين كانوا يعارضون، تقليدياً، حركات الاستقلال. واستشهدت بمثال دول البلطيق وكرواتيا، مشيرة إلى أن “تلك البلدان كانت لتظل جزءاً” من الكتلة الشرقية “لو أن السياسات الأميركية الحالية كانت سارية في ذلك الحين”.
وأضافت: “وإذن، توقعنا المعارضة. واعتقدنا أن ذلك سوف يكون النمط. لكن الذي فاجأنا كان العداء للاستفتاء وعدم احترامه ومحاولة التقليل من شأنه”.
ثمة نظريتان رئيسيتان متداخلتان عن السبب وراء تصرف العراق وحلفاؤه، بمن فيهم الولايات المتحدة، على النحو الذي حدث: كان الاستفتاء نفسه ينطوي على مشاكل، كما أن شمول كركوك والمناطق المتنازع عليها فيه كان عملاً استفزازياً. وكما قال لي فريد ياسين، السفير العراقي لدى واشنطن: “كان الاستفتاء سيظل غير دستوري، لكن إضافة كركوك جعلته مناهضاً للدستور جداً وعلى نحو فاضح”.
وأضاف: “إنه كيان فيدرالي يحاول أن يؤكد سلطته الفيدرالية. وإذا وضعت ذلك في سياق أميركي فسوف تصبح الأمور واضحة جداً: الوضع الذي لدينا هو، كما لو أن تكساس أرادت منع عملاء أمن النقل الاتحاديين من التواجد في مطار هيوستن. الأمور لا تعمل بتلك الطريقة… ولا تستطيع أن تعمل بتلك الطريقة”.
يقول بيتر غالبريث، الدبلوماسي الأميركي السابق الذي يعتبر مدافعاً متحمساً عن الاستقلال الكردي: “إنه لأمر محير” أن لا تعترف الولايات المتحدة بدولة كردية. وأشار غالبريث الذي كان متواجداً في إقليم كردستان العراقي أثناء الاستفتاء الأخير لتقديم المشورة للأكراد مجاناً، إلى أن المنطقة الكردية ظلت وقت طويل مكاناً للاستقرار في العراق. وتساءل: “هل يمكن لمكان يعيش فيه خمسة ملايين إنسان أن يكون مكاناً قابلاً للحياة؟”، وأجاب: “أعتقد ذلك، فالإقليم أكبر وأكثر قابلية للحياة من نصف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”.
في الحقيقة، يزيد حجم إقليم كردستان العراق قليلاً على ولاية ميريلاند الأميركية، وهو بحجم سويسرا تقريباً. لكن ما يتوافر عليه من حيث المساحة والسكان يفتقر إليه من حيث العوامل التي تصنع الدولة المستقلة. وقال جونز، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة من العام 2014 إلى العام 2016، أن تلك هي الأسباب هي التي كانت وراء عدم دعم الولايات المتحدة لقيام دولة كردية مستقلة في الوقت الحالي.
“أ: إقليم كردستان العراقي ليس قابلاً للحياة اقتصادياً؛ ب: ليست الظروف السياسية مواتية ببساطة. وقد رأينا ذلك. فهناك رد فعل حاد جداً من جانب إيران. وثمة رد فعل حاد من تركيا. ورد فعل حاد من بغداد. وهكذا، لم يكن الجيران مستعدين لهذا. ولم يكونوا مستعدين للموافقة عليه. كانت هناك الكثير من المواضيع التي لم تُحل”.
قد يكون رد الفعل الإقليمي، في جزء منه، هو السبب في إقدام الحكومة العراقية على التصرف على النحو الذي فعلته. وكما كتبت في وقت سابق: الآن وقد هزم “داعش” تقريباً، فإن النزاعات الساكنة في المنطقة تعاود الظهور على السطح. وتوجد في إيران وسورية وتركيا أقليات كردية كبيرة، وتخشى كل من طهران وأنقرة بشكل خاص من أن يفضي قيام دولة كردية مستقلة إلى تشجيع قوى انفصالية كردية في بلديهما. وقد تدخلت تركيا التي كانت مقربة تقليدياً من عائلة برزاني، وإيران التي تتمتع بنفوذ على عائلة طالباني المنافسة (هيمنت العائلتان على السياسات الكردية لعقود). ووصفت تركيا الاستفتاء بأنه “خطأ جسيم”، وهددت بوقف شراء النفط من الأكراد. وكانت إيران أكثر مباشرة، فزار قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني، كردستان العراقي في عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي واجتمع مع مسؤولي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من أجل التوسط في إيجاد حل للمواجهة. ويبدو أن جهده قد آتى ثماره. فقد انسحب مقاتلو الاتحاد الوطني الكردستاني من كركوك وسلموا المدينة لقوات الحكومة العراقية.
إذا كان هناك شيء واضح من الأزمة في العراق، فهو أن إيران، بعد 14 عاماً من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام حسين، تحتفظ بنفوذ كبير في البلد -وليس فقط مع الحكومة المركزية في بغداد التي يهيمن عليها أصدقاؤهم الشيعة، وإنما أيضاً مع الأكراد. وسوف يستمر ذلك في أن يكون عاملاً طالما استمرت الولايات المتحدة في محاولة التصدي لإيران، أولاً عبر قرار إدارة ترامب إعادة الصفقة النووية الإيرانية إلى الكونغرس، ثم بفرض عقوبات تتعلق بالإرهاب على جهاز الحرس الثوري الإيراني، نفس المجموعة التي يعمل سليماني قائداً رفيعاً فيها.
وقال لي جونز: “نستطيع بالتأكيد مواجهة نفوذ إيران، لكننا لا نستطيع تبديده”. وأضاف: “كان لإيران نفوذ في هذه الأماكن في السابق وسوف تستمر في أن يكون لها نفوذ. إن لها حدوداً بطول 800 كيلومتر مع العراق، بما في ذلك الجزء الذي يسيطر عليه الاتحاد الوطني الكردستاني من إقليم كردستان العراق في شمالي البلاد. لا توجد أي طريقة لاستثناء إيران من لعب دور هناك”.
ومن جهته، قال ريان كروكر، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة لدى العراق من العام 2007 إلى العام 2009، إن الولايات المتحدة أضعفت موقفها من خلال الظهور بمظهر الميل إلى جانب بغداد في النزاع مع الأكراد. وأضاف: “لا أعتقد أنه كان علينا اتخاذ موقف بطريقة أو أخرى حول قيام دولة كردية في شمالي العراق؛ الأمر يعود للأكراد والعراقيين ليبتوا فيه. ولكن، مع إقحام أنفسنا مع أحد الجوانب… سوف لن ينظر إلينا على أننا وسطاء نزيهون بينما نمضي قدماً”.
لن تقتصر أي مفاوضات تتعلق بمستقبل كردستان العراق على العراق والأكراد وحسب، وإنما ستضم أيضاً جيران العراق. وهناك موضوع كبير آخر: مدى الصدوع القائمة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني. وكان هذان الحزبان، اللذان ما تزال العائلتان المسيطرتان عليهما على خلاف منذ عقود، يتوحدان عند الملمات في التاريخ الكردي من أجل استغلال فرصة سياسية. لكن ما حدث في الأسبوع الماضي لم يكن من تلك المناسبات.
نعت السيدة عبد الرحيم، ممثلة إقليم كردستان في واشنطن، “الناس السذج الجشعين الذين باعوا كركوك. عدم الوحدة هي كعب أخيل بالنسبة إليها. وعدم وحدتنا هو أسوأ أعدائنا. مهما فكرنا في معارضينا والمقللين من قدرنا، فإن عدم وحدتنا هي أسوأ أعدائنا”.
لكن مايكل روبن، العالم المقيم في معهد “أميركان انتربرايز” الذي كتب عن الفساد في إقليم كردستان العراق وعن الافتقار إلى الشفافية السياسية وطبيعة السلالة الحاكمة للسياسة الكردية، يقول إن العراق والأكراد سيجدون طريقة للمضي قدماً على الأرجح. وأضاف: “أعتقد بأن الموضوع على المدى البعيد لن يتعلق بدينامية بغداد-أربيل بقدر ما سيتعلق بما إذا كان الأكراد سيواجهون إخفاق قيادهم الخاصة، وكيف سيفعلون”.
باستثناء هذه الديناميات، كان القادة الأكراد في الماضي قد أوضحوا السبب الذي يجعل الإعلان عن الاستقلال تحدياً. وكان الزعيم الكردي الراحل جلال طالباني الذي كان في ذلك الوقت رئيساً للعراق قد قال لصحيفة “ذا نيويوركر” في العام 2007: “دعونا نتخيل لو أعلن كردستان العراق الاستقلال ولم تقاتله إيران ولا سورية ولا تركيا ولا العراق، لكن هذه الدول أغلقت حدودها. كيف يمكننا أن نعيش”؟
وأضاف: “دعونا نقول إننا حصلنا نفطنا -كيف نستطيع أن نصدره؟ يمكنكم التأكد من أننا لو أعلنا استقلالنا، فإن إيران ستهاجمنا وتركيا ستهاجمنا وسورية ستهاجمنا- ولن يقبل العراق به. ونحن لا نستطيع مقاومة كل هذه البلدان”.
والآن، بعد عقد من ذلك، تبدو تلك المخاوف أكثر واقعية، حتى مع أنها تتعلق ببلدان غالباً ما تكون على خلاف مع بعضها بعضا، وتتشاجر في كثير من الأحيان.
قال لي ياسين، السفير العراقي: “حول هذا الموضوع، جمعت الولايات المتحدة وإيران والسعودية وتركيا والعراق مصالحها معاً. إنها تريد الاستقرار في العراق -وقد ذهب الاستفتاء ضد ذلك الاستقرار”.
*نشر هذا التحليل تحت عنوان:
Why Does not the U.S Support Kurdish Independence?
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 27/10/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى