ترجمات أجنبية

تقرير مترجم عن الأتلانتيك – الإفراط السكاني الإسلامي .. خرافة لن تموت

الأتلانتيك – كرثيكا تاراغور* – 14/11/2017
أصبح مجرد عدد مسلمي الروهينغا الهاربين من حملة الإبادة الجماعية في بورما -أكثر من 10000 شخص في اليوم منذ آب (أغسطس) الماضي- كبيراً جداً وعصياً على التجاهل. وهو السبب الذي حدا بوزير الخارجية الأميركي، ريكس تليرسون، إلى زيارة البلد يوم الأربعاء الماضي. وفي إيجازاته عن الأزمة، من المرجح أن تيلرسيون سيواجه سؤالاً آخر عن الأعداد: الادعاء، الذي يطرحه المسؤولون البورميون والرهبان البوذيون الذين ينتهجون خطاً متشدداً في الكثير من الأحيان، بأن “الإفراط السكاني” عند مسلمي الروهينغا يهدد الأغلبية البوذية في البلد.
وقال وين مياينغ، الناطق بلسان ولاية راخين الغربية في بورما حيث يعيش معظم الروهينغا الذين بلا جنسية، إن “النمو السكاني لمسلمي الروهينغا يعادل عشرة أضعاف نظيره عند البوذيين في راخين”. كان ذلك في العام 2013 عندما أصدرت الولاية قانوناً مثيراً للجدل يحدد عدد المواليد عند المسلمين بطفلين، والذي تم تطبيقه على المسلمين وحدهم. وفي الشهر الماضي فقط، قال مدير قرية “خالية من المسلمين” تقع خارج يانغون (العاصمة) لصحيفة نيويورك تايمز: “الروهينغا ليس مرحباً بهم هنا لأنهم عنيفون وأعدادهم تتضاعف بشكل جنوني. وهناك الكثير جداً من الزوجات والأطفال”. وما يزال شعار وزارة الهجرة في بورما هو: “سوف لن تبتلع الأرض عرقاً حتى الإفناء، لكن (عرقاً) آخر سوف يفعل”.
تم تسليح احتمال حدوث انفجار في أعداد سكان الروهينغا -الذي يغذيه المحتوى المهيِّج على وسائل التواصل الاجتماعية- في سياق عملية التطهير العرقي في بورما. ويلازم طيف هذا الاحتمال الجميع، من الجيش والقوميين البوذيين، وصولاً إلى المواطنين العاديين. وأنا أصادف الكثير من هذا الادعاء بشكل متكرر. وعلى الرغم من نسبه الواضح إلى مصادر مثل الرهبان المتطرفين، فإنني شرعتُ في التساؤل عما إذا كان صحيحاً. وهو ليس كذلك.
في الحقيقة، ووفقاً لدراسة نشرت في العام 2013، كان هناك تدفق واضح للروهينغا إلى خارج بورما بعد العام 1950 -وذلك كان الحال قبل الهجرة غير المسبوقة في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وبالإضافة إلى ذلك، ظلت نسبة السكان المسلمين في بورما في وضع مستقر عند حوالي 4 بالمائة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفق إحصاءات البلد نفسه.
ما تزال العبارة المجازية عن الإفراط في أعداد المسلمين قوية في أي مكان في العالم حيث يوجد مهاجرون مسلمون كثيرون أو أو أقلية سكانية منهم، من الهند إلى غربي أوروبا.
غالباً ما يعرب الهندوس القوميون عن القلق من نمو السكان المسلمين؛ فقد نمت نسبة المسلمين في الهند بنسبة قاربت 0.8 في المائة بين العامين 2001 و2011، وبلغت 14.2 في المائة. وفي العام الماضي، قال رئيس منظمة هندوسية قومية عن ذلك: “إذا ظل هذا الوضع على ما هو عليه، فسيترتب على المرء نسيان وجوده في بلده الخاص بحلول العام 2025”. لكن فجوة الخصوبة بين المسلمين والهندوس في الهند تضيق بسرعة؛ حيث توجد أكبر الفوارق في معدل الولادات بين الولايات وليس بين الأديان: لدى النساء الهندوسيات في ولاية بيهار الفقيرة جداً طفلان أكثر لكل امرأة مما لدى النساء مواطناتهن المسلمات في ولاية أندرا براديش الأكثر تقدماً.
تتردد أصداء مخاوف مشابهة في عبر بلدان مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا. وعلى الرغم من أن المسلمين يشكلون أقل من 10 بالمائة من إجمالي السكان في كل واحد من هذه البلدان، ما يزال الشعور بإفراط عدد السكان المسلمين واضحاً في مركز الخطاب المعادي للهجرة. ومع أن حوالي 7.5 بالمائة من سكان فرنسا من المسلمين، فإن الشعب الفرنسي يعتقد في المعدل بأن المسلمين يشكلون حوالي واحد من كل ثلاثة أشخاص في البلد. ومع أن لدى النساء المسلمات في أوروبا الغربية الآن أطفالاً أكثر من نظيراتهن من غير المسلمات، فإن البحث يظهر أن معدل الخصوبة لدى المسلمات الأوروبيات أصبح ينخفض هو الآخر بوتيرة أسرع. وتبعاً لذلك، فإن معدلات الخصوبة ستنخفض على الأرجح مع الوقت. (ومع ذلك، ليست الخصوبة هي الموضوع الوحيد في هذا السياق: كانت هناك موجة هجرة للمسلمين في الأعوام القليلة الماضية، والتي فاقمت مخاوف بعض الأوروبيين من النمو السكاني للمسلمين).
لماذا تسود هذه الخرافة عن الإفراط السكاني الإسلامي في مختلف أرجاء العالم، حتى على الرغم من أن هذه زيفها ظهر تقليدياً (كما في حالة في بورما)، أو أنها ليست في أي مكان قريب من المرض المزمن الذي يؤكده مروجو الخرافة (مثلما ما في أوروبا والهند)؟ صحيح أن السكان المسلمين على مستوى العالم يتزايدون وبسرعة، لكنهم لا يكثرون بالسرعة نفسها في كل المناطق. ويبدو أن العبارة المجازية عن فرط نموهم لا تستمد معظم قوته من المكان الذي ينمو فيه المسلمون بوتيرة أسرع ما تكون -وإنما في الأماكن حيث يكونون أقليات متمايزة ثقافياً.
لا يوجد أي شيء متأصل في الإسلام يربطه بالخصوبة الأعلى -وهو ليس، في الحقيقة ديناً مناصراً للولادة بشكل خاص. وهناك ثماني من أصل تسع مدارس كلاسيكية في الشريعة الإسلامية تبيح منع الحمل. ويعود نمو السكان المسلمين على مستوى العالم، وفق تقرير لمركز بيو صدر في العام 2011، إلى “انتفاخ شريحة الشباب” -وجود عدد كبير من الشباب المسلمين، والذي وصل ذروته حول العام 2000- بالإضافة إلى وجود معدل خصوبة كلية أعلى بين النساء المسلمات كمجموعة.
بالنسبة للنقطة الأخيرة، فإن جزءاً رئيسياً من تقرير بيو (بنسخته لهذا العام) يشير إلى أن الخصوبة لا تتأثر بالدين بقدر تأثرها بالاقتصادات والخدمات الاجتماعية وتمكين النساء والنزاعات. وكان معدل الخصوبة في عموم البلدان الـ49 ذات الأغلبية المسلمة قد هبط من 4.3 أطفال لكل امرأة في الأعوام ما بين 1990-1995، إلى حوالي 2.9 في الأعوام 2010-15. وما يزال هذا الرقم أعلى من معدل الخصوبة العالمي في العام 2015، لكنه يسجل هبوطاً سريعاً بشكل مدهش، على ضوء حقيقة أن بعض البلدان الأوروبية الغربية احتاجت تقريباً إلى قرن من الزمان للانتقال من ستة أطفال للمرأة الواحدة إلى ثلاثة أطفال.
يتبدد الادعاء عن الإفراط السكاني الإسلامي بطرق مدهشة عند فحصه عن قرب أكثر. وكان أسرع هبوط سجل في مسألة الخصوبة قد حدث في ثيوقراطية جمهورية إيران الإسلامية. ففي العام 1950، كان لكل امرأة إيرانية حوالي سبعة أطفال، واليوم لديها حوالي 1.68، أي أقل من النساء الأميركيات. فما الذي تغير؟ في العام 1989 أدرك قادة البلد أن معدل الولادة العالي كان يؤثر على الجمهورية الفتية. واستجابة لذلك، أصدر الزعيم الروحي فتاوى تشجع على الحد من النسل ومنع الحمل، وروجت وزارة الصحة حملة استشارة لتخطيط العائلة ومراكز صحة ريفية، ووزعت حبوب منع الحمل في عموم البلد. كما جعلت إيران من تعليم البنات أولوية تنموية عندما سعت إلى إعادة بناء المجتمع المدني بعد الحرب العراقية-الإيرانية التي وضعت أوزارها في العام 1988، بحيث أقبلت المزيد من الفتيات على الذهاب إلى المدرسة (ولو مع تفريق صارم بين الجنسين). وفي كل مكان، ثمة علاقة عكسية بين سنوات الدراسة ومعدلات الخصوبة.
جاءت خرافة الإفراط في عدد السكان المسلمين ببنتائج عكسية على مروجيها. ففي البلد الأكثر سكاناً بين الدول الإسلامية في العالم، إندونيسيا، هبطت معدلات الولادة بين الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي، من حوالي 5.6 أطفال لكل امرأة إلى 2.3، عندما أرست دكتاتورية سوهارتو (الرئيس الأندونيسي الأسبق) دعائم برنامج صارم ومركزي لتخطيط العائلة، وأدخل تحسينات على تعليم الفتيات. وأصبحت تلك الخدمات الحكومية لا مركزية بعد أن وصلت الديمقراطية إلى الأرخبيل في العام 1998 وارتفاع معدلات الخصوبة مرة أخرى، كما كان متوقعاً. واليوم، لدى المقاطعات الشرقية ذات الأغلبية المسيحية -لكنها أقل تطوراً- معدلات ولادة أعلى من المقاطعات الغربية ذات الأغلبية المسلمة والأكثر تطوراً.
لكن من غير المرجح أن هذه الأمور أو أي حقائق عن الديموغرافيات المتعلقة بالمسلمين سوف تغير التفكير في أي مكان. وفي تقرير ديموغرافي، يكتب نيكولاس برستادت وأبورفا شاه، الباحثان في معهد “إنتربرايز” الأميركي: “هناك فكرة محسوسة على نطاق واسع -والتي ما تزال تتبناها دوائر من المفكرين والأكاديميين والسياسيين في الغرب وأماكن أخرى– بأن المجتمعات المسلمة مقاومة بشكل خاص للانطلاق في مسيرة التغيير الديمغرافي والعائلي الذي حول حياة السكان في أوروبا وأميركا الشمالية ومناطق أخرى ‘أكثر تطوراً’”.
في أماكن مثل بورما، حيث أصبح الحديث عن الإفراط في عدد السكان المسلمين متجذراً بعمق، ربما يكون للحقائق حتى تأثير أقل. ويقول ساندر فان در ليندين، عالم النفس الاجتماعي في جامعة كمبردج: “إن تكرار التعرض هو عامل كبير في تقرير ‘لزومية’ المعلومات المضللة”. وأشار إلى أثر تكرار التعرض، حيث يتكون ميل إلى تطوير تفضيل للأشياء –لأننا نألفها ببساطة؛ أو تأثير الحقيقة الوهمية، حيث يتكون ميل إلى تصديق المعلومات لكثر عرضها. وقال: “يشير كلاهما إلى حقيقة أنه كلما تكرر أكثر عرض شيء زائف ما، أصبح من المرجح أكثر أن يصدقه الناس”. وأضاف أن القادة السياسيين استوعبوا هذه المفكرة منذ وقت طويل على مستوى حدسي. ولك أن تتأمل في قانون دعاية “الكذبة الكبيرة”؛ “إذا كذبت كذبة كبيرة وواصلت تكرارها، فإن الناس سوف يصدقونها في نهاية المطاف”. وقد شهدنا العديد من “الكذبات الكبيرة” وهي تتطاير بيننا في النقاشات الراهنة، والتي يستمر بعض الناس في تصديقها”. (بعد أن قرأت يضع مئات من القصص عن أزمة الروهينغا، كدتُ أكون واحدة منهم”.
بالإضافة إلى ذلك، في بورما، حيث عمر الوصول المفتوح إلى الإنترنت أقل من عقد، لا يتم تقييم محتوى الأخبار بشكل نقدي بالضرورة. وكما قال أحد المراقبين مؤخراً، بالنسبة للبورميين، فإن “كل الإنترنت فيسبوك، وفيسبوك هو الانترنت”. ولذلك هناك الكثير من الفرص لتكرار عرض الأخبار الزائفة المهيِّجة عن الروهينغا.
إن تداعيات خرافة الإفراط في السكان المسلمين مخيفة. كما أنها تعد قاتمة بطريقة تبعث على الحزن، لأن الخرافة تأتي بنتائج عكسية النتائج على مروجيها. وعلى ضوء الأساسيات الاقتصادية الاجتماعية للخصوبة، ربما يكون الإعدام المستهدف في بورما قد جعل من معدلات الولادة المرتفعة في الروهينغا نبوءة محققة للذات. وهناك القليل من العوامل التي تقلل بطريقة تتمتع بالمصداقية من معدل الخصوبة في أي بلد نامٍ؛ المزيد من التعليم للفتيات، وزيادة توقع نجاة الأطفال (بفضل الرعاية الصحية والتحرر من النزاع)، والوصول إلى وسائل منع الحمل وفرص النساء في العمل. ومن خلال حرمان نساء الروهينغا من كل هذه الأشياء، ربما يصنع الجيش البورمي نفس النتيجة التي يخشى منها أنصاره في المقام الأول.
*صحفية أميركية في أندونيسيا. تكتب عن التنمية والمساواة والعلاقات بين الأجناس والتنوع. تكتب لصحف “فوغ إنديا”، و”نيويورك تايمز” و”هارفارد لامبون”. تخرجت من جامعة هارفارد في العام 2015.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
The Muslim Overpopulation Myth That Just Won’t Die
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 24/11/2017

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى