تقرير مترجم عن أراب ويكلي – ثمة طريق واحد فقط أمام الفلسطينيين .. النضال غير العنيف
أراب ويكلي – راشمي روشان لال* – 18/12/2017
أكتب هذا المقال من العاصمة الهندية نيودلهي؛ حيث ثمة نُصب ضخم يتكون من تماثيل لأحد عشر شخصاً، والذي ربما يكون أوضح إشارة إلى أن الفلسطينيين يستطيعون أن يقاتلوا نظاماً جباراً وأن يأملوا بأن يكسبوا.
يحيي النصب ذكرى بداية النضال غير العنيف الذي خاضه المهاتما غاندي ضد الإمبراطورية البريطانية بالغة القوة. وتصور التماثيل “مسيرة الملح” التي كان غاندي قد بدأها لتحدي على القانون البريطاني الظالم بعمق، والذي أجبر الهنود على شراء الملح بأسعار باهظة من الحكومة الاستعمارية، ومنعهم من جني ملحهم الخاص.
وكان من شأن ذلك العمل المفرد من العصيان إطلاق حملة هائلة للعصيان، والتي عمت عموم الهند. وقد تمكنت تلك الحملة من المقاومة السلمية غير المتوقفة للاحتلال، من إجبار القوة العالمية المهيمنة في ذلك الحين على الخضوع لمطالب المحتجين وتحرير الهند.
لا يمكن أن يكون هناك قالب أكثر قوة للقضية الفلسطينية من هذا، الآن وقد تخلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى عن التظاهر بالنزاهة في موضوع الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وتجاهل ترامب القانون الدولي واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وبذلك، تكون الولايات المتحدة؛ الدولة الأغنى والأقوى عسكرياً في العالم كله، قد رمت بثقلها خلف الإسرائيليين الظالمين للشعب الفلسطيني. وكان للقرار أثر الهجوم غير العسكري الذي يكسب حرباً، والذي ترك النضال الفلسطيني الطويل من أجل تحقيق العدالة بلا يقين؛ إذ كيف يمكنك أن تناضل من أجل شيء تم منحه لآخرين؟
من الصعوبة بمكان التقليل من شأن الضربة التي وجهت للفلسطينيين. وليس لأنهم انطووا على آمال بأن تكون الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب وسيطاً لتحقيق سلام عادل وقابل للحياة فحسب، وإنما لأنها أضفت الشرعية على كل إهانة تعرض لها الفلسطينيون وجعلت من المقبول أن تزيد إسرائيل من استعمارها للأرض لبناء المستوطنات اليهودية.
وفي هذه اللحظة التي ربما تكون الأكثر سواداً بالنسبة للقضية الفلسطينية، يمكن أن يأتي النور والأمل فقط عن طريق تعبئة سلمية استراتيجية جديدة، على غرار مسيرة الملح التي كان قد نظمها غاندي ضد البريطانيين. يجب أن يخرج الآلاف من أشباه غاندي. ويجب أن تتخذ الآلاف من أمثال روزا باركس موقفاً.
وكانت روزا باركس، الحائكة سوداء البشرة وناشطة الحقوق الإنسانية، هي التي قدحت زناد حركة الحقوق المدنية الأميركية ضد التفرقة العنصرية عندما رفضت في يوم من أيام كانون الأول (ديسمبر) من العام 1955 التنازل عن مقعدها في الحافلة التي كانت تستقلها لصالح امرأة بيضاء. وكتبت لاحقاً في سيرتها الذاتية: “لم أكن متعبة جسدياً. كلا، كان التعب الوحيد الذي أحسست به هو تعب الاستسلام”.
يجب على مئات الآلاف من الفلسطينيين من أمثال غاندي وباركس أن يقفوا الآن، وأن يجلسوا، و-أن يسيروا في مسيرات- على أساس المبدأ، وأن يعرضوا نضالهم على أنه معركة مزدوجة بين الصواب والخطأ. وإذا تبنى الفلسطينيون المقاومة السلمية وتمسكوا بها، فسوف يضع النضال قوى غير متساوية فيزيائياً، لكنها أقوى بكثير من الناحية النفسية ضد بعضها بعضاً. وسوف تعمد إسرائيل، القوة القمعية الوحشية المدعومة من الولايات المتحدة، إلى محاربة الفلسطينيين حتى بينما يعرضون أطروحة أخلاقية وسلمية ضد الظلم.
وبالإضافة إلى ذلك، وكما قالت إريكا تشينويث وماريا ستيفان في كتابهما المعنون “لماذا تعمل المقاومة المدنية”، فإن هناك منطقاً استراتيجياً في الاحتجاج السلمي. وقد حللت الكاتبتان 323 حركة تمرد رئيسية منذ العام 1900 من أجل تقرير المصير والحكم الديمقراطي، ووجدتا أن المقاومة العنيفة نجحت بنسبة 26 % من الوقت، بينما كانت الحملات غير العنيفة ناجحة بنسبة الضعف تقريباً.
وإذن، هل يستطيع الفلسطينيون فعل ذلك؟ وبشكل أكثر دقة، هل سيفعلونه؟
يشير الرافضون إلى أن لطريقة الكفاح غير العنيف قبولا قليلا، بل وحتى سجل أقل في العالم العربي، لكنها كانت التمردات غير المسلحة هي التي أفضت إلى الإطاحة بحكام مستبدين -زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر- في العام 2011.
يقول شبلي ملاط، المحامي اللبناني، والأستاذ الجامعي الأميركي ومؤلف كتاب “فلسفة اللاعنف: الثورة والدستورية والعدالة فيما وراء الشرق الأوسط” إن من المدهش “أن المنطقة التي ربما تكون الأكثر عنفاً في العالم، منطقة الشرق الأوسط، كانت قادرة على الاحتشاد حول فلسفة اللاعنف، في تغير تاريخي في العام 2011”.
ويصر ستيفان زونيس، الأستاذ في جامعة سان فرانسيسكو والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط، على أن “هناك تاريخاً طويلاً من المقاومة غير العنيفة في الشرق الأوسط”. ويعرض قائمة للاحتجاجات غير العنيفة الناجحة عموماً في المنطقة، بما فيها نضال مصر في العام 1919 (ثورة عرابي) من أجل نيل الاستقلال من الاستعمار البريطاني؛ وثورة الأرز في لبنان التي أنهت الهيمنة السورية؛ وتمرد السودان على الدكتاتوريتين العسكريتين في العامين 1964 و1985؛ وإضراب التبغ في تسعينيات القرن التاسع عشر في إيران؛ والثورة الدستورية في إيران في العام 1906 أيضاً والإطاحة بشاه إيران في العام 1979.
ويعيد زيونيس إلى أذهاننا أن الفلسطينيين أنفسهم استخدموا التعبيئة غير العنيفة كاستراتيجية حين نظموا إضراباً عاماً في ثلاثينيات القرن العشرين؛ والانتفاضة الأولى في العام 1987، “والمزيد من الحملات الأحدث ضد جدار الفصل العنصري الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية”.
ويجب عليهم أن يفعلوا كذلك مرة أخرى الآن إلى أن يحصلوا على العدالة والسلام. ويجب عليهم المضي قدماً رافعين عالياً سلاح الحقيقة.
*كاتبة عمود منتظمة لموقع “أراب ويكلي”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
There is Only One Course for the Palestinians-Non-Violence
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 4/1/2018